أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-1-2022
1722
التاريخ: 27-6-2016
2670
التاريخ: 2023-12-30
1163
التاريخ: 28-6-2016
6680
|
قال الله - سبحانه وتعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
ويقول الامام علي (عليه السلام): (لا محبة مع كثرة مراء) (1).
ويقول (عليه السلام) أيضاً: (ثمرة المراء: الشحناء) (2).
كما أن الجدال في الله وآياته بغير علم يورث الشك والضلالة وفساد اليقين، كذلك فإنه في معاملة الناس يفسدها ويدق إسفيناً فيها. ولا يعني هذا ان الجدال منهي عنه مطلقاً، لكن المنهي عنه هو الجدال بغير التي هي أحسن. ومن هنا فالمطلوب، هو الجدال (بالتي هي أحسن).
إن ما من إنسانين يجتمعان، ويتبادلان الآراء، الا ويحصل بينهما تفاوت فيها. وليس المقصود من هذا ان المطلوب من الناس ان تختلف مع بعضها، لأن الاختلاف وان كان قضية موجودة في الحياة، فإن الدين لا يدعو لها إذا كانت مدعاة الى عدم الائتلاف، وهدم الآراء، وشق الوحدة. إن من آداب الاختلاف: الاحترام المتبادل بين الشخصين أو الجهتين المختلفتين.
وقد يلتقي شخصان ويتحادثان في موضوع ما، فيتصلب أحد الطرفين لرأيه، بصرف النظر عن كونه على الصواب، أو على الخطأ.
وقد يشترك المرء في جلسة شورائية مع بعض إخوانه وأصدقائه، لمناقشة موضوع معين، فليعلم أنه عقل، واخوانه مجموعة عقول، ومن هنا فإن مسألة الاختلاف في الآراء ووجهات النظر تكون واردة، وان كان هناك اتفاق على الأطر العامة. وتبادل الآراء ووجهات النظر بشكل موضوعي، هادئ، هادف، هو من المجادلة بالتي هي أحسن، المذكورة في القرآن الكريم. أما أن يتحول الحوار، أو النقاش، أو تبادل الآراء الى حلبة مصارعة، وينشب التعصب الفكري، فهذا من الجدال السلبي. الجدال الذي لا تحمد عواقبه، ولا يؤيده الاسلام والقرآن، والجدير بأن يتجنب، ولا يعني هذا أن المرء بترك الجدال العقيم يتنازل عن آرائه إذا كان محقاً، بل ما فائدة التعصب للفكرة المحقة مع مجادلة الطرف الآخر واصراره على صحة فكرته او رأيه؟ . إن المرء بدل ان يصرف الوقت والجهد في إيصال أفكاره وآرائه المحقة الى إنسان مجادل، عليه أن يتوقف عن الجدال، ويوصل أفكاره وآراءه الى من هو أهل لها، ومن يتقبلها.
هب أنك اختلفت في الرأي مع طرف آخر في قضية ما. فهنا يحدث أمر من أمرين: إما ان يكون هو المخطئ وأنت المحق، وإما العكس. فإذا كنت انت المخطئ فسلم بخطئك، وإذا كنت انت المحق، فلا بأس أن تبين له رأيك بشكل محدد، واضح، وبالتي هي أحسن. وإذا أصر الطرف الآخر على ان فكرته هي السليمة، وانت تعلم يقيناً أنها ليست كذلك، وجادلك من أجل إخضاعك لآرائه، فإن أفضل طريقة لإنهاء هذا الجدال، هو أن تتجنبه، لأن هذا الجدال سيتحول الى نقاش عقيم من جهة، ومن جهة أخرى إن معاملتك للطرف الآخر، وعلاقتك الاجتماعية لا يستبعد أن يدق فيها أسفين الشحناء والتباغض والتباعد، فضلا عن أن شخصيتك قد تهان، أو تسقط إذا استمريت في الجدال.
إن الجدال العقيم، أو المراء هو الزاوية الحادة التي يخلق بالمرء أن يتجنبها، وهو مدعاة الى أمور غير محدودة منها:
ـ إمراض القلوب على الإخوان أو الاصدقاء أو الناس.
ـ نشوب الخصومة.
ـ إفساد الصداقة القديمة.
ـ تحليل العلاقات الوثيقة.
ـ حدوث القطيعة.
ـ ذهاب بهاء الشخصية.
ـ الحقد.
ـ الوقوع في الغلط والخطأ.
ـ سقوط الحجة.
ـ الايباق (الوقوع في الموبق).
ـ انبذار الشر في النفس
وكثيرة هي الأحاديث الشريفة التي تدعو الانسان الى ترك الجدال والمراء سواء كان محقاً أو مبطلا. إن من حقيقة الايمان ان يترك الانسان المراء وإن كان محقا كما أن من التواضع ذلك. والمراء مذموم سواء كان مع العلماء أو الجهلاء أو الحلماء أو السفهاء، أو مع أي طبقة أو فئة أخرى من الناس.
يقول أحد خبراء علم النفس الاجتماعي: (منذ سنوات مضت التحق بمعهدي رجل مولع بالجدال والتحدي. كان يشتغل وسيطاً لأحدى شركات سيارات النقل، ولكنه لم يصادف نجاحاً يذكر، ولهذا لجأ إلي، فاستكشف أن سر إخفاقه هو طول باعه في اللجاجة، والجدال ! وعندئذ لم يكن همي الأول أن أعلم هذا الرجل كيف يتكلّم، بل كان همي الأول أن أدربه على ألا يتكلم ! والرجل الآن في القمة بين وسطاء شركة (س) للسيارات، في مدينة (ن)، فكيف تأتى له ذلك؟ .
ها هي قصته کما رواها:
(دخلت يوماً مكتب عميل كنت أرغب في أن أبيعه سيارة جديدة، فما أن علم بمهمتي حتى صاح: ماذا؟! سيارة من (س)، إنها أسوأ السيارات جميعاً، بل إنني لا أقبلها لو أعطيتني إياها بدون مقابل! إنني سأشتري سيارة من شركة (ص)! وعندئذ قلت له: خيراً ما تفعل يا سيدي! إن شركة (ص) شركة طيبة، وبائعوها رجال طيبون.
وسرعان ما زالت عن الرجل حدته الأولى، فلم يبق هناك مجال للجدل ما دمت قد أقررته على وجهة نظره! إنه لن يقضي طول اليوم يقول: إن سيارة (ص)أحسن ما دمت أنا قد وافقته على ذلك. وانتهزت فرصة سكوته، فرحتُ أطرق نواحي القوة في سيارة (س)، والفروق الدقيقة بينها وبين سيارات (ص)، فلم أغادر مكتبه ذلك الصباح حتى كنت قد بعته سيارة جديدة.
(وقد مر بي زمن كانت فيه عبارة جارية كتلك التي فاه بها العميل، تجعل الدم يغلي في عروقي، فأشن على العميل حرباً عواناً، وأهاجم سيارات (ص) في قسوة عنيفة، وكلما ازددت هجوماً على (ص)، كلما استمسك المشتري برأيه في افضليتها، وكلما أمعن المشتري في الجدال، كلما كان أدنى إلى شراء بضاعة منافسي!
وأنا إذ أنظر اليوم إلى الماضي، أعجب كيف وسعني أن أبيع شيئاً على الإطلاق! لقد ضيعت سنين من عمري، على غير طائل في الجدال والشجار).
إن الجدال أو المراء العقيم غير محمود، سواء كان المرء المجادل محقاً أو مبطلاً. والأخطر في المراء في الباطل أنه لا يزيد المرء إلا انحرافاً عن الحق، وعمى عنه. يقول الإمام علي (عليه السلام): (من كثر مراءه بالباطل، دام عماؤه عن الحق) (3).
والجدال العقيم ليس مذموماً فقط في المعاملات اليومية بين الناس، بل حتى في مجال الدعوة إلى الإسلام، والعمل الإسلامي، يلزم أن يكون العمل منظماً ومقنناً، وأن تكون المجادلة بالتي هي أحسن هي الأسلوب المتبع في ذلك. وعليه فليس المطلوب من المؤمنين أن يدخلوا في نقاشات، وحوارات، ومجادلات عقيمة سواء مع الكفار، أو مع المتعصبين لأفكارهم الباطلة، أو مع غيرهم. بل الأفضل أن يصرفوا أوقاتهم وجهودهم إلى إيصال الدين إلى من هو أهل له.
إن المرء قد يقنع كافراً، أو معاند، أو متعصباً، أو غيره عن طريق الإخضاع بالجدال والمراء، ولكن ليثق المرء تماماً أن ذلك الاقتناع، {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18].
والانسان إذا جادل، وتحدى، وناقض، ربما استطاع أن ينتصر أحياناً، ولكن هذا الانتصار كالعصى الجوفاء التي نخرتها دابة الأرض. والانتصار الأجوف إن هو إلا خسارة لحسن العلاقة بالطرف الآخر، ولا شك أن حفظ العلاقة الحسنة بالناس أفضل من انتصار أجوف.
إن من الناس من يجادل ويماري وهو جاهل لم يستنر بالعلم. ومنهم من أصبح الجدال العقيم أو المراء عادة فيه وتقليداً، فهو يماري في كل شيء مهما كان صغيراً، محقاً كان أو مبطلا. ومن تعود على الجدال العقيم لن يجني إلا المتاعب، وانفضاض الناس عنه. وهل يجني زارع الشوك إلا الشوك نفسه؟.
وقد يجادل المرء في شيء يظنه حقيقة، وهو في حقيقته وهم، والأفضل ترك الجدال، وإن كان المرء محقاً.
يقول أحد الدارسين: كنت ومجموعة من زملائي نتباحث في مادة من موادنا الدراسية، وذات يوم وبينما كنا في وقت الإستراحة تعرضنا الى ذكر حيوان الخفاش: هـل يـبيـض ام يلد؟ وحدث بيني وبين زميل لي حاد الطبع، إختلاف في الرأي، قلت إن الخفاش حيوان ثديي، ويطير، وهو يلد ولا يبيض. فقال الزميل: بل هو يبيض ولا يلد، ثم أكدت له مرة أخرى ـ وأنا واثق من صحة ما أقول ـ أن الخفاش يلد ولا يبيض، واستشهدت بآراء الزملاء الآخرين، ولكنه أصر على رأيه الأول. فقلت: حسناً، سوف أتوقف عند هذا الحد، وأطلب منك التأكد من صحة ما أقول. وبذلك أنهيت الجدال بأن اجتنبته، وحافظت على علاقتي الأخوية بزميلي.
وترك الجدال، لاجتناب الزوايا الحادة المتسببة عنه، أمر يحتاجه المرء أينما جمعه المقام مع الناس وتعامل معهم، سواء في بيته، مع زوجته وأبنائه ووالديه، أو في عمله، أو في الشارع، أو في المجلس، أو في المحفل، أو في أي مكان آخر.
فلكي يحسن المرء معاملة الناس، ويحفظ حالة الحب المتبادل بينه وبينهم، عليه أن يتبع قاعدة تحاشي الجدال العقيم، وأن يعلم أن أفضل السبل في التعامل مع الجدال، هو تجنبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغرر والدرر.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل قائد الفرقة الرابعة الشرطة الاتحادية
|
|
|