الضواحي

تعتبر الضاحية امتداداً حضرياً للمدينة. ولكنها ملحقة بها وليست كياناً وظيفياً مستقلاً في الغالب. وظاهرة الضواحي بوجه عام، هي وليدة القرن التاسع عشـر بعـد اختراع الآلة البخارية، وظهور السكك الحديدية التي امتدت على جوانبهـا تلـك الضواحي. وتعزز دورها أكثر فأكثر مع اختراع الآلة ذات الاحتراق الداخلي وهـي السيارة، منذ بداية القرن العشرين الماضي وحتى اليوم. وإذا كان نمو المدن في القرن الـ م قد تميز بالنمو الحلقي حول النوى الأصلية، فإن علامة نمو المدن في القرن الـ تلك الضواحي السكنية التي فاقت فيها زيادة السكان الزيادة السكانية في 19 20م، هي المدينة .

ففي خلال الفترة بين عامي 1940م- 1950م، بلغت نسبة زيادة سكان الضواحي في الولايات المتحدة نحو 35%. بينما لم يزد سكان المدن إلا بنحـو 13% ويعزى سبب هذه الزيادة إلى الهجرة المستمرة مـن أحياء المدينـة ومـن أهـل المناطق الريفية القريبة منها.

وقد ساعد على انتشار الضواحي، منذ منتصف القرن الـ19م على أطراف المدن رغبة سكان المدن في تجنب ضوضاء المدينة وازدحامها وجوها غير الصحي. وقد ازداد هذا الاتجاه في القرن العشرين الماضي، والذي تطورت فيه الصناعة تطوراً كبيراً. وأصبحت الحياة في المدن الكبرى تحمل معها مشكلات كثيرة. وقد بدأت الضـواحي في كثير من الأحيان بداية متواضعة، تتمثل في عدد محدود من المنازل الخاصة التي بنيت بعيداً ، الكتلة السكنية للمدينة، ولكنها لم تكن تبعد كثيراً؛ تجنباً لطول الوقت خاصة عن عصر السيارة.

وكانت الضاحية تحقق في تلك الفترة، ميزة أقرب من الحقول والحدائق والهـواء النقي غير الملوث. وبذلك تكون الضاحية محطة بين المدينة والريف. ولكـن تـطـور المواصلات ووسائل النقل، وظهور السيارة بأعـداد وفيرة في المدن، أدى إلى سرعة كبيرة في نمو الضواحي، حتى أن كثيراً منها ما لبث أن أصبح جزءاً من الكتلة السكنية للمدينة المركزية، بعد أن كان بعيداً عنها في بداية الأمر.

ويؤدي ارتباط الضواحي بالمدن، إلى أن كثيراً منها لا . يوجد به منطقـة مركزية مثل حي الأعمال والإدارة المركزية، والذي يوجد عادة في المدن. ويعزى ذلك إلى أن الضاحية تعتبر نمواً خارجياً للمدينة. ولهذا فإنها ترتبط أيضـاً بقلب المدينة التجارية كبقية أحياء المدينة المركزية.

وفي حالات كثيرة عند زحف المدينة العمراني على الأراضي المجاورة لها، فإنها غالباً ما تضم في هيكلها الطبيعي الضواحي القريبة منها، مكونة بذلك مجمعة ضخمة تظهر لها بدورها ضواح أخرى جديدة في الريف المحاذي. ولهذا تعتبر الضواحي بحق يد المدينة القوية في الريف، بل هي طلائع المدينة في الريف. وكلما تقدمت تلك الطلائع، زاد تحضر الريف، وزاد بالتالي صعوبة التمييز بين الريف والمدينة.