أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-10-2020
1761
التاريخ: 30-12-2022
1501
التاريخ: 2024-07-13
513
التاريخ: 2024-06-22
503
|
2- اتجاه علاقة التأثير بين السكان والنمو
رغم ما اعترى تحليل مالتيس من انتقادات إلا أنه وابتداء من سنوات الأربعينات والخمسينات أدت الخصوبة المرتفعة إلى ظهور "مالتيسية جديدة" تجعل من التغير الديمغرافي سبباً من أسباب التخلف ، وأصبح الكبح الديمغرافي هدفاً رئيسياً للتنمية في دول الجنوب.(1) وبلغة الأرقام فإنه في النصف الثاني من القرن الماضي وفي أقل من 50 سنة تضاعف عدد سكان العالم من 3 مليار نسمة سنة 1960 إلى 6 مليار نسمة عام 2000 وهذا النمو المطلق ينتظر أن يبلغ 7 مليار نسمة عام 2015، حيث ستكون الزيادة الكبرى في العالم الثالث بمعدل سنوي متوسط يساوي 2% مقابل 1.2% للدول الغنية. (2)
وتستند حجج هؤلاء المالتيسيين الجدد إلى أن الانفجار السكاني في دول الجنوب يؤثر سلباً على التوازن بين الموارد والسكان، وعلى توازن النظام البيئي بما يخلقه من مشكلات بيئية مرافقة، وبالتالي فهو عبء على التنمية حيث يلتهم كل زيادة في ثمارها ، وعلى هذا الأساس فإنهم يرون العلاقة ذات اتجاه مباشر من السكان إلى النمو الاقتصادي، حيث يشكل الأول المتغير المستقل والثاني المتغير التابع.
ويشهد هذا الطرح العديد من الانتقادات التي يمكن أن نشير إلى أبرزها فيما يلي:(3)
- إن فرضية عدم كفاية الغذاء أصبحت لا تستند إلى دليل علمي يثبتها، بل إن الدراسات الإحصائية أصبحت تفندها بالكامل، فعلى سبيل المثال أثبت خبراء اللجنة العالمية للبيئة والتنمية المختارون من عدة منظمات دولية متخصصة في تقرير تم إنجازه بناء على تكليف من هيئة الأمم المتحدة ونُشر عام 1987 أن الأرض تستطيع وفقاً لأنماط الاستهلاك والإنتاج الحالية- أن تعيل ضعف سكان الأرض في وقت إعداد التقرير (أي تعيل 11 مليار نسمة)،وهذا دون الأخذ في الاعتبار آثار التقدم التقني على زيادة الإنتاج بمستويات قياسية، ودون احتساب الموارد العاطلة غير المستثمرة.
- وذكر تقرير التنمية البشرية في العالم لسنة 2011 أن التقدم التكنولوجي واستغلال الموارد الوفيرة للتعويض عن الشح في الموارد الأخرى سمح بتحسين مستويات المعيشة على مدار القرنين الماضيين، وأصبح سعر الغذاء اليوم ــ معدلاً حسب التضخم – أدنى بكثير مما كان عليه قبل 200 عام (زمن مالتيس) أو حتى قبل 50 عاماً، كما أن الاحتياطي من المعادن بلغ مستويات أعلى بكثير من مستويات عام 1950، ومع تحسين تقنيات الزراعة فاق معدل الإنتاج الغذائي معدل النمو السكاني(4).
لم يستطع الفكر الاقتصادي إلى اليوم تحديد "الحجم الأمثل للسكان" الذي يتوافق مع الازدهار اقتصادي، رغم أن الحديث عن هذا المفهوم بدأ منذ عام 1911 على يد العالم السويدي Wicksell، والسبب يعود إلى أن أغلبية العوامل المؤثرة في منظومة التنمية معنوية يتعذر قياسها.
إن المشكلة في حقيقة الأمر لا تكمن في إنتاج الغذاء أو عدم كفايته وإنما في سوء توزيعه عالمياً، وهذه حقيقة أكدها تقرير "برانت" رئيس اللجنة المستقلة المشكلة لبحث قضايا التنمية الدولية الصادر عام 1984، حيث أشار إلى أن المجاعة في إفريقيا ليست بسبب نقص كمية الغذاء على ظهر الأرض، وإنما بسبب سوء توزيع هذا الطعام في العالم.
- إن فرضية تدمير البيئة كمتغير تابع لتزايد أعداد السكان في دول الجنوب تدحضها أيضاً لغة الإحصائيات والتي تشير إلى أن النسبة الكبرى من التدمير متأتية من سكان دول الشمال الأغنياء وليست من فقراء الجنوب ، ففي دراسة حديثة للباحث الأمريكي "بيل ماكيبين" تبين أن الفرد الأمريكي من الطاقة خمسمائة ضعف ما يستهلكه الفرد في مالي، وأن الفرد في أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان مسؤول عن انبعاث 3.5 طن من الكربون بينما الفرد في البلدان الفقيرة فهو مسؤول عن انبعاث 0.1 طن من الكربون. وأشار تقرير التنمية البشرية لعام 1993 الصادر عن PNUD إلى أن سكان البلدان الصناعية يتسببون في أكثر من ثلثي انبعاثات أول أكسيد الكربون، وأكثر من ثلثي نفايات العالم الصناعية. وأكد تقرير التنمية البشرية لعام 2011 هذه الحقيقة حيث أشار إلى أن الفرد في البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً تفوق مساهمته في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون أربع مرات مساهمة الفرد في أي بلد من البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة أو المتوسطة أو المنخفضة، وتصل هذه المساهمة إلى 30 مرة إذا ما قورنت مساهمة الفرد في أحد البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً بمساهمة الفرد في أحد البلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة جداً. (5)
- وقد ناقش الدكتور ابراهيم العيسوي في كتابه "انفجار سكاني أم أزمة تنمية" مختلف الآثار السلبية المنسوبة إلى تزايد أعداد السكان (وبالتالي الإيجابية المنسوبة إلى انخفاض الخصوبة)، وبيّن أن كلها تخضع لتحفظات ويمكن تفاديها بتبني سياسات اقتصادية وتدابير مناسبة، ومن ذلك أن زيادة الاستهلاك العام تقابلها وفورات الاستهلاك، كما أنه يمكن تنظيمها بالتأثير على متغيرات الصحة والتعليم. وليست هناك علاقة مؤكدة بين انخفاض الخصوبة وانخفاض الاستهلاك لأن مستويات الاستهلاك الحالية متدنية أصلاً. كما أن الخصوبة المنخفضة لا تعني بالضرورة تخفيض في التكاليف لأن ارتفاع نسبة كبار السن تعني تكاليف صحية عالية تتحملها ميزانية الدولة. كذلك فإنه ليس مؤكداً أن تزداد المدخرات في حال تخفيض الخصوبة، أو يزداد الاستثمار لعدم توفر قنوات ملائمة لاستيعاب المدخرات الضئيلة لمحدودي الدخل ومشكلة البطالة يمكن التعامل معها باعتماد تغييرات باتجاه استخدام كثافة أكبر من عنصر العمل ...
- وبالمقابل يرى الدكتور العيسوي أن للنمو السكاني آثاراً إيجابية على النمو (بمراعاة جملة من المحددات أبرزها: توفير عمالة أكبر، تجديد أسرع لقوة العمل، اتساع حجم السوق وتحقق وفورات الحجم الكبير، نشوء حوافز أكبر لزيادة الإنتاج ، الاقتصاد في الاستهلاك مع تزايد حجم الأسرة، نشوء حوافز للابتكار التكنولوجي ...
- وحسب الدكتور رمزي زكي فإن المشكلة السكانية في الدول النامية ليست سبباً للتخلف وإنما نتيجة له ، وبالتالي فهو يعكس اتجاه علاقة التأثير من النمو الاقتصادي كمتغير مستقل إلى النمو السكاني كمتغير تابع، ويؤكد أن هذه المشكلة السكانية لا تعبر عن تناقض بين أعداد السكان والموارد المحدودة كما يرى المالتيسيون، بل هي تناقض بين السكان والنظام الاقتصادي والاجتماعي السائد الذي يعجز عن توفير الغذاء وفرص التوظيف والدخل.
إن بحث مختلف الآراء المطروحة حول تأثير النمو السكاني على التنمية الاقتصادية، تدفع إلى القناعة بأن نمو السكان لا يمكن أن ينسب إليه تأخر التنمية في العالم النامي، أو أن يعتبر عقبة أمامها، وإنما هو مورد هام محرض للنمو متى ما توفر الإطار الملائم لاستغلاله وتوجيهه نحو الالتفاف حول خطة تنموية طامحة إلى التقدم ولا أدل على ذلك من تجربة الصين فلا توجد دولة مزدحمة بالسكان في العالم مثل الصين، وبرغم ذلك فهي اليوم تحقق أعلى مستويات النمو الاقتصادي والقوة التي استمدتها من حسن توظيف قوتها البشرية الهائلة وفق ما يخدم ازدهار الصين ومكانتها الدولية، في نظرة إيجابية يترجمها رأي ماوتسي تونغ أن الإنسان يولد ومعه فم واحد ويدان اثنتان، وهذا يعني فيما يعنيه أن الإنسان ينتج عادة أكثر مما يستهلك، وتلك حقيقة متأكدة واقعياً حيث أشارت دراسات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) أن الفرد في الزراعة كان ينتج في الثمانينات كمتوسط عالمي ما يكفيه ويكفي أربعة أشخاص آخرين. (6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Bernard CORNEVIN, op. cit. pp: 74-75 .
(2) Matouk BELATTAF, op. cit., p : 80 .
(3) عبد الوهاب محمود المصري، التوازن بين الموارد والسكان من منظور مختلف)، ط1، دار الحصاد للطباعة والنشر، دمشق - سورية ، 2008 ، ص ص: 14-18 ، ص ص 32-34 .
4 ـ انظر تقرير التنمية البشرية في العالم لسنة 2011، ص: 15.
(5) المرجع نفسه، ص ص: 2-3
(6) المرجع السابق، ص: 14 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|