المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



الأسس الأولية للتعامل السليم مع الناس  
  
1962   11:10 صباحاً   التاريخ: 9-2-2022
المؤلف : رضا علوي سيد احمد
الكتاب أو المصدر : فن التعامل مع الناس
الجزء والصفحة : ص 23 ـ 35
القسم : الاسرة و المجتمع / المجتمع و قضاياه / آداب عامة /

في الحياة بشكل عام، لكل شيء، أساس يقوم عليه، وهذا الأمر يجري في الماديات والمعنويات. وعادة ما يكون لكل شيء أساس من جنسه. فالبناء هو بحاجة إلى أساس مادي، والبناء المعنوي هو بحاجة إلى أساس معنوي، وبالنسبة للإنسان هناك علاقة تداخل وتكميل بين الماديات والمعنويات بحكم تكوينه المادي ـ الروحي.

ولكي يكون الشيء ـ أي شيء ـ راسخاً ومتيناً وصحيحاً، يستلزم أن يتسم أساسه بالرسوخ والمتانة والصحة. فإذا أريد لمبنى أن يحدث بصورة تتحقق فيها الامور المتقدمة، فإن من الضروري تحققها ـ أولا ـ في أساسه. ونفس الإنسان إذا ما أريد لها أن تكون مستقيمة مزكاة، يلزم أن تؤسس على أساس تقوى الله ورضوانه.

والتعامل مع الناس ـ باعتباره ميدانا ضرورياً هاماً لا غنى للإنسان عنه ـ لكي يكون سليماً وحسناً، يلزم أن يقوم على أسس وقواعد أولية سليمة وراسخة، وهذه الأسس هي ما تتناوله الصفحات التالية: وهي ليست أسساً أولية لمعاملة الناس فحسب، بل أسس سعادة الانسان ونجاحه في الدنيا والآخرة.

ـ الدين

{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109].

وقال سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].

 وقال الامام علي (عليه السلام): ((الدين أقوى عماد))(1).

الدين هو مجموعة الشرائع والمناهج والقوانين والنظم التي أرسلها الله إلى الناس ـ بواسطة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ـ لحاجتهم الضرورية إليه (الدين)، وبهدف هدايتهم إلى الله وتنظيم أمورهم في الحياة، ومنها تعاملهم فيما بينهم، هذا التعامل الذي يشكل مساحة واسعة من رفعة حياتهم.

والدين نور يضيء للإنسان مسيره في الحياة، ويقوم على أساس معرفة الله سبحانه وتعالى ـ هذه المعرفة التي هي أول الدين. وتكتمل هذه المعرفة بالتصديق والإيقان به ـ جل وعلا ـ ويكتمل التصديق به بتوحيده ونفي الشرك عنه. وتذكر الأحاديث الشريفة أن ((التوحيد نصف الدين))(2). لأنه الأساس الذي يقوم عليه. وأن ((الخلق الحسن نصف الدين))(3) لضرورة الأخلاق في التعامل مع الخالق ـ سبحانه ـ ومع النفس والناس، ولكون الأخلاق ضرورة لتنظيم السلوك الإنساني، هذا السلوك الذي يمثل التعامل مع الناس جزءاً كبيراً منه.

والدين ضرورة في الحياة، وحاجة ماسة لبني البشر، وحجة عليهم، لكي لا يكون لهم حجة على الله، بخلاف ما يتصور ويعتقد البعض بأنه أمر غير ضروري، وهذه حقيقة بديهية يلمسها المرء من خلال الآيات القرآنية الكثيرة، والأحاديث الشريفة الوفيرة، ومن خلال تتابع الأنبياء والرسل ـ المرسلين من قبل الله ـ على الأمم ، إذ ما من أمة إلا وكان لها نبي أو رسول يهديها الى الله ، ويقنن وينظم أمورها في الحياة ، ومنها إنسانيتهم وتعاملهم فيما بينهم وبإرادته ـ جلت قدرته ـ قدر وقضى بأن يكون الإسلام خاتمة الأديان والرسالات السماوية ، ووجه ـ سبحانه ـ الناس لابتغائه ديناً ورسالة عصر(*) ، إذ هو المرسل لكافة الناس وللعالم أجمع .

قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]. وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].

وحيث أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أمر الإنسان بالتزام الدين كمنهج وقانون لحياته، فإن الإنسان نفسه مدعو لأن يقيم بنيان حياته على أساس الدين، هذا الأساس الذي من شأنه أن يضمن له الهداية والاستقامة في الحياة، والتزام الحق والخير والصلاح والفضيلة، وبالتالي النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة.

وإذ أن التعامل مع الناس يمثل ميداناً أو ساحة لا يمكن إنكارها أو إلغاؤها، وأن الدين جاء لكي ينظم شؤون المعاملة والتعامل ـ كجزء كبير من وظيفته ـ فإن الأولى أن يكون التعامل قائماً على أساسه، وعلى ضوء مناهجه ونظمه، مع التأكيد على أن الإنسان حر في اختيار المعتقد الذي يريد، إذ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].

وهنا قد يسأل السائل:

إذا كان الدين هو الأساس الذي يجب أن يبنى عليه سلوك الإنسان في الحياة وجميع أموره، ومنها التعامل مع الناس، ألا يمكن له أن يقيم أموره في الحياة، ومنها التعامل مع الناس على غير الدين؟ وألا يمكنه تحقيق حسن التعامل مع الناس بصرف النظر عن الالتزام بالدين؟

وتكون الإجابة على ذلك كالتالي:

إن الدين هو رسالة الله - سبحانه وتعالى - إلى الناس لكي يلتزموه ويسيروا على نهجه، بمعنى أنه ـ عز وجل ـ أمر الناس بأن يكونوا دينين في حياتهم، لكون الدين المرسل من عنده هو الذي يناسب ويلاءم فطرتهم التي فطرهم عليها. أفلا تقتضي طاعة الناس لربهم، التزامهم دينه المرسل من عنده؟ وألا يقتضي أمر الخالق امتثال المخلوق له؟

ومع ان الله ـ سبحانه وتعالى ـ أمر الناس بعبادته وإخلاص الدين له، إلا أنه لم يفرض عليهم الدين ولم يكرههم عليه، وإنما وجههم إلى أن الايمان بالدين يجب أن يكون نتيجة طبيعية لحقيقة الامتثال له، سبحانه، مبيناً لهم أن الدين هو سبيل الاستقامة في الحياة وكسب النجاح فيها وفي الآخرة، تاركاً لهم حرية الدين والمعتقد من دون إكراه. ومن هنا فلا تناقض بين الأمر بالدين وبين حرية اختيار الدين والمعتقد.

إن الإنسان بإمكانه اعتناق أي دين أو عقيدة ينتخبها بمحض اختياره، ولكن القضية ليست مجرد اعتناق وكفى، وإنما إلى أن هذه العقيدة تحقق له الهداية والاستقامة وفق مـا أمـر الله أو لا تحققهما. وبـإمكـانـه أن يتعـامـل مـع الـنـاس وفق أي ثـقـافـة، ولكن يـنـظـر إلى أن هـذا الـتـعـامـل وفـق هذه الثقافة يوافق العقل المؤدب والشرع أم لا يوافقهما. وحيث أن الدين هو سبيل الهداية والاستقامة والداعي إلى العقل، فإن هذا الأمر يقود إلى أن الدين هو أفضل أساس لإقامة صرح معاملة الناس عليه، فضلا عن أنه الأساس الأفضل لكـل أمور الانسان في الحياة.

ورب قائل يقول: أن التعامل مع الناس أمر منفصل عن الدين والاعتقاد والثقافة، ولا يخضع لاستعمال العقل، مبرراً ذلك بأن من الناس من هم غير ملتزمين دينياً، أو غير ديّنين على الإطلاق، ولكنهم يتعاملون مع بني نوعهم بشكل لائق.

والحق انه مع كون العقل هو الميزان الذي يزن به الانسان الأمور، ويميز به الخير عن الشر، والحق عن الباطل، والحسن عن القبيح، والفضيلة عن الرذيلة، مع كل ذلك فإن العقل وحده ليس كافياً، وأن الإنسان لا غنى له في هذه الحياة عن الدين، وإلا لم يرسل الله الأديان مع علمه ـ عز وجل ـ بأن العقل أعظم وأكرم مخلوق خلقه، وأنه قوام الإنسان؟

ثم ان العقيدة والثقافة إذا كانت قويمة فإنها توجه معتنقها إلى التزام الحق والخير والحسن والفضيلة، وحسن التعامل مع الناس، أما إذا كانت غير قويمة فإنها توجه معتنقها إلى خلاف ذلك، وقد تلغي دور عقله، وتجعله مسيراً وفق مبادئها المنحرفة. وإذا وجد من الناس من هو غير ملتزم دينياً، ويحسن التصرف في بعض المجالات ـ ومنها التعامل مع الناس ـ فذلك يرجع الى التزام استعمال العقل في الوجه الأصلح، أو الوجدان الصالح أو التصرف وفق الفطرة الالهية وهي الأمور التي يدعو الدين إليها ويرشد. ومن هنا فلا ضامن لاستقامة تصرفات الإنسان ـ ومنها تعامله مع أخيه الإنسان ـ إلا الدين والتزامه (*).

ويمكن القول إن أزمة التعامل والأخلاق والانحراف الخلقي التي تعم أغلب أرجاء العالم ـ وخصوصاً دول الحضارة المادية والمتأثرة بها ـ من أسبابها الأولية:

غياب الدين والتزامه، ولا حل لهذه الأزمة أو المشكلة الخطيرة إلا بالعودة إلى رحـاب الدين. بل إن أغلب النزاعات في العالم والصـراعـات القـائمـة بين المحكومين والحكام والمشكـلات سـواء كـانت اقتصـاديـة، أو سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو قومية، أو عنصرية، هي بسبب تضييع دين الله، وغياب السير على نهجه وهداه، في جزء كبير منها.

ـ معاملة الله

حيث أن الدين هو مجموعة القوانين والنظم والمناهج المرسلة من لدن الله للناس، ووسيلة الاتصال بينه ـ عز وجل ـ وبينهم، وإذ أنه الأساس الذي يجب أن تقوم عليه حياة البشر، ومنها تعاملهم فيما بينهم، فإن من ضرورياته الأولى حسن معرفة الله ـ عز وجل ـ والعبودية له. وبعبارة أخرى: إخلاص الدين له، وإحسان معاملته والارتباط به ـ جل وعلا ـ.

إن معاملة المرء لخالقه ـ عز وجل ـ يجب أن ترتكز على توحيده، والصدق معه، وإخلاص النية في معاملته. وإذا كان الانسان يعلم أشياء وتخفى عليه أشياء، فإن الله - سبحانه ـ عليم بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء، وهو العليم بذات صدور البشر فضلاً عن أعمالهم وتصرفاتهم الظاهرية.

ومن هنا فمعاملة الانسان لله - سبحانه ـ يجب أن تكون مبنية على أن الإنسان تحت مراقبة الله وتحت سلطته وهيمنته، إذ هو الرب العزيز، والانسان هو العبد الذليل. أفلا يحسن العبد معاملة سيده ومولاه؟.

وإذا كان الانسان قادر على أن يخدع، ويمكن أن يخدع، فإن الله - سبحانه - لا يُخدع ولا يُخادَع، ومن يخادع الله، فالله خادعه. وعليه فمن واجب الانسان أن يحسن معاملة خالقه، وكلما تعرضت هذه المعاملة لما هو خلاف الحسن والصلاح، عليه أن يتوب إلى ربه ويصلح معاملته.

ـ اصلاح العلاقة مع الله

قال الإمام علي (عليه السلام): ((من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس. ومن أصلح أمر آخرته، أصلح الله أمر دنياه. ومن كان له من نفسه واعظ ، كان عليه من الله حافظ))(4).

((ذهب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إلى المسجد ليؤدي صلاة الفجر. فلما أتم الصلاة بالناس كان الظلام قد سحب أثوابه خوفاً من ان يحرقها وهج الصباح. ولما أوشك الرسول (صلى الله عليه وآله) على مغادرة المسجد، إذا بشاب مصفر اللون، قد ضعف جسمه ونحف، وغارت عيناه في رأسه.

فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أصبحت يا فلان؟

فأجاب الشاب: أصبحت موقناً يا رسول الله!

فتعجب الرسول من قوله وقال: إن لكل يقين حقيقة، فما حقيقة يقينك؟

فقال الشاب النحيل: إن يقيني ـ يا رسول الله ـ هو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ نهاري، فزهدت نفسي في الدنيا وما فيها، وكأني أنظر الى عرش ربي وقد نصب للحساب، وحشر الخلائق لذلك، وأنا فيهم. وكأني أنظر الى أهل النار وهم فيها معذبون مستغيثون، وكأني الآن أسمع زفير النار يدوي في مسامعي.

 فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابه، وقال: هذا عبد نوّر الله قلبه بالإيمان. ثم أوصى الشاب قائلا: التزم ما أنت عليه.

 فقال الشاب: ادع الله، يا رسول الله، أن أرزق الشهادة معك. فدعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يلبث أن خرج في إحدى غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) فاستشهد بعد تسعة أشخاص، فكان هو العاشر))(5).

وجاء في المناجاة المروية عن الإمام زين العابدين (علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) (عليهم السلام): اللهم ألهمنا طاعتك، وجنبنا معصيتك، ويسر لنا بلوغ ما نتمنى من رضوانك، وأحللنا بحبوحة جنانك، واقشع عن بصائرنا سحاب الإرتياب، واكشف عن قلوبنا أغشية المرية والحجاب، وأزهق الباطل عن ضمائرنا، وأثبت الحق في سرائرنا، فإن الشكوك والظنون لواقح الفتن، ومكدرة لصفو المنائح والمنن. اللهم احملنا في سفن نجاتك، ومتعنا بلذيذ مناجاتك، وأوردنا حياض حبك، وأذقنا حلاوة ودك وقربك، واجعل جهادنا فيك، وهمنا في طاعتك، (وأخلص نياتنا في معاملتك)، فإنا بك ولك، ولا وسيلة لنا إليك إلا أنت. إلهي، اجعلني من المصطفين الأخيار، والحقني بالصالحين الأبرار السابقين الى المكرمات، المسارعين إلى الخيرات، العاملين إلى الباقيات الصالحات، الساعين إلى رفيع الدرجات، إنك على كل شيء قدير))(6).

بلا أدنى ترديد، إن علاقة الإنسان بالناس وتعامله معهم، مرتبطة أشد الارتباط بعلاقته بالله - سبحانه وتعالى ـ وتعامله معه، ومشروطة بها، لأنه ـ عز وجل ـ هو خالق الإنسان، وبارئه من العدم، ومهيمن عليه، إن شاء أبقاه حياً، وإن شاء أخذه إليه. وحيث أن حياة الإنسان وموته بيد الله ـ بل كل أموره بيده جل وعلا ـ فإن واجبه أن يعرف قدر ربه وعظمته، فيطيعه، ويخلص الدين له، ويوقن به ويحبه، ويحسن معاملته، ويصلح ارتباطه به، لكي تنعكس آثار ذلك على جميع جزئيات حياته، ومنها تعامله مع بني نوعه.

وبناءً على ذلك، أن من سنن الله ـ تعالى ـ في عباده والحياة، أن من يوفر في نفسه شرط صلاح العلاقة ما بينه وبين ربه ـ سبحانه ـ ، فإن جزاءه أن تنتظم حياته وتسعد، ومنها علاقته بالناس ومعاملته لهم.

وقد يقول قائل: إن للإنسان وجدان داخلي، فإذا صلح هذا الوجدان، صلحت علاقة الإنسان بالناس وتعامله معهم، وبالتالي لا ربط لذلك بإصلاح العلاقة مع الخالق!.

وهنا لا بد من التساؤل: وما الذي سيضمن صلاح وجدان (*) الإنسان وضميره، واستمرار ذلك، في غياب صلاح العلاقة والتعامل مع الله - سبحانه؟!.

هل العقل واستعماله في خارج إطار طاعة الله وإصلاح العلاقة به، قادر على ذلك؟!.

وهل القانون الوضعي ـ وحده ـ كاف لخلق الأرضية الحسنة في نظم حياة الإنسان، ومنها تعامله مع الناس؟!.

إن إلغاء العلاقة الدينية بالله، أو إعطاءها دوراً هامشياً، هو نهج الملحدين، والكفار، والماديين، وعموم التائهين في الحياة.. ومن هنا فلا غرابة أن تضج المجتمعات الملحدة، والكافرة ـ والمادية عموماً ـ بسوء علاقة الإنسان، وبتحول الفرد إلى مجرد إداه للمادة. ولا غرابة أيضاً أن تطفح المجتمعات الغربية والمقلدة لها بالتفاقم المذهل للذنب والجريمة، كالقتل، والسرقة، والخديعة، وأكل أموال الآخرين بالباطل، واستخدام أي وسيلة من شأنها در الأرباح والمكاسب المادية، بالرغم من كثرة القوانين الوضعية وتشعبها.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن القانون الوضعي لا يصلح أن يكون بديلا عن القانون الإلهي ـ وهو الدين ـ وأن القانون الوضعي ـ وحده ـ غير قادر على تقويم وتنظيم تعاملات الإنسان مع بني نوعه، ولا كاف لذلك. وهو قد يمنع الإنسان من ارتكاب الجريمة عن طريق حالة الرهبة من الجزاء المحدد إزاءها، إلا انه لا يعالج جذورها لاجتثاثها من الأصل. وأكبر شاهد ودليل على ذلك، واقع المجتمعات الغربية، والملحدة، واللادينية عموماً، إذ بالرغم من وجود القوانين وكثرتها، إلا أن الجرائم في ازدياد مطرد، على الصعيد الفردي، والاجتماعي (**).

فعلى سبيل المثال: إن انقطاع الكهرباء لمدة خمس دقائق في مدينة نيويورك الأمريكية، يؤدي إلى حدوث عشرات الجرائم!.

إن القانون الوضعي ـ برأي بعض المفكرين الإسلاميين ـ مثله مثل الشرطة الفرنسية المتواطئة مع السلطة الفرنسية. فكما يقال: أنه حينما يخصص شرطي للمحافظة على شخص لا ترغب السلطة فيه ومتورطة معه، فإن وظيفة هذا الشرطي ليس منع المهاجم من ارتكاب الجريمة، وإنما وظيفته أن يشهد حدوثها.

فحينها يطلق الرصاص على شخص غير مرغوب فيه، ويخر صريعاً على الأرض، آنئذ يأتي (البوليس)، الفرنسي، ويقول: نعم، رأيت هذا أطلق النار على هذا. وهكذا يكون عمل القانون الوضعي، فهو لا يستطيع كبح جماح الجريمة، ومعالجة جذورها، وإنما يأتي فيصدر الأمر بمعاقبة المجرم فقط، والجريمة قد وقعت، بخلاف القانون الإلهي أو الديني الذي يتوجه ـ أولا ـ إلى بناء النفس الإنسانية بتزكيتها من الجريمة، وتربيتها على الفضيلة، فيأتي الالتزام بالقانون نابعاً من الامتثال لله، والتربية للذات على الفضائل، وتزكيتها وتطهيرها من الأهواء، قبل أن يكون نابعاً من حالة الترهيب الجزائي.

ولا يعني ذلك أن القانون الوضعي المحق ليس مطلوباً، وأن ليس له تأثير في تقويم المجتمع وتنظيمه، وإصلاح العلاقات بين أفراده، بل هو ضروري وإنما المقصود أن يكون القانون مبنيا على ارضية صالحة لكي يتمكن من ضبط المجتمع وتقويمه، إذ التقويم يجب أن يبتدئ من الجذور، والجذور تتمثل في إخلاص الدين لله، والإيمان به، وطاعته، وتقواه، وتربية النفس وتزكيتها على نهجه وهداه، وإصلاح العلاقة والتعامل معه.

وقد يسأل السائل فيقول: وما هي علاقة القانون والقانون الوضعي وارتكاب الجرائم، بالتعامل مع الناس؟ وأليست الجريمة متمثلة في القتل، والسرقة، وما شابه ذلك؟.

وللإجابة على ذلك: إن التعاملات التي تنشأ بين بني البشر يمكن تقسيمها الى نوعين:

أ ـ تعاملات قائمة على الانتفاع المتبادل بين شخصين، أو جهتين، والتي يجب أن تقوم على حفظ الحق واحترامه، كما في البيع، والإجارة، والمضاربة، والرهن، وبقية المعاملات والعقود الأخرى، وفي كل المجالات التي يدخل احترام الحق طرفاً فيها.

ب ـ تعاملات تعني بالجانب الخلقي في إبرام العقود والمعاملات المتقدمة، وبعموم معاشرة الناس ومخالطتهم.

وما من شك أن المعاملات من النوع الأول هي بحاجة ماسة الى المعاملات من النوع الثاني (*)، إذ حتى مع حفظ الحق واحترامه، ينبغي للإنسان حفظ كرامة الإنسان وإحسان معاملته، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى إن الأخطاء التي قد يرتكبها الإنسان في تعامله مع الناس ـ من جراء سوء ارتباطه بالله ـ هي في حد ذاتها أخطاء أو جرائم. وهذه الجرائم أو الأخطاء قد تكون صغيرة، وقد تكون كبيرة، ومن يفعل الجريمة الصغيرة، قد يرتكب الجريمة الكبيرة، وكما في المثل: ((من سرق بيضة قد يسرق جملا)). وفي دين الله ومنهجه لا فرق ـ من حيث الأصل ـ بين أن تكون الجريمة صغيرة أو كبيرة، وإنما الجريمة هي الجريمة، صغرت أم كبرت، والخطأ هو الخطأ، صغر أم كبر، والمطلوب إستئصال جذور الجريمة وإحلال جذور الصلاح محلها.

ومن جهة ثالثة إن الجريمة ـ في أغلب صورها وأشكالها ـ تأخذ الطابع الإجتماعي (*)، وبالتالي الإساءة الى الآخرين، فعلى سبيل المثال إن جرائم السرقة، إضافة إلى حالة التعدي فيها على حرمات الآخرين ، فهي تتضمن اساءة في معاملتهم ، ولا إساءة في معاملة الناس كممارسة الجريمة بحقهم !.

ولإبعاد الإنسان عن الجريمة، وتقويم تعامله مع بني جنسه، فإنه بحاجة ضرورية ملحة إلى إلتزام دين الله وإخلاصه له ـ جل وعلا ـ، وإلتزام قوانينه ونظمه ومناهجه وأخلاقياته، وإصلاح علاقته به - سبحانه وتعالى ـ وبناء النفس على أساس تقواه وخشيته. ومن أهم وأبرز إصلاح العلاقة والإرتباط بالله الأخذ بعين الجد والإجتهاد، الدار الآخرة وإصلاح أمرها، والعمل من أجلها.

يقول تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77].

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغرر والدرر.

(2) ميزان الحكمة، ج3، ص 375.

(3) بحار الانوار، ج۷۱، ص 385.

(*) يتوهم العصريون اللادينيون والعلمانيون بأن الاسلام لا يصلح كنظام سياسي واقتصادي وثقافي للعصر الحديث، مدعين أنه جاء قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، وانه يناسب ذلك العصر. ويغيب عن بال اولئك أن الاسلام دين الفطرة، الذي أراد له الله ان يكون عالمياً، وهو الدين الذي يوجه الانسان الى التقدم والرقي الحضاريين على ضوء المناهج والنظم الإلهية.

(*) إن العقل أقوى الأسس لاستقامة تصرفات الإنسان ومعاملاته، ولكن لا غنى للعقل عن الأدب، والادب من صميم الدين. يقول الإمام علي (عليه السلام): (كل شيء يحتاج الى العقل، والعقل يحتاج الى الأدب). ويقول (عليه السلام) أيضاً: (لن ينجح الأدب حتى يقارنه العقل).

(4) نهج البلاغة، حكمة 89.

(5) الأصول من الكافي، ج۲، ص53، باب حقيقة الإيمان واليقين.

(6) كليات مفاتيح الجنان، ص۱۱۹، (مناجاة المطيعين).

(*) إن الوجدان أو الضمير الصالح هو النتيجة الطبيعية لإصلاح العلاقة بالله، وتزكية النفس وتطهيرها وفق ذلك. كما أن الوجدان والضمير الصالحين يجب أن يقودا المرء الى الله سبحانه والتزام دينه. (**) كعينة على كثرة الجرائم في الغرب مع كثرة القوانين الوضعية، هنا ثلاثة أمثلة من المانيا، وبريطانيا، وأمريكا: ـ فعلى سبيل المثال: إن انقطاع الكهرباء لمدة خمس دقائق في مدينة نيويورك الأمريكية، يؤدي إلى حدوث عشرات الجرائم ! .

(*) بصيغة أخرى يمكن القول: ان المرء في معاملته الناس لابد أن يلتزم أمرين: الأول: اجتناب التعدي عليهم وعلى أعراضهم وأموالهم وعلى كل حق من حقوقهم (اجتناب الجريمة)، والثاني: الالتزام بأخلاقيات التعامل، وآدابه النابعة من الدين والعقل المؤدب في أي معاملة مشروعة وفي المجتمعات (المتقدمة) إذا كان هناك نوع التزام بالأمر الثاني، فإن هناك خرقاً شديداً جداً للأمر الأول. (**) بالنظر إلى الطرف المجني عليه تنقسم الجريمة الى ضربين: جريمة يجني فيها المرء على ذاته، وأخرى يجني فيها على الآخرين. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.