المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16330 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تعريف بعدد من الكتب / العلل للفضل بن شاذان.
2024-04-25
تعريف بعدد من الكتب / رجال النجاشي.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثالث عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثاني عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الحادي عشر.
2024-04-25
التفريخ في السمان
2024-04-25

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قصة صاحب الأيد  
  
1913   11:47 صباحاً   التاريخ: 13-5-2021
المؤلف :  الدكتور محمود البستاني.
الكتاب أو المصدر : قصص القران الكريم دلاليا وجماليا  .
الجزء والصفحة : ج2،ص279- 295.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي داوود وقومه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-2-2016 2600
التاريخ: 2-06-2015 2406
التاريخ: 9-10-2014 2990
التاريخ: 4-12-2015 2348

تبدأ حكاية أو اقصوصة داود صاحب الأيد على النحو الآتي:

{واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب}

{إنا سخرنا الجبال معه}

{يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة}

{كل له أواب}

هذه البداية القصصية عن داود مماثلة للبداية التي لحظناها في سورة «سبأ» :

{يا جبال أوبي معه والطير}

وعدا هذه البداية، فإن الاقصوصة ترسم موقفا جديدا في هذه السورة، متميزا عما لحظناه في السورة السابقة.

وحتى البداية القصصية التي تماثلت مع سابقتها، قد رسمت بتفصيل لم يرسم في السورة السابقة. ففي سورة «سبأ» يكتفي النص بمطالبة الجبال والطير بأن تأوب مع داود، أي: تسبح أو ترجع معه. أما هنا فإن الاقصوصة تفصل الرسم لعمليات التسخير من تسبيح وتأويب، مع ملاحظة أن البداية القصصية في سورة «سبأ» استهلت بالتلميح إلى سمة الفضل الذي منحته السماء لداود، فيما اكتفت بالعرض لمفردات هذا الفضل. أما في سورة «ص» فإن الاستهلال بدأ بذكر الأيد، أي القوة التي منحتها السماء لداود، فيما يستتبع ـ من حيث البعد الفني ـ أن يفصل الحديث عن حجم القوة الممنوحة له.

والآن مع تفصيلات الرسم:

إن أول ما يلفت الانتباه في هذه البداية القصصية عن داود إنها فرقت بين «التسبيح» و«التأويب» فيما يتصل بحركة الجبال والطير، كما أدخلت عنصر الزمن في عملية «التسبيح» العشي والإشراق.

وقبل ذلك: أنها، أي: البداية القصصية شددت على سمة الأيد أو القوة بدلا من الفضل كما أشرنا، ويعنينا من ذلك كله أن نستخلص الأسرار الفنية وراء هذه التفصيلات.

إن بدء القصة بإكساب داود سمة الأيد، يعني أن القصة ستشدد على إبراز ملامح القوة في شخصية داود.

وكما لحظنا في سورة «سبأ» فإن بدء القصة بإكساب داود سمة الفضل، كان يعني أنها ستشدد على الفضل ومنه: إلانة الحديد وصناعة الدروع، كما لحظنا.

تأسيسا على هذه الحقيقة، فإن سمة الأيد في سورة «صاد» ينبغي أن نقف عند تفصيلاتها مادام النص ذاته يستهدف مثل هذه الدلالة المتصلة بطابع الأيد أي القوة.

والسؤال هو: ما المقصود من القوة هنا ؟

هل يقصد منها مجرد الطاقة الجسمية والنفسية على العمل العبادي الخاص صلاة، صوم... إلى آخره، أم يقصد منها: القوة على مقارعة العدو بما يواكب ذلك من تجهيزات عسكرية مثلا ؟ أم يقصد منها مطلق القوة التي تعني كل ما تقدم، فضلا عن سواه بما في ذلك تسبيح الجبال والطير،... وممارساته الخلافية على الأرض ؟

إن الدخول في تفصيلات القصة، هو الذي يحدد لنا دلالة الأيد الذي رسمتها القصة طابعا لشخصية داود.

إن أول سمة رسمها النص عن شخصية داود هي سمة أواب:

{واذكر عبدنا داود ذا الايد إنه أواب}

خارجا عن الدلالة اللغوية لهذه السمة، فإن النصوص المفسرة تتردد بين دلالة الاطاعة والتسبيح، والتوبة والرجوع عما لايريده الله... وأيا كان فإن الدلالات المذكورة تومئ جميعا إلى وثاقة صلته بالسماء وانقطاعه إليها.

بيد أن هذه السمة أواب ينبغي ألا نفصلها عن سمة رسمها النص القصصي طابعا للجبال والطير بالنسبة لعلاقتها بداود:

{كل له أواب}

أي: الجبال والطيور المسبحة.

من الممكن في ضوء التصور البلاغي الصرف أن تخضع العملية إلى ظاهرة التجنيس من حيث أصوات الكلمة.

بيد أن النص القرآني الكريم يتجاوز الدلالة الصوتية ويخضعها لدلالة المضمون دون أدنى شك. وحينئذ من الممكن أن يفسر النص مرشحا بأكثر من دلالة، منها:

الترجيع: عودة الصوت، فيما يمكن أن يتم التجانس بين الرجوع إلى ما يريده الله من أهداف فيما يتصل بداود، وبين الرجوع إلى تسبيحات داود فيما يتصل بالجبال والطير ومثل هذا الاستخلاص يفصح دون أدنى شك من أن التجانس الصوتي قد واكبه تجانس فكري هو: إطاعة داود للسماء، وإطاعة الجبال والطير لداود من خلال أوامر السماء بذلك، وهذا يعني ـ فضلا عما تقدم ـ أن النص يستهدف تحسيسنا بنحو غير مباشر ـ وهو أحد أشكال الطرائق الفنية في عملية التوصيل ـ بوجود الصلة بين من يطيع الله وبين تسخير السماء قوى الكون بإطاعة الشخصية المتجهة نحو الله.

إن تسخير السماء قوى كونية محددة لداود هي: الجبال والطير، قد رسمه النص من خلال ظاهرتي التسبيح والتأويب.

فقد ذكرت القصة أولا أن الجبال والطير يسبحن مع داود:

{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن... والطير...}

ثم ذكرت القصة، أ نها تأوب أيضا:

{كل له أواب}

هذا يعني أن لكل من التسبيح والتأويب دلالة متميزة.

والسؤال هو: ما هي الدلالة الفنية للعمليات المذكورة ؟

إن داود يمارس عملية التسبيح، والجبال والطير يمارسن التسبيح أيضا، ولكن من خلال تحسيس داود ذلك، أي من خلال رفع حجب الغيب عنه، بحيث يعيتسبيحات الجبال والطير، غير أن ما ينبغي لفت الانتباه إليه، أن الجبال والطير مطلقا يمارسن التسبيح، وأن تسخير السماء ذلك: هل يعني أنها سمحت لداود بأن يعي ما غمض على سواه، أم يعني أنها سخرت الجبال والطير أن تعنى بنشاط يمخض لداود إكراما له ؟

مما لا شك فيه أن التسخير الخاص لداود، هو الذي يسم العملية المذكورة وإلا فإن رفع الحجب لشخوص غير نبوية يظل أمرا متحققا لأنماط كثيرة منهم.

أما التسخير الثاني فهوعملية التأويب وهو ترجيع التسبيح، أومطلق الإطاعة له.

وأما مستويات التسخير المذكورة فتتمثل في:

1 ـ تجميع الطيور.

2 ـ تسبيح الجبال بالعشي والإشراق.

والسؤال هو: ما هي الدلالات الفنية لرسم عنصر الزمن في تسبيح الجبال ؟ وما هي الدلالات الفنية لرسم عنصر الكم في تحشيد الطيور له ؟

إن المتلقي يتساءل أولا عن السر الكامن وراء تسبيح الجبال والطير مع داود... ثم ترجيع التسبيح أو مطلق الإطاعة لداود.

فالقصة تذكر لنا أن الجبال والطير يسبحن مع داود، ثم تذكر أنهن يأوبن مع داود أيضا.

إذا أخذنا دلالة التأويب بأنها مجرد ترجيع التسبيح، فإن الاحتمالات الفنية لهذه: يعني أن الجبال والطير يرددن مع داود تسبيحاته، ثم يرجعن التسبيح من جديد.

ومثلما تذكر بعض النصوص المفسرة، بأن داود إذا مر في البراري فقرأ الزبور، حينئذ تبدأ الجبال والطير بالتسبيح معه، وهو أمر سبق أن أوضحنا دلالته المتصلة بداود وبالآخرين، ولكن هل أن التأويب أو ترجيع التسبيح ينطوي على الدلالة نفسها ؟

من الممكن أن يكون ذلك أيضا : بصفة أن الترجيع يعمق أو يرسخ الدلالة المذكورة.

بيد أننا إذا أخذنا التأويب بمعناه الآخر، وهو الطاعة، حينئذ فإن هذه الدلالة تظل أقرب إلى الذهن من الدلالة السابقة، بل إنها تتسق ـ من حيث البعد الفني نفسه ـ مع سمة الأيد التي شددت القصة عليها في رسمها لشخصية داود بحيث تظل سمة القوة هي الطابع لكل مفردات القصة كما سنرى، ومنها: طابع التأويب الذي يعني إطاعة الجبال والطير لداود أيضا في مختلف نشاطه الخلافي على الأرض.

وهذا ـ في تصورنا الفني ـ يظل أقرب من أ ية دلالة اخرى، مادام الأمر يتصل بالتجانس الفني بين أجزاء القصة، سواء أكان ذلك متصلا بظاهرة التجنيسالصوتي ـ سمة أواب لداود وسمة أواب للجبال والطير ـ، أم كان متصلا بظاهرة التجانس الفكري، متمثلا في إطاعة داود للسماء، وإطاعة الجبال والطير لداود تقديرا لاخلاصه في العمل الخلافي على الأرض، فضلا عن تجانسه مع سمة الأيد الذي يطبع شخصيته (عليه السلام)بصفة أن تسخير الجبال والطير لإطاعة أوامره يشكل أيدا أو قوة له، كما هو واضح تماما.

الظاهرة الثانية التي ينبغي الوقوف عندها، هي:

توضيح مستويات التسخير لداود. فقد لحظنا أن القصة قد حددت العنصر الزمنيفي عملية التسبيح، كما حددت عنصر الكم في عملية تحشيد الطيور.

ولنقرأ من جديد:

{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق}

وهذا هو عنصر الكم في عملية التحشيد المختصة بالطيور، فهي:

{والطير محشورة}

فالملاحظ في هذا أن كلا من الجبال والطير يمارسن التسبيح وأن كلا منها يمارس التأويب.

غير أن ما يفرز الجبال عن الطير، أن سمة الحشر ـ محشورة قد طبعت شخوص الطير... وأن سمة العشي والإشراق قد طبعت عملية التسبيح بعامة.

من الممكن بسهولة أن نفرز بين الجبال والطير من حيث التحرك، فالجبال ثابتة في أماكنها، أما الطير فمتنقلة.

طبيعيا فإن تسخير نمطين من القوى :

أحدها ثابت والآخر متحرك.

أحدها: كبير الحجم، والآخر على عكسه تماما.

أحدها لا يمتلك روحا والآخر يمتلكه...

هذه المستويات الثلاثة من التقابل ينطوي على أهمية فنية كبيرة من حيث عمارية القصة، ومن حيث أفكارها.

أما من حيث العمارية، أو هندسة البناء الفني لها، فإن التقابل بين الثابت والمتنقل، وبين الكبير والصغير، وبين المادي والروحي، يظل موسوما بإمتاع جمالي كبير لكل متذوق يعنى بقراءة النص القصصي.

وأما حيث الأفكار فإن التقابل بين المستويات الثلاثة المتقدمة، يعني أن السماء سخرت مختلف القوى لداود، تشددا في خطورة من يخلص في عمله العبادي، تسخر له المادي والروحي والكبير والصغير والثابت والمتنقل.

لكننا بغض النظر عن البناء الهندسي المتقدم لهذه الظاهرة، لازلنا حيال ظواهر فنية اخرى ومنها: سمة الحشر للطيور مثلا، وسمة الزمن في عملية التسبيح.

إنه من الممكن في ضوء التقابل بين أحد الأنماط الثلاثة الثبات والحركة أن نفسر ـ فنيا ـ عملية حشر الطيور بسمة الحركة، فمادامت متنقلة ومتفرقة فإن جمعها في معسكر أو مجموعة يظل حاملا مسوغاته دون أدنى شك. بخاصة أن حشدها ضمن هيئة جماعية إنما يتم وفقا للقيام بخدمة داود، حيث يتطلب الأمر أن تكون محشورة حينئذ.

وهذا فيما يتصل بعنصر الكم وصلته بشخوص الطيور، ولكن ما هي الدلالة لعنصر الزمن وصلته بعملية التسبيح ؟

إن العشي والإشراق يصاغان في سياقات متنوعة، يمكنناـ من خلال التصور الفني الصرف ـ أن نلمها في دلالات، منها:

إن الزمن يظل مرتبطا بنشاط داود نفسه في هذا الصدد، من نحو تنظيمه لتلاوة الزبور مثلا في أوقات محددة عند العشي والإشراق.

ومنها:

إن الزمن يظل مرتبطا بالجبال والطير، وتخصيصه محددا لهما عند العشي والإشراق يظل مجرد رمز للاستدامة من دون تحديد خاص لزمن التسبيح، بقدر ما يظل الرمز هو دوام الممارسة.

إن استخلاص هذه الدلالة أو تلك من خلال التصور الفني الصرف، يظل أمرا خاضعا لطبيعة الخبرات المتصلة بالتذوق.

غير أن هذه الخبرات تواجه دلالة جديدة، هي التساؤل عن معرفة دخول الزمن نفسه عنصرا في عملية التسبيح، بغض النظر عن تحديده.

وإذا كانت دلالة حشر الطيور يمكن استخلاصها من خلال كونها متنقلة مثلا، فما هي دلالة الزمن في عملية التسبيح ؟

مما لا شك فيه، أن التسبيح بصفته ممارسة لفظية يشكل جزء من ممارسات عبادية تنشطر عادة إلى ما هو حركي ولفظي، أو حركي بعامة قبال ما هو تأملي صرف.

ومثل هذا الانشطار يستتبع تحديدا زمنيا لهذه الممارسة أو تلك. مضافا إلى ذلك أن السماء ذاتها ترسم أمثلة هذا التحديد في ممارسات الصلاة والأذكار ونحوها.

ولعل أهم ذلك كله، هو أن داود نفسه بصفته إنسانا ركبت فيه حاجة حيوية هي النوم، حيث لا يسعه أن يستغرق في التسبيح آنات الزمان كله، كما لا تسعه ممارساته الخلافية المتصلة بالتعامل مع الآخرين أن تسع آنات الزمان كله في التسبيح ومادامت الجبال والطير قد سخرت له في التسبيح، فإن هذا يعني أن زمانها مرتبط بزمان داود، وهو مسوغ فني وفكري واضح لاستخلاص الدلالة التي تساءلنا عن أسرارها.

كان القسم الأول من قصة داود متصلا بتسخير الجبال والطير.

أما القسم الثاني من القصة، فيتصل بأبعاد اخرى أو بسمات اخرى رسمها النص في شخصية داود.

وقبل ذلك كله، فإن النص رسم سمة عامة عند استهلاله للقصة، هي: الأيد أو القوة التي منحتها السماء لشخصية داود.

وقد مضى الجزء الأول من القصة راسما بعض الأبعاد المتصلة بالأيد أو القوة الممنوحة لداود، أي الجبال والطيور.

وها هو القسم الثاني من القصة يرسم مفردات اخرى للأيد أو للقوة الممنوحة له.

طبيعيا ينبغي ألا نغفل عن البناء الهندسي للقصة في تنظيمها لرسم مختلف أبعاد

الشخصية، من حيث تخصيص كل قسم من القصة لملامح أو أكثر من الملامح المتصلة بداود من حيث صلتها بالطابع العام الذي استهلت القصة به، و هو طابع الأيد أو القوة.

والآن، لنقرأ هذا القسم الذي لم يستغرق أكثر من مقطع، أو لنقل آية واحدة هي:

{وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}

هذا المقطع يتضمن ثلاث سمات تطبع شخصية داود:

الاولى: النبوة، أومطلق الادراك الصائب.

الثانية: الكفاءة في ممارسة القضاء.

الثالثة: تقوية ملكه، أو إدارته السياسية العامة.

هذه السمات تظل متصلة كما هو واضح بالطابع العام الذي استهلت به القصة، ونعني به طابع الأيد أو القوة:

{واذكر عبدنا داود ذا الايد}

فهناك أولا: تقوية سلطانه عسكريا وإداريا... إلى آخره.

وهذا من أبرز ملامح الأيد أو القوة المتصلة بإدارته العامة للجمهور.

وهناك ثانيا: إكسابه طابع النبوة، أو طابع الحكمة العامة التي تعني الإدراك الصائب للامور.

وواضح أن الإدراك الصائب للامور حين يقترن بقوة إدارية أو عسكرية أوسياسية بعامة، حينئذ فإن طابع الأيد أو القوة يظل في ذروة مصاديقه في هذا الصدد.

إن أية حكومة مثلا، حتميا يحتاج لها قائد واع، وإدارة ضخمة، حينئذ تستكمل مقومات وجودها دون أدنى شك. فإذا أضفنا إلى ذلك القوة القضائية، حينئذ فإن مقومات وجودها تصل إلى الكمال في ذروته.

وهذه السمة الثالثة ألمح النص القصصي إليها حينما أوضح أن السماء آتت داود فصل الخطاب.

إن فصل الخطاب الذي رسمه النص القصصي طابعا لداود، وجعله السمة الثالثة لشخصيته التي دعمتها السماء، هذا الطابع ـ من حيث موقعه الهندسي من بناء القصة ـ قد رسم في سياق ما هو معروف من السلطات الثلاث: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.

فالحكمة تواكب الاولى.

وشد الملك يواكب الثانية.

والفصل يواكب الثالثة.

إن ما يعنينا من ذلك، هو أن النص القصصي في رسمه للطوابع الثلاثة التي تسم شخصية داود، قد رسم سمة فصل الخطاب في سياق سمتين تبدوان وكأنهما تتسمان بعمومية وشمول، بالقياس إلى مفردة واحدة هي الفصل في الخصومات مثلا.

بيد أن التدقيق في هذه الظاهرة يدلنا على أهمية السمة المتقدمة، وأعني بها فصل الخطاب.

من هنا فإن النص حينما يختتم القسم الثاني من القصة ويتجه إلى قسمها الثالث والرابع، نجده يشدد على إبراز السمة القضائية، بل إنه يخصص القسمين الأخيرين بكل ما فيهما من التفصيلات، يخصصهما لظاهرة القضاء فيما يعني ـ من حيث البناء الفني والفكري للاقصوصة ـ مدى ما يحرص النص عليه من الظاهرة المتقدمة، بحيث يخصص لها جزءين من القصة مقابلا لجزءين آخرين خصصا لأبعاد متنوعة بما هو معجز ومدهش من الظواهر، بالقياس إلى ظاهرة تبدووكأنها مألوفة وعادية في الأذهان، مادامت لا تتطلب أكثر من معرفة بملابسات القضية من مدع ومنكر، ويمين وشاهد مثلا.

ونظرا لأهمية الفصل في ظاهرة القضاء نجد أن القصة كما قلنا، تتجه في هذه السورة لمعالجة بعض شؤونه على نحو ما نبدأ بتوضيحه الآن.

القسم الثالث من اقصوصة داود يتجه إلى رسم حادثة أو موقف معين يتصل بقضاء داود.

كما أن القسم الرابع وهو الأخير من القصة يتجه إلى مطالبة داود (عليه السلام)، أو بالأحرى مطالبة الآدميين:

{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}

إن هذين القسمين من القصة يشكلان مثلما قلنا عصب الاقصوصة، أو الزاوية التي يشدد النص عليها قبال ظواهر اخرى، يرسمها النص في أكثر من سورة عند رسمه لشخصية داود.

والآن ما هو الموقف أو الحادثة القصصية التي تضمنها الجزء الثالث من القصة ؟

لنقرأ أولا:

{ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب }

{إذ دخلوا على داود ففزع منهم}

{قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض}

{فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط}

{إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة}

{فقال، أكفلنيها وعزني في الخطاب}

{قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه}

{وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض}

{إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم}

{وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه...}   

هذه الحادثة تتصل بمفاجأة داود لشخوص صعدوا إليه من أسوار المحراب بنحو أفزعه. إذ لم يستأذنوه ولم يجيئوا إليه في الوقت المحدد للقضاء ولم يدخلوا من الممر الطبيعي للمحراب.

ثم سردت عليه قصة خصمين بغى بعضهما على الآخر ـ بعد أن خاطبوه بألا يخاف منهم وأن يحكم بالحق بينهم ـ متمثلة في مطالبة الأخ المالك لتسع وتسعين نعجة، الأخ المالك نعجة واحدة بضمها إليه.

وعندها حكم داود (عليه السلام) لصالح المدعي.

بيد أ نه علم أن القضية المعروضة عليه إنما كانت اختبارا، فاستغفر الله...

هذا هو ظاهر الحادثة...

بيد أن الوقوف على النصوص المفسرة من جانب، والملابسات التي يمكن للمتلقي استخلاص دلالاتها من جانب آخر، تقتاد دون أدنى شك إلى التعرف فنيا وفكريا على هذا القسم من الاقصوصة وصلته بسائر الأقسام الاخرى.

إذن، لنتجه إلى النصوص المفسرة أولا، ثم إلى استخلاص الدلالات الفنية للحادثة.

تتضمن حادثة تسور المحراب والدخول على داود وفزعه من ذلك، ثم الإحتكام إليه والقضاء لصالح المدعي، ثم معرفته (عليه السلام) بأن الواقعة تتصل بــ الاختبار، واستغفاره في نهاية المطاف، ثم مغفرة ذلك، والإشارة إلى حسن المآب... هذه الواقعة وما رافقها من مواقف تتضمن جملة من الدلالات الفنية والفكرية يجدر الوقوف عندها.

فنحن إذا انسقنا مع النصوص المفسرة، نجد أنها تتفاوت في الذهاب إلى أن الاستغفار أساسا كان على نحو الاخلاص في العبادة، وهو الاستغفار حتى من غير ذنب، بصفة أن العبادة الحقة لا يمكن أن يتوفر عليها بحال من الأحوال.

وهناك من النصوص الذاهبة إلى أن الاستغفار ناجم عن ملابسات الموقف القضائي... وهو موقف يتصل بالحكم لصالح المدعي دون أن يشفع بتبيين أقوال المدعى عليه.

ومن الواضح أن التفسير المذكور ينسجم مع سياق الواقعة القصصية التي رسمها النص القرآني الكريم.

وأما فيما يتصل بواقعة التسور نفسه، فإن النصوص المفسرة تتفاوت أيضا بين الذهاب إلى أن المتسورين كانوا شخوصا بشرية، وبين الذهاب إلى أنهم كانوا شخوصا ملائكية.

ولكن، أيا كان الأمر فإن استخلاص الدلالة الفنية والفكرية من حادثة التسور والقضاء يظل في الحالين محكوما بالطابع ذاته مادامت القضية متصلة بــ الاختبار ونتائجه، وهو صريح النص القرآني الكريم والنصوص المفسرة الموثوق بها.

والسؤال هو: ما هي إمكانية استخلاص الدلالة الفنية لبناء الواقعة المتقدمة وملابساتها، من حيث صلة التفصيلات القصصية من شخوص وأحداث ومواقف بعملية الاختبار.

من حيث الحوادث فإن عملية التسلق أوالتسور تظل مرتبطة بأكثر من تساؤل، منها:

1 ـ لم لم يدخل الخصوم من المدخل الطبيعي للمحراب ؟

2 ـ إذا انسقنا مع النصوص الذاهبة إلى أن الوقت لم يكن في الزمن المعتاد للقضاء،.. فإن التساؤل أيضا يثار على هذا النحو: لم لم يأت الخصوم في الزمن المعتاد ؟

وإذا تجاوزنا ذلك، إلى سمة الفزع الذي غلف داود (عليه السلام)، حينئذ نجد أن رسم هذا الملمح الفزع لابد أن يرتبط عضويا برسم التسور الذي تم في الزمان والمكان غير الاعتياديين.

مما لا شك فيه، أن عملية التسور تستدعي فزعا على النحو الذي تم رسمه. بيد أن السؤال قائم على إمكانية استخلاص دلالة التسلق نفسه. ترى: هل بمقدور المتلقي أن يربط بين الفزع وبين نمط الحكم الصادر لصالح المدعي ؟

وبكلمة جديدة: هل أن النص في صدد تبيين إحدى العمليات النفسية وهي الفزع بصفته استجابة انفعالية تعكس أثرها على عملية الحكم ذاته، بداهة أ نه من الممكن أن يصرف الفزع انتباه الشخصية عن جزئيات الموقف لحين تلاشي الفزع ؟

ومن الواضح أن عملية التسلق حينما تصاغ بنحوها المتقدم، حينئذ تظل الصلة بينها وبين انفعال الفزع، لها مسوغاتها الفنية.

فما لم يكن ثمة حدث غيرطبيعي، حينئذ لم يكن ثمة فزع.

وما لم يكن ثمة فزع لم يكن ثمة انعكاس على الحكم.

إن مثل هذا الاستخلاص من الممكن أن يتسم بكونه صائبا أو خاطئا بيد أنـه مجرد استخلاص خاضع للاحتمال.

بقي أن نتجه إلى موقف المتخاصمين أنفسهم:

فالملاحظ أ نهم خاطبوا داود (عليه السلام) على النحو الآتي:

{لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض}

{فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط}

إن هذا الموقف يتضمن ثلاثة أوأربعة منبهات أو مثيرات لها صلتها أيضا بنمط الاستجابة القضائية.

فقد أحس المتخاصمون بأن الفزع قد غلف شخصية داود (عليه السلام) ومجرد تحسيسه (عليه السلام)بأنهم على وعي بالموقف، كاف ـ عبر التركيبة الاعتيادية للآدميين ـ أن يزرع الثقة بالمدعي.

فإذا أضفنا إلى ذلك أن الاقرار بالخصومة:

{بغى بعضنا على بعض}

ثم إظهار الحرص على أنهم لا يقبلون الشطط، فضلا عن إظهار الحرص على أنهم يتشوقون الهداية إلى الصراط السوي،... حينئذ فإن هذه المثيرات كافية بدورها بأن تزرع الثقة بالمدعي.

ولعل أشد المنبهات أو المثيرات حجما ومساهمتها في تفجير الثقة، هو نمط الطرح الذي صاغه المدعي في تبيين مظلوميته.

فقد أشار إلى أن أخاه يمتلك تسعا وتسعين نعجة وإلى أنه يمتلك نعجة واحدة فحسب، وإلى أن أخاه طالبه بضم الأخيرة إليه وإلى أنه يتميز باقتدار معنوي أو مادي أو لفظي، بحيث يسيطر على الموقف.

مثل هذا الطرح يساهم مساهمة كبيرة في زرع الثقة بالمدعي مادام الأمر يتصل بضم الواحدة إلى التسع والتسعين، ومادام المدعى عليه متمكنا من السيطرة على الموقف بمهاراته الاسلوبية في الكلام، على عكس المدعي الذي لا يمتلك سوى نعجة واحدة، مثلما لا يمتلك مهارة اسلوبية في الكلام يسيطر بها على أخيه..

كل هذه الملابسات المتصلة بنمط الطرح الذي يبرز مظلومية المدعي، كاف بزرع الثقة به كما قلنا، مما يعزز التجاوب مع الموقف على نحوه المتقدم...

بيد أن هذا كله يظل مجرد استخلاص حائم على التذوق الفني الصرف، فيما يمكن أن يتسم بصواب التذوق أو عدمه، لكنه ـ بعامة ـ متسق مع ظاهر النص القرآني والنصوص المفسرة الذاهبة إلى أن العملية متصلة بــ الاختبار، ولو لم يكن ذلك، لما كان ثمة مسوغ صريح لهذه الفقرة الكريمة:

{وظن داود أنما فتناه}

ولـما كان ثمة مسوغ للفقرة الآتية أيضا:

{فاستغفر ربه...}

إذن يمكننا أن ندرك بعض الأسرار الفنية لعملية التسلق، ثم ما رافقها من استجابة الفزع، ثم عملية الحكم، ثم الاستغفار... فضلا عما غلف الموقف من اسلوب في طرح الدعوى ومفرداتها... كل ذلك ـ دون أدنى شك ـ قد تم وفق بناء هندسي له جماليـته التي ينبغي ألا نفصلها عن الدلالة الفكرية المستهدفة في هذا الجزء من اقصوصة داود (عليه السلام)، وبخاصة أن الاقصوصة ختمت بفقرة:

{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض...}

مما يعني أن الفقرة موجهة إلى المتلقين بعامة في ممارساتنا لعملية الخلافة على الأرض، ومنها: ظاهرة القضاء وأحكامه.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



خلال الأسبوع الحالي ستعمل بشكل تجريبي.. هيئة الصحة والتعليم الطبي في العتبة الحسينية تحدد موعد افتتاح مؤسسة الثقلين لعلاج الأورام في البصرة
على مساحة (1200) م2.. نسبة الإنجاز في مشروع تسقيف المخيم الحسيني المشرف تصل إلى (98%)
تضمنت مجموعة من المحاور والبرامج العلمية الأكاديمية... جامعتا وارث الأنبياء(ع) وواسط توقعان اتفاقية علمية
بالفيديو: بعد أن وجه بالتكفل بعلاجه بعد معاناة لمدة (12) عاما.. ممثل المرجعية العليا يستقبل الشاب (حسن) ويوصي بالاستمرار معه حتى يقف على قدميه مجددا