أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2018
671
التاريخ: 20-11-2014
681
التاريخ: 9-08-2015
560
التاريخ: 5-07-2015
1471
|
اللطف هو ما يختار المكلّف عنده فعل الطاعة و التجنب عن المعصية أو أحدهما. و لولاه ما كان يختارهما و لا واحدا منهما، أو يكون عنده أقرب إليهما أو إلى أحدهم. و لو لاه ما كان أقرب إليهما و لا إلى أحدهما و لا يكون تمكينا و لا له حظّ في التمكين من الذي يختاره أو يكون أقرب إليه عنده، أي اختيار ما يختاره أو قربه منه عنده يكون بسبب دعوته إليه و بعثه عليه، لا بسبب كونه تمكينا منه.
و يسمّى اللطف مصلحة في الدين، و لهذا يوصف
الشرعيّات التي هي ألطاف لنا في العقليّات بأنّها مصالح لنا. و كذا يقال في
الأمراض و الآلام التي يفعلها اللّه تعالى في الدنيا بالمكلّفين و غيرهم إنّها
مصالح للمكلّفين، و المصلحة هي المنفعة أو المؤدّي إليها بشرط أن لا يتعقّبها ضرر
أعظم منها أو فوات نفع أكثر منها.
و بيان هذا: أنّ كلّ ما يسمّى مصلحة، فانّه
يكون منفعة أو مؤدّيا إليها بالشروط التي اعتبرناها فهو اطراد الأزمان، و كلّ
منفعة أو مؤدّي إليها بالاعتبار المذكور يسمّى بأنّه مصلحة انعكاسا واجبا، فصحّ
أنّ حقيقة المصلحة ما ذكرناه، وأمّا المفسدة فهي ما يعصي المكلّف عنده، سواء كان
عصيانه بالإقدام أو بالإحجام أو بهما جميعا. و لو لاه ما يعصي و لا يكون تمكينا و
لا له حظّ في التمكين من العصيان الواقع عنده، أي وقوعه عنده يكون بطريق الدعوة و
البعث، لا بطريق التمكين، على ما ذكرناه في حدّ اللطف. و قد يعدّ في المفسدة ما
يكون المكلّف عنده أقرب إلى أن يعصي و إن لم يعص، و لولاه ما كان أقرب، بشرط أن لا
يكون تمكينا كما يعدّ المقرّب في اللطف، ويزاد في حدّها بذكره بأن يقال: أو يكون
المكلّف عنده أقرب إلى المعصية، و لو لاه ما كان يكون أقرب مع الشرط المعتبر. وفي
ذلك نظر.
واعلم أنّ المصالح تنقسم إلى ما يكون مصلحة
في الدين و إلى ما يكون مصلحة في الدنيا. فمصالح الدين هي الألطاف، و مصالح الدنيا
هي الامور التي ينتفع بها الحيّ لا يستضرّ بها حيّ آخر من الأحياء و لا يكون فيها
وجه قبح.
يجوز أن يعلم اللّه تعالى إن رزق شخصا مائة
دينار انتفع به عاجلا و آجلا و لا يستضرّ به غيره و لا وجه من وجوه القبح.
و قد وقع الخلاف في وجوب كلّ واحد من قسمي
المصالح الدينيّة و الدنيويّة عليه تعالى.
أمّا المصالح الدنيويّة ... فقد قال أبو
عليّ و أبو هاشم: إنّها غير واجبة، و قال أبو القاسم البلخيّ و غيره من أهل العدل.
إنّها واجبة في الجود، فقالوا: إنّه يجب عليه تعالى في جوده أنّ يرزق الشخص الذي
ذكرناه المائة دينار. قالوا: لأنّ علمه بانتفاعه بها يدعوه إلى أن يرزقه تلك
المائة و ليس له عن ذلك صارف، و كلّ من دعاه إلى الفعل داع و لا يقابل داعيه صارف،
فانّه يفعله لا محالة.
قالوا: وإنّما قلنا: «لا صارف له تعالى عن
فعل ما وصفناه»، لأنّ الصارف عن ذلك إمّا علمه بقبحه و قد فرضنا ألا وجه فيه من
وجوه القبح، و إمّا استضراره به بأن يشقّ عليه فعله و تشحّ نفسه به و علمه تعالى
بذلك، و هذا هو الشحّ و البخل و المضارّ مستحيلة عليه تعالى شحا كانت أو غيره،
فصحّ انّه لا صارف له عن فعل ما ذكرناه. وإنّما قلنا: «إن من كان له داع إلى الفعل
و لا يقابل داعيه ذلك الصارف فانّه يفعله لا محالة» من حيث انّه لو لم يقع منه و
لم يفعله و الحال ما وصفناه لقدح في اقتداره عليه و كشف عن أنّه ليس بقادر عليه،
إذ من حقّ القادر على الشيء وجوب وقوع ما دعاه الداعي إليه إذا لم يصرفه عنه
صارف، و هذا هو الطريق إلى أنّ العباد فاعلون لتصرّفاتهم، و هذا التحرير يقتضي
أنّهم يذهبون إلى وقوع المصلحة الدنياويّة منه تعالى لا محالة و أنّ وجوبها إنّما
هو بهذا المعنى لا بمعنى استحقاق الذمّ بالإخلال به.
وربّما يوردون ما يقتضي أنّها واجبة، بمعنى
استحقاق الذمّ بالإخلال به.
وذلك لأنّهم يقولون: إنّ من ملك، مثلا، ماء
دجلة و وجد عطشانا يموت من العطش و علم أنّه إن أسقاه الماء و صبّ في فيه شربة
منه، عاش و انتفع و لا يستضرّ هو و لا غيره به أصلا و البتة، فانّه لا بدّ من أنّ
يسقيه و يصبّ في فيه الماء، و متى لم يفعل ذلك، عدّه العقلاء بخيلا شحيحا و استحقّ
منهم الذمّ.
و يقولون إنّه إنّما وجب على من وصفناه ذلك
من حيث انّه فعل ينتفع به الغير، و لا ضرر على فاعله و غيره فيه، فكذلك يجب عليه
تعالى مثله.
و أصحاب أبي عليّ و أبي هاشم لا يسلّمون أنّ
سقي الماء لمن وصفوه واجب على ما ذكروه و أنّه يستحقّ الذمّ بالإخلال به، بلى
يقولون: يقبح منه أن يمنعه من الماء و يحول بينه و بينه، لكون ذلك المنع و
الحيلولة عبثا، و لو منعه لاستحقّ الذمّ بذلك القبيح، لا بسبب أن أخلّ بفعل واجب
عليه.
و يستدلّون على إبطال كون الأصلح الدنياويّ
واجبا عليه تعالى على وجه يشمل الوجوبين جميعا و ذلك الوجه هو أنّه لو وجب عليه
تعالى أن يرزق الشخص ... المائة، لوجب أن يرزقه أكثر منها إلى غير نهاية، لأنّ الزيادات
على المائة هي منافع ينتفع بها و لا يستضرّ بها أحد، فإن فعل كلّ ما هذا سبيله،
كان قد فعل ما لا نهاية له، و ذلك محال؛ و إن لم يفعل بعض ما هذا وصفه، كان تاركا
فعل ما له صفة الوجوب وذلك غير جائز، أو فعل ما له إليه داع و لا صارف له عنه، و
ذلك يقدح في اقتداره عليه.
فإن قيل: إنّما لم يفعل الزيادة على المائة،
لأنّ في الزيادة عليها مفسدة.
قلنا: لا يستحيل في العقل كون ما زاد عليه
غير مفسدة. ولو فرضنا هذا الذي ليس بمحال- وهو أن لا يكون في الزيادة عليها مفسدة-
للزم منه المحال الذي ذكرناه، و هو فعل ما لا نهاية له، إن كان الاصلح في الدنيا
واجبا، و المحال لا يلزم على فرض ما ليس بمحال. فيتعيّن أنّ هذا المحال، إنّما لزم
على القول بأنّ الأصلح واجب، فوجب الحكم ببطلانه، و يلزم أيضا أن يخلق اللّه تعالى
حيوانا بل حيوانات كثيرة، بل ما لا يتناهى من الحيوانات في موضع أو مواضع بحيث لا
يطّلع عليها أحد من المكلّفين، و يتفضّل عليها بما لا نهاية له في الوقت الواحد من
الأفعال، إذ لا يتصوّر ادّعاء كون تلك المنافع أو بعضها مفسدة، من حيث أنّ الكلام
مفروض على انّ أحدا من المكلّفين لا يطّلع على تلك الحيوانات و منافعها، و ما لا
يطّلع عليها المكلّف و لا يشعر به يستحيل أن تكون مفسدة له.
و أجابوا عمّا تمسّك به أبو القاسم و أصحابه
بأن قالوا: الحكيم إذا و بخّ و ذمّ على الإخلال بما هو متفضّل به، و قيل له: لم لم
تفعل كذا و كذا، كان له أن يذمّ ذامّه و يوبّخ موبّخه على ذلك ويكفيه في جواب
قوله: «لم لم تفعل كذا»، أن يقول:
«لم أفعله، لأنّه لم يجب فعله».
قالوا: و أمّا البخل فهو منع الواجب، فيجب
أن يبيّن الخصوم أنّ المخلّ بما ذكروه و تاركه تارك الواجب و مخلّ به حتّى يتمّ
لهم القول بأنّه بخيل.
و قد توسّط الشيخ أبو الحسين بين الفريقين
بأن قال: الأولى أن يقال: إنّه إن علم تبارك و تعالى أنّ الزيادة على المائة مفسدة
فانّه لا بدّ من أن يفعل المزيد عليه لتجرّد الداعي إلى فعلها من دون معارضة صارف،
و إن لم يكن في الزيادة عليها مفسدة إلى غير غاية جاز أن يفعل المزيد عليه و جاز
أن لا يفعلها، لأنّ من كان له إلى الفعل داع و كان ذلك الداعي قائما في فعل ما
يشقّ عليه، فانّه يجري ذلك مجرى الصارف، و يكون ذلك الفاعل متردّدا بين الصارف و
الداعي، فتارة يفعل الفعل و تارة لا يفعل. ألا ترى أنّ من دعاه داع إلى أن يدفع
درهما إلى فقير و لم يبيّن أنّه يستضرّ بذلك، فانّه يدفعه إليه. فان حضره من
الفقراء جمع عظيم لو دفع إلى كلّ واحد منهم درهما لاستنفد ماله بذلك و لم يكن
لبعضهم مزيّة على بعض و شقّ ذلك عليه و استضرّ به، فانّه قد يدفع درهما إلى فقير
منهم و قد لا يدفع، و يقول في نفسه إن دفعت إلى واحد منهم دفعت إلى غيره و إلى
غيره إلى أن يستنفد جميع مالي، فلا يدفع إلى أحد منهم شيئا. فإذا كان قيام الداعي
فيما يشقّ يقتضي ما ذكرناه فقيامه فيما لا يمكن أولى أن يقتضي ما ذكرناه و الداعي
إلى الفعل، إذا حصل فيما لا نهاية له فقد حصل فيما لا يمكن فعله، فصار أولى أن لا
يجب معه الفعل.
قال: فقد بان أنّ الأصلح في الدنيا، يجب
وجوده على بعض الوجوه دون بعض، إلّا أنّ هذا بيان أنّه يجب وجوبا يتبع الداعي أن
يكون وجوده أولى، لا وجوبا يستحقّ بالإخلال به الذمّ. هذا هو القول في المصالح
الدنيويّة.
فامّا المصالح الدينيّة التي هي الألطاف،
فقد اختلفوا فيها أيضا: فذهب بشر بن المعتمر من العدليّة إلى أنّها غير واجبة، و
إن حكي عنه الرجوع عن ذلك. و ذهب جماهير أهل العدل إلى أنّها واجبة في حكمة اللّه
تعالى. واستدلّوا على وجوبها بوجوه:
منها: أن قالوا: إنّ الامتناع من فعل اللطف
يجري مجرى المنع من الملطوف فيه. ألا ترى أنّ المضيف لزيد إذا علم أنّه لا يجيبه
إلّا إذا استبشر في وجهه و لم يقطب أو يبعث إليه رقعة يلاطفه فيها أو يرسل إليه
ولده أو فعل شيئا لا يكون له فيه غضاضة و لا تلحقه بسببه مشقّة ولا يكون فيه
مفسدة، فانّه يجب عليه فعل ذلك الذي علم أنّه لا يجيبه إلّا عنده ممّا ذكرناه و
وصفناه. ولا فرق بين أن لا يفعل ما ذكرناه، و بين أن يغلق الباب في وجهه في أنّ
كلّ واحد منهما نقض للغرض. فكما يقبح أن يغلق الباب في وجهه و يمنعه من فعل ما
دعاه إليه من حضور ضيافته، فكذلك يقبح أن يقطب في وجهه و يمتنع من فعل ما علم انّه
عنده يحضر ممّا وصفناه. فبان أنّه يجب فعل اللطف الذي عنده يحصل غرض المكلّف و هو
الطاعة.
ومنها: أن قالوا: إنّ اللّه تعالى مريد
لصلاح المكلّف. فإذا أعلم أنّه لا يصلح إلّا باعطائه المال والولد أو المرض أو
الصحّة، وأنّه لا وجه من وجوه القبح في شيء من ذلك و أنّه متمكّن من جميع ذلك ومن
كلّ شيء منه، فانّه لا بدّ من أن يفعل ذلك، لأنّ كلّ من هذه صفته فانّه يفعل عنده
يقع الصلاح لا محالة.
...
أنّ من أراد صلاح ابنه، و علم أنّه لا يصلح إلّا بالرّفق به، و علم أنّه لا مضرّة
على أحد في الرفق به و ليس فيه وجه آخر من وجوه القبح، فانّ داعيه إلى صلاحه يدعوه
إلى أن يرفق به و متى لم يرفق به و الحال ما وصفناه، علم العقلاء أنّه ما أراد
صلاحه. و هذه الطريقة إنّما تدلّ على أنّ المكلّف لا بدّ أن يفعل اللطف و أنّه يقع
منه لا محالة، و لا تدلّ على انّه واجب بمعنى استحقاق الذمّ بالإخلال به. فهي نظير
لبعض ما يستدلّ به أصحاب الأصلح في الدنيا.
ومنها: أن قالوا: اللطف نفع للمكلّف، و ليس
فيه مضرّة و لا وجه من وجوه القبح و لا يؤدّي إلى ما لا نهاية له. لأنّ اللطفيّة
ليست أمرا يعلّل بصفة الجنس، حتّى يلزم اشتراك جميع ما يكون من ذلك الجنس فيه، و
هو- أعني اللطف- مقدور له تعالى. و ما هذا سبيله لا بدّ من أن يفعله تعالى على
مذهب من يقول بوجوب الأصلح في الدنيا. و هذا الزام على أصحاب الأصلح إذا خالفوا في
وجوب اللطف ثمّ و هو أيضا لو دلّ فانما يدل على وجوب اللطف من جهة الداعي أي على
أنّه لا بدّ من وقوعه، و لا يدلّ على وجوبه، بمعنى استحقاق الذمّ بالإخلال به.
فأمّا من لم يقل بوجوب اللطف، فانّه يتمسّك
بأن يقول: لو وجب فعل اللطف لفعله اللّه تعالى بالكفّار و جميع العصاة، و لو فعل
بهم لما عصوا.
فيقال له: اللطف إنّما يجب فعله بالمكلّف
إذا كان له لطف يطيع عنده، و الكفّار والعصاة لا لطف لهم فيفعله تعالى، ولو كان
لهم لطف يطيعون عنده لفعله اللّه بهم، و لا يمتنع أن لا يكون للعصاة لطف، كما لا
يمتنع أن يكون لشخص أولاد أو غلمان يصلح بعضهم بالرفق، و بعضهم بالعنف، و بعضهم
لا يصلح لا بالرفق ولا بالعنف.
و ممّا يتمسّك به أن يقول: الواجب على
المكلّف أن يمكن المكلّف بما كلّفه بالقدرة و الآلة و سائر وجوه التمكين، و اذا
فعل به ذلك فقد أزاح علّته و لا يجب عليه شيء آخر.
فيقال له: قولك «لا يجب على المكلّف إلّا
التمكين»، دعوى عريّة عن الحجّة. و مذهب مخالفك أنّه يجب في حكمته تعالى التمكين و
اللطف جميعا.
ونقول: اللطف داخل في إزاحة العلة، و هو جار
مجرى التمكين من الملطوف فيه.
واعلم: أنّ اللطف ينقسم إلى ما يكون من فعل
المكلّف تعالى، و إلى ما يكون من فعل غيره. وما يكون من قبل غيره، فينقسم إلى ما
يكون من قبل المكلّف الذي اللطف لطف له و إلى ما يكون من قبل غيره. فما يكون من
فعله تعالى يجب في حكمته تحصيله ... و ما يكون من فعل المكلّف الذي اللطف لطف له،
فانّه يجب في حكمته تعالى أن يكلّفه تحصيل ذلك اللطف.
و ذلك كتكليفه تعالى إيّانا معارف التوحيد و
العدل و التوصّل بها إلى مدحه معرفة استحقاق الثواب و العقاب، و كتعبّده إيّانا
بالشرعيّات.
وإنّما قلنا: «إنّه يجب في حكمته أن يكلّفه
ذلك الذي هو لطف له من قبله»، لأنّه كما يجب على الداعي غيره إلى ضيافته أن يفعل
ما يعلم أنّه لا يجيبه و لا يحضر ضيافته إلّا عنده، من الاستبشار في وجهه و
التجنّب عن القطوب، فكذلك إذا علم أنّه لا يجيبه إلّا إذا التمس منه أن يحضر معه
ولده او بعض أصدقائه، او يقوم ببعض ما يحتاج إليه حتى يترتب ضيافته، فانّه يجب عليه
أن يلتمس منه ذلك. و لو امتنع من ذلك الالتماس و الحال ما وصفناه، لجرى ذلك مجرى
أن يمتنع من الاستبشار في وجهه، مع علمه بأنّه لا يجيبه إلّا مع الاستبشار، و هذا
ظاهر.
و ما يكون من قبل غير اللّه تعالى و غير
المكلّف الذي اللطف لطف له، فانّما يحسن منه تعالى أن يكلّفه إذا علم أنّ ذلك
الغير يحصّل ذلك اللطف.
فإن علم أنّه لا يحصله، لا يحسن أن يكلّفه
الفعل الملطوف فيه.
واعلم: أنّ اللطف الواجب فعله أو تكليفه
المكلّف إن كان من فعله إنما هو ما يحصل عنده الطاعة، لا ما يكون مقرّبا الّا في
حقّ من لا يكون له في المعلوم لطف يطبع عنده.
و تفصيل هذه الجملة أنّه إذا كان في المعلوم
أنّ لزيد مثلا لطفين: أحدهما يقرّبه إلى الطاعة و لكن لا يطيع عنده، و الآخر يطيع
عنده، فانّه إنّما يجب فعل ما يطيع عنده، و لا يجب فعل ما يكون له حظّ التقريب
فقط. و إذا كان في المعلوم أن لا لطف له يطيع عنده. و لكن في المعلوم أنّ له لطفا
يقرّ به من الطاعة، فانّه يجب فعل المقرّب في حقّه إزاحة لعلّته، و الزيادة في
الألطاف غير واجبة.
و معنى الزيادة في الألطاف: ما يكون زيادة
على اللطف الذي يطيع المكلّف عنده، كأن يعلم تعالى أنّ زيدا، مثلا، يؤمن و يطيع
عند فعل مخصوص لا محالة، و يعلم أنّه إن فعل شيئا آخر كان داعيه إلى الطاعة أقوى وآكد،
و لذلك يسهل عليه الطاعة، فذلك يكون زيادة في اللطف. ولا يجب فعله لأنّه ليس فيه
وجه وجوب، إذ المكلّف يطيع من دونه فيكون مزاح العلّة مع فقده. وعلى هذا يجوز أن
يخصّ اللّه تعالى بزيادة الألطاف بعض المكلّفين دون بعض.
وما
يطيع المكلّف عنده من اللطف يسمّى توفيقا، لأنّه يوافقه وقوع الطاعة.
و ما يطيع المكلّف عنده و يعزم على أن لا
يخلّ بالطاعة إقداما و احجاما من الألطاف يسمّى عصمة، لأنّ العصمة هي المنع. قال
اللّه تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ} [المائدة: 67] ،
أي يمنعك. فكان ذلك اللطف منعه من المعصية.
و ما لا يثبت له الحظّان من اللطف لا يسمّى
إلّا بأنّه لطف فقط.
ونعود إلى ذكر أقسام الألطاف التي تكون من
قبله تعالى، و نقول: إنّها إمّا أن تكون مضارّ و إمّا أن تكون منافع.
والمضارّ إمّا تكون أمراضا وآلاما، وإمّا أن
تكون غيرهما، كالآجال و الغلاء والزلازل و الصواعق و ما أشبهها. والمنافع إمّا أن
تكون صحّة، و إمّا أن تكون غيرها، كالسعة في الرّزق و الرّخص و إعطاء الولد...
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|