أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2015
3312
التاريخ: 29-3-2016
3492
التاريخ: 8-04-2015
3694
التاريخ: 29-3-2016
4003
|
انقضت ليلة الهدنة ، وطلع ذلك اليوم الرهيب ، يوم عاشوراء ، يوم الدم والجهاد والشهادة ، وطلعت معه رؤوس الأسنّة والرماح والأحقاد وهي مشرعة لتلتهم جسد الحسين ( عليه السّلام ) وتفتك بدعاة الحق والثوار من أجل الرسالة والمبدأ .
نظر الحسين ( عليه السّلام ) إلى الجيش الزاحف ، ولم يزل ( عليه السّلام ) كالطود الشامخ ، قد اطمأنت نفسه ، وهانت دنيا الباطل في عينه ، وتصاغر جيش الباطل أمامه ، ورفع يديه متضرعا إلى اللّه تعالى قائلا : « اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، وأنت رجائي في كل شدّة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ ، أنزلته بك وشكوته إليك ، رغبة مني إليك عمّن سواك ففرّجته عني وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة[1].
خطاب الإمام ( عليه السّلام ) في جيش الكوفة :
أخذ جيش عمر بن سعد يشدّد الحصار على الإمام ( عليه السّلام ) ولما رأى الحسين ( عليه السّلام ) كثرتهم وتصميمهم على قتاله إذا لم يستسلم ليزيد بن معاوية ، تعمّم بعمامة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وركب ناقته وأخذ سلاحه ثم دنا من معسكرهم بحيث يسمعون صوته وراح يقول : « يا أهل العراق - وجلّهم يسمعون - » فقال :
أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ وحتى أعذر إليكم فإن أعطيتموني النّصف كنتم بذلك أسعد ، وإن لم تعطوني النّصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا اليّ ولا تنظرون ( إنّ وليّي اللّه الذي أنزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) ، ثم حمد اللّه وأثنى عليه وذكر اللّه تعالى بما هو أهله وصلّى على النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) وعلى ملائكته وأنبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه » ثم قال : « أمّا بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بما جاء به من عند ربه ؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمّي ؟ أوليس جعفر الطيار في الجنّة بجناحين عمّي ؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنة ؟ فإن صدقتموني بما أقول - وهو الحق - فو اللّه ما تعمدت كذبا منذ علمت أن اللّه يمقت عليه أهله ، وإن كذبتموني فإنّ فيكم من إذا سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) لي ولأخي ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟ . . . ثم قال لهم الإمام الحسين ( عليه السّلام ) : « فإن كنتم في شك من هذا فتشكّون أني ابن بنت نبيكم فو اللّه ليس ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم . ويحكم ! أتطلبونني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة ؟ فأخذوا لا يكلمونه ، فنادى : يا شبث بن ربعي ! ويا حجّار بن أبجر ! ويا قيس بن الأشعث ! ويا يزيد بن الحارث ! ألم تكتبوا اليّ أن قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة » ؟ فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمّك . فقال له الحسين ( عليه السّلام ) : « لا واللّه ، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد » . ثم نادى :
« يا عباد اللّه ! إني عذت بربّي وربّكم أن ترجمون ، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبرلا يؤمن بيوم الحساب »[2].
لقد أبى القوم إلّا الإصرار على حربه والتمادي في باطلهم ، وأجابوه بمثل ما أجاب به أهل مدين نبيّهم كما حكى اللّه عز وجل عنهم في كتابه الكريم : ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ ، وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً[3].
الحر يخيّر نفسه بين الجنّة والنار :
وتأثر الحر بن يزيد الرياحي بكلمات الإمام الحسين ( عليه السّلام ) وندم على ما سبق منه معه ، وراح يدنو بفرسه من معسكر الحسين تارة ويعود إلى موقفه أخرى وبدا عليه القلق والاضطراب . وعندما سئل عن السبب في ذلك قال :
« واللّه إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار وبين الدنيا والآخرة ولا ينبغي لعاقل أن يختار على الآخرة والجنة شيئا » ، ثم ضرب فرسه والتحق بالحسين ( عليه السّلام ) ووقف على باب فسطاطه ، فخرج إليه الحسين ( عليه السّلام ) فانكبّ عليه الحرّ يقبّل يديه ويسأله العفو والصفح ، فقال له الحسين ( عليه السّلام ) : « نعم يتوب اللّه عليك وهو التّواب الرحيم » . فقال له الحر : واللّه لا أرى لنفسي توبة إلّا بالقتال بين يديك حتى أموت دونك . وخطب الحر في أهل الكوفة فوعظهم وذكّرهم موقفهم من الإمام ( عليه السّلام ) ودعوتهم له وحثّهم على عدم مقاتلة الإمام ( عليه السّلام ) ثم مضى إلى الحرب فتحاماه الناس ، ثم تكاثروا عليه حتى استشهد[4].
المعركة الخالدة :
حصّن الإمام ( عليه السّلام ) مخيّمه وأحاط ظهره بخندق أو قد فيه النار ليمنع المباغتة والالتفاف عليه من الخلف ، وليحمي النساء والأطفال من العدوان المحقّق .
نظر شمر بن ذي الجوشن إلى النار في الخندق فصاح : « يا حسين تعجّلت النار قبل يوم القيامة ، فرد عليه أنت أولى بها صليّا »[5] ، وحاول صاحب الحسين ( عليه السّلام ) مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم ، فاعترضه الإمام ومنعه قائلا : « لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم »[6].
ويقول المؤرخون : إن بعض أصحاب الإمام خطب بالقوم بعد خطبة الإمام الأولى ، وأنّ الإمام ( عليه السّلام ) أخذ مصحفا ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم فخاطبهم للمرة الثانية بقوله : يا قوم ! إنّ بيني وبينكم كتاب اللّه وسنّة جدّي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ثم استشهدهم عن نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبي صلّى اللّه عليه واله ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عمّا أقدمهم على قتله ، قالوا : طاعة للأمير عبيد اللّه ابن زياد ، فقال ( عليه السّلام ) : « تبا لكم أيتها الجماعة وترحا أحين استصرختمونا[7] والهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم ، وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم إلبا[8] لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلّا - لكم الويلات - تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لمّا يستحصف ! ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدّبا[9] ، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها فسحقا لكم يا عبيد الأمّة وشذّاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرّفي الكلم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان ومطفئي السنن ، ويحكم ! أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون ؟ أجل ! واللّه غدر فيكم قديم ، وشجت عليه أصولكم وتأزرت فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر ، شجى للناظر وأكلة للغاصب . ألا وإن الدعيّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السّلة والذلة . وهيهات منا الذلة ! يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام . ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر . ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي :
فان نهزم فهزّامون قدما * وإن نهزم فغير مهزّمينا
وما إن طبّنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا
إذا ما الموت رفّع عن أناس * كلاكله أناخ بآخرينا[10]
أما واللّه لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس ، حتى تدور بكم دور الرّحى ، وتقلق بكم قلق المحور ، عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ[11] إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ[12]. ثم رفع يديه نحو السماء وقال : « اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة ، فإنهم كذّبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير »[13].
كل ذلك وعمر بن سعد مصرّ على قتال الحسين ( عليه السّلام ) ، والإمام الحسين ( عليه السّلام ) يحاور وينصح ويدفع القوم بالتي هي أحسن . ولما لم يجد النصح مجديا قال لابن سعد : « أي عمر أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدعيّ بلاد الري وجرجان ؟
واللّه لا تتهنّأ بذلك ، عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع ، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأني برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضا بينهم » فصرف ابن سعد وجهه عنه مغضبا[14].
واستحوذ الشيطان على ابن سعد فوضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى باتجاه معسكر الحسين ( عليه السّلام ) وقال : « اشهدوا أني أول من رمى » ثم ارتمى الناس وتبارزوا[15].
فخاطب الإمام ( عليه السّلام ) أصحابه قائلا : « قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لا بد منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم »[16].
فتوجهوا إلى القتال كالأسود الضارية لا يبالون بالموت مستبشرين بلقاء اللّه جل جلاله ، وكأنهم رأوا منازلهم مع النبيين والصديقين وعباده الصالحين ، وكان لا يقتل منهم أحد حتى يقول : السلام عليك يا أبا عبد اللّه ويوصي أصحابه بأن يفدوا الإمام بالمهج والأرواح ، واحتدمت المعركة بين الطرفين ، ( فكان لا يقتل الرجل من أنصار الحسين ( عليه السّلام ) حتى يقتل العشرة والعشرين )[17].
استمرت رحى الحرب تدور في ساحة كربلاء ، واستمر معه شلّال الدم المقدس يجري ليتخذ طريقه عبر نهر الخلود ، وأصحاب الحسين ( عليه السّلام ) يتساقطون الواحد تلو الآخر ، وقد أثخنوا جيش العدو بالجراح وأرهقوه بالقتل ، فتصايح رجال عمر بن سعد : لو استمرت الحرب برازا بيننا وبينهم لأتوا على آخرنا . لنهجم عليهم مرة واحدة ، ولنرشقهم بالنبال والحجارة .
فبدأ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين ( عليه السّلام ) وأحاطوا بهم من جهات متعددة مستخدمين كل أدوات القتل وأساليبه الدنيئة حتى قتلوا أكثر جنود المعسكر الحسيني من الصحابة .
وزالت الشمس وحضر وقت الصلاة ، وها هو الحسين ( عليه السّلام ) ينادي للصلاة وقد تحول الميدان عنده محرابا للجهاد والعبادة ، ولم يكن في مقدور السيوف والأسنّة أن تحول بينه وبين الحضور في ساحة المناجاة والعروج إلى حظائر القدس وعوالم الجمال والجلال .
ولم يزل يتقدّم رجل رجل من أصحابه فيقتل ، حتّى لم يبق مع الحسين ( عليه السّلام ) إلّا أهل بيته خاصّة . فتقدّم ابنه عليّ بن الحسين ( عليه السّلام ) - وامّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثّقفيّ - وكان من أصبح النّاس وجها ، فشدّ على النّاس وهو يقول :
أنا عليّ بن الحسين بن علي * نحن وبيت اللّه أولى بالنّبي
تاللّه لا يحكم فينا ابن الدّعي
ففعل ذلك مرارا وأهل الكوفة يتّقون قتله ، فبصر به مرّة بن منقذ العبديّ فقال : عليّ آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ذلك إن لم اثكل أباه ؛ فمرّ يشدّ على النّاس كما مرّ في الأوّل ، فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصرع ، واحتوشه القوم فقطّعوه بأسيافهم ، فجاء الحسين ( عليه السّلام ) حتّى وقف عليه فقال :
« قتل اللّه قوما قتلوك يا بنيّ ، ما أجرأهم على الرّحمن وعلى انتهاك حرمة الرّسول ! » وانهملت عيناه بالدّموع ثمّ قال : « على الدّنيا بعدك العفا » وخرجت زينب أخت الحسين مسرعة تنادي : يا أخيّاه وابن أخيّاه ، وجاءت حتّى أكبّت عليه ، فأخذ الحسين برأسها فردّها إلى الفسطاط ، وأمر فتيانه فقال : « احملوا أخاكم » فحملوه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه .
ثمّ رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له : عمرو بن صبيح عبد اللّه بن مسلم بن عقيل ( رحمه اللّه ) بسهم ، فوضع عبد اللّه يده على جبهته يتّقيه ، فأصاب السّهم كفّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها به فلم يستطع تحريكها ، ثمّ انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله .
وحمل عبد اللّه بن قطبة الطائي على عون بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقتله .
وحمل عامر بن نهشل التّيميّ على محمّد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقتله .
وشدّ عثمان بن خالد الهمدانيّ على عبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقتله .
قال حميد بن مسلم : فإنّا لكذلك إذ خرج علينا غلام كأنّ وجهه شقّة قمر ، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع إحداهما ، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزديّ : واللّه لأشدّنّ عليه ، فقلت : سبحان اللّه ، وما تريد بذلك ؟ ! دعه يكفيكه هؤلاء القوم الّذين ما يبقون على أحد منهم ؛ فقال :
واللّه لأشدّنّ عليه ، فشدّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسّيف ففلقه ، ووقع الغلام لوجهه فقال : يا عمّاه ! فجلى[18] الحسين ( عليه السّلام ) كما يجلي الصقر ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب ، فضرب عمر بن سعيد بن نفيل بالسّيف فاتّقاها بالسّاعد فأطنّها من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ، ثمّ تنحّى عنه الحسين ( عليه السّلام ) . وحملت خيل الكوفة لتستنقذه فوطأته بأرجلها حتّى مات .
وانجلت الغبرة فرأيت الحسين ( عليه السّلام ) قائما على رأس الغلام وهو يفحص برجله والحسين يقول : « بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك » ثمّ قال : « عزّ - واللّه - على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت - واللّه - كثر واتروه وقلّ ناصروه » ثمّ حمله على صدره ، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام تخطّان الأرض ، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليّ بن الحسين والقتلى من أهل بيته ، فسألت عنه فقيل لي : هو القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) .
ثمّ جلس الحسين ( عليه السّلام ) أمام الفسطاط فاتي بابنه عبد اللّه بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره ، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه ، فتلقّى الحسين ( عليه السّلام ) دمه ، فلمّا ملأكفّه صبّه في الأرض ثمّ قال : « ربّ إن تكن حبست عنّا النّصر من السّماء فاجعل ذلك لما هو خير ، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظّالمين » ثمّ حمله حتّى وضعه مع قتلى أهله .
ورمى عبد اللّه بن عقبة الغنويّ أبا بكر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) فقتله .
فلمّا رأى العبّاس بن عليّ رحمة اللّه عليه كثرة القتلى في أهله قال لإخوته من امّه - وهم عبد اللّه وجعفر وعثمان - يا بني امّي ! تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله ، فإنّه لا ولد لكم . فتقدّم عبد اللّه فقاتل قتالا شديدا ، فاختلف هو وهانيء بن ثبيت الحضرميّ ضربتين فقتله هانيء لعنه اللّه . وتقدّم بعده جعفر بن عليّ ( عليه السّلام ) فقتله أيضا هانيء . وتعمّد خوليّ بن يزيد الأصبحيّ عثمان بن عليّ ( عليه السّلام ) وقد قام مقام إخوته فرماه بسهم فصرعه ، وشدّ عليه رجل من بني دارم فاحتزّ رأسه .
وحملت الجماعة على الحسين ( عليه السّلام ) فغلبوه على عسكره ، واشتدّ به العطش ، فركب المسنّاة[19] يريد الفرات وبين يديه العبّاس أخوه ، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم : ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكّنوه من الماء ، فقال الحسين ( عليه السّلام ) : « اللّهمّ أظمئه » فغضب الدّارميّ ورماه بسهم فأثبته في حنكه ، فانتزع الحسين ( عليه السّلام ) السّهم وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدّم ، فرمى به ثمّ قال : « اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك » ثمّ رجع إلى مكانه وقد اشتدّ به العطش .
[1] الإرشاد : 2 / 96 .
[2] الإرشاد : 2 / 98 ، إعلام الورى : 1 / 459 .
[3] هود ( 11 ) : 91 .
[4] الإرشاد : 2 / 99 ، الفتوح : 5 / 113 ، بحار الأنوار : 5 / 15 .
[5] مقتل الحسين ، للمقرم : 277 .
[6] مقتل الحسين ، للمقرم : 277 ، تاريخ الطبري : 3 / 318 .
[7] استصرختمونا : طلبتم نجدتنا .
[8] إلبا : مجتمعين متضامنين ضدنا .
[9] الدّبا : الجراد الصغير .
[10] تاريخ ابن عساكر : 69 / 265 ، اللهوف في قتلى الطفوف ، ابن طاووس : 59 و 124 .
[11] يونس ( 10 ) : 71 وهود ( 11 ) : 56 .
[12] يونس ( 10 ) : 71 وهود ( 11 ) : 56 .
[13] مقتل الحسين ، للمقرم : ص 289 - 286 ، مقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 6 ، تاريخ ابن عساكر ، ترجمة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) : 216 ، راجع إعلام الورى : 1 / 458 .
[14] مقتل الحسين للمقرم : 289 .
[15] الإرشاد : 2 / 101 ، اللهوف : 100 ، إعلام الورى : 1 / 461 .
[16] مقتل الحسين للمقرم : 292 .
[17] سيرة الأئمّة الاثني عشر : 2 / 76 .
[18] جلّى ببصره : إذا رمى به كما ينظر الصقر إلى الصيد . « الصحاح - جلا - 6 : 2305 » .
[19] المسناة : تراب عال يحجز بين النهر والأرض الزراعية . « تاج العروس - سنى - 10 : 185 »
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|