أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-06
1133
التاريخ: 6-7-2020
2949
التاريخ: 27-1-2021
2051
التاريخ: 30-3-2021
2321
|
"اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلاَنَا الإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ، الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى ابَائِهِ الطَّاهِرِينَ، عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا، وَبَرِّهَا وَبَحْرِها، وَعَنِّي وَعَنْ والِدَيَّ، مِنَ الصَّلَوَاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ، وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ".
السلام على إمام الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في هذا الدعاء، هو عالميٌّ من جهة الكميّة، وبمقدار زنة العرش من حيث الكيفيّة.
إنّ كيفيّة السلام على الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في هذا الدعاء تعود إلى بُعد نظر المنتظِر، فهو بعيد النظر، ولديه ثقافة عالميّة، وعند الحاجة يطرح ذلك بنظرة عميقة وبعيدة المدى.
فبعض الناس يريدون الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) لأجل حلّ مشاكلهم فقط، أمّا المنتظرون الواقعيّون فلديهم مشاعر وأحاسيس عالميّة، وعندما تقع مشكلة في غير المنطقة الجغرافيّة التي هم فيها، يصيبهم القلق والاضطراب.
سلامُ المنتظرين:
يضفي دعاء العهد على المنتظرين أفقاً عالميّاً، حيث نقرأ في هذه الفقرة من الدعاء: "عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها".
يسلّم المنتظرون على إمامهم، عن جميع المؤمنين والمؤمنات في جميع أنحاء العالم، من خلال قراءة هذا الدعاء في بداية صبيحة كلّ يوم.
وهذه الفقرة من الدعاء تُظهر أنّ طلب الإمام لأجل الحاجة الشخصيّة أمر خاطئ، فالمنتظِر الواقعيّ لديه مشاعر عالميّة، ومثل هذا الانتظار هو انتظار إيجابيّ وفعّال.
كيف يبلِّغ المنتظِرُ سلامه للإمام؟
يَطلب المنتظِر من الله تعالى إبلاغ السلام والتحيّة لإمام الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، في اثنتي عشرة فقرة:
1 ـ اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الْإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ:
إنّ للأشخاص العظماء والمشهورين أسماءً وألقاباً وكنىً مختلفة وواقعيّة، وكل واحد منها يعكس بعداً من أبعاد شخصيّتهم ووجودهم.
لذلك، عندما تُبيّن الأدعية والزيارات أسماءً وألقاباً متعدّدة للإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، نستكشف منها أنّ الأبعاد الوجوديّة للإمام متعدّدة وذات حقيقة. وقد أُشير في هذه الفقرة إلى خمس خصائص للإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، سنوضّحها في العناوين الآتية:
أ- المولى:
كلمة المولى مشتقّة من مادة (و- ل -ي). وهذه الكلمة هي من أكثر الكلمات استعمالاً في القرآن الكريم، بأشكال مختلفة.
والمعنى الأصليّ لهذه الكلمة هو المتولِّي للأمور، وسائر المعاني الأخرى التي تُذكر لهذه الكلمة تستفاد من القرينة.
والإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هو "مولانا"، فله الولاية علينا، وهو المتولِّي لأمورنا.
عندما تُبيّن الأدعية والزيارات أسماءً وألقاباً متعدّدة للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، نستكشف منها أنّ الأبعاد الوجوديّة للإمام متعدّدة وذات حقيقة.
ب- الإمام:
الله تعالى هو الذي جعل الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) إماماً. و"الإمام" ليس هادياً فحسب، بل "إمام"، وليس متولّياً للأمور فحسب، بل "إمام"، ما يعني أنّ في عمله وعبادته، أكله وحربه، سكوته وكلامه، "درساً وأسوة".
و"الإمام" هو التجسيد العينيّ للأقوال والنظريّات، وهو الذي يحوّل الأطروحات الذهنيّة للإسلام إلى حقائق خارجيّة، والتصوّرات إلى واقعيّات، والخيال إلى حقيقة، ويبيّن أنّ الإسلام ليس اسماً بلا مسمّى.
و"الإمام" بما يحمل من صفات وأفكار وأعمال هو دائماً "إمام"، في جميع الأوقات وبالنسبة إلى كلّ الأفراد، كما هي الحال في إبراهيم (عليه السلام) الذي لا زال حتّى الآن إماماً.
ما أجمل هذا التعبير! وما أحلى هذا المقام! وما أروع هذه الكلمة! "إمام". وهي كلمة جامعة وذات محتوى إلى درجة أنّ الكلمات الأخرى من قبيل: المعلّم، المرشد، الهادي، المبلّغ، الواعظ، ليس لها هذا المعنى، وهي تدلّ على التعليم والإرشاد، لا على الحركة والاتّباع، لكنّ "الإمام" هو الشخص الذي يسير ويكون مقدَّماً من الناحية العمليّة، والآخرون يتبعونه ويسيرون خلفه.
ج- الهادي:
الشخص الوحيد الذي تجري الهداية على يديه هو خاتم الأوصياء الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، يقول تعالى في سورة الرعد (الآية 7): {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7].
وبما أنّ النبوّة قد خُتمت، فالله تعالى يُتمّ الحجّة على جميع خلقه، ولا يخلي الأرض من حجّة ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾. وقد جاء في التفاسير كـ "مجمع البيان" و"كنز الدقائق" حديث يبيّن أن المراد بالـ: ﴿هَادٍ﴾ هم الأئمّة المعصومون (عليهم السلام). وفي زماننا الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) الهادي الوحيد للعالَم من قبل الله تعالى.
د- المهديّ:
أحد الألقاب المشهورة لإمام الزمان هو "المهديّ". وهو بمعنى صاحب الهداية ومن لديه الهداية. وفي الواقع هو التجلّي الواقعيّ لهداية الناس في أهمّ مقاطع التاريخ البشريّ. فالإمام هو الموصِل لجميع الناس إلى أوج الكمال والتعالي، والمُنجي لهم من الغرق في مهاوي الضلال والفساد.
جاء في الرواية: "إنّما سُمّي القائم مهديّاً لأنّه يهدي إلى أمر مضلول عنه..." (1). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) -أيضاً- أنّه قال: "لأنّه يهدي إلى كلّ أمر خفيّ" (2).
وعليه، فالإمام الثاني عشر يمكنه هداية الجميع وإرشادهم للوصول إلى قمّة الحقيقة والإيمان، كما جاء في حديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال لعليّ (عليه السلام): "يا عليّ، لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يملك رجل من عترتك، يُقال له المهديّ، يهدي إلى الله (عزّ وجل) ..." (3).
هـ- القائم:
أحد أهمّ ألقاب الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وأشهرها هو "القائم". وسُمّي بذلك لأنّه يقوم مقابل الانحرافات وأنواع الظلم الموجودة، السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويعمل ضدّ الظالمين والفاسدين. في هذه المدة الطويلة كلّها، الإمام جاهز للنهضة العالميّة، والقتال ضدّ الأعداء، وهو بشكل دائم في حال انتظار للقيام.
وفي رواية عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنّه سئل: يا بن رسول الله، لم سمّي القائم؟ قال (عليه السلام): "لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته (4).
وعلى هذا الأساس، يجب أن يعلم المنتظرون، أنّ إحدى الآفات التي تلاحقهم هي الغفلة عن الإمام، ويحتمل أن تصل ببعض الأفراد المعتقدين بإمام الزمان، فيقعون في بلاء نسيان الحجّة الحيّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).
2 ـ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ:
من الوظائف والتكاليف المتعلّقة بالعباد تجاه الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، الصلاة عليه (5).
وبالالتفات إلى الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] يتضح:
أ- إنّ الله تعالى يصلّي على نبيّه. وهذه الصلوات التي هي جمع صلاة، عندما تُنسب إلى الله تعالى تأتي بمعنى إنزال الرحمة، وعندما تُنسب إلى الملائكة والمؤمنين تأتي بمعنى طلب الرحمة (6).
ب- من تعبير "يصلّون"، الذي هو فعل مضارع دالّ على الاستمرار، يُفهم أنّ الله تعالى يصلّي عليه، وينزل رحمته عليه دائماً وبلا انقطاع (7).
ج- العلاقة بين الناس والقائد في الحكومة الإلهية هي الصلوات والسلام: العلاقة القلبيّة ليست كافية، بل من اللازم إظهارها، فالله تعالى يخاطب نبيَّه في كتابه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].
وهذه الآية توصي الناس بأن يصلّوا على النبيّ. نعم، العلاقة في الإسلام بين الناس والقائد هي علاقة الصلوات والسلام، كما ورد في (الآية 54) من سورة الأنعام من أنّ الله تعالى يأمر نبيّه بالسلام على من يأتيه: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 54].
وعليه، فالصلوات الإلهية على الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) بمعنى إرسال الرحمة والبركة الدائمة والمستمرّة.
وهذه الصلوات نجدها كثيراً في الأدعية:
ففي دعاء الافتتاح، نطلب من الله تعالى: "اللّهمّ، وصلِّ على وليِّ أمرك القائم"، وفي دعاء عيد الفطر -أيضاً- ندعو: "اللهمَّ صلِّ على وليّك المنتظَر"، وفي صبيحة كلّ يوم جمعة، نسأل الله تعالى في دعاء الندبة: "اللهمَّ صلِّ على حجّتك ووليّ أمرك"، وفي دعاء الصلوات نقول أيضاً: "اللهمَّ صلِّ على وليّك وابن أوليائك" (8).
ـ لماذا نصلّي على المعصوم؟
سُئلَ المرحوم الطباطبائيّ: إنّ المعصوم لا يحتاج إلى الصلوات، فلماذا نصلّي عليه؟ فأجاب ذلك العالم الحكيم: إّن الصلوات التي نصلّيها:
أوّلاً: نحن لا نهدي شيئاً، بل نسأل الله تعالى ونطلب منه أن ينزل رحمته على النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام).
ثانياً: صحيح أنّ هؤلاء الصفوة ليسوا محتاجين إلينا، لكنّهم محتاجون إلى الذات الإلهيّة المقدّسة، ولا بد من نزول الفيض الإلهيّ عليهم.
نحن بهذه الصلوات نقترب من هؤلاء الصفوة، كما لو أنّ بستانيّاً كان يعمل لدى صاحب بستان، وكلّ ما فيه من ورود وأزهار وفاكهة هو ملك لصاحب البستان، وكان يتقاضى أجره على عمله عنده، لكنّه في يوم العيد جاءه بباقة من الورود اقتطفها من البستان وبحضور صاحب البستان نفسه، وقدّمها إليه، فهل عمله هذا يوجب تقرّبه من صاحب البستان أو لا؟ من المسلَّم أنّه يوجب ذلك، فهذا العمل دليل أدب البستانيّ.
الصلوات - أيضاً - إثباتٌ لأدبنا، وإلّا فليس هناك شيء منّا، بل نسأل الذات الإلهيّة المقدّسة أن يزيد من مراتب هؤلاء العظماء ودرجاتهم، وهذا الأدب نفسه الذي نقدّمه، هو بالنسبة إلينا تقرُّبٌ إليهم (9).
أسرار الصلوات في مقام الدعاء:
أسرار الصلوات وفوائدها، خصوصاً في مقام الدعاء، كثيرة ومتعددة، حيث يعلِّمنا الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين (عليه السلام) هذا النوع من الأسلوب في الدعاء.
أحد أسرار الصلوات هي أنّ الرحمة عندما تنزل على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، تصل إلى غيره أيضاً، حيث هو مجرى الفيض، وإذا كان من خير يصل إلى الآخرين، فإنّه ينزل أوّلاً عليه وهو الرحمة الخاصّة، ثمّ يصل إلى الآخرين.
يقول المرحوم العلّامة الطباطبائيّ:
معنى الصلوات على محمّد وآل محمّد، هو: اللّهمّ أنزل رحمتك عليهم كي تصل إلينا، وإذا أردت أن ترسل رحمة فأرسلها إلى أولئك الصفوة أوّلاً ثمّ تصل إلى الآخرين. وطلب الرحمة يستلزم إجابة الدعاء (10).
لذا، مضافاً إلى كون الصلوات توجب الرحمة الإلهيّة لإمام الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، فإنّ آثارها تتوجّه إلى أطراف العالم، كما ورد ذلك في كيفيّة السلام عليه في السرداب المقدّس:
"اللهمّ صلّ عليه صلاةً تظهر بها حجّته، وتوضح بها بهجته، وترفع بها درجته، وتؤيّد بها سلطانه، وتعظّم بها برهانه، وتشرّف بها مكانه، وتعلي بها بنيانه، وتعزّ بها نصره، وترفع بها قدره، وتسمّي بها ذكره، وتظهر بها كلمته، وتكثر بها نصرته، وتعزّ بها دعوته، وتزيده بها إكراماً، وتجعله للمتّقين إماماً، وتبلّغه في هذا المكان، مثل هذا الأوان، وفي كلّ مكان وأوان، منّا تحيّةً وسلاماً، لا يبلى جديده، ولا يفنى عديده" (11).
تَكرار لا يخلو من حكمة:
وهنا التفاتة أخرى، وهي أنّ مجيء لفظ الصلوات بصيغة الجمع وتَكرار لفظ "على" لا يخلو من حكمة، وهو ما سنوضحه في المقطع الآتي:
3 ـ وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ:
يستفاد من عبارة: "وعلى آبائه الطاهرين" أنّه في السلام على الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) لا ينبغي الغفلة عن آبائه وأجداده (عليهم السلام)، فالإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هو في الحقيقة استمرار للرسالة والولاية. وفي الرؤية الإسلاميّة، ثمّة للسابقين قيمةٌ ومقامٌ عالٍ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10، 11].
ومن الثابت في أدبيّات اللغة العربيّة، أنّ تَكرار حرف الجرّ هو بحكم تَكرار العامل. وتوضيح ذلك: أنّه في هذا الدعاء، يطلب الداعي الرحمات الإلهيّة للإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) دفعةً واحدة، ثمّ بتَكرار لفظ "على" يطلب هذه الرحمات الإلهيّة لآباء إمام الزمان وأجداده؛ لأنّ مقام حياتهم مختلف عن مقام مماتهم الظاهريّ، والإمام المهديّ هو الوحيد الحيّ والحاضر.
في الصلاة على النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام): "اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد"، جاءت كلمة "الصلاة" مفردة، ولم يتكرّر لفظ "على" قبل "آل محمّد". أمّا في هذا الدعاء، فجاءت على صيغة الجمع "صلواتك"، وكذلك تكرّر حرف الجرّ "صلواتك عليه وعلى آبائه". والداعي يمكنه طلب الرحمة دفعة واحدة للإمام الحيّ والحاضر، ودفعة أخرى للأئمّة الذين قبله. مع الالتفات إلى أنّ كلّ إمام له وظيفته الخاصّة والمعيّنة التي أوكلت إليه، وهذا التنوّع في الوظائف يتطلّب تنوّعاً في الرحمات والبركات والفيوضات. والداعي بذكره للفظ الصلوات بصيغة الجمع، يريدها ويطلبها للإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وكذلك لسائر الأئمّة (عليهم السلام).
4- عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ:
في دعاء العهد، يسلّم جميع المؤمنين على الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، فالعلاقة هي علاقة جمعيّة وعالميّة، لذا على المنتظِر أن يعلم أنّ أعمال الخير لا بدّ من أن تؤخذ بنظرة عالميّة، وليست شخصيّة أو محلّيّة أو قوميّة أو عائليّة.
وإذا توجّهنا للزيارة، علينا أن نأتي بالزيارة نيابةً عن جميع المؤمنين والمؤمنات، وإذا تصدّقنا نقول: هذه الصدقة لدفع البلاء عن جميع المؤمنين والمؤمنات، ولا نقول في دعائنا: إلهي! ارحم المؤمنين الذين يصلّون في هذا المسجد، بل ندعو للمؤمنين الذين يصلّون في سائر المساجد، فلماذا التعصّب؟ ألستَ تنتظر إماماً عالميّاً؟
إذاً، المنتظِر الذي ينتظر الإصلاح العامّ، لا بدّ من أن يفكّر بطريقة عامّة أيضاً، عن جميع المؤمنين والمؤمنات.
5 ـ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا:
تبرز في هذا الدعاء مسألة حذف الحدود والشروط، فالعلاقة المطلوبة علاقة بلا حدود. في هذا الدعاء يسلّم المؤمنون على إمامهم من مشارق الأرض ومغاربها، فالعلاقة هي علاقة بدون حدود.
ورد في القرآن الكريم حول المشرق والمغرب تعابير ثلاثة:
بصورة مفردة: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 115].
وبصورة التثنية: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17].
وبصورة الجمع: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} [المعارج: 40].
وهذه التعابير الثلاثة صحيحة؛ لأنّه بنظرة عامّة كلّيّة يوجد من جهةٍ "مشرق" ومن جهةٍ ثانيةٍ "مغرب"، وبنظرة أخرى، يتغيّر المدار بين الصيف والشتاء، فمدار الصيف يكون في الشمال، ومدار الشتاء يكون في الجنوب، فالشمس لها مشرقان ومغربان، وبنظرة أدقّ: كلّ يوم توجد نقطة طلوع ونقطة غروب، فيوجد في الواقع 365 مشرقاً، و365 مغرباً. وهناك حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يؤيّد ذلك أيضاً.
6- سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا:
يمكن للمؤمنين والمؤمنات الإقامة والسكنى في جميع أنحاء الأرض. وأتباع أهل البيت (عليهم السلام) يتعلّمون من هذا الدعاء عدم الاعتناء بالبعد الجغرافيّ الخاصّ، وأن يتذكّروا الجميع، وأن يكونوا بعيدي النظر.
7- وَبَرِّهَا وَبَحْرِهَا:
كم هو مربٍّ هذا الدعاء! بقراءة هذا الكلام أعلن أنِّي أستحضر بفكري الجميع، في البرّ والبحر، في السهل والجبل، في المشرق والمغرب، وهذا يعني بتعابير مختلفة، وجميلة جدّاً: أنّ العلاقة مع الآخرين لا يحدّها حدّ.
8- وَعَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ:
إشراك الوالدين في الأدعية والزيارات هو من الأمور الجميلة في مذهبنا، فأنا أسلِّم على إمام الزمان عنّي وعن والديّ، يعني أن العلاقة لا تقف عند تاريخ محدَّد، فأرسل إليه عبق السلام عنّي وعن أجدادي الذين عاشوا ومضوا سابقاً.
9 ـ مِنَ الصَّلَوَاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللهِ:
العلاقة بالإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) لا يمكن حصرها وإحصاؤها؛ لأنّ هذا الدعاء يتحدّث عن علاقة بزِنَة عرش الله، حيث لا أحد يعلم عنه شيئاً.
يا إمام الزمان! السلام عليك بعدد زِنَة العرش، بعدد كلّ شيء أُحصي في الكتاب، بعدد كلّ شيء أحاط به علمه تعالى.
نحن، عندما نشكر الله نقول: اللهمّ أشكرك مئة ألف مرة! مئة ألف مرّة ليست بشيء، هي بمثابة ما يوضع في كفّ اليد. وأنت القائل: أشكرك مئة ألف مرّة، تريد أن تقول: اللّهمّ، انظر كم رفعنا الشكر إليك، بقدر مئة ألف مرّة، وهذه المئة ألف ليست بشيء.
إحدى بنات الإمام الحسين الصغيرات، التي استُشهد أبوها في أرض كربلاء وأُخذت أسيرة، وأُدخلت على ابن زياد ويزيد، وعندما سُئلت: كيف هي الحال؟ لم تقل: الحمد لله مائة ألف مرّة، بل قالت: الحمد لله عدد الرمل والحصى.
طفلة صغيرة تقول: بعدد الرمل والحصى، ونحن ماذا نقول؟ مئة ألف مرّة، فما أصغر فكرِنا إذاً!
ما هو العرش؟
أشير في القرآن الكريم عشرون مرّة إلى "عرش الله". وفي اللغة "العرش" بمعنى المكان المُعَدّ للجلوس ذي القوائم المرتفعة، والكرسيّ هو المقعد المُعَدّ للجلوس ذي القوائم المنخفضة.
عندما نقرأ: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] يعني كرسيّه يسع هذا الوجود، فكيف بعرشه؟
و"العرش" إمّا كناية عن مركز القدرة الإلهيّة، وإمّا مركز صدور الأحكام الإلهيّة. والمراد من حاملي العرش، الملائكة الذين عددهم ثمانية، كما تحدّثت الآية الكريمة: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17].
قيل: إنّ حقيقة العرش ليست واضحة لدينا، ولكن من مجموع الآيات يمكن استفادة هذا المعنى: إنّ عالم الوجود له مركز، والله سبحانه لديه إحاطة كاملة بهذا المركز: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وإجراء الإرادة الإلهيّة يكون عن طريق الملائكة المحيطين بمركز الأمر.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "العرش هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله" (12).
ذكرت الآيات التي تعرضت للعرش أموراً إلى جانبه، توصل الإنسان من خلال جمعها إلى مركز الأمر، نظير:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، و{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس: 3]، و{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2] و{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4].
تبديل الليل بالنهار، وتدبير الأمور، وتفصيل الآيات، والعلم بجميع ذرّات الوجود، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، دليلٌ على أنّ جميع هذه الأمور تقع في العرش الإلهيّ.
يقول المرحوم العلامة الطباطبائيّ (قدّس سرّه): العرش حقيقة من الحقائق العينيّة، وأمر من الأمور الخارجيّة. ويرى (قدّس سرّه) أنّ العرش مركز تدبير أمور العالم (13).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "العرش والكرسيّ بابان من أكبر أبواب الغيوب" (14).
والمراد من "العرش" ليس تختاً أو سريراً جسمانيّاً؛ لكونه لا يعلو فوق الماء، والله تعالى يقول: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] بل المراد أنّه في الوقت الذي لم يكن هناك أرض ولا سماء، وكان العالم كلّه ماءً، كان مركز الأمر الإلهيّ على الماء، ثمّ بعد خلق السماوات والأرض انتقل مركز أمر العالم إلى السماوات.
10- وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ:
يقول تعالى في سورة لقمان (الآية 27): {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] ولعلّ المراد بـ "سبعة أبحر" في هذه الآية هو الكثرة، ولا خصوصيّة للعدد سبعة، فيكون المعنى: لو أنّ جميع ماء البحار مُزج بعضه ببعض، فلا يمكن أن تنفد كلمات الله أيضاً.
إنّ منهج الأنبياء (عليهم السلام) هو إخراج الإنسان من السذاجة والمحدوديّة، وربطه باللامتناهي.
وفي (الآية 109) من سورة الكهف، نقرأ أيضاً: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].
معنى "كلمة الله" في القرآن:
أمّا "كلمة الله" التي وردت في هذا الدعاء، فقد أُشير إليها في القرآن الكريم في الموارد الآتية:
1- النعم الإلهيّة: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].
2- السُنَن الإلهيّة: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} [الصافات: 171، 172] و{وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشورى: 21].
3- المخلوق الإلهيّ الخاصّ: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} [النساء: 171].
4- الحوادث التي يُبتلى بها الإنسان: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124].
5- الآيات الإلهيّة في حقّ السيدة مريم (عليها السلام): {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} [التحريم: 12].
6- أسباب انتصار الحق على الباطل: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 7] و {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [الشورى: 24].
نستفيد من جميع ما تقدّم، أنّ المراد من "الكلمة" ليس اللفظ فقط، بل المراد السنن، والمخلوقات، والإرادة والألطاف الإلهيّة التي تتجلّى في الوجود.
وعليه، لو أنّ جميع الأشجار كانت أقلاماً، وجميع البحار مزجت بعضها ببعض، ما نفدت كلمات الله، فمخلوقات الله وألطافه وسننه عبر التاريخ لا يمكن أن تنفد، سواءٌ التي وجدت للإنسان أو لجميع المخلوقات.
وفي الرواية عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: "نحن الكلمات التي لا تُدرك فضائلنا ولا تُستقصى" (15).
نعم، إنّ أولياء الله هم وسائط الفيض من جهة الذات المقدّسة، وكلّ لطف أو كمال يصل إلى الآخرين إنّما هو بوساطة هؤلاء العظماء.
11 ـ وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ:
العدّ والإحصاء بمعنى واحد، إلّا أنّ الإحصاء يكون مع الدقّة بحيث لا يفوت القلم شيء. والله تعالى يعلم كلّ شيء بدقّة، حتّى عدد أنفاس الخلائق التي تنفّستها أو تتنفسها.
نقرأ في سورة مريم (الآية 84): {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84] أي لا تعجل بعذابهم فنحن نحصي لهم اليوم والساعات والأعمال وحتّى النفَس، إلى أن يأتي ميعادهم.
وعن عبد الأعلى مولى آل سامّ، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾، قال: ما هو عندك؟ قلت: عدد الأيّام، قال: "إنّ الآباء والأمّهات يحصون ذلك، لا ولكنّه عدد الأنفاس" (16).
وجاء في سورة مريم (الآية 94): {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} [مريم: 94] وعلى هذا الأساس، فإنّ الإحصاء الدقيق لكلّ أجزاء الوجود بيده تبارك وتعالى، وعلم الله تعالى لا يحيط بالكلّيّات فقط، بل يحيط بالجزئيّات أيضاً.
12ـ وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ:
الله تعالى عالم بكلّ شيء، وفي الأحوال كلّها، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة: 255] فهو محيط بكل شيء، أمّا سواه: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255].
ونقرأ في سورة النساء (الآية 126): {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} [النساء: 126].
نعم، الله تعالى لديه إحاطة كاملة بجميع مخلوقاته، وهي إحاطة قهر وتسخير، وإحاطة علم وتدبير، وإحاطة خلق وتغيير.
وجاء في سورة الأنعام أيضاً: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) حول هذه الآية أنّه قال: "محيط بما خلق علماً وقدرةً وإحاطةً وسلطاناً وملكاً" (17).
إنّ ذكر هذا المقطع، والتوجّه به في هذا الدعاء، أمران مهمّان؛ لأنّ الإيمان بالإحاطة العلميّة لله تعالى، باعثٌ على العمل الحسن من جهة، وزاجر عن العمل السيّئ من جهة أخرى. لذا، اهتمّ القرآن الكريم كثيراً بهذا الأمر: ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ﴾.
نعم، لله تعالى إحاطة بجميع الناس، {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء: 60] ونقرأ في سورة الكهف (الآية 91): {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} [الكهف: 91] فالإله المستحقّ للعبادة هو الذي يحيط علماً بكلّ شيء: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأعراف: 89].
فعلمه تعالى متعلّق بجميع الجزئيّات، وعلمه دقيق: {أَحْصَاهُ اللَّهُ} [المجادلة: 6] وعلمه حضوريّ: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6] وعلمه لا يعلوه غبار النسيان: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6] وبوساطة علمه يُطلع الآخرين على أعمالهم التي نسوها: ﴿وَنَسُوهُ﴾، {فَيُنَبِّئُهُمْ} [المجادلة: 6]، كما أنّ الإحاطة العلميّة لله تعالى بكلّ شيء دائمة وأزليّة: {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]، وعلمه دائمي وليس بموسمي "يعلم"، "عليم"، وعلمه تعالى بالسماوات والأرض واحد: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [التغابن: 4].
الخلاصة: إنّ علمه تعالى ليس علماً إجماليّاً، بل لديه إحاطة وإحصاء كامل بكلّ شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإرشاد، المفيد، ج 2، ص383.
(2) الغيبة، الطوسي، ص471، الغيبة، النعمانيّ، ص237.
(3) دلائل الإمامة، الطبري الإماميّ، ص469.
(4) كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص378.
(5) مكيال المكارم، محمّد تقيّ الأصفهانيّ، ج 2، ص373، الوظيفة الإحدى والأربعون، وقد بيَّن في هذا المجال مطالب قيّمة.
(6) المفردات، الراغب الأصفهانيّ، مادة: "صل".
(7) راجع: تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازيّ، حيث ذكر بحثاً مفصّلاً في ذيل الآية الشريفة، أيضاً: الأنوار الساطعة، ج 5، ص527.
(8) مصباح المتهجِّد، الطوسيّ، ص45.
(9) توصيه ها، برسش ها وباسخ ها، [جوادي آملي]، ص78 [اسم الكتاب بالفارسيّة].
(10) المصدر نفسه، ص 96.
(11) بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 99، ص85.
(12) معاني الأخبار، الصدوق، ص29.
(13) الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائيّ، ج 8، ص156- 158.
(14) التوحيد، الصدوق، ص321.
(15) تفسير نور الثقلين، الحويزيّ، ج 5، ص788.
(16) الكافي، الكلينيّ، ج 3، ص259.
(17) التوحيد، الصدوق، ص133.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|