أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-05-2015
863
التاريخ: 24-05-2015
4333
التاريخ: 26-4-2018
1022
التاريخ: 24-05-2015
1048
|
روى أصحاب الصحاح والمسانيد ومؤلّفو الملل والنحل عن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) أنّه قال : « إنّ أُمّتي تفترق على ثلاث وسبعين فرقة » وقد اشتهر هذا الحديث بين المتكلّمين وغيرهم حتى الشعراء والأُدباء. ...
روي الحديث المذكور في الصحاح والمسانيد بأسانيد مختلفة ، وقد قام الحافظ « عبد اللّه بن يوسف بن محمد الزيلقي المصري » ( المتوفّى 762 ) بجمع أسانيده ومتونه في كتابه : « تخريج أحاديث الكشّاف » وقد اهتم فيه بهذا الحديث سنداً ومتناً ، إهتماماً بالغاً ، لم يسبقه إليه غيره .... غير أنّ القضاء فيما جمعه من الأسانيد خارج عن مجال هذه الرسالة ، ولأجل ذلك نبحث فيه على وجه الإجمال ، فنقول :
إنّ هاهنا من لا يعتقد بصحّة الحديث منهم : ابن حزم ، في كتابه : « الفصل في الأهواء والملل » قال : ذكروا حديثاً عن رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) « أنّ القدرية والمرجئة مجوس هذه الأُمة » وحديث آخر « تفترق هذه الأُمّة على بضع وسبعين فرقة كلّها في النار حاشا واحدة فهي في الجنة » ( ثم قال : ) هذان حديثان لا يصحان أصلاً من طريق الأسناد ، وما كان هكذا فليس حجّة عند من يقول بخبر الواحد ، فكيف من لا يقول به. (1)
وهناك من يعتقد بصحّة الاستدلال لأجل تضافر أسناده ، يقول محمد محيي الدين محقّق كتاب «الفرق بين الفرق » : اعلم أنّ العلماء يختلفون في صحّة هذا الحديث ، فمنهم من يقول إنّه لا يصحّ من جهة الأسناد أصلاً ، لأنّه ما من إسناد روي به إلاّ وفيه ضعف ، وكلّ حديث هذا شأنه لا يجوز الاستدلال به; ومنهم من اكتفى بتعدّد طرقه ، وتعدد الصحابة الذين رووا هذا المعنى عن رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) .... (2)
وقد قام الحاكم النيشابوري برواية الحديث عن سند صحيح يرتضيه الشيخان قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سلمة العنزي ( ثنا ) عثمان بن سعيد الدارمي ( ثنا ) عمرو بن عون ووهب بن بقية الواسطيان ( ثنا ) خالد بن عبد اللّه ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : « افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أُمّتي
على ثلاث وسبعين فرقة ».وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه. (3)
وقد استدرك عليه الذهبي بأنّ في سنده « محمّد بن عمرو » ولا يحتج به منفرداً ولكن مقروناً بغيره. (4)
فإذا كان هذا حال السند الذي بذل الحاكم جهده لتصحيحه ، فكيف حال سائر الأسانيد؟! وقد رواه الحاكم بأسانيد مختلفة ، وقال : قد روي هذا الحديث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، وعمرو بن عوف المزني بإسنادين تفرّد بأحدهما عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ، والآخر كثير بن عبد اللّه المزني ، ولا تقوم بهما الحجّة. (5)
هذا حال ما نقله الحاكم في مستدركه.
وأمّا ما رواه أبو داود في سننه والترمذي في سننه ، وابن ماجة في صحيحه فقد قال في حقّه الشيخ محمد زاهد الكوثري : أمّا ما ورد بمعناه في صحيح ابن ماجة ، وسنن البيهقي ، وغيرهما ففي بعض أسانيده « عبد الرحمن بن زياد بن أنعم » وفي بعضها « كثير بن عبد اللّه » وفي بعضها « عباد بن يوسف » و « راشد بن سعد » وفي بعضها « الوليد بن مسلم » وفي بعضها مجاهيل كما يظهر من كتب الحديث ومن تخريج الحافظ الزيلقي لأحاديث الكشاف ، وهو أوسع من تكلّم في طرق هذا الحديث فيما أعلم. (6)
هذا بعض ما قيل حول سند الحديث ، والذي يجبر ضعف السند هو تضافر نقله واستفاضة روايته في كتب الفريقين : الشيعة والسنّة بأسانيد مختلفة ، ربما تجلب الاعتماد ، وتوجب ثقة الإنسان به.
وقد رواه من الشيعة ، الصدوق في خصاله في باب السبعين وما فوق (7). والعلاّمة المجلسي في بحاره (8) ، ولعلّ هذا المقدار من النقل يكفي في صحّة الاحتجاج بالحديث.
ب. اختلاف نصوص الحديث
هذه هي الجهة الثانية التي أشرنا إليها في مطلع البحث ، فنقول :
إنّ مشكلة اختلاف نصوص الحديث لا تقل إعضالاً عن مشكلة سنده ، فقد تطرّق إليه الاختلاف من جهات شتى ، لا يمكن معه الاعتماد على واحد منها ، وإليك الإشارة إلى الاختلافات المذكورة :
1 ـ الاختلاف في عدد الفرق
روى الحاكم عدد فرق اليهود والنصارى مردّداً بين إحدى وسبعين واثنتين وسبعين ، بينما رواه عبد القاهر البغدادي بأسانيده عن أبي هريرة على وجه الجزم والقطع ، وأنّ اليهود افترقت إلى إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة.
وفي الوقت نفسه روى بسند آخر افتراق بني إسرائيل على اثنتين وسبعين ملّة وقال : « ليأتين على أُمّتي ما أتى على بني إسرائيل ، تفرق بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين ملّة ، وستفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين ملّة ».
ونقل بعده بسند آخر افتراق بني إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة (9) .
ويمكن الجمع بين النقلين الأخيرين بأنّ المراد من بني إسرائيل هو الأعم من اليهود والنصارى فيصحّ عدّ الفرق اثنتين وسبعين.
نعم يحمل الأخير على خصوص اليهود من بني إسرائيل.
2 ـ الاختلاف في عدد الهالكين والناجين
إنّ أكثر الروايات تصرّح بنجاة واحدة وهلاك الباقين. فعن البغدادي بسنده عن رسول اللّه أنّه قال : كلّهم في النار إلاّ ملّة واحدة. (10)
وروى الترمذي وابن ماجة مثل ذلك (11) .
بينما رواه شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر البشاري السياح المعروف ( المتوفّى 380 ) في كتابه « أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم » بصورة تضاده إذ قال : إنّ حديث « اثنتان وسبعون في الجنة وواحدة في النار » أصحّ إسناداً ، وحديث « اثنتان وسبعون في النار وواحدة ناجية » أشهر. (12)
3 ـ الاختلاف في تعيين الفرقة الناجية
فقد اختلف النقل في تعيين سمة الفرقة الناجية أخذاً بما يقول بأنّ جميعها في النار إلاّ واحدة.
روى الحاكم (13) وعبد القاهر البغدادي (14) وأبو داود (15) وإبن ماجة (16) بأنّ النبي قال : إلاّ واحدة وهي الجماعة ، أو قال : الإسلام وجماعتهم.
وروى الترمذي (17) والشهرستاني (18) أنّ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عرف الفرقة الناجية بقوله : ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
وروى الحاكم أيضاً أنّ النبي حدّد أعظم الفرق هلاكاً بقوله : « ستفترق أُمّتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فرقة ، قوم يقيسون الأُمور برأيهم ، فيحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام » وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه (19) .
وروى صاحب روضات الجنات عن كتاب « الجمع بين التفاسير » أنّ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عرف الفرقة الناجية بقوله : « هم أنا وشيعتي » (20) .
هذه الوجوه تعكس مدى الاختلاف في تحديد ملامح الفرقة الناجية.
وأمّا تحقيق القول في ذلك فسيوافيك عند البحث عن الجهة الثالثة ، وهي التالية :
هذه هي الجهة الثالثة التي ينبغي الاهتمام بها حتى يستطيع الباحث من تعيين الفرقة الناجية ، بها.
قال الشيخ محمد عبده : أمّا تعيين أي فرقة هي الناجية ، أي التي تكون على ما كان النبي عليه وأصحابه ، فلم يتعيّن إلى الآن ، فإنّ كلّ طائفة ممّن يذعن لنبينا بالرسالة تجعل نفسها على ما كان عليه النبي وأصحابه. ( إلى أن قال : ) وممّا يسرني ما جاء في حديث آخر أنّ الهالك منهم واحدة (21) .
أقول : ما ورد من السمات في تحديد الفرقة الناجية لا يتجاوز أهمّها عن سمتين :
أولاها : « الجماعة » وهي تارة جاءت رمزاً للنجاة ، وأُخرى للهلاك ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، وإليك بيان ذلك :
روى ابن ماجة عن عوف بن مالك قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : افترقت اليهود ... والذي نفس محمد بيده لتفترقن أُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار. قيل : يا رسول اللّه من هم؟ قال : الجماعة (22) .
بينما نقل أنّه قال : « وإنّ هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة » (23) ، فإنّ الإتيان بضمير الجمع في الحديث الأوّل ، وبضمير المفرد في الحديث الثاني يؤيد رجوع الضمير في الأوّل إلى : « اثنتان وسبعون » ، ورجوع الضمير المفرد إلى « الواحدة » فتكون الجماعة تارة آية الهلاك وأُخرى آية النجاة.
أضف إلى ذلك أنّ قسماً كبيراً من النصوص لا يشتمل على هذه اللفظة ، ولا يصحّ أن يقال إنّ الراوي ترك نقلها ، أو نسيها ، وذلك لأنّ ذكر سمة الناجي أو الهالك من الأُمور الجوهرية في هذا الحديث ، فلا يمكن أن يتجاهله أو ينساه.
ومن ذلك تعلم حال ما اشتمل على لفظ « الإسلام » مع الجماعة ، فإنّه لا يزيد في مقام التعريف شيئاً على المجرد منه ، لوضوح أنّ الإسلام حقّ إنّما المهم معرفة المسلم الواقعي عن غيره.
ثانيتها : « ما أنا عليه وأصحابي » ، أو « ما أنا عليه اليوم وأصحابي » ، كون هذا آية النجاة لا يخلو عن خفاء.
أوّلاً : إنّ هذه الزيادة غير موجودة في بعض نصوص الرواية ، ولا يصحّ أن يقال إنّ الراوي ترك نقلها لعدم الأهمية.
وثانياً : إنّ المعيار الوحيد للهلاك والنجاة هو شخص النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وأمّا أصحابه فلا يمكن أن يكونوا معياراً للهداية والنجاة إلاّ بقدر اهتدائهم واقتدائهم برسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، وإلاّ فلو تخلّفوا عنه قليلاً أو كثيراً فلا يكون الاقتداء بهم موجباً للنجاة.
وعلى ذلك فعطف ( وأصحابي ) على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لا يخلو من غرابة.
وثالثاً : إنّ المراد إمّا صحابته كلّهم ، أو الأكثرية الساحقة.
فالأوّل : مفروض العدم لاختلاف الصحابة في مسالكهم ومشاربهم السياسية والدينية بعد رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، وأدلّ دليل على ذلك ما وقع من الخلاف في السقيفة وبعدها.
والثاني : ممّا لا يلتزم به أهل السنّة ، فإنّ الأكثرية الساحقة من الصحابة خالفوا الخليفة الثالث ، وقد قتله المصريون والكوفيون في مرأى ومسمع من بقية الصحابة ، الذين كانوا بين مؤلّب ، أو مهاجم ، أو ساكت.
على أنّ حمل أصحابي على الأكثرية خلاف الظاهر ، ويظن أنّ هذه الزيادة من رواة الحديث لدعم موقف الصحابة ، وجعلهم المحور الوحيد الذي يدور عليه فلك الهداية بعد النبي الأعظم ، والمتوقع من رسول الهداية هو أن يحدد الفرقة الناجية بسمات واضحة تستفيد منها الأجيال الآتية ، فإنّ كلّ الفرق يدّعون أنّهم على ما عليه النبي بل على ما عليه أصحابه أيضاً :
وكلّ يدّعي وصلاً بليلى |
|
وليلى لا تقر لهم بذاكا |
وأخيراً نقلنا عن الحاكم أنّه روى عن النبي قوله : « أعظمها فرقة قوم يقيسون الأُمور برأيهم » ويظن أنّ هذه الزيادة طرأت على الحديث من بعض الطوائف الإسلامية بين أهل السنّة ، طعناً في أصحاب القياس ، على حين أنّ القياس بمفهومه الأُصولي لم يكن أمراً معهوداً لأصحاب النبيّ حتى يكتفي النبي في تعيين الفرقة الهالكة بهذا الوصف غير المعروف في عصر صدور حديث الافتراق.
هذه هي الجهة الرابعة التي يليق البحث عنها ، فإنّ النبي قد أخبر عن أنّ الأُمّة الإسلامية ستبلغ في تفرّقها إلى هذا العدد الهائل ، ولكن المشكلة عدم بلوغ رؤوس الفرق الإسلامية إلى هذا العدد ، فإنّ كبار فرقها لا تتجاوز الأربع :
الأوّل : القدرية ( المعتزلة وأسلافهم ).
الثاني : الصفاتية ( أهل الحديث والأشاعرة ).
الثالث : الخوارج.
الرابع : الشيعة.
وهذه الفرق الأصلية ، وإن تشعبت إلى شعب وفروع من مرجئة وكرامية بفرقها ، ولكن لا يبلغ المجموع إلى هذا الحد ، وإن أصرّ الشهرستاني على تصحيح البلوغ إليه ، فقال : ثمّ يتركب بعضها مع بعض ، ويتشعب عن كلّ فرقة أصناف ، فتصل إلى ثلاث وسبعين فرقة. (24)
يلاحظ عليه : أنّ المراد من أُمّتي هي الفرق الإسلامية المؤمنة برسالة النبي الأعظم ، وكتاب اللّه سبحانه ، وبلوغ تلك الأُمة بهذه الصفة إلى هذا الحد الهائل أوّل الكلام ، لأنّ المراد هو الاختلاف في العقيدة التي يدور عليها فلك الهلاك والنجاة.
وأمّا الاختلاف في الأُصول والمعارف التي ليست مداراً للهداية والضلالة ، بل لا تعد من صميم العقائد الإسلامية ، فهو خارج عن إطار الحديث ، فاختلاف الأشاعرة والمعتزلة ، في وجود الواسطة بين الوجود والعدم ، وحقيقة الجسم والأكوان والألوان ، والجزء الذي لا يتجزأ ، والطفرة ، الذي أوجد فرقاً كلامية ، فلا يوجب دخول النار ، وإن كان الحقّ واحداً ، ولا يصحّ عدّ المعتقدين بها من الفرق المنصوص عليها في كلام النبي (صلى الله عليه واله وسلم).
وبعبارة واضحة : إنّ الفرق المذمومة في الإسلام هي أصحاب الأهواء الضالة الذين خالفوا الفرقة الناجية ، في مواضع تعد من صميم الدين كالتوحيد بأقسامه والعدل والقضاء والقدر ، والتجسيم والتنزيه ، والجبر والاختيار ، والهداية والضلالة ورؤية اللّه سبحانه وإدراك البشر له تعالى ، والإمامة والخلافة ، ونظائرها.
وأمّا الاختلاف في سائر المسائل التي لا تمت إلى الدين بصلة ولا تمثل العقيدة الإسلامية فلا يكون المخالف والموافق فيها داخلاً في الحديث ، والحال أنّ كثيراً من الفرق الإسلامية يرجع اختلافهم إلى أُمور عقلية أو كونية ، ممّا لا يرتبط بالدين أو ما لا يسأل عنه الإنسان في حياته وبعدها ولا يجب الاعتقاد به.
إنّ هناك محاولات لتصحيح مفاد الحديث من حيث العدد المذكور فيه ، نشير إليها فيما يلي :
1 ـ هذا العدد الهائل كناية عن المبالغة في الكثرة ، كما في قوله سبحانه وتعالى : { إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } [التوبة : 80].
يلاحظ عليه : أنّ هذه المحاولة فاشلة ، لأنّها إنّما تصحّ إذا ورد الحديث بصورة السبعين أو غيرها من العقود العددية ، فإنّ هذا هو المتعارف في مقام الكناية ولكن الوارد في الحديث هو غير ذلك.
ترى أنّ النبي يركز في حقّ المجوس على عدد السبعين ، وفي حقّ اليهود على عدد الإحدى والسبعين وفي حقّ النصارى على اثنتين وسبعين ، وفي حقّ الأُمّة الإسلامية على ثلاث وسبعين. وهذا التدرّج يعرب بسهولة عن أنّ المراد هو بلوغ الفرق إلى هذا الحدّ ، بشكل حقيقي لا بشكل مبالغي.
2 ـ إنّ أُصول الفرق وإن كانت لا تصل إلى هذا العدد بل لا تبلغ نصفه ولا ربعه ، وإنّ فروع الفرق يختلف العلماء في تفريعها ، وإنّ الإنسان في حيرة حين يأخذ في العد ، بأن يعتبر ـ في عدّ الفرق ـ أُصولها أو فروعها ، وإذا استقر رأيه على اعتبار الفروع ، فعلى أيّ حدّ من التفريع يأخذه مقياساً ، إلاّ أنّ الحديث لا يختص بالعصور الماضية ، فإنّ حديث الترمذي يتحدث عن افتراق أُمّة محمّد (صلى الله عليه واله وسلم) وأُمّته مستمرة إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، فيجب أن يتحدث في كلّ عصر عن الفرق التي نجمت في هذه الأُمّة من أوّل أمرها إلى الوقت الذي يتحدث فيه المتحدث ، ولا عليه إن كان العدد قد بلغ ما جاء في الحديث أو لم يبلغ ، فمن الممكن بل المقطوع ـ لو صحّ الحديث ـ وقوع الأمر في واقع الناس على وفق ما أخبر به. (25)
وهناك محاولة ثالثة غير صحيحة جدّاً وهي الاهتمام بتكثير الفرق ، فترى أنّ الإمام الأشعري يجعل للشيعة الغالية خمس عشرة فرقة ، وللشيعة الإمامية أربعاً وعشرين فرقة ، كما أنّ الشهرستاني يعدّ للمعتزلة اثنتي عشرة فرقة ، ويعدّ للخوارج الفرق التالية : المحكمة ، الأزارقة ، النجدات ، البيهسية ، العجاردة ، الثعالبة ، الأباضية ، الصفرية.
وذلك لأنّ الجميع من أصناف الشيعة والمعتزلة والخوارج يلتقون تحت أُصول خاصة معلومة في محلها ، مثلاً أصناف الخوارج يجتمعون تحت أُصول أشهرها تخطئة عثمان والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسألة التحكيم ، وتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار. فلا يصحّ عدّ كلّ صنف فرقة ، وإن اختلف كلّ مع شقيقه في أمر جزئي ، ومثل ذلك أصناف الآخرين.
ثمّ إنّ الكاتب المعاصر عبد الرحمن بدوي ، ذهب إلى عدم صحّة الحديث للأسباب التالية :
أوّلاً : إنّ ذكر هذه الأعداد المحددة المتوالية : 71 ، 72 ، 73 أمر مفتعل لا يمكن تصديقه فضلاً عن أن يصدر مثله عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) .
ثانياً : إنّه ليس في وسع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أن يتنبأ مقدماً بعدد الفرق التي سيفترق إليها المسلمون.
ثالثاً : لا نجد لهذا الحديث ذكراً فيما ورد لنا من مؤلفات من القرن الثاني بل ولا الثالث الهجري ولو كان صحيحاً لورد في عهد متقدّم.
رابعاً : أعطت كلّ فرقة لختام الحديث ، الرواية التي تناسبها ، فأهل السنّة جعلوا الفرقة الناجية هي أهل السنّة ، والمعتزلة جعلوها فرقة المعتزلة ، وهكذا وقال :
وقد ظهر التعسّف البالغ لدى مؤرّخي الفرق في وضعهم فروقاً وأصنافاً داخل التيارات الرئيسية حتى يستطيعوا الوصول إلى 73 فرقة ، وفاتهم أنّ افتراق المسلمين لم ينته عند عصرهم ، وأنّه لا بدّ ستنشأ فرق جديدة باستمرار ممّا يجعل حصرهم هذا خطأ تماماً ، إذ لا يحسب حساباً لما سينشأ بعد ذلك من فرق إسلامية جديدة. (26)
ولا يخفى أنّ ما ذكره من الأسباب غير صحيح عدا ما ذكره من السبب الرابع وما ذيله به.
أمّا دليله الأوّل ، فلأنّ ما جاء فيه هو نفس المدّعى ولم يبيّن وجهاً لافتعال الحديث.
وأمّا دليله الثاني ، فلأنّ المتبادر منه أنّه ليس في وسع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) التنبّؤ بالأحداث الآتية ، ولكنّه باطل بشهادة الصحاح والسنن على تنبوّئه (صلى الله عليه واله وسلم) بإذن اللّه عن كثير من الحوادث الواقعة في أُمّته ، وقد جمعنا عدّة من تنبّوئه في موسوعتنا : مفاهيم القرآن (27) .
وربما يريد الكاتب من عبارته معنى آخر ، وهو أنّ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لا يصح له أن يقدم على مثل هذا التنبّؤ ، لأنّه إقدام غير مرغوب فيه ، لما يحتوي على الإضرار بالأُمّة ، ولكن هذا الرأي منقوض أيضاً بتنبّؤات أُخرى تضاهي المورد هذا ، فهذا هو النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يتنبّأ بالمستقبل المظلم الذي يواجهه ذو الخويصرة من وجوه الخوارج الذي أتي النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وهو يقسمالغنائم بعد منصرفهم من حنين فقال للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) : يا رسولاللّه اعدل ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : « ويلك من يعدل إن لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أعدل » ، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول اللّه ائذن لي فيه أن أضرب عنقه؟ قال : « دعه فإنّ له أصحاباً يحقّر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يرمق السهم من الرميّة ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء » (28) .
فأي فرق بين هذا التنبّؤ ونظائره الواردة في أحاديث النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، والتنبّؤ بافتراق أُمّته إلى الفرق المعدودة؟
وأمّا دليله الثالث ، فعجيب جداً ، فقد رواه أبو داود ( 202 ـ 275 ) في سننه ، والترمذي ( 209 ـ 279 ) في صحيحه ، وابن ماجة ( 218 ـ 276 ) في سننه ، وأحمد بن حنبل ( 241 ) في مسنده ، والجميع من أعيان أصحاب الحديث في القرن الثالث ، فكيف يقول هذا الكاتب : « بل ولا الثالث الهجري »؟! وإليك بعض ما أسندوه :
1 ـ روى أبو داود في كتاب السنة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه : افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفرّقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ».
ثمّ روى عن معاوية بن أبي سفيان أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) قام فينا فقال : « ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة » (29) .
2 ـ روى الترمذي في باب ما جاء في افتراق هذه الأُمّة مثله ، عن أبي هريرة. وروى عن عبد اللّه بن عمر قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : « ليأتين على أُمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أُمّه علانية ، لكان في أُمّتي من يصنع ذلك ، وإنّ بني إسرائيل تفرّّقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين ملّة كلّهم في النار إلاّ ملّة واحدة » قالوا : ومن هي يا رسول اللّه؟ قال : « ما أنا عليه وأصحابي » (30) .
3 ـ روى ابن ماجة في باب افتراق الأُمم عن أبي هريرة قال : « قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وتفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ».
وروى عن عوف بن مالك قال : قال رسول اللّه : « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة و سبعون في النار; وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة; والذي نفس محمد بيده لتفترقنّ أُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار » قيل : يا رسول اللّه : من هم؟ قال : « الجماعة ».
وروى عن أنس بن مالك ما يقرب من ذلك. (31)
4 ـ وروى أحمد بن حنبل عن أبي هريرة ما نقلناه عنه آنفاً. (32)
كما روى أيضاً عن أنس بن مالك ما رويناه عنه سابقاً. (33)
وعلى كلّ تقدير فلا يهمنا البحث حول عدد الفرق وكثرتها وقلّتها ، بل الذي نتوخّاه في هذه الصحائف هو البحث عن الفرق الموجودة في الأوساط الإسلامية وهي عبارة عن هذه الفرق : أهل السنّة (34) بأصنافهم : أهل الحديث والأشاعرة والمعتزلة والخوارج ، والشيعة بفرقها الثلاث : الإمامية الاثني عشرية ، الزيدية ، الإسماعيلية.
وأمّا الفرق التي بادت واندثرت ، وقد أكل الدهر عليها وشرب ، فهي غير مطروحة لنا بل البحث عنها مفصلاً ضياع للوقت إلاّ على وجه الإشارة.
{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } [الأنعام: 65] .
__________________
1 ـ الفصل في الأهواء والملل : ج 1ص248.
2 ـ الفرق بين الفرق ، التعليقة ص 7 ـ 8.
3 ـ المستدرك على الصحيحين : ج 1ص128 ، وقد رواه بسند آخر أيضاً يشتمل على محمد بن عمرو الذي لا يحتج بمفرداته ، وبسند آخر أيضاً مشتمل على ضعف ، وقد جعلهما الحاكم شاهدين لما صحّح من السند.
4 ـ التبصير في الدين ، المقدمة ص9.
5 ـ المستدرك على الصحيحين : ج1ص128 ، كتاب العلم.
6 ـ التبصير ـ المقدمة ص 9.
7 ـ الخصال : ج2ص584 ، أبواب السبعين ومافوق ، الحديث العاشر والحادي عشر.
8 ـ البحار ج 28ص2 ـ 36.
9 ـ الفرق بين الفرق ص 5.
10 ـ المصدر نفسه : ص 76.
11 ـ الترمذي ج 5 كتاب الإيمان ص26 ، ، الحديث 2641;سنن ابن ماجة ج 2 باب افتراق الأُمم ص 479.
12 ـ طبع الكتاب في ليدن ، عام 1324 الموافق ل ـ 1906م.
13 ـ المستدرك على الصحيحين ج 1ص128.
14 ـ الفرق بين الفرق ص 7.
15 ـ سنن أبي داود ج 4ص 198 ، كتاب السنّة.
16 ـ سنن ابن ماجة ج 2ص479 ، باب افتراق الأُمم.
17 ـ سنن الترمذي ج 5 كتاب الإيمان ص 26 ، الحديث 2641.
18 ـ الملل والنحل : ص13.
19 ـ المستدرك على الصحيحين : ج 4ص430.
20 ـ روضات الجنات الطبعة القديمة ص 508.
21 ـ المنارج 8 ص 221 ـ 222.
22 ـ سنن ابن ماجة : ج2 باب افتراق الأُمم ص479.
23 ـ سنن أبي داود ج 4ص 198 ، كتاب السنّة; المستدرك على الصحيحين ج 1ص128.
24 ـ الملل والنحل : ج 1ص15.
25 ـ مقدّمة الفرق بين الفرق : ص7.
26 ـ مذاهب الإسلاميين : ج 1ص34.
27 ـ مفاهيم القرآن : ج 3ص 503 ـ 508.
28 ـ التاج ، كتاب الفتن : ج 5ص 286.
29 ـ سنن أبي داود ، كتاب السنّة ج 4ص198.
30 ـ سنن الترمذي : ج 5 ، كتاب الإيمان : ص26 الحديث 2641.
31 ـ سنن ابن ماجة : ج2 ، باب افتراق الأُمم ص479.
32 ـ مسند أحمد : ج 2ص332.
33 ـ مسند أحمد : ج 3ص120.
34 ـ أهل السنّة لا يعتبرون الخوارج منهم ، بل لا يعتبرون المعتزلة منهم أيضاً ، ولكن المراد من أهل السنّة هنا هو المعنى الأعم ، أي غير الشيعة ، أي من يقول بكون الخلافة بالبيعة والشورى ، فكلّ من يقول بكون الإمامة مقاماً تنصيصيّاً يعد من الشيعة ، ومن يقول بكونها مقاماً انتخابياً فهو معدود من أهل السنّة ، فالملاك في التقسيم هو هذا لا المصطلح المعروف بين أهل الحديث والأشاعرة ، فلو خضعنا لمصطلح الأوّلين ، فهم ربما لا يعدّون الأشاعرة أيضاً منهم ، هذا ابن تيمية يكن العداوة للأشاعرة ولا يعدّهم منهم.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|