أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2015
2502
التاريخ: 22-10-2015
3373
التاريخ: 23-4-2022
1680
التاريخ: 9-12-2017
1614
|
سيتم تقسيم هذا الموضوع الى فرعين ، سيتناول الفرع الاول التعريف اللغوي للحق وفي الفرع الثاني سيتم بيان التعريف الاصطلاحي واهم النظريات التي تناولته.
الفرع الاول / التعريف اللغوي للحق
ورد استعمال لفظ الحق في اللغة بمعانٍ عديدة , فقد يقصد به أنه نقيض الباطل أي ضده(1).كما في قوله تعالى﴿ بَل نَقذِفُ بِٱلحَقّ عَلَى ٱلَبٰطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقُ ﴾ (2)، وقد يرد بمعنى الشيء الثابت وهو لايقبل التغيير، فالله تعالى هو الحق(3) ، ومثلما نعلم ان الله غير قابل للتغيير فهو ﴿خَٰلِقُ كُلّ شَيءٍ ﴾ (4)، وانه تعالى﴿ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءُ ﴾ (5)، فمن المستحيل على الإنسان ان يفكر في تغيير شيء لامثيل له ، كما انه تعالى﴿ لاَّتُدرِكُهُ ٱلأَبصَٰرُ ﴾ (6) وايضاً في قوله تعالى للكافرين:﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيهِمُ ٱلقَولُ ﴾ (7) اي ثبت عليهم القول.
وعرّف الحق ايضاً بمعنى الواجب كما ورد على لسان الأمام علي (عليه السلام) في خطبة صفين عندما قال:( أما بعد فقد جعل الله لي حقا بولاية أمركم ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم فالحق أوسع الاشياء في التواصف واضيقها في التناصف) (8).
وللحق اطلاقات كثيرة منها( العدل، المال، الصدق، الموت، الحزم، الملك، البين، الواضح )(9) ويطلق ايضاً على ( الحظ والنصيب ) منه قوله تعالى﴿ وَفىِٓ أَمَوٰلِهِم حَقُّ لّلِسَّآىِٕلِ وَٱلمَحرُومـِ ﴾(9) وقد يرد الحق بمعنى أسم من أسماء الله تعالى كما في قوله تعالى﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلحَقُّ ﴾(11) وايضاً بمعنى الوجوب ، ويقال يحق عليك أن تفعل كذا ، أي وجب (12)
اما في الفلسفة الغربية فإن الكلمة الدالة على الحق في الفرنسية Droit ، وفي الانكليزية right وفي اللاتينية هيJus ، وتدل هذه الألفاظ على ماتسمح بفعله القوانين الوضعية سواء بصورة صريحة أم تطبيقاً لمبدأ عام (13).
نلاحظ مما سبق ان الحق بماورد له من معانٍ عديدة في اللغة يوافق في نفس الوقت جميع الشرائع والمبادئ التي تقر بحقوق الإنسان.
الفرع الثاني / التعريف الاصطلاحي للحق
قد يتبادر الى الأذهان بسبب شيوع كلمة الحق في اللغة انها لا تحتاج الى تعريف ، لكنها مع ذلك أثارت خلافاً كبيراً بين فقهاء القانون ، ويرجع السبب في ذلك الى صعوبة تحديد ما يمكن اعتباره عنصراً جوهرياً وأساسياً في الحق(14).
نتيجة لهذا الخلاف برزت عدة نظريات , منها تقليدية ومنها حديثه تناولت تعريف الحق، من هذه النظريات التقليدية ، النظرية الشخصية التي تزعمها الفقهاء الألمان سافيني وفيندشايد وجيرك والتي عرفت الحق بأنه ( سلطة أو قدرة إرادية يقرها القانون للشخص) ، أي من وجه نظر أصحاب هذه النظرية ، أن الحق لايوجد مالم يوجد شخص ذو إرادة يستحقه ويباشره ، فهو اذن قدرة إرادية ،تعرضت هذه النظرية لانتقادات كونها خلطت بين مضمون الحق وممارسته ، كما انها جعلت وجود الحق يرتكز على وجود الإرادة , وهو ليس بالضرورة ، فعديمي الإرادة لهم حقوق كالمجنون والصغير, وقد تثبت الحقوق للأشخاص دون علمهم كالغائب والمفقود ، وتثبت للأشخاص المعنوية شأنها شأن الأشخاص الطبيعية على الرغم من كونها عديمة الإرادة (15).
ونتيجة للانتقادات التي وجهت للنظرية الشخصية فقد ظهرت نظرية موضوعية ارتكزت على المصلحة في تعريفها للحق ، التي نادى بها الفقيه الألماني أهرنج الذي عرّف الحق على انه (مصلحة مشروعة يحميها القانون) ، وهو بذلك يرى بأن الحق يتكون من عنصرين :عنصر مادي وهو يتمثل في المصلحة التي يحققها الحق لصاحبه وعنصر شكلي يتمثل في حماية القانون للحق عن طريق دعوى قضائية، فالإرادة هنا حسب رأي اهرنج عنصر تبعي او تكميلي، والمصلحة هي العنصر الذي يطغى على الأرادة(16).
تعرضت هذه النظرية هي الأخرى لانتقادات تمثلت بأنها تجعل من المصلحة أساس وجود الحق مع أنها ليست كذلك دائماً ، فهي غاية الحق وبالتالي لايمكن تعريف الحق بغايته أو المقصود به ، فضلاً على أنها تطرقت إلى الحماية القانونية بوصفها عنصراً في الحق مع أنها وسيلة تستخدم بعد ثبوت الحق ، ومن الانتقادات التي وجهت الى اهرنج أنه جعل للمصلحة قيمة، وهي إمّا أن تكون مادية كحق الملكية ، أو معنوية تتمثل بالشرف والاعتبار والكرامة (17).
وتفادياً للانتقادات التي وجهت الى كلتا النظريتين اتجه فقهاء آخرون منهم جلنك ، وسالي، وميشو الى تعريف الحق عن طريق جمع مفهومه لدى كلتا النظريتين؛ هؤلاء هم أنصار النظرية المختلطة ، فقد ذهب هؤلاء إلى أن الحق (هو المصلحة التي يحميها القانون وتقوم على تحقيقها والدفاع عنها إرادة معينة).مع ذلك ساد الاختلاف فيما بينهم ، فمنهم من عمل على تقديم عنصر المصلحة على الإرادة وعرّفوا الحق بانه (مصلحة شخص او مجموعة من الاشخاص يحميها القانون وتقوم على تحقيقها والدفاع عنها قدرة معترف بها لإرادة ما) , ومنهم من قدم عنصر الإرادة على المصلحة وعرّفوا الحق بانه (قدرة اوسلطة تقوم على خدمة مصلحة ذات صفة اجتماعية) (18).
من خلال ما تقدم يتبين لنا أن هذه النظرية لم تأت بشيء جديد ، فكل ماهنالك أنها عملت على جمع معنى الحق لدى كل من النظرية الشخصية والموضوعية , وانها انقسمت الى فريقين منهم من انحاز الى النظرية الشخصية , ومنهم من انحاز الى النظرية الموضوعية ، لذا فمن الطبيعي أن تتعرض لنفس الانتقادات التي وجهت الى النظريتين السابقتين.
وعلى أساس الانتقادات التي وجهت الى النظريات التقليدية ظهرت نظرية حديثة استندت في تعريف الحق الى الكشف عن الخصائص المميزة له ، وتبنى هذا الاتجاه الفقيه البلجيكي دابان، إذعرف الحق ( بانه ميزة او استئثار يمنحها القانون لشخص ما ، ويحميها بطرق قانونية بمقتضاها يتصرف الشخص متسلطاً على مال معترف له بصفته مالكاً اومستحقاً له)(19)
وعند تحليل هذا التعريف نلاحظ ان عناصر الحق لدى دابان تتمثل في:.
(الاستئثار، التسلط ، الرابطة القانونية ، الحماية) ، والمقصود بالاستئثار هو انفراد شخص بمال أوبقيمة معينة بصورة مباشرة أوغير مباشرة سواء توفرت لديه الإرادة أم لا ، وهذا الاستئثار يعطي لصاحب الحق القدرة في التصرف , وهذا هو التسلط الذي لايثبت الا لصاحب الحق , اي ان الفقيه دابان اقام للحق عنصران داخليان وهما : الاستئثار والتسلط ، ويكون الأخير تابع للأول ولاينفصل عنه ، بالإضافة الى عنصرين خارجيين يتمثلان باحترام الجميع باستئثار صاحب الحق بحقه, وتوفير صاحب الحق الحماية اللازمة للتمتع بحقه عن طريق الدعوى خاصة انه لايستطيع حماية حقه بنفسه(20).
لكن مع ذلك فإن التصوير الحديث لفكرة الحق تعرّض بدوره لانتقادات عديدة إذ لايمكن القول أن هذه النظرية حديثة ، ذلك إن كل ما اورده دابان هو اطلاقه لمصطلحات حديثه تحل محل مصطلحات تقليدية ، فاستبدل ( المصلحة) بفكرة (الاستئثار) و(القدرة الإرادية) بفكرة (التسلط)، كما أنه جعل الدعوى عنصراً من عناصر الحق ، وهذا القول غير صحيح لكون الدعوى وسيلة حماية الحق وهي تتبعه وليس بعنصر ثابت فيه ، وذهب دابان في هذه النظرية الى تركيز العلاقة بين المالك والشيء المملوك ، كما جعل الاستئثار عنصراً من عناصر الحق ، في حين انه كل معنى الحق (21) .
وازاء اختلاف هذه النظريات ، اتجه منذ اواخر القرن التاسع عشر فريق آخر من الفقهاء يتزعمهم العميد دوجي الى انكار وجود الحق , إذ اورد تعريفاً له وعمد بعد ذلك الى هدمه, فالحق عند دوجي (هو عبارة عن تفوق إرادة الشخص الذي يملك الحق على إرادة الأخرين)(22). ويرجع سبب رفضه لفكرة الحق بوصفه فكرة ميتافيزيقية غير قابلة للإثبات والتحديد لجأ إليها الإنسان خلال مراحل تطوره لذا فهو قد انكر وجود حقوق مستمدة من طبيعة الإنسان لانها تفترض قيام علاقة بين شخصين (23).
مع ذلك تعرضت فكرة دوجي لكثير من النقد من الفقهاء ، لان فكرة الحق أصبحت من الحقائق الجوهرية القانونية , وليست مجرد أداة لصياغة قانونية ، فضلاً على انه قد صّور الحق تصويراً خاطئاً بقوله : انه قدرة إرادية تعطي لصاحبها إرادة ممتازة على غيره من الإرادات , فمن المعروف ان جميع الإرادات الفردية متساوية , كما ان تمتع الشخص بالحق في الحياة والكرامة لايجعله في مركز اسمى من غيره (24).
وفي رأينا ان دوجي لم يأت بشيء جديد عندما احل فكرة المراكز القانونية محل فكرة الحق، فهو بدلاً من ان يقول (حق الملكية) يقول ( المركز القانوني للمالك) ، وهذا المركز في الوقت نفسه يتيح للمالك التمسك بالمزايا والمنافع التي يخلفها ، وهي ذات المنافع التي يعنيها الحق. لذا فهو خلاف لفظي اكثر من اي شيء اخر.
من خلال استعراضنا السابق للنظريات المختلفة المؤيدة لفكرة الحق والنافية لها لاحظنا ان جميعها تعرضت للانتقادات ، ويرجع سبب ذلك الى صعوبة اتفاق الفقهاء على وضع تعريف جامع شامل ، لفكرة الحق لكونه مرتبطاً بفكر الإنسان وتطوره الحضاري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي وارتباطه ايضاً بافكاره ومعتقداته و بتحقيق العدالة جوهراً ومضموناً ، ومن المعروف ان جميع هذه الامور محل خلاف هي ايضاً.
واذا كان لنا ان نأتي بتعريف دقيق للحق فاننا نعتقد ان التعريف الذي اورده الدكتور عبد الهادي فوزي العوضي هو المناسب ، اذ عرّف الحق على انه (استئثار شخص بشيء او بقيمته استئثاراً يقرّه القانون) (25) لكونه يتضمن جميع اركان الحق ، فالاستئثار جوهر الحق ويتمثل بتسلط صاحب الحق على الشيء موضوع الحق ، كما انه يقرر لشخص طبيعي او معنوي على حد سواء , وفي الوقت نفسه يقره القانون ويوفر له الحماية القانونية.
__________
1- محمد يعقوب الفيروزي آبادي ، القاموس المحيط ، تحقيق محمد نعيم العرقسوسي ، الطبعة الخامسة، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1996، ص 1129.
2- سورة الانبياء ، الآية ، 18.
3- د. جبار صابر طه ، النظرية العامة لحقوق الانسان ، الطبعة الاولى ، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2009 ، ص62 .
4- سورة الزمر ، الآية ،62 .
5- سورة الشورى ، الآية ،11.
6- سورة الانعام ، الآية ، 102.
7- سورة القصص ، الآية ،62.
8-محمد عبده ، شرح كلام الأمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة ، الجزء الأول ، مكتبة النهضة ، بغداد، ص438.
9- د. إبراهيم مدكور ، المعجم الوجيز ، المركز العربي للثقافة والعلوم ، بدون ذكر تاريخ النشر، ص163.
10- سورة الذاريات ، الآية ،19 .
11- سورة الحج ، الآية ،62.
12- د. ابراهيم مذكور، مصدر سبق ذكره ، ص162.
13- د. اماني غازي جرار ، الاتجاهات الفكرية لحقوق الإنسان وحرياته العامة ، الطبعة الاولى ، دار وائل للنشر، 2009 ، ص17.
14- د. حمدي عبد الرحمان ، فكرة الحق ، بدون طبعة ، دار الفكر العربي ، بدون ذكر مكان النشر ، 1979، ص8.
15- د. عبد الهادي فوزي العوضي ، النظرية العامة للحق ، بدون طبعة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2006، ص10،8،7.
16- د. حمدي عبد الرحمن ، الحقوق والمراكز القانونية ، بدون طبعة، دار الفكر العربي ، بدون ذكر مكان النشر ، 1975-1976 ، ص16.
17- د. احمد شوقي محمد عبد الرحمن ، النظرية العامة للحق ، بدون طبعة ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 2005، ص8،7 : كذلك انظر جبار صابر طه ، مصدر سبق ذكره ، ص76،75.
18- د. همام محمد محمود ، د. محمد حسين منصور، مبادئ القانون (المدخل الى قانون الالتزامات) ، بدون طبعة ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، بدون ذكر تاريخ النشر ، ص123.
19- د. حمدي عبد الرحمان ، الحقوق والمراكز القانونية ، مصدر سبق ذكره ، ص19.
20- د. محمد حسام محمود لطفي ، موجز النظرية العامة للحق ، بدون طبعة ، دار الثقافة ، القاهرة ، بدون ذكر تاريخ النشر ، ص24.
21- د. عبد الهادي فوزي العوضي ، مصدر سبق ذكره ، ص22.
22- جبار صابر طه ، مصدر سبق ذكره ، ص52.
23- د. محمد حسام محمود لطفي ، مصدر سبق ذكره ، ص7.
24- جبار صابر طه ، مصدر سبق ذكره ، ص85.
25- د. عبد الهادي فوزي العوضي ، مصدر سبق ذكره ، ص23.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|