أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-1-2022
3284
التاريخ: 26-03-2015
25702
التاريخ: 14-9-2020
59815
التاريخ: 25-03-2015
3358
|
التشبيه
عبارة عن العقد على أن أحد الشيئين يسد مسد الآخر في حال أو عقد، هكذا حد الرماني،
وهذا هو التشبيه العام الذي يدخل تحته التشبيه البليغ وغيره، ثم إن الرماني بعد
حده قال: والتشبيه تشبيهان: تشبيه شيئين متفقين بأنفسهما كتشبيه الجوهر بالجوهر،
كقولك: ماء النيل مثل ماء الفرات، وتشبيه العرض بالعرض كقولك: حمرة الخد كحمرة
الورد، وتشبيه الجسم بالجسم كقولك: الزبرجد مثل الزمرد، وتشبيه شيئين مختلفين
بالذات يجمعهما معنى مشترك بينهما: كقولك، حاتم كالغمام، وعنترة كالضرغام،
والتشبيه المتفق تشبيه حقيقة، والتشبيه المختلف تشبيه مجاز للمبالغة.
وحد
التشبيه البليغ إخراج الأغمض إلى الأظهر بالتشبيه مع حسن التأليف، ووقوع حن البيان
فيه على وجوه، منها: إخراج ما لا تقع عليه الحاسة كقوله تعالى: وَالَّذِينَ
كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ
يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
فهذا بيان إخراج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه الحاسة، وقد اجتمعا في
بطلان التوهم مع شدة الحاجة، ولو قيل: يحسبه الرائي ماء لكان بليغاً، وأبلغ منه
لفظ القرآن لأن الظمآن أشد حرصاً عليه، وأكثر تعلق قلب به، وتشبيه أعمال الكفار
بالسراب من أحسن التشبيه، فكيف تضمن مع ذلك حسن النظم وعذوبة الألفاظ وصحة
الدلالة.
ومنها
إخراج ما لم تجربه العادة إلى ما جرت به العادة، كقوله تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وهذا بيان قد
أخرج ما لم تجر به العادة إلى ما جرت به العادة، وقد اجتمعا في معنى الارتفاع في
الصورة.
ومنها
إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة، كقوله تعالى: وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وهذا بيان قد أخرج ما لا يعلم
بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة، وقد اجتمعا في العظم وحصل من ذلك الوصف التشويق
إلى الجنة بحسن الصفة وإفراط السعة.
ومنها
إخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة في الصفة، كقوله تعالى: وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ وهذا بيان
قد أخرج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة في الصفة، وقد اجتمعا في العظم إلا
أن الجبال أعظم، وفي ذلك العبرة من جهة القدرة فيما سخر الله من الفلك الجارية على
الماء مع عظمها ولطفه، وما في ذلك من الانتفاع بحملها الأثقال، وقطعها الأقطار
البعيدة في المسافة القريبة.
ومنها
إخراج الكلام بالتشبيه مخرج الإنكار كقوله تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وهذا إنكار على من جعل حرمة الجماد كحرمة
من آمن بالله، وفي ذلك أوفى دلالة على تعظيم حال المؤمن بالإيمان، وأنه لا يساوي
به مخلوق ليس على صفته بالقياس.
واعلم
أن الشيء لا يشبه بنفسه ولا بغيره من كل وجه، فإن الشيئين إذا تشابها من جميع
الجهات اتحدا، ولا يشبه الشيء بما هو دونه في الصفة الجامعة بينهما.
والتشبيه
الصناعي على ضربين: تشبيه بأداة، وتشبيه بغير أداة وفائدته قرب المشبه من المشبه
به.
وأدوات
التشبيه خمسة: الكاف، وكأن، وشبه؛ ومثل، والمصدر، بتقدير الأداة. وفي المصادر ما
لا يمكن تقدير الأداة فيه كقول الشاعر [بسيط]:
فإنما
هي إقبال وإدبار
أي
ذات إقبال وذات إدبار.
وفي
التشبيه نوع آخر لا بد من تقدير الأداة فيه كقوله تعالى: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وهو من غير القسمين أعني قسمي المصادر
فالذي بالأداة قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ وكقول امرئ القيس [طويل]:
مهفهفة
بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسجنجل
والذي
بغير أداة كقوله سبحانه: وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ
السَّحَابِ وكقول حسان [كامل]:
بزجاجة
رقصت بما في قعرها ... رقص القلوص براكب مستعجل
وكل
ضرب من هذين الضربين مقسم تسعة أقسام: وهذه الأقسام على ضربين أيضاً: ضرب متحد،
وضرب متعدد، فالمتحد ينقسم وفق عدد أدوات التشبيه الخمس من تشبيه شيء بشيء، إلى
تشبيه شيء بخمسة أشياء. والمتعدد أربعة أقسام: من تشبيه شيئين بشيئين، إلى تشبيه
خمسة بخمسة، فشاهد تشبيه شيء بشيء قول امرئ القيس [طويل]:
وجيد
كجيد الرئم ليس بفاحش ... إذا هي نصته ولا بمعطل
وشاهد
تشبيه شيء واحد بشيئين قوله أيضاً [طويل]:
وتعطو
برخص غير شثن كأنه ... أساريع رمل أو مساويك إسحل
وشاهد
تشبيه شيء واحد بثلاثة أشياء قول البحتري [سريع]:
كأنما
يبسم عن لؤلؤ ... منضد أو برد أو أقاح
وتشبيه
شيء واحد بأربعة أشياء قول امرئ القيس [متقارب]:
كأن
المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامى ونشر القطر
يعل
به برد أنيابها ... إذا غرد الطائر المستحر
وتشبيه
شيء واحد بخمسة أشياء مثل قول الحريري [بسيط]:
يفتر
عن لؤلؤ رطب وعن برد ... وعن أقاح وعن طلح وعن حبب
وأما
تشبيه شيئين بشيئين من المتعدد فكقول امرئ القيس [طويل]:
كأن
قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدي وكرها العناب والحشف
البالي
وتشبيه
ثلاثة بثلاثة قول ابن المعلى [مجتث]:
ليل
وبدر وغصن ... شعر ووجه وقد
خمر ودر
وورد ... ريق وثغر وخد
وتشبيه
أربعة بأربعة قول امرئ القيس [طويل]:
له
أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
ولقد
غير أبو نواس في وجهه حيث قال [سريع]:
تبكي
فتذري الطل من نرجس ... وتمسح الورد بعناب
فإن
بيته أخصر وزناً وأبهر حسناً وأقصر معنى.
وشاهد
خمسة بخمسة قول أبي الفرج الوأواء [بسيط]:
فأمطرت
لؤلؤاً من نرجس فسقت ... ورداً وعضت على العناب بالبرد
وعندي
أن بيت الوأواء هو عين بيت أبي نواس وإنما حصلت فيه زيادة التشبيه لاتساع وزنه،
فثبت الفضل لبيت أبي نواس بالسبق إلى نفس المعنى ونفس التشبيه.
واعلم
أن زيادة التشبيه بما زاد في بيت أبي الفرج الوأواء عن اللفظ لاتساع الوزن.
ومن
التشبيه نوعان آخران أحدهما تكون أدواته أفعال الظن واليقين كقولك: حسبت زيداً في
جرأته الأسد، وعمراً في جوده الغمام والجارية في حسنها القمر، فحاصل ذلك تشبيه الجريء
بالأسد، والجواد بالغمام، والجارية بالقمر، ومنه في الكتاب العزيز قوله تعالى:
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ
حاصل ذلك تشبيه أهل الكهف في حال نومهم بحال الأيقاظ، ومن ذلك في الشعر قول شاعر
الحماسة [طويل]:
وكنا
حسبنا كل بيضاء شحمة.
وذلك
أنه لما كانت الشحمة بيضاء شبهوا كل بيضاء بها، وأخرج ذلك مخرج المثل.
والنوع
الآخر من التشبيه هو الذي يسمى تشبيه التوليد والتمثيل كقول الكميت [بسيط]:
أحلامكم
لسقام الجهل شافية ... كما دماؤكم
يشفي بها الكلب