أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1763
التاريخ: 9-1-2019
1574
التاريخ: 1-07-2015
2434
التاريخ: 23-1-2019
2404
|
عُرِّف العلمُ بأنَّه صورة حاصلة من الشيء على صفحة الذهن ، أو أنه انعكاس الخارج على الذهن عند اتصال الإِنسان بالخارج. وقد أخذ الحكماء هذا التعريف من العلوم الرائجة عن الإِنسان.
ولكن التَّعريف ناقص لعدم شموله لبعض أقسام العلم. فإِنَّ العلم ينقسم إلى حصولي و حضوري، والتعريف المذكور يناسب الأول دون الثاني. وإليك توضيح القسمين :
إنَّ الإِنسان عندما يُطلُّ بنظره إلى الخارج ويلاحظ ما يحيط به في الكون من شجر وحجر ، وشمس وقمر ، يصبح مُدرِكاً والشَّيء الخارجيُ مدرَكاً ولكن بتوسط صورة بين المدرِك و المدرَك تُنْتَزَعُ تلك الصورة من الخارج بأدوات المعرفة ثم تَنْتَقِلُ إلى مراكز الإِدراك. فالشجرُ هو المعلوم بالعَرَض ، والصورةُ هي المعلوم بالذَّات ، والإِنسان هو العالم وإنما أسمينا الشيء الخارجي معلوماً بالعرَض و الصورة معلوماً بالذَّات ، لأن الخارجَ معلوم لنا بواسطة هذه الصورة ولولاها لانقطعت صلة الإِنسان بالواقع.
وبعبارة أخرى : إنَّ الواقعية الخارجية ليست حاضرة عندنا بهذه السِّمة. لأن الشيء الخارجي له أثره الخارجي : الحرارة في النار ، والرطوبة في الماء ، والثِقَل في الحجر والحديد. ومعلوم انَّ الشيء الخارجي لا يَرِدُ إلى أذهاننا بهذه الصفات. ولأجل ذلك أصبح الشيء الخارجي معلوماً بالعَرَض ، والصورة معلومة بالذَّات لمزاولة الإِنسان دائماً للصور الذهنيَّة.
وبذلك تقف على تعريف العلم الحصولي وهو : ما لا تكون فيه الواقعيَّة الخارجيَّة معلومة بنفسها ، بل بتوسط صورة مطابقة لها. و الأدوات الحسّية كلُّها موظَّفةٌ في خدمة هذا العِلْم ـ فهو يعتمد على ثلاثة ركائز : المدرك ، الخارج ، الصورة. و لا تَظُنَّنَ هذا اعترافاً بأصالة الصورة و فرعية الخارج ، إذ لا شك أنَّ الأَمر على العكس ، فالخارج هو الأصيل و الصورة هي المنتزعة منه والحاكية عنه ، غير أنَّ الذي يمارسه الذهن و يزاوله هو الصورة الموجودة عنده لا نفس الخارج. و هذه الصورة الذهنية و سيلته الوحيدة لدرك الخارج و إحساسه.
إلى هنا وقفت على تعريف العِلْم الحصولي. و أما العِلْم الحضوري فهو عبارة عن حضور المدرَك لدى المدرِك من دون توسط أي شيء ، وله قسمان :
1 ـ ما لا يتوسط فيه بين المدرِك و المدرَك شيء مع كون المدرِك غير المدرَك حقيقةً. و هذا كالعلم بنفس الصورة المنتزعة من الخارج. و ذلك أنَّ الخارج يدرَك بواسطة الصورة ، وأمّا الصورةُ نفسُها فمعلومةٌ بالذات و لا يتوسط بينها و بين المدرِك أي شيء. فعند اتصال الإِنسان بالخارج عن طريق الصورة الذهنية يجتمع هناك عِلمان : حصوليٌّ باعتبار علمه بالخارج عن طريق الصورة ، وحضوريٌّ باعتبار علمه بنفس الصورة و حضورها بواقعيتها عند المدرِك.
وبذلك تقف على فرق جوهري بين العِلْمين و هو أنَّ المعلومَ في العلم الحصولي غيرَ حاضر لدى المدرِك بواقعيته كما عرفت ، و في الحضوري يكون المعلوم حاضراً لديه بواقعيته و هذا كالصورة العِلْمية الذهنيَّة فإنها بواقعيتها التي لا تخرج عن كونها موجوداً ذهنياً ، حاضرة لدى الإِنسان.
وبذلك يظهر أنَّ الحصوليَّ ثلاثيُّ الأطراف و الحضوريَّ ثنائيُّها في هذا القسم الأول منه.
2 ـ ما لا يتوسط فيه بين المدرِك و المدرَك أي شيء ولكنهما يتحدان بالذات و يختلفان باللحاظ و الاعتبار. و ذلك كعلم الإِنسان و دَرْكِه لذاته ، فإِنَّ واقعية كل إنسان حاضرة بذاتها لديه ، و ليست ذاتُه غائبةً عن نفسه ، و هو يشاهد ذاتَه مشاهدة عقلية و يحس بها إحساساً وجدانياً ويراها حاضرة لديه من دون توسط شيء بين الإِنسان المدرِك و ذاتِه المدرَكة. و في هذه الحالة يصبح العِلمُ أحاديَّ الأطراف بدل ثنائيِّها في الثاني و ثلاثيِّها في الأول. فالإِنسان في هذه الحالة هو العالم و هو المعلوم في آن واحد. وعندئذ يتّحد المدرِك و المدرَك و تصبح ذات الإِنسان عِلْماً و انكشافاً بالنسبة إلى ذاته. و من العلم الحضوري علم الإِنسان بأحاسيسه من أفراحه و آلامه ، فالكل حاضر لدى الذات بلا توسط صورة.
وبذلك تقف على ضعف الإِستدلال على وجود الإِنسان بتفكره ، فيقال : « أنا أفَكَّر إِذَنْ أَنَا موجود » ، فاستُدِلَّ بوجود التَّفَكُّر على وجود
المُفَكِّر (1) ، وجه الضعف :
أولا ـ إنَّ عِلمَ الإِنسان بوجود نفسه ضروريٌ لا يحتاج إلى البرهنة ، فليس تفكر الإِنسان أوضح من علمه بذاته و نفسه.
ثانياً ـ إنَّ المستدل اعترف بالنتيجة في مقدمة الاستدلال حيث قال : « أنا » أُفكر. فقد أخذ وجود نفسه أمراً مفروضاً و مسلَّماً ثم حاول الاستدلال عليه.
تعريف جامع :
على ضوء ما ذكرنا من تقسيم العلم إلى الحصولي و الحضوري يصح أنْ يُقال إِنَّ العلم على وجه الإِطلاق عبارة عن « حضور المعلوم لدى العالم » ، و هذا التعريف يشمل العلم بكلا قسميه (2). غير أنَّ الحاضر في الأول هو الصورة الذهنية دون الواقعية الخارجية و في الثاني نفس واقعية المعلوم من دون وسيط بينها و بين العالم. فالصورة الذهنية في العلم الحصولي حاضرة لدى الإِنسان غير غائبة عنه. كما أنَّ ذات الإِنسان في العلم الحضوري حاضرة لديه ، و هي فيه ، بما أنها واقفة على نفسها ، تسمى عالمة ، و بما أنها مكشوفة لنفسها غير غائبة عنها ، تُعَدُّ معلوماً ، و بما أنّ هناك حضوراً لا غيبوبة ، يسمى ذلك الحضور علماً.
وهذا التعريف جامع شامل كلَّ أنواع العلوم الحاصلة في الممكن والواجب.
علمه سبحانه حضوريٌ لا حصوليّ :
... أنَّ الذي يجب إلفات النظر إليه أنَّ عِلْمَهُ سبحانه بذاته و بفعله حضوري : أَمَّا عِلمُه الذاتي بذاته فلعدم غيبوبة ذاته عن ذاته و حضورها لديها. و أمّا علمه بالأشياء ... أنَّه على وجهين :
الأول : إنَّ العلم بالذات علم بالحيثية التي تصدر عنها الأشياء و العلم بتلك الحيثية علم بالأشياء. و بذلك يتضح أنَّ علمه سبحانه بذاته كَشْفٌ تفصيليٌ عن الأشياء على الوجه اللائق بذاته.
الثاني : حضور الممكنات لدى الواجب. لأن الممكن قائم بوجود الباري سبحانه حدوثاً و بقاءً و إنَّ قيامَه بذاته سبحانه أشبَهُ بقيام المعنى الحرفيّ بالإِسمي. و هذا النحو من الوجود لا يقبل الغيبوبة إذ هي مناطُ انعدامه و فنائه. فإِذا كانت الموجودات الإِمكانية بهذه الخصوصية ، فكيف يُتصور لها الانقطاع عنها؟ وما هو إلا فَرْضُ انعدامِها و فنائِها. فعلى ذلك فالعالَم بعامة ذراته ، فعله سبحانه و إيجاده ، و في الوقت نفسه حاضر لديه و هو أي الحضور ، علمه. فعلم الله و فعله مفهومان مختلفان ولكنهما متصادقان في الخارج.
وأمَّا أنَّ له سبحانه وراء العِلْم الحضوري علماً حصولياً أوْ لا ... فإن المشائيّين من الفلاسفة زعموا أنَّ له سبحانه علماً حصولياً أسمَوْه بالصور المرتسمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ المستدل هو الفيلسوف الفرنسي (ديكارت).
2 ـ ليس الهدف من التعريف إلا الإِشارة بوجه إلى حقيقة العلم من دون مراعاة شرط التعريف الحقيقي فلا يؤاخذ عليه بأنه مستلزم للدور لأخذ المُعَرَّف في التعريف.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|