أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015
8646
التاريخ: 25-03-2015
8641
التاريخ: 25-03-2015
4150
التاريخ: 25-03-2015
1332
|
وهو
أن يأخذ المتكلم في غرض له من وصف أو فخر أبو مدح أو هجاء أو عتاب أو غير ذلك، ثم
يأتي لقصد تكميله بألفاظ تكون عنواناً لأخبار متقدمة، وقصص سالفة، كقول أبي نواس: [بسيط]
يا
هاشم بن خديج ليس فخركم ... بقتل صهر رسول الله
بالسدد
أدرجتم
في إهاب العِير جثته ... لبئس ما قدمت أيديكم لغد
إن
تقتلوا ابن أبي بكر فقد قتلت ... حجراً بدارة ملحوب بنو
أسد
ويوم
قلتم لعمرو وهو يقتلكم ... قتل الكلاب لقد أبرحت
بالولد
ورب
كندية قالت لجارتها ... والدمع ينهل من مثنى ومن وحد
ألهى
امرأ القيس تشبيب بغانية ... عن ثأره وصفات النؤي
والوتد
فقد
أتى أبو نواس في هذه الأبيات بعدة عنوانات: منها قصة قتل محمد بن أبي بكر، وقتل
حجر أبي امرئ القيس، وقتل عمرو بن هند كندة في ضمن هجاء من أراد هجوه، ومعيرة
المهجو بما أشار إليه من الأخبار الدالة على هجاء قبيلته وملوكهم، ومثل ذلك قول
أبي تمام في استعطافه مالك بن طوق على قومه [كامل]:
رفدوك
في يوم الكلاب وشققوا ... فيه المزاد بجحفل كلّاب
وهمُ
بعين أباغ راشوا للعدا ... سهميك عند الحارث الحرّاب
وليالي
الثرثار والحشاك قد ... جلبوا الجياد لواحق الأقراب
فمضت
كهولهم ودبّر أمرهم ... أحداثهم تدبير غير صواب
ثم
قال بعد ذلك: [كامل]
لك في
رسول الله أعظم أسوة ... وأجلها في سنَّة وكتاب
أعطى
المؤلفة القلوب رضاهم ... كملاً ورد أخائذ الأحزاب
والجعفريون
استقلت ظعنهم ... عن قومهم وهم نجوم كلاب
حتى
إذا أخذ الفراق بقسطه ... منهم وشط بهم عن الأحباب
ورأوا
بلاد الله قد لفظتهم ... أكنافها رجعوا إلى جواب
فأتوا
كريم الخيم مثلك صافحاً ... عن ذكر أحقاد وذكر ضباب
فانظر
إلى ما أتى به أبو تمام في هذه الأبيات من العنوانات من السيرة النبوية وأيام
العرب كيوم الكلاب، وأخبار بني جعفر بن كلاب مع ابن عمهم جواب، وكقوله أيضاً لأحمد
بن أبي دواد: [وافر]
تثبت
إن قولاً كان زوراً ... أتى النعمان قبلك في زياد
فأرث
بين حي بني جلاح ... لظى حرب وحي بني مصاد
وغادر
في صدور الدهر قتلى ... بني بدر على ذات الإصاد
فأتى
بعنوان مشيراً إلى قصة النابغة حين وشى به الواشون إلى النعمان، وما جر ذلك السعي
من الحروب التي انطوت عليها قطعة من أيام العرب، وكقوله لابن أبي دواد أيضاً: [كامل]
فاسمع
مقالة زائر لم تشتبه ... آراؤه عند اشتباه البيد
أسرى
طريداً للحياء من التي ... زعموا وليس لرهبة بطريد
كنت
الربيع أمامه ووراءه ... قمر القبائل خالد بن يزيد
فالغيث
من زهر سحابة رأفة ... والركن من شيبان طود حديد
وغدا
تبين ما براءة ساحتي ... لو قد نفضت تهائمي ونجودي
هذا
الوليد رأى التثبت بعد ما ... قالوا يزيد بن المهلب مودي
فتزحزح
الزور المؤسس عنده ... وبناء هذا الإفك غير مشيد
وتمكن
ابن أبي سعيد من حجى ... ملك بشكر بني الملوك سعيد
ما
خالد لي دون أيوب ولا ... عبد العزيز ولست دون وليد
نفسي
فداؤك أي باب ملمة ... لم يرم فيه إليك بالإقليد
لما
أظلتني غمامك أًصبحت ... تلك الشهود على وهي شهودي
من
بعد ما ظنوا بأن سيكون لي ... يوم ببغيهم كيوم عبيد
نزعوا
بسهم قطيعة يهفو به ... ريش العقوق فكان غير سديد
وإذا
أراد الله نشر فضيلة ... ما كان يعرف فضل عرف العود
لولا
التخوف للعواقب لم تزل ... للحاسد النعمى على
المحسود
العنوانات
في بعض هذه الأبيات، وإنما جئت بجملتها لئلا يتجرأ حسنها، فمن عنواناتها إشارته
إلى خبره مع ابن أبي دواد فيما نقل عنه من غضه من مضر على سبيل الحسد له، حتى حجبه
عنه وجفاه، ولم يرجع إليه إلا بشفاعة خالد بن يزيد الشيباني، ثم ذكر قصة يزيد بن
المهلب حين هرب من حبس الحجاج، وكتب فيه إلى الوليد بما أحفظه عليه، حتى حلف على
قتله، فاستشفع بسليمان أخيه، واستجار به، فأجاره، وأرسل به مع ولده أيوب، وولد
الوليد عبد العزيز، ووصى ولده ألا يدع يده من يده إلا بعد أمانه، وألا يوصل إليه
بسوء إلا بعد قتله، ثم أشار إلى قصة عبيد بن الأبرص مع النعمان حين لقيه في ويوم
بؤسه وقتله، وهذه القصص معروفة عند الأخباريين، فلم أطل بسياقة تفاصيلها، والكتاب
العزيز محشو بعنوانات العلوم، فمنها قوله سبحانه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا
فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ
جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ) الآية، فإن فيها عنوان العلم المعروف بالآثار
العلوية، ومن ذلك قوله تعالى: (انْطَلِقُوا إِلَى
ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ) وهذا عنوان
العلم المنسوب إلى أقليدس، لأن المثلث الشكل أول أشكاله، وهو أصل الأشكال، وهو شكل
إذا نصب في الشمس لا يوجد له ظل لتحديد رؤوس زواياه، والله أعلم.
ومن
ذلك قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ
مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) ثم ذكر
سبحانه في تفسير ذلك ملكوت السموات، مدمجاً فيه ملكوت الأرض، فإن أفول الكواكب
والنيرين إنما يكون بما يحول بين الأبصار وبينها من مخروط ظل الأرض، وهذا عنوان
العلم المعروف بالمجسطي والله أعلم وقوله تعالى في بقية الآية المذكورة: (فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا) إلى آخر الآية، وهذا عنوان علم الكلام
في ترتيب نظم الدليل على حدوث العالم بما دل عليه أفول الكواكب من التغيير، والله
أعلم.