أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-4-2020
4423
التاريخ: 2-6-2021
1737
التاريخ: 17-12-2020
2074
التاريخ: 10-12-2020
4161
|
إن الفوز بحرية الطباعة دون تقييد سابق لم يحرر الصحافة من يد الحكومة الثقيلة ، فقد تعارضت قوانين الشغب والقذف العلني التي صدرت في إنجلترا والمستعمرات الأمريكية أثناء القرن الثامن عشر مع الفكرة الفلسفية التي تفيد بضرورة أن تعمل الصحافة بوصفها " رقيبا " على الحكومة ، . أما بالنسبة للعقلية الاستبدادية فإن مجرد القيام بنقد الموظفين كان يشكل جريمة في حد ذاته. ونشأ مبدأ أنه. كلما عظمت الحقيقة ، عظم أيضا القذف العلني " ومعنى ذلك أن نشر قصة موظف فاسد يمثل الشغب الأكبر إذا كان الموظف فاسدا بالفعل .
وأصبحت مشكلة الصحفي هي إقرار مبدأ الحقيقة للدفع ضد الاتهامات بالشغب أو جريمة القذف العلني . وذلك لأن حقيقة الطبع المجردة لا تكفي للإقرار بالذنب . وأن الطابع أو المحرر المتهم سيكون قادرا على عرض قضيته في قاعة المحكمة العلنية مع تفضيل وجود هيئة المحلفين أثناء العرض . ومع الفوز بمبدأ الحقيقة كدفع ، فإن الحكومات ستقلل من توجيه اتهاماتها للصحافة بإثارة الشغب ، وكذلك لا يمكن تعديل القوانين التي تحدد مفهوم الشغب.
وكانت القضية التي تمثل علامة فاصلة في تاريخ ما يسمى اليوم " الولايات المتحدة " هي قضية جون بيتر زنجر ، الذي حوكم في مستعمرة نيويورك سنة ١٧٣٥ بتهمة الشغب والقذف العلني .
كان زنجر ناشرا مهاجرا خصص صفحات جريدته الأسبوعية المسماة الجريدة The Journal لعرض قضية فئة منشقة سياسيا تعارض الحاكم الملكي ، وكانت بعض الشخصيات القيادية في المستعمرة تقف إلى جانب زنجر في النضال ضد الحاكم الذي اتهموه على صفحات الجورنال بارتكاب أفعال استبدادية مختلفة . وتم سجن زنجر وتقديمه للمحاكمة أمام محكمة معادية . وأثناء هذه الأزمة تدخل في القضية المحامي أندرو هاميلتون الذي كان من فيلادلفيا وكان عمره ٨٠ عاما ، كوكيل قضائي للدفع عن زنجر .
واستعرض المدعي العام التابع للتاج قوانين الشغب والقذف العلني ودفع بأن الدعوى موضوع الخلاف قد انتهت منذ السماح لزنجر بنشر إصدارات الجريدة موضع القضية ، إلا أن معارضه المسن تحاور بمهارة حول العدالة كحق شرعي في مواجهة المدعى العام ، وأصر على ضرورة عرض الحقيقة كدفاع في حضور هيئة المحلفين لتقرير الحقيقة في مطبوعات زنجر . وقد أنكرت المحكمة هذه المناقشات ، ولكن هاميلتون تجاهل القاعدة وألقى خطبة مؤثرة موجهة إلى المحلفين ، وأنهى دفاعه طالبا من هيئة المحلفين أن تمسك بالأمور من يديها " المسألة أمام المحكمة . . لا ! انها من حيث النتائج قد تؤثر في كل شخص حر . . وحل مستوى أمريكا كلها - إما قضية الحرية . حرية التعرض والمعارضة للقوة الاستبدادية . عن طريق النطق بالحقيقة وكتابة الحقيقة " .
وتمت تبرئة زنجر ، ولم تحد المحكمة قرار المحلفين بالرغم من أنه تجاهل القانون القائم . ولم يحدث أي انتصار قانوني مماثل في مسألة قبول الحقيقة كدليل في إنجلترا نفسها قبل الثمانينيات من القرن الثامن عشر . وبقى التهديد بالمحاكمة بالنسبة للشغب والقذف العلني قائما حتى نهاية القرن ، بالرغم من أنه لم تعقد أية محاكمات للمحررين في المستعمرات . لقد ضايق الحكام ومجالسهم الملكية بعض المحررين ، ولكن صحافة المستعمرات بوجه عام تمتعت بحرية انتقاد السلطات الإنجليزية وتطوير قضية استقلال أمريكا ( العكس ليس صحيحا ، وعلى كل حال فإن الراديكاليين في المستعمرات قيدوا حرية محرري حزب المحافظين ) . ومع أوائل الثمانينيات من القرن الثامن عشر اتهمت جرائد مثل بوسطن جازيت صراحة بإثارة الشغب من خلال مهاجمتها للسلطة الدستورية ، ولكنها استمرت في الظهور وإذكاء نيران الثورة .
وساهم محررون آخرون في تقليد النقد بصفته أحد أدوار الصحافة وذلك إلى جانب زنجر . فقد برهن جيمس فرانكلين وهو الأخ الأكبر لبن المشهور ، على إجادته التعلق بكلتا السلطتين المدنية والدينية في بوسطون خلال العشرينيات من القرن الثامن عشر عن طريق جريدته نيو إنجلند كورانت . أما بنجامين فرانكلين فقد كان ناقدا حذرا في مجلته بنسلفانيا جازيت . لقد كان المحررون بالمستعمرات عنفاء في معارضتهم لضريبة البريد عند تطبيقها على البريد في المستعمرات ، كما كان الأمر بالنسبة لإنجلترا . وقاد اشعياء توماس ناشر جريدة ماساشوستس سباى ، وصمويل آدامز الذي قدم أعمدة مجلة بوسطون جازيت بكفاءة أثناء دعايته للنضال ضد الحاكم هاتشينسون التابع لحزب المحافظين لمحرري فترة الثورة المتحمسين . وكان القراء يطالعون جرائدهم لمتابعة الرأي والنقد الحزبي .
وبعد انتصار الثورة حدث انشقاق حاد بطول الخطوط السياسية والاقتصادية في الأمة الجديدة ، واستمرت الجرائد في اتخاذ المواقف الحزبية الصريحة المصحوبة بالسباب والقدح . وانقسمت الفئتان المنشقتان سياسيا وهما الفيدراليون بزعامة ألكساندر هاميلتون والجمهوريون بزعامة توماس جيفرسون حيال العديد من القضايا المحلية وخاصة إزاء رد الفعل العاطفي للبلد حيال الثورة الفرنسية . كانت معظم المجلات الأسبوعية مع القليل من الجرائد اليومية التي ظهرت بعد سنة ١٧٨٣ تطبع في المدن الساحلية لأجل طبقات التجار ، وكانت تميل إلى معاندة الفيدراليين . وأضاف هاميلتون إلى رعايته بعض جرائد الحزب وهي ، جازيت أوف ذي يونايتد ستيتس لصاحبها جون فيتو ، وأمريكان مينرفا لصاحبها نوح وبستر ، ونيويورك ايفننج بوست لصاحبها وليم كولمان . وكان وليم كوبيت مع مجلته بوركوبيتز جانيت على رأس المحررين الفيدراليين في النقد الحزبي .
واشترك جيفرسون مع فيليب فرينو في نشر مجلته ناشيونال جانيت ، وكان معه أيضا معاونون جهوريون آخرون من بينهم وليم دوين والشاب بنجامين فرانكلين بجريدة أورورا ، والشاب الطائش حفيد بنجامين فرانكلين الذي تفوق على كوبيت في النقد البذيء ، وعند ظهور هذه الجريدة في سنة ١٧٩٨ كانت الحرب مع فرنسا وشيكة الوقوع ، وقرر الفيدراليون مهاجمة معذبيهم .
وكانت قوانين الأجانب والعصيان التي أقروها سنة ١٧٩٨ تهدف إلى نفي الأجانب غير المرغوب فيهم والحد من انتقادات الحكومة ، أما الأجانب غير المرغوب فيهم من وجهة نظر الفيدراليين فهم هؤلاء الذين ساندوا جيفرسون نائب الرئيس . وقد نفى بعضهم ، وأسيئت معاملة البعض الآخر . وقد حدد قانون العصيان في مضمونه اتخاذ الإجراءات القانونية ضد هؤلاء الذين " يكتبون ، أو يثرثرون ، أو ينشرون. الكتابات المزيفة والفاضحة والحقودة ". ضد الحكومة الفيدرالية ، أو موظفيها ، أو مشرعيها ،
أو قوانينها ( بما فيها قانون العصيان نفسه ) وأقر السماح بقبول الحقيقة كدفاع . واقتصر العقاب نظريا على النقد المزيف . أما من ناحية الممارسة ، فقد استعد الموظفون الفيدراليون والقضاة لمعاقبة المحررين المناهضين للفيدراليين . وعلى سبيل المثال فقد تم سجن أحدهم وفرضت عليه غرامة مالية لأنه طبع رسالة إلى المحرر تتهم الرئيس جون آدامز " بالفخامة التي تثير الضحك ، والتملق الغبي ، والجشع الأناني " .
ولما أحس نائب الرئيس جيفرسون بالخوف على سلامته ، تقهقر إلى مونتشيللو حيث وضع مع مؤيديه مسودة قرارات فرجينيا وكنتاكي داعيا إلى فكرة إلغاء الولايات للقوانين غير الدستورية الصادرة عن الكونجرس ، ولكن المسألة لم تكن تحتاج إلى الضم ، فإن مبالغات الفيدراليين في تطبيق قوانين الأجانب والعصيان قد ساهمت في إثارة الاشمئزاز الشعبي ، كما أدت إلى انتخاب جيفرسون رئيسا في سنة ١٨٠٠ ، وانتهت قوانين الأجانب والعصيان في نفس العام . وأصر جيفرسون على أن تسمح إدارته بالصحافة الحزبية " لكشف زيف الحجة القائلة بأن حرية الصحافة تتنافى مع وجود الحكومة المرتبة ، ودعا إلى حماية الأفراد لأنفسهم ضد المبالغات الصحفية باتباع إجراءات مدنية ضد القذف العلني . وقد تأكدت صحة المسار الهادئ الذي انتهجه جيفرسون عندما قبض حزبه على ناصية الحكومة على مدى جيل كامل . أما جرائد الحزب التي كانت تنتشر الأنباء من طرف واحد مع الرأي الحزبي المتشدد فقد استمرت في الازدهار ، ولكن بعد الأزمة العظمى التي حدثت سنة ١٧٩٨ لم تحاول أية إدارة فيدرالية أن تكتب النقد ، وبعد سنة ١٨٠٠ مباشرة تفوقت الفكرة التحررية للصحافة على الفكرة الاستبدادية بعد أن حازت القبول العام.
وفي أوقات الحروب تستدعي ضرورات الأمن القومي والمشاعر العاطفية فرض بعض القيود على النقد ، وقد شهدت الحرب الأهلية حظر صدور بعض الجرائد في الشمال ، ولكن بالرغم من العنف الذي اتسمت به انتقادات العديد من المحررين ، إلا أن انتقام لنكولن وقادته كان تافها . وأثناء الحرب العالمية الأولى وسع قانون الجاسوسية الصادر سنة ١٩١٧ من سلطة مصلحة البريد في منع إرسال الدوريات عن طريق البريد . وجرم قانون العصيان الصادر سنة ١٩١٨ كتابة أو نشر " أية عبارات غير مخلصة ، أو غير دينية ، أو فاحشة ، أو مليئة بالسباب " موجهة إلى الحكومة الفيدرالية . وسقطت الفأس بشدة على رأس الجرائد المطبوعة باللغة الألمانية بطريقة ظالمة في بعض الحالات . كما سقطت أيضا على المجلات والجرائد الاشتراكية لأنها عارضت الحرب ، وأيضا على المطبوعات الداعية إلى استخدام الوسائل السلمية . ومنعت مجلة ( الجماهير The Masses) اللامعة التي يصدرها ماكس ايستمان من التوديع بالبريد ، كما حدث نفس الشيء بالنسبة لجريدتين يوميتين اشتراكيتين هما كول التي تصدر في نيويورك ، وليدر التي تصدر في ميلووكي . وتم سجن يوجين دبس زعيم الحزب الاشتراكي لأنه وصف حلفاء أمريكا بأنهم " لا يشاركون إلا في السلب " ولم تعتبر فكرة حرية النقد في هذه الانحرافات حقا من حقوق رأي الأقلية ، اما خلال الحرب العالمية الثانية فلم يشمل الحظر إلا القليل من المطبوعات النازية والفاشية ، كما كان عدد الذين يدافعون عن قضيتهما محدودا .
ويحتاج حق النقد إلى حماية مستمرة مثلما ظهر عندما حاول هيوى لونج الرئيس السياسي لولاية لويزيانا معاقبة الصحفيين المعارضين عن طريق الضرائب ، فقد فرض لونج وآليته السياسية ضريبة خاصة على إيرادات صحف لويزيانا اليومية الكبرى من الإعلانات ، وكانت جميعها معارضة له بالفعل . وفي سنة ١٩٣٦ أقرت المحكمة العليا عدم دستورية الضريبة التأديبية . وفي أوائل الستينيات حدثت مضايقات وإدانات ضد الجرائد والمجلات الشجاعة التي عارضت السيناتور جوزيف ماكارثى في وسكونسين والتي أصبحت تعرف باسم المكارثية . ولكن لم يستطيع ماكرثى أو أتباعه السعي نحو إصدار تشريع يحظر النقد فعلا مثلما أرادوا حينذاك.
وتمثل استدعاءات " ازدراء المحكمة " نوعا آخر من الصراع حول حق النقد ، وقد وسعت سلسلة من قرارات المحكمة العليا في الخمسينيات من حرية الجرائد في التعليق على القضايا الخاصة بالمحكمة وأفعال القضاة . وتم ذلك بتطبيق فكرة " الخطر الواضح والحاضر " على ذريعة القاضي التي تنسب إلى التعليق الصحفي عرقلة العدالة . ولكن القضاة تمتعوا بسلطة عظيمة فيما يتعلق بالأمور الخاصة بازدراء المحكمة ، وظل المحررون على حذر من نقد أفعال القضاة دون أن تستدعي الحاجة الملحة ذلك.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|