أقرأ أيضاً
التاريخ: 12/11/2022
930
التاريخ: 18-8-2022
987
التاريخ: 18/11/2022
902
التاريخ: 22-8-2022
1194
|
الجغرافيا العسكرية التاريخية والعملياتية
لقد أثبت التاريخ وجود علاقة واضحة وثابتة بين العمليات العسكرية والجغرافيا؛ فكان لعوامل الجغرافيا تأثير مكمل وأحيانا حاسم في المعارك عبر التاريخ. وفي الآونة الأخيرة، انتشر تأثير الجغرافيا بشكل واسع النطاق في العمليات العسكرية في أوقات السلم والعمليات غير الحربية على حد سواء. وبالمثل، يجب أخذ المفاهيم الجغرافية المهمة عن الموقع والزمان والفضاء والنطاق والمسافة في الاعتبار أثناء تخطيط أي عملية عسكرية وتنفيذها. وفي النتيجة، يضطر الجغرافي العسكري إلى توظيف نهج متكامل في دراسة بيئة عملياتية والتحقق من كيفية تأثير الجغرافيا المحتمل في العملية. وحتى على النطاق التكتيكي الأصغر، فإن بيئات العمل معقدة. ولذلك، تستفيد أفضل التحليلات من أسلوب متكامل يوفر إطارا شاملا يمكن اتخاذ القرارات المدروسة بالاستناد إليه. ولإنجاز هذه المهمة، اعتمد الجغرافيون العسكريون على أسلوب دراسة الحالة باستخدام نهج تاريخي و عملياتي لتحليل الروابط بين العمليات العسكرية والمشهد الطبيعي.
إن البيئات العملياتية - وهي الأمكنة التي تجري فيها العمليات العسكرية - فريدة وتظهر مزايا طبيعية وثقافية متميزة. وهذا مهم للجغرافي العسكري، لأن هذه المزايا تضفي أهمية استراتيجية وعملياتية وتكتيكية على الأمكنة وتمنحها الطابع والإمكانات والمعنى. ولهذا السبب، يعنى الجغرافيون العسكريون بتحديد تفاصيل الأمكنة وتحليلها، ولاسيما في التعرف على الرابط بين المشهدين الطبيعي والبشري. وقد أثبتت دراسة الجغرافيا أن الأمكنة لها أهميتها؛ فكل مكان فريد بحد ذاته ويظهر مجموعة مميزة من الحتميات الجغرافية. إلى ذلك، فإن الأمكنة تتفاعل، ومن ثم، تخلق ظروفا قسرية وأحيانا صعبة يجب على الوحدات العسكرية العمل فيها.
أدرك كارل فون کلاوسفیتس طبيعة المكان عندما أطلق على بيئة العمل العسكري اسم طبيعة الأرض أو التضاريس، وبحسب رأيه فإنها تتكون من «الأرض وسكان مسرح الحرب بأكمله». كما أوضح كلاوسفیتس أن الأهمية التشغيلية لبيئة العمليات تختلف بالمهمة والتنظيم ونوع الوحدات العسكرية المشاركة والتقنيات والظروف الراهنة. بعبارة أخرى، يبقى الموقع ثابتة ولكن الوضع يتغير مع مرور الزمن، ولذا يجب أن تكون التحليلات الجغرافية دينامية وشاملة. ومن ثم، فإن تقييم الجغرافي العسكري للمكان ينبغي أيضا أن يتغير.
ولطالما درس القادة العسكريون الجغرافيا بسبب العلاقة التي لا تقبل الجدل بين المشهد الطبيعي والحرب. وفي ذلك السياق، فقد ربط الضباط العسكريون على مر التاريخ الجغرافيا العسكرية بالمصطلح العسكري العام "تحليل التضاريس". في الواقع، خلال السنوات الأولى لفرع الجغرافيا - ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية - ركز الجغرافيون العسكريون بشكل أساسي على تحليلات وصف الخرائط للمنطقة ودراسات الحالة التاريخية. وهذه الأنواع من الدراسات مفيدة لأن تحليل التضاريس - في سياق عسكري - يمنح دراسة البيئة العملياتية هدفا ويجعلها تطبيقا. وقدم "دليل الميدان الأمريكي" 10-30 US Field Mamal (الاستخبارات الجغرافية العسكرية) لسنوات كثيرة تعريفة عملية لتحليل التضاريس بأنه «عملية تحليل منطقة جغرافية لتحديد أثر المزايا الطبيعية والمزايا التي يصنعها البشر على العمليات العسكرية». ومن ثم، فإن تحليل التضاريس بأبسط صوره ينطوي على مجرد وصف للمشهد الطبيعي والثقافي الموجود، وتقييم أثر ذلك المشهد على العمليات العسكرية.
ومن الواضح أن هذا النوع من المعرفة الواقعية له مكان في الجغرافيا العسكرية لأنه يسمح لنا بوضع الأحداث والمواقع والظواهر في محيط مكاني مفيد. ومع ذلك، فإن معرفة سبب وجودها وفهمه في أمكنة منفصلة هو أهم بكثير، وهذه هي العلاقة الحقيقية للجغرافيا العسكرية. وهكذا، فالجغرافيا العسكرية هي أكثر بكثير من مجرد معرفة أسماء الأمكنة ووصف جوانب المنطقة.
والعمليات العسكرية الحديثة معقدة جدا، وعلى الجغرافيين العسكريين المعاصرين أن يفهموا الأمكنة والعلاقة بينها، ومن ثم، فإنهم يركزون جهودهم على فهم العلاقة بين العمليات العسكرية والمشهد الطبيعي. ولفهم هذه العلاقة، يجب على المختص بالجغرافيا العسكرية أن يفهم ديناميات وعمليات المشهدين الطبيعي والبشري، وكذلك أنماطهما المكانية والزمانية.
ولحسن الحظ أن الجغرافيا العسكرية تطورت لتصبح فرعا دراسيا تكاملية أغنى بكثير، ويتضمن أكثر من مجرد وصف المنطقة جغرافية وتحليلات تاريخية لتأثيرات الجغرافيا في المعارك. واليوم، يسعى الجغرافيون العسكريون لشرح العمليات التي أوجدت مشهدا فريدة من خلال فهم الجغرافيا وباستخدام منظورها المكاني المميز. ومع ذلك، فإن التحليلات التاريخية ودراسات الحالات تخدم هدف غاية في الأهمية بالفعل، كما أن هذه المنهجية تساعد الجغرافيين العسكريين فعلية في سعيهم للإجابة عن نسخة فريدة من الأسئلة الجغرافية الشاملة: "كيف تبدو بيئة العمل؟» و«لماذا هي بهذا الشكل هنا؟" و" كيف ستؤثر في العمليات؟". بالتأكيد، هذه الأسئلة الثلاثة راسخة في اهتمام الجغرافي العسكري بتنوع فضاء الأرض وهي ترتبط بالتقاليد الجغرافية الأساسية.
وللإجابة عن هذه الأسئلة، يعتمد المختص بالجغرافيا العسكرية على الفكرة العامة القائلة بأن الجغرافيا هي علم مكاني والقاسم المشترك في جميع الأبحاث هو التعرف على النماذج المكانية وديناميات المشهد الطبيعي والبشري التي تخلق ذلك التنوع. وهذه هي نقطة الانطلاق الأساسية لفهم الرابط بين المشكلات العسكرية والبيئة. ومن ثم، بالنسبة إلى الخبير بالجغرافيا العسكرية، فإن مفهوم الفضاء المكاني يفسر الطريقة التي تتسبب بها العمليات والديناميات في توزيع الأشياء، فضلا عن الأنماط الزمانية المرتبطة بالظواهر التي تضفي الطابع الفريد على الأمكنة. ومن ثم، فإن المختص بالجغرافيا العسكرية يدرك أن مضمون الأمكنة وديناميات الظواهر الطبيعية منظمة ويمكن تفسيرها.
ينطوي تطوير استراتيجية عسكرية على اختيار أهداف وأسلوب وتسلسل عمل وحركة القوة العسكرية نحو منطقة الهدف. واليوم، في سياق العمليات غير الحربية، يمكن أن تواجه القائد الميداني مجموعة من المتغيرات الصعبة والملتبسة في بيئة عملياتية معقدة للغاية. وفي تلك الحالة، لن يقوم القائد بالإعداد لمعركة، بل ربما يخطط للإغاثة من كارثة متعددة الأوجه أو عملية لحفظ السلام. من الواضح أن الأهداف السياسية والوسيلة الاقتصادية والوسائل المتاحة تؤثر في الاستراتيجية. وفي إحدى الحالات، قد يكون الهدف تدمير قوات العدو، ولكن في حالات أخرى، قد يكون الهدف نقل إمدادات الإغاثة إلى منطقة تعاني ظروف قاسية بسبب كارثة طبيعية. ومع ذلك، وبغض النظر عن الاستراتيجية، يعتمد نجاح أي عملية عسكرية - في زمن السلم وفي أثناء الحرب - على خطة سليمة تأخذ في الاعتبار تحلية مقنعة لبيئة العمل العسكري.
تكشف دراسة للتاريخ العسكري الحديث عن الطبيعة الجغرافية للحرب. وقد أثبتت العمليات المعاصرة في أفغانستان والعراق العلاقة التي لا ريب فيها بين الجغرافيا والعمليات العسكرية. وبالتأكيد، فإن إدماج التضاريس بمهارة في التخطيط للمعارك والذي قام به كل من روبرت لي وإرفين رومل ودوجلاس ماك آرثر وجورج باتون تعد من روائع الجغرافيا العسكرية. وبالتالي، لم تفقد دراسة الجغرافيا العسكرية التاريخية والعملياتية - على شكل دراسة حالة – قوتها على إدماج ديناميات البيئة العملياتية والتقنيات الحربية والعنصر البشري للقيادة.
في الفصل الثامن، يدرس فرانسیس جالجانو خصائص المشهد الطبيعي النهري وتأثيره في العمليات العسكرية. ويقدم في هذا الفصل تحلية جغرافيا للدور الذي أدته الأنهار خلال الحرب الأهلية الأمريكية، كما يقدم دراسة حالة توضح كيف تغلب جيش الاتحاد على الحواجز التي شكلها نهر الميسيسبي في الجزيرة رقم 10 عام 1863. وفي الفصل التاسع، يعرض هندريك سميت، وهو من جنوب أفريقيا، نظرة فريدة ونادرة عن حملة شنت خلال حرب البوير. ويوضح تحليل سميت الجغرافي لحملة كيب الشمالية عام1899، المشكلات المعقدة التي تفرضها المسافة والبيئات القاسية والظروف شبه القاحلة، بالإضافة إلى كيفية تكيف مختلف القادة مع الظروف الجغرافية. وفي الفصل العاشر، يدرس إيوجين بالكا بيئة قاسية تتسم بذات القدر من الأهمية. وفي دراسة بالكا للحملة الأمريكية لاستعادة آتو في عام 1943، يسلط الضوء على مجموعة صعبة جدا من المشكلات الجغرافية التي واجهها الأمريكيون خلال حملتهم في جزر ألوشن، والتي كانت المعركة الوحيدة التي جرت على التراب الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية.
في الفصل الحادي عشر، يستخدم إيوجين بالكا و فرانسيس جالجانو حملة بونا في غينيا الجديدة أثناء الحرب العالمية الثانية لإيضاح الأثر العميق الذي يمكن أن يخلفه المرض على القوة العسكرية. ولعل الإنزال البرمائي في إنشون في كوريا عام 1950، هو ربا من أكثر الحركات الالتفافية حسين في التاريخ العسكري، ففي الفصل الثاني عشر يقيم جالجانو التحديات الجغرافية المرتبطة بهذا الإنزال، ويصف كيف أن الظروف الجغرافية الصعبة جدا ربا ساهمت في التألق الاستراتيجي للخطة.
الفصول الثلاثة الأخيرة من هذا القسم مكرسة لدراسات الحالة التي هي أكثر معاصرة وتركيز على تفاعلات مقنعة بين المشهدين الطبيعي والبشري خلال العمليات العسكرية في فترة ما بعد الحرب الباردة. ففي الفصل الثالث عشر، يفسر ستيفن أولويك الجغرافيا التاريخية ليوغسلافيا السابقة، ويثبت العمليات الأساسية التي أدت إلى الانهيار والعنف العرقي المقوض للاستقرار في البوسنة خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين. وفي الفصل الرابع عشر، يفسر إيوجين بالكابيئة العمليات في أفغانستان وتأثيرها في عملية الحرية الدائمة، والجهود المتواصلة لتحقيق الاستقرار في هذا المشهد البشري الممزق. وأخيرة، في الفصل الخامس عشر، يقدم كل من إيوجين بالكا وفرانسيس جالجانو ومارك کورسون لمحة شاملة عن الأحداث التي أدت إلى عملية حرية العراق والتي تلتها. وفي هذا الفصل، يفصح المؤلفون عن تحليل مفصل للمشهد الطبيعي المروع والمشهد البشري المعقد للغاية والمثير للحيرة، وتأثيراته في الصراع الدموي الطويل الذي نتج في أعقاب الغزو الأمريكي.
في الإجمال، تثبت فصول هذا القسم الفائدة الواضحة والمؤكدة من الجغرافيا العسكرية في سياق الحرب. ومادام القادة العسكريون مضطرين إلى توظيف القوات وخوض المعارك في بيئات عملياتية على أراضي بعيدة عن أوطانهم، عندها يجب عليهم مراعاة العوامل المجهولة والمتغيرة التي تشمل التضاريس والنباتات والمناخ والطقس والمشهد البشري. فقد أثبت التاريخ أن هذه العوامل يمكن أن تكون حاسمة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|