البحيرات

نتشابه البحيرات الدولية مع الانهار في أنها يمكن اعتبارها ,عاملا موحدا للشعب أو الشعوب التي تقطن حولها اكثر من اعتبارها عامل فصل بينها. لقد نمت الوحدة السياسية السويسرية حول بحيرة لوسيرن في منطقة نواة الدولة السويسرية والتي التفت حولها الأقاليم الأربع الغني كونت سويسرا كما تمت الوحدة السياسية السويدية حول بحيرة مالار والتي تتركز حولها القوى السياسية السويدية حتى الوقت الحاضر، أما دور البحيرات في ربط الشمل فمرجعه الى الدور الاقتصادي الذي تقوم به. فعلى مائها العذب يقوم الاقتصاد.

وعلى البحيرات العظمى تقوم المصانع بمختلف أنواعها وأحجامها معتمدة على ماء البحيرات وهي أحسن وسيلة من وسائل النقل السريعة الرخيصة وعلى البحيرات العظمى تقع أهم المدن الصناعية في الولايدات المتحدة مثل شيكاغو Chicago ميلاواكى Milwaukee وجيري انديانا وكليفلند Cleavland وتوليد Toledo ، أما الجانب الكندي فتقع عليه كل من هاملتون Hamilton وتورنتو Toronto وويندسور Windsor وكنجستون، وغيرها من البحيرات.

وهي بهذا تعتبر مثلا حببا للعديد من البحيرات المنتشرة في جميع أنحاء العالم مثل بحيرة جنيف التي تفصل بين سويسرا وفرنسا وبحيرة كونستانتس والتي تلتقي عندها حدود كل من سويسرا والنمسا وألمانيا وبحيرة فيكتوريا والتي تفصل بين أوغندا وكينيا وتانزانيا وبحيرة تنجانيقا Tanganyika والنني تلتقي فيها حدود تنزانيا وجمهورية زائير.

اذا اعتبرت البحيرات ظاهرة طبيعية تقوم بعامل الوصل بين الأمم، فهل يمكن أن تقوم بدور مضاد لذلك وتفصل الشعوب بعضها عن بعض ؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من معرفة طبيعة البحيرات وموقعها الجغرافي ومساحتها ونوع الشعوب التي تعيش حولها ومدى تقدمهم الفكري والحضاري. فاذا كانت البحيرة واقعة في مناطق بعيدة عن التجمع البشرى ومساحتها صغيرة للغاية ويعيش حولها قبائل بدائية لا تعرف للحدود معنى في هذه الحالة لا تكون لهذه البحيرة أهمية كأهمية البحيرات العظمى التي تقع في منطقة تجمع سكاني ضخم ونشاط اقتصادي وحضاري كبير تحيط بها شعوب واعية تعمل على استغلال كل امكانيات اراضيهم.

من أجل ذلك كانت أهم مشكلة تواجه السياسيين هي اببن توضع الحدود داخل البحيرة ؟ وقبل أن نجيب على هذه التساؤلات نطرح سؤالا هاما وهو هل هناك حاجة الى رسم وتحديد الحدود داخل البحيرات و ممالا شك فيه أن هناك عدد من الحوادث التي وقعت بالفعل داخل البحيرات وخاصة بين السفن. سواء كانت تلك السفن نهرية صغيرة أم سفن محيطية كبيرة أو الاثنين معا. هذه السفن استطاعت أن تصل الى احدى البحيرات الكبرى كالبحيرات العظمى لنقل المواد الخام أو المنتجات المصنعة، ففي حالة وقوع حادثة من الحوادث لابد من معرفة المياه الإقليمية لكل دولة لتقوم الدولة الغني وقع الحادث في مياهها بإجراء التحقيقات اللازمة لإدانة المخطئ وتعويض الآخر.

ومن جانب أخر فان وجود الحدود داخل البحيرات يوضع لمواطني الدولتين أين تنتهي مياههم الاقليمية، فلا يقومون بصيد الأسماك الا داخل حدودهم وبالرغم من وجود حاجة ماسة إلى تنظيم الصيد داخل البحيرات نجد أن كثرة العديد من كلا الجانبين يقضي على الثروة السمكية تدريجيا حتى تنعدم في يوم من الأيام من اجل ذلك يصبح من الضروري على الدول الواقعة على البحيرات تنظيم صيد الأسماك بحيث تحافظ على بناء الثروة الطبيعية على مر العصور، وبالإضافة الى تنظيم صيد الأسماك فان الدولة الصناعية الواقعة على البحيرات تواجه مشاكل قذف مخلفات المصانع الى البحيرات هذه المخلفات غالبا ما تكون مواد كيماوية سامة تقضى علي الثروة السمكية داخل البحيرة. من أجل ذلك تقوم الخلافات بين الدول ولابد من وضع قوانين تمنع اصحاب المصانع من تلويث مياه البحيرات. وبالإضافة الى تنظيم الصيد وعدم تلوث المياه فان تنظيم الملاحة وجباية الضرائب على السفن المستفيدة من دخولها الى البحيرات تصبح من الامور التي يجب أن توضع في الاعتبار عند رسم الحدود.

اما كيف ترسم الحدود لقد قامت العديد من المشاكل بين الدول فبعضها يحاول أن تكون الحدود تسير مع امتداد الشواطئ بحيث تصيح مياه البحيرة في حوزته بينما يطالب الجانب الآخر بان تسير الحدود في وسط البحيرة. كل هذه المشاكل واجهت اللجان التي شكلت لرسم الحدود بين الدول لقد تغلبت اللجنة الدولية المكونة من الولايات المتحدة وكندا على معظم هذه المشاكل في رسم حدود بلديهما، ولحسن الحفد فلقد كان للنتائج التي توصلا اليها اثر طيب في رسم بقية حدود العالم المائية، لقد توصلت اللجنة الى أن ترسم شبكة من الخطوط التي تمتد بين كل زاوية من زوايا البحيرة مع مراعاة جميع التعاريج ثم تنصف تلك الخدود، وهكذا طبقت معظم دول العالم هذا المبدأ وانتهت المشاكل بينهم شكل (30).

وان كانت بعض الدول قسمتها حسب نسب معينة مثل تقسيم بحيرة فيكتوريا بين كينيا وتنزانيا وأوغندا كما يتضح من الشكل (31).

وفي بعض الأحيان تتغذ البحيرات أجزاء من مسارات الحدود، وتعد سويسرا بين الدول القليلة التي تمتد أطوال كثيرة من حدودها في البحيرات: بحيرة بودن بين النمسا وسويسرا وألمانيا، بحيرة أيان بين فرنسا وسويسرا، وبحيرتا ماجوري ولوجانو بين سويسرا وايطاليا. وتمتد الحدود الكندية الأمريكية في جزء منها بطول البحيرات العظمى كلها عدا بحيرة مشجان، وفي أفريقيا تماثل أوغندا سويسرا؛ فهناك حدودها الطويلة على بحيرة فكتوريا وبحيرتي ادوارد وألبرت. وتمتد الحدود التانزانية بأطوال كبيرة داخل بحيرات فكتوريا وتنجانيقا ونياسا، والأمثلة كثيرة في أفريقيا (تشاد - نياسا - بنجويلو ... الخ)، وبرغم أن البحيرات أصلح من الانهار كحدود سياسية، بحكم اتساع مسطحها كما وأن معظمها يقع في مناطق جبلية وعرة، الا أن لها مشاكلها الأخرى، فتقسيم البحيرات بين وحدات سياسية غالبا ما يحرم الدول من القيام بأعمال هندسية كبناء السدود ورفع مستوى المياه من أجل توليد الطاقة الا باتفاقات مسبقة، وكذلك لا يمكن استغلال الثروة السمكية أو المعدنية - ان وجدت - إلا باتفاقات مسبقة أيضا، وفضلا عن ذلك فإن البحيرات تكون مجالا للتهريب - البضائع والأشخاص - لا يسهل التحكم فيه.