المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

علي راية الهدى وأمام التقى (عليه السلام)
29-01-2015
المؤسسات العامة للاتحاد الأوروبي - البرلمان الأوروبي
2-1-2021
Lead(IV) Acetate
25-1-2019
سكان الشرق الأوسط
3-5-2017
Argument structure and morphology
24-1-2022
اشتراط العدد في صلاة الجماعة
4-12-2015


متطلّبات عصر الإمام الهادي ( عليه السّلام )  
  
1172   02:08 صباحاً   التاريخ: 2023-04-18
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 12، ص 133-143
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن محمد الهادي / قضايا عامة /

بعد أن عرفنا المهمّ من ملامح عصر الإمام الهادي ( عليه السّلام ) نستطيع الآن أن نقف على متطلّبات عصره .

إنّ الإمام علي بن محمد الهادي ( عليه السّلام ) قد تولّى الإمامة بعد استشهاد أبيه الجواد ( عليه السّلام ) سنة ( 220 ه ) وهو لمّا يبلغ الحلم إذ لم يتعدّ عمره الثامنة - على أكبر الفروض - فهو قد شابه أباه الجواد ( عليه السّلام ) في تولّي الإمامة في سنّ مبكّرة .

وقد كان لتولّي الإمام الجواد ( عليه السّلام ) الإمامة في سنّ مبكّرة بعد استشهاد أبيه الرضا ( عليه السّلام ) مغزى ديني ودلالات وآثار سياسية واجتماعية عديدة ، وإليك جملة منها :

الدلالة الأولى :

أن أهل البيت ( عليهم السّلام ) قد أضافوا دليلا حسّيا جديدا بعد الأدلة العقائدية التي تمثلت في النصوص النبويّة أولا والواقع العملي الذي جسّد جدارتهم لتولّي شؤون المسلمين وقيادة العالم الإسلامي فكريا وعمليّا .

والأئمة بعد استشهاد الحسين ( عليه السّلام ) قد اتّجهوا لتربية الأجيال الطليعية ليحصّنوا الأمة الإسلامية من تبعات التلاقح الفكري أو الاختراق الثقافي الذي حصل من الانفتاح على ثقافات جديدة بعد الفتوح .

وقد عادت الهمينة الفكرية والريادة العلمية لأهل البيت ( عليهم السّلام ) بالرغم من التخطيط الذي كان من ورائه الأمويون ومن سار في خطّهم لإعادة الجاهلية بكل مظاهرها إلى الحياة الإسلامية الجديدة .

فالإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) وابنه الباقر ( عليه السّلام ) الذي عرف بأنه يبقر العلم بقرا وحفيده جعفر الصادق ( عليه السّلام ) الذي دانت له أرباب المذاهب الأربعة ومن سواهم بالمرجعية العلمية والروحية في أرجاء العالم الإسلامي . قد أثبتوا بشكل عملي وحسّي جدارة أهل البيت ( عليهم السّلام ) للريادة الفكرية التي هي روح الريادة الاجتماعية والسياسية إلى جانب نص الرسول على أنهم الخلفاء الحقيقيون له .

واستمرّ هذا الخط الريادي في عصري الإمامين الكاظم والرضا ( عليهما السّلام ) وأفرز آثاره الاجتماعية والسياسية حيث هيمن حبّ أهل البيت ( عليهم السّلام ) على قلوب المسلمين من جديد وراحوا يشيدون بهم وبمثلهم وعلوّ منزلتهم في الحياة الإسلامية ، وانعكس هذا الأمر على الحكّام انعكاسا لا يطاق فلم يتحمّل هارون الرشيد وجود الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) إذ اعتبره منافسا حقيقيا له حتى قضى عليه بعد سجنه مسموما شهيدا .

كما لم يتحمّل ابنه المأمون الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) كذلك بالرغم من تغييره لسياسة أسلافه حيث حاول احتواءه وتجديد نشاطه بشكل ذكي ثم جدّ في اطفاء نوره بما أجراه من الحوارات والتحدّيات العلمية الصعبة بعد أن أيس من سلب ثقة الناس منه بفرض ولاية العهد عليه إذ كان قد خطط لإظهاره بمظهر الإنسان الحريص على الملك وحب الدنيا الذي كان هو شأن عامة الملوك من بني أمية وبني العباس .

وبعد اليأس من نجاح آخر محاولات التسقيط بادر إلى تصفيته جسديا ليقضي على أكبر منافس له . فإن الإمام الرضا ( عليه السّلام ) كان يرى هو وكثير من المسلمين بأن المأمون لا يستحق الخلافة وإنّما هي رداء ألبسه اللّه من اصطفاه من عباده وهم أهل بيت الرحمة والرسالة .

فالمأمون يفتقد الرصيد الشرعي والشعبي بينما الإمام الرضا ( عليه السّلام ) ولا سيما بعد فرض ولاية العهد عليه لم يسقط من القلوب ، بل قد تألّق نجمه فهو يحظى بالرصيدين الشرعي والشعبي أكثر من ذي قبل ولا سيما بعد الحوارات العلمية التي أجريت معه .

إنّ نقاط القوة التي كان يفتقدها المأمون رغم ذكائه وحنكته السياسية ، قد سوّلت له وجرّته إلى اغتيال الإمام الرضا ( عليه السّلام ) .

وهنا جاءت إمامة الجواد ( عليه السّلام ) المبكّرة لتضفي رقما جديدا ودليلا واضحا وقويا آخر على جدارة أهل البيت ( عليهم السّلام ) للقيادة الإسلامية يلمسه عامّة المسلمين بما فيهم الحكام . وشكّلت هذه الإمامة تحديا صارخا لا يمكن غضّ الطرف عنه ولا يمكن مواجهته بأي شكل من الاشكال ، فقد عرّض المأمون الإمام الجواد ( عليه السّلام ) لأصناف الحوارات والتحديات العلمية وأيقن بعجزه عن مواجهته ، ولكنه كان لا يملك أيّ عذر للقضاء عليه .

ولكنّ المعتصم قد دنّس يديه بهذه الجريمة البشعة التي قضت على الإمام الجواد وهو في عمر الزهور حيث لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره ولم تدم أيّام إمامته سوى سبع عشرة سنة .

والقضاء على الإمام الجواد ( عليه السّلام ) في هذه الظروف كاشف عن مدى عمق الهيمنة الروحية والعلمية للإمام الجواد ( عليه السّلام ) وهو عميد أهل البيت وكبيرهم روحيا وعلميا وقياديا حيث طأطأ لعظمة علماء الطائفة وتعلّقت به قلوب شيعته ومحبّيه فضلا عن قلوب من سواهم ودانت له بالولاء أعداد غفيرة من المسلمين .

وإلّا فلماذا هذا التسرع في القضاء عليه وهو لم يحاول القيام بأية حركة أو ثورة ضد النظام الحاكم ؟ !

وقد جاءت الإمامة المبكرة للإمام الهادي ( عليه السّلام ) في هذا الظرف وبعد هذه التحديات وإفرازاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية . فهل نصدق بأنّ الحكّام بعد المعتصم ، وبعد ما رأوه من هذه الهيمنة الروحية والعلمية لأهل البيت ( عليهم السّلام ) على الساحة الإسلامية - سوف يتركونهم أحرارا وهم المتقمّصون لرداء خلافة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) والموقع القيادي لأهل البيت ( عليهم السّلام ) الذين قد اشتهر عنهم وعن جدّهم أنهم المنصوبون لهذا الموقع الديني والسياسي بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ؟

 

وقد أثبتوا جدارتهم العلمية والفكرية والروحية لتولّي قيادة الأمر وإدارة شؤون المسلمين وهيمنوا على قلوب الناس وعقولهم ؟

إنّ هذه النقطة تشكّل مفرق طريق واضح بين خطين خطّ الحاكمين وخط أهل البيت ( عليهم السّلام ) .

ولم يرتدع هؤلاء الحكام عمّا سلف عليه آباؤهم من مقارعة من ينافسهم وهم يرون وجود المنافس الحقيقي لهم حتى وهو لم يبادر إلى الثورة ضدّهم ، ولم يثبت لديهم أنّهم وراء الانتفاضات التي كانت تنطلق بين آونة وأخرى .

فما هو المخرج في رأيهم وبحسب مقاييسهم ؟

وكما علمنا سابقا ، أن الإمام الهادي ( عليه السّلام ) في كل مراحل حياته التي قضاها في مدينة جدّه أو في سامراء كانت تحت رقابة شديدة ، وقد جرّعوه ما استطاعوا من الغصص التي كانت تتمثل في محاولات الاحتواء تارة والتسقيط العلمي تارة أخرى ثم التحجيم بشتى أشكاله التي تمثّلت في الاستدعاء والتحقير والرقابة المكثّفة والسجن ومحاولات الاغتيال المتكررة خلال ثلاثة عقود ونصف تقريبا من سنّي عمره المبارك .

فما الذي كان ينتظره الإمام ( عليه السّلام ) من هؤلاء الحكّام في هذا الظرف ومع هذه المحاسبات ؟ وما الذي كان ينبغي له أن يقوم به والفرص التي بين يديه محدودة جدّا وهي تمر مرّ السحاب ؟

فعلى ضوء هذه الحقائق لا بد أن نبحث عن متطلّبات المرحلة في كلا الحقلين - كما سيأتي بيانه - .

الدلالة الثانية :

إنّ إمامة الجواد ( عليه السّلام ) المبكّرة والتي تلتها إمامة ولده الهادي المبكّرة أيضا ذات علاقة وطيدة بقضية الإمام المهدي المنتظر الذي سيتولى الإمامة في ظرف عصيب جدا وعمره دون عمر هذين الإمامين ( عليهما السّلام ) ، كما أخبر بذلك الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) والأئمة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) .

إنّ التمهيد الذي قام به الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) - تبعا للقرآن الكريم - بالنسبة لقضية المصلح الإسلامي العالمي والتصريح بأنه سيولد من أبناء الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) من فاطمة وعلي ( عليهما السّلام ) وانّه التاسع من أبناء الحسين الشهيد ، كان ضرورة اسلامية تفرضها العقيدة لأنها نقطة إشعاع ومركز الأمل الكبير للمسلمين في أحلك الظروف الظالمة التي سيمرّون بها ، وقد أيّدت الظروف التي حلّت بالمسلمين بعد وفاته ( صلّى اللّه عليه واله ) هذه الأخبار السابقة لأوانها .

إنّ هذا التمهيد النبوي الواسع قد بلغت نصوصه - لدى الفريقين - ما يزيد على ال ( 500 ) نص حول حتمية ظهور المهدي ( عليه السّلام ) وولادته وغيبته وظهوره وعلائم ظهوره وعدله وحكمه الإسلامي النموذجي .

وقد سار على درب الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الأئمة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) خلال قرنين - وعملوا على تأكيد هذا الأصل وتأييده وإقراره في النفوس وجعله معلما من معالم عقيدة المسلمين فضلا عن الموالين لأهل البيت ( عليهم السّلام ) وأتباعهم . وقد زرع هذا المبدأ ألغاما تهدّد الظالمين بالخطر وتنذرهم بالفناء والقضاء عليهم وعلى خطّهم المنحرف ، فهو مصدر اشعاع لعامة المسلمين كما أنه مصدر رعب للظالمين المتحكمين في رقاب المسلمين .

ولو لم يصدر من أهل البيت ( عليهم السّلام ) إلّا التأكيد على هذا المبدأ فقط - وإن لم يمارسوا أي نشاط سياسي ملحوظ - لكان هذا كافيا في نظر الحكّام للقضاء عليهم ما دام هذا المبدأ يقضّ مضاجعهم .

ولكن اضطرارهم لمراعاة الرأي العام الإسلامي حال بينهم وبين ما يشتهونه ويخطّطون ضد أهل البيت ( عليهم السّلام ) فكانت إرادة اللّه تفوق ارادتهم .

غير أنهم لم يتركوا التخطيط للقضاء على أهل بيت الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) .

فعن الحسين أشاعوا أنه قد خرج على دين جدّه وهو الذي كان يطلب الاصلاح في أمة جده .

والإمام الكاظم ( عليه السّلام ) - ومن سبقه - قد اتّهم بأنه يجبى له الخراج وهو يخطط للثورة على السلطان .

والإمام الرضا والجواد ( عليهما السّلام ) قد قضي عليهما بشكل ماكر وخبيث بالرغم من علم المأمون بأنه المتهم في اغتيال الرضا ( عليه السّلام ) والمعتصم قد وظّف ابنة المأمون لارتكاب جريمة الاغتيال .

إذن كان التمهيد النبوي لقضية الإمام المهدي الإسلامية يشكّل نقطة أساسية ومعلما لا يمكن تجاوزه ، حرصا على مستقبل الأمة الإسلامية التي قدّر لها أن تكون أمة شاهدة وأمة وسطا يفيء إليها الغالي ويرجع إليها التالي حتى ترفرف راية ( لا إله إلّا اللّه محمد رسول اللّه ) على ربوع الأرض ويظهر دينه الحق على الدين كله ولو كره الكافرون .

وقد ضحى أهل البيت ( عليهم السّلام ) لهذا المبدأ القرآني الذي بيّنه الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) واعتمده أهل البيت ( عليهم السّلام ) كخط عام وعملوا على تثبيته في نفوس المسلمين .

ويشهد لذلك ما ألّفه العلماء من كتب الملاحم التي اهتمّت بقضية الإمام المهدي ( عليه السّلام ) في القرنين الأول والثاني الهجريين بشكل ملفت للنظر .

فالإمام المهدي ( عليه السّلام ) قبل ولادته بأكثر من قرنين كان قد تلألأ اسمه وتناقلت الرواة أهدافه وخصائصه ونسبه وكل ما يمتّ إلى ثورته الإسلامية بصلة .

واستمر التبليغ لذلك طوال قرنين ونصف قرن من الزمن . والمسلمون يسمعون كل ذلك ويتناقلون نصوصه جيلا بعد جيل بل يعكفون على ضبطه والتأليف المستقل بشأنه .

والمتيقن أن عصر الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السّلام ) ومن تلاهما من الأئمة ( عليهم السّلام ) قد حفل بهذا التأكيد . فقد أحصيت نصوص الإمام الصادق ( عليه السّلام ) بشأن المهدي فناهزت ال ( 300 ) نصا . واستمر التأكيد على ذلك خلال العقود التي تلته .

فما هي إفرازات هذا الواقع الذي ذكرناه من الناحيتين السياسية والاجتماعية ؟ وما هي النتائج المتوقعة لمثل هذه القضية التي لا بد من إقرارها في نفوس المسلمين ؟

وهنا نصّ جدير بالدراسة والتأمّل قد وصلنا من الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) في هذا الشأن بالخصوص وفيه تأييده لهذه الحقيقة الكبرى .

« قال أبو محمد بن شاذان - عليه الرحمة - حدّثنا أبو عبد اللّه بن الحسين ابن سعد الكاتب ( رضى اللّه عنه ) قال أبو محمد ( عليه السّلام ) : قد وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلّتين : إحداهما : أنّهم كانوا يعلمون ( انّ ) ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا إيّاها وتستقرّ في مركزها . وثانيهما : انّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة الظلمة على يد القائم منّا ، وكانوا لا يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى منع تولد القائم ( عليه السّلام ) أو قتله ، فأبى اللّه أن يكشف أمره لواحد منهم إلّا أن يتم نوره ولو كره المشركون »[1].

ومن هنا نفهم السرّ في تسرّع الحكّام للقضاء على الثلث الأخير من أئمة أهل البيت الاثني عشر ( عليهم السّلام ) .

كما نفهم السرّ في تشديد الرقابة على تصرّفاتهم حتى قاموا بزرع العيون في داخل بيوتهم واستعانوا بشكل مكثّف بالعنصر النسوي لتحقيق هذه المراقبة الدقيقة والشاملة .

كما أننا يمكن أن نكتشف السّر في أن الأئمة بعد الإمام الصادق ( عليه السّلام ) لماذا لم يولدوا من نساء هاشميات يشار إليهنّ بالبنان ؟ بل ولدوا من إماء

طاهرات عفيفات مصطفاة ، فلم يكن هناك زواج رسمي وعلني وعليه فلا يكون الإمام المولود ملفتا للنظر سوى للخواص والمعتمدين من أصحاب أهل البيت ( عليهم السّلام ) .

وحين كان يقوم الإمام السابق بالتمهيد لإمامته وطرح اسمه على الساحة بالتدريج ، حينئذ كان ينتبه الحكام لذلك وربما كانت تفوت عليهم الفرص لاغتياله والقضاء عليه .

ولهذا حين كان يشار إليه بالبنان وتتوجه إليه القلوب والنفوس كانت الدوائر الحاقدة تبدأ بالكيد له باستمرار .

قال أيوب بن نوح ، قلت للرضا ( عليه السّلام ) : نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وإن يردّه اللّه إليك من غير سيف فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك ، فقال :

ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت إليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلّا اعتلّ ومات على فراشه حتى يبعث اللّه عزّ وجل لهذا الأمر رجلا خفيّ المولد والمنشأ حتى خفي في نفسه[2].

فالإمام الكاظم والإمام الرضا ( عليه السّلام ) قد استشهدا وهما في الخامسة والخمسين من عمرهما بينما الإمام الجواد ( عليه السّلام ) قد استشهد وهو في الخامسة والعشرين من عمره من دون أن يكون كل واحد منهم قد أصيب بمرض يوجب موته ، بل كانوا أصحّاء بحيث كانت صحتهم وسلامتهم الجسمية مثارا لاتّهام الحكّام الحاقدين عليهم .

إذن فالإمام الجواد ( عليه السّلام ) بإمامته المبكّرة التي أصبحت حدثا فريدا تتناقله الألسن سواء بين الأحبة أو الأعداء قد ضرب الرقم القياسي في القيادة الربّانية وذكّر الأمة بما كانت قد سمعته من إخبار القرآن الكريم بأن اللّه قد آتى كلا من يحيى وعيسى الكتاب والحكم والنبوة في مرحلة الصبا .

بل لمست ذلك بكل وجودها وهي ترى طفلا لا يتجاوز العقد الواحد وإذا به يهيمن على عقول وقلوب الملايين .

وفي هذا نوع إعداد لإمامة من يليه من الأئمة ( عليهم السّلام ) الذين يتولّون الإمامة وهم في مرحلة الصبا خلافا لما اعتاده الناس في الحياة .

وقد كانت إمامة ابنه الهادي ( عليه السّلام ) ثاني مصداق لهذا الحدث الفريد الذي سوف لا يكون في تلك الغرابة بل سوف يعطي للخط الرسالي لأهل البيت ( عليهم السّلام ) زخما جديدا وفاعلية كبيرة إذ يحظى أتباعهم بمثل هذه النماذج الفريدة من أئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) .

والإمام المهدي الذي كان يتمّ التمهيد لولادته وإمامته رغم مراقبة الطغاة وترقّبهم لذلك ، كان المصداق الثالث للإمامة المبكّرة ، فلا غرابة في ذلك بعد استيناس الأمة بنموذجين من هذا النوع من الإمامة ، على الصعيد الإسلامي العام وعلى الصعيد الشيعي الخاص .

من هنا كان الظرف الذي يحيط بالإمام الهادي ( عليه السّلام ) ظرفا انتقاليا من مرحلة الإمامة الظاهرة إلى الإمامة الغائبة التي يراد لها أن تدبّر الأمر ومن وراء الستار ويراد للأمة أن تنفتح على هذا الإمام وتعتقد به وتتفاعل معه رغم حراجة الظروف .

فهو الظرف الوحيد لأعداد الأمة لاستقبال الظرف الجديد . ولا سيّما إذا عرفنا أن الإمام الهادي هو السابع من تسعة أئمة من أبناء الحسين ، والمهدي الموعود هو التاسع منهم وهو الذي مهّد لولادة حفيده من خلال ما خطط له من زواج خاص لولده الحسن العسكري دون أي اعلان عن ذلك ، فلا توجد إلّا مسافة زمنية قصيرة جدا ينبغي له اغتنامها للإعداد اللازم والشامل .

إذن ما أقلّ الفرص المتاحة للإمام الهادي ( عليه السّلام ) للقيام بهذا العبء الثقيل حيث إنه لا بد له أن يجمع بين الدقة والحذر من جهة والابلاغ العام ليفوّت الفرص على الحكّام ويعمّق للأمة مفهوم الانتظار والاستعداد للظهور والنهوض بوجه الظالمين . ولا أقل من إتمام الحجة على المسلمين ولو بواسطة المخلصين من أتباعه ( عليه السّلام ) .

ومن هنا كان على الإمام الهادي ( عليه السّلام ) تحقيقا للأهداف الكبرى أن يتجنب كل إثارة أو سوء ظن قد يوجه له من قبل الحكّام المتربّصين له ولأبنائه من أجل أن يقوم بانجاز الدور المرتقب منه . وهو تحقيق همزة الوصل الحقيقية بين ما حقّقه الأئمة الطاهرون من آبائه الكرام وما سوف ينبغي تحقيقه بواسطة ابنه وحفيده ( عليهما السّلام ) ، ولهذا لم يمهل الإمام الحسن العسكري سوى ست سنين فقط وهي أقصر عمر للإمامة في تاريخ أهل البيت ( عليهم السّلام ) إذ دامت إمامة الإمام علي ( عليه السّلام ) ثلاثين سنة والإمام الحسن السبط عشر سنين والإمام الحسين عشرين سنة والإمام زين العابدين خمسا أو أربعا وثلاثين سنة . والإمام الباقر تسع عشرة سنة والإمام الصادق أربعا وثلاثين سنة والإمام الكاظم خمسا وثلاثين سنة والإمام الرضا عشرين سنة والإمام الجواد رغم قصر عمره كانت إمامته سبع عشرة سنة والإمام الهادي أربعا وثلاثين سنة .

وتأتي في هذا السياق كل الاجراءات التي قام بها الإمام الهادي ( عليه السّلام ) من الحضور الرتيب في دار الخلافة وما حظي به من مقام رفيع عند جميع الأصناف والطبقات بدء بالأمراء والوزراء وقادة الجيش والكتّاب وعامة المرتبطين بالبلاط كما سوف يأتي توضيحه فيما بعد ان شاء اللّه تعالى وهكذا كل ما قام به بالنسبة للجماعة الصالحة التي سوف نفصّل الحديث عنها في فصل لا حق إن شاء اللّه تعالى .

 


[1] منتخب الأثر : 359 ط ثانية عن أربعين الخاتون آبادي ( كشف الحق ) .

[2] كمال الدين : 354 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.