أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2017
1520
التاريخ: 26-7-2017
2744
التاريخ: 14-08-2015
6157
التاريخ: 25-12-2015
9053
|
لعل في مقدور المرء ان يطمئن إلى امر واضح هو ان النقاد العرب لم يفهموا من المحاكاة غير التشبيه، وربما كان اجلال الشعر الجاهلي ايضاً هو الدافع الخفي إلى ذلك، فيلوح ان النقاد الذين اقترضوا دائماً ان هذا الشعر انما بلغ ذروة التطور، لم يكونوا يتصورون وجود مفهوم آخر للشعر لم يعرفه شعراء الجاهلية، فلما عرفوا شيئاً من امر المحاكاة قالو: هي التشبيه ومضوا يفسرون المحاكاة بالتشبيه ويخلطون بين ما يمكن ان يوحيه كل منهما، وقد رأينا كيف وقع هذا الخلط في كلام ابن سينا وابن رشد على الرغم من انهما كانا بسبيل شرح كلام ارسطو الذي يصرح ان سبيل المحاكاة هو سبيل الفعل الذي يمكن ان يكون، وليس سبيل الشيء الذي هو كائن على نحو ما يقع في التشبيه، واذا كان هذا شأن الفلاسفة، فالنقاد أولى بذلك، ولقد استقر في اذهان النقاد هذا التفسير حتى غدا عاملاً جوهرياً في اعتبار التشبيه جوهر الفن الشعري، على الرغم مما قد يفضي إليه ذلك من جمود شكلي يقضي على طلاقة الخيال، ويربطه بالحس. بل ان مصطلح "التخييل" ايضاً الذي كان يمكن ان يطور قليلاً في مفهوم التشبيه، لم يلبث خضع لتأويلات جعلته ضرباً من التشبيه، حقاً ان معنى التخييل كان يقصد به احياناً ما هو ابعد من التشبيه، ولكنه لم ينفصل عنه غالباً لأنه هو ايضاً قرين المحاكاة، فالزمخشري مثلاً رأي في باب التخييل مخرجاً لطيفاً لمشكلة الآيات الكريمة التي يوهم ظاهرها التشبيه فقال: انها ليست حقيقة ، وليست مجازاً، وانما هي تمثيل، او تصوير، او تخييل حسي، نحو قوله تعالى : (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا) قال الزمخشري: (ومعنى ذلك انه نصب لهم الادلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم، وبصائرهم، التي ركبها فيهم، وجعلها مخيرة بين الضلالة والهدى)(1) ويرى الدكتور مصطفى ناصف ان صعوبة وجود حدى المجاز في بعض الآيات هي التي قادت الزمخشري إلى تعبير التخييل الذي يجرد ما في ظاهر الآيات من تجسيم مادي، ويردها إلى معنى عقلي(2). وهكذا فالتخييل اذن هو تصوير حسي لمعنى ذهني، ولكن هذا المعنى لم يسلم به دائماً عند النقاد، ويبدو انه ظل غامضاً على الدوام، فيرى الدكتور شكري عياد ان كلمة التخييل عند عبد القاهر مثلاً تتنازعها ثلاثة معان: (معنى منطقي كلامي، ومعنى فني شبيه بمعنى المحاكاة، ومعنى بياني متأثر بتقسيم ابن سينا لأنواع التخييل إلى (تشبيه، واستعارة، وتركيب منهما) (3).
والحق اننا لا نجد صعوبة في التماس الادلة على تفسير المحاكاة بالتشبيه، فـ (متى) منذ الصفحة الاولى في ترجمته لكتاب ارسطو، يورد لفظي التشبيه والمحاكاة على انهما مترادفان: (وكما ان الناس قد يشبهون بألوان، واشكال كثيراً، ويحاكون ذلك من حيث ان بعضهم يشبه بالصناعات ويحاكيها، وبعضهم بالعادات، وقوم آخر منهم بالأصوات، وكذلك الصناعات التي وصفنا، وجميعها يأتي بالتشبيه والحكاية) (4). أما فدامة فيظهر في كتابه انه يعتبر المحاكاة وصفاً ــ والوصف في النهاية تشبيه ــ يقول في "نعت الوصف": (الوصف انما هو ذكر الشيء كما فيه من الاحوال والهيئات، ولما كان أكثر وصف الشعراء انما يعق على الاشياء المركبة من ضروب المعاني كان أحسنهم من اتى في شعره بأكثر المعاني التي الموصوف مركب منها، ثم بأظهرها فيه، وأولادها، حتى يحكيه بشعره، ويمثله للحس بنعته) (5). وظاهر ان قدامة لا يقتصر على جعل الوصف محاكاة للمعاني التي يتألف منها الشيء الموصوف فحسب، وانما يجعله محاكاة حسية ايضاً، لأن الشاعر اذا اراد ان يصف شيئاً فينبغي ان (يحكيه بشعره، ويمثله للحس بنعته) وهذه صلة واضحة بين المحاكاة، والتمثيل الحسي، تمثل جوهر ما استقر عليه النقاد فيما بعد، الذين تخلوا شيئاً فشيئاً عن مصطلح المحاكاة مؤثرين عليه مصطلح التشبيه، يقول الدكتور محمد غنيمي هلال: (وقد فهم نقاد العرب من المحاكاة انها مرادفة للمجاز، اي التشبيه، والاستعارة، والكناية)(6) ويقول الدكتور مصطفى ناصف: (نلاحظ ان المحاكاة كادت تستحيل إلى التشبيه، وحيثما عطفت عليه فعطف لا تستبين في مسافة اية مغايرة حقيقة، ولم يكن هذا الالتباس إلا تعبيراً عن مكان التشبيه في البيان ونقده، ومن ثم خيل اليهم ان المحاكاة والتشبيه يتقاربان)(7).
اما عبد القاهر فالتشبيه عنده هو المعنى الكامن في مختلف المصطلحات التي يوردها، مثل التمثيل، والتخييل، والتأول، والقياس، كما يظهر في شرحه لهذا البيت الذي جعله مثلاً للتمثيل:
وكأن النجوم بين دجاه سنن لاح بينهن ابتداع
قال: (وذلك ان تشبيه السنن بالنجوم تمثيل، والشبه عقلي، وكذلك تشبيه خلافها من البدعة والضلالة بالظلمة ثم انه عكس فشبه النجوم بالسنن كما فعل فيما مضى من المشاهدات. . . وانما يقصد بالتشبيه في هذا الضرب ما قدم من الاحكام المتاولة من طريق المقتضى، فلما كانت الضلالة والبدعة وكل ما هو جهل تجعل صاحبها في حكم من يمشي في الظلمة، فلا يهتدي إلى الطرق، ولا يفصل الشيء من غيره، حتى يتردى في مهواة، وبعثر على عدو قاتل، وآفة مهلكة، لزم من ذلك ان تشبه بالظلمة، ولزم على عكس ذلك ان تشبه السنة، والهدى، والشريعة وكل ما هو علم بالنور، واذا كان الامر كذلك علمت ان طريقة العكس لا تجيء في التمثيل على حدها في التشبيه الصريح وانها اذا سلكت فيه كان مبنياً على ضرب من التأول، والتخيل يخرج عن الظاهر خروجاً ويبعد عنه بعداً شديداً . . . فصار تشبيهه النجوم بين الدجى، وبالسنن بين الابتداع على قياس تشبيههم النجوم في الظلام، ببياض الشيب في سواد الشباب)(8)، واذا كان معنى التخييل الذي استعمله عبد القاهر عوضاً من المحاكاة يرجع ايضاً إلى معنى التشبيه في صورة من صوره، فذلك ينم على ملازمة معنى المحاكاة لمعنى التشبيه عند عبد القاهر.
وإذا كان حازم القرطاجني قد اعتبر دائماً ممثلاً للفكر اليوناني في النقد العربي أفضل تمثيل فإنه لم ينج ايضاً من هذا اللبس، فلا يكاد المرء يقلب في "منهاجه" حتى يقع على قوله في معرض كلامه على التناسب بين المعاني: (وما جعل فيه أحد المتناسبين على هذه الصفة مثالاً للآخر، ومحاكياً له، فهو تشبيه) (9). على اننا لسنا بحاجة إلى الاستنباط ، فحازم يقرر صراحة ما نحن بسبيل تقريره، يقول: (وتنقسم المحاكاة ايضاً من جهة ما تكون مترددة على السن الشعراء قديماً بها العهد، ومن جهة ما تكون طارئة مبتدعة لم يتقدم بها عهد قسمين :فالقسم الاول هو التشبيه المتداول بين الناس، والقسم الثاني هو التشبيه الذي يقال فيه: انه مخترع، وهذا اشد تحريكا للنفوس اذا قدرنا تساوي قوة التخييل في المعنيين)(10)، وواضح هنا ان حازماً يستخدم المحاكاة والتشبيه والتخييل وكأنها اسماء لمسمى واحد، ولا سيما انه لا يلبث ان يقول: (والتخاييل في المعاني: منها محاكيات تقع في امور من جهة ما ترتبت في مكان وحصل لبعضها وضع ونسبة من بعض، فتحاكى على ما وقعت عليه من ذلك، ومنها محاكيات تقع في امور من جهة ما ترتبت في زمان، ووقع فيه بعضها بنسبة من بعض، وانتسب شيء منها إلى شيء، فتحاكى ايضاً على ما وقعت عليه من ذلك)(11). فالتخاييل محاكيات والمحاكيات تشبيهات فكأن التشبيه هو الفلك الذي تدور فيه معاني النقد جميعاً.
_____________
(1) انظر: كتاب الشعر ص262.
(2) الصورة الأدبية: ص88.
(3) كتاب الشعر: ص258.
(4) المصدر نفسه: ص29.
(5) نقد الشعر: ص118.
(6) النقد الادبي الحديث: ص162.
(7) الصورة الادبية: ص119.
(8) عبد القاهر الجرجاني: اسرار البلاغة تحقيق الشيخ محمد رشيد رضا، مطبعة المنار، الطبعة الثانية القاهرة 1925 ص 196-198.
(9) حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الادباء تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة، تونس 1966. ص14.
(10) حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الادباء تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة، تونس 1966. ص96.
(11) المصدر نفسه: ص97.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"علاج بالدماغ" قد يخلص مرضى الشلل من الكرسي المتحرك
|
|
|
|
|
تقنية يابانية مبتكرة لإنتاج الهيدروجين
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يطلق مشروع (حفظة الذكر) في قضاء الهندية
|
|
|