أهمية النقل:

إن النقل والجغرافيا الاقتصادية يرتبطان ببعضهما البعض ارتباطاً وثيقاً، وذلك لأن الجغرافيا الاقتصادية تعتمد اعتماداً كبيراً علي النقل، والنقل بدوره أساسي في خدمة الجغرافيا الاقتصادية، وعامل هام من عوامل تطورها، ويكفي أن نتصور عالماً بلا نقل فإن جميع الأواصر بين الدول تنقطع، وتتباعد المسافات، وتتوقف حركة نقل التجارة والأفراد.

ويمكننا أيضاً تصور ذلك من توزيع الموارد الطبيعية في الأقاليم المختلفة، فقد تنوعت الموارد وتعددت أشكالها وطبيعتها، واختلفت في مدى أهميتها بكل إقليم، وبعض هذه الموارد قد يكون للاستخدام المحلي، أي إنه يحقق نوعاً من الاكتفاء الذاتي لبعض الأقاليم، كالرعي والصيد والزراعة البدائية، وهناك موارد أخرى تخرج من نطاق الاستخدام المحلي كالبترول والغاز والحديد والنحاس، أو الإنتاج الزراعي كالمطاط والبن والشاي والقطن والجوت والقمح وغيرها من الموارد التي تفيض عن حاجة الإقليم المنتج لها، وفي هذه الحالة فإن مثل هذه الموارد لا تخرج من الموطن إنتاجها إلى مناطق الاستهلاك الأخرى، إلا إذا توفرت لها سبل النقل المختلفة التي تتفق وطبيعة المنتج سواء كان ذلك نقلاً بحرياً أو نقلاً برياً أم جوياً أو عن طريق الأنابيب كالبترول والغاز، وهذا كله يتم في صورة التبادل التجاري لهذه الموارد بين الأقاليم المختلفة وعلي مستوى العالم التي أراد الله لها تنوع والاختلاف في مناطق الانتاج، فلو أن لكل إقليم لديه اكتفاء ذاتي لما كان هناك حاجة إلى التعاون والتكامل بين دول العالم المختلفة، ومن الملاحظ أنه كلما زادت الحاجة إلى التخصص في الانتاج، فإن توافق سبل المواصلات من شأنه أن يساعد على نجاح هذا التخصص، وبالتالي ينعكس ذلك على تطور التجارة وتقدمها في مناطق العالم المختلفة، وهذا ما نلمسه إزاء الدول التي شهدت تقدماً في وسائل النقل بصورها المختلفة.

والنقل هام جداً في التنمية الاقتصادية لأي دولة من الدول، ويُعد من مرتكزات خطوط التنمية الاقتصادية، وتبرز أهمية النقل في دوره في تحقيق الاستفادة من وظيفة السكان، أي أنه يهدف إلى خلق المنفعة المكانية لأنه يساعد على تحقيق التخصص المكاني التي يصبح مستحيلا تحقيق بدون عامل النقل.

والنقل عامل هام في نقل الحضارات، وتبادل الثقافات بين المجتمعات، وبدونه تبقي المجتمعات منعزلة معتمدة علي مواردها المحلية فقط، والشعوب البدائية التي تعيش في بيئات صعبة، وتنتج ما هو ضروري تكون حركتها محلية وطرق اتصالها بالمجتمعات المجاورة قليلة، بينما في الأقاليم الغنية المتقدمة التي تتميز بتقدم استغلالها لبيئتها كما في دول أوروبا واليابان والولايات المتحدة فإن الاتصال يزداد بين هذه المجتمعات تبادلاً من فائض لديهم بما يحتاجونه من الدول الأخرى، ويعتمد هذا التبادل على مدي توافر وسائل النقل وتنوعها ومدي سرعتها وما يتطلبها من نفقات، سواء كان النقل بالسلعة أو بالأشخاص أو بالأفكار والمعرفة.

 ويُعد النقل عاملاً هاماً في تعمير واستيطان الأراضي الجديدة كما يبدو من حركة التعمير والاستيطان في صحاري المملكة العربية السعودية، وفي صحاري مصر، وفي سيبريا، وفي المناطق الجبلية الوعرة كما في جبال الألب في أوروبا.

وكذلك كان في النقل أثره الهام في تعمير العالم الجديد وبصفة خاصة في كل من والولايات المتحدة البرازيل والأرجنتين، كما يُعد النقل من العوامل الهامة التي تساعد على التركز الصناعي وعلى القيام بالتعدين في المناطق الوعرة وفي تحديد أنماط استخدام الأراضي الزراعية التي تضم الأراضي المخصصة في زراعة المحاصيل الحقلية والأراضي المخصصة لحدائق الفاكهة ومحاصيل الخضر، بالإضافة إلى الأراضي البور وأراضي المنافع العامة، وفي تحديد أسعار الأراضي.

كما لعبت وسائل النقل دوراً هاماً في الربط بين الدول التي تنتج جزءاً من سلعه وغيرها من الدول التي تنتج السلعة كاملاً بعد تجميعها مثل صناعة سيارات والصناعات الهندسية حيث يتم لكل دولة إنتاج الجزء الذي يتفق وقدراتها الفنية وبأقل تكلفة ممكنة، وفي نفس الوقت لا يشكل عامل النقل جزءاً كبيراً من تكلفة الإنتاج، وقد كان للنقل دوره الهام في الكشوف الجغرافية التي تمت في العالم الجديد والاقيانوسية وغيرها من المناطق النائية، وما تبع ذلك من تعمير لهذه المناطق الجديدة واستغلال لمواردها والهجرة السكانية إليها من كل بقاع العالم.

كما أن للنقل دوراً هاماً في توزيع السكان محلياً وعالمياً وفي التبادل الحضاري القديم كما كان الحال من قبل في مصر والعراق والصين وسواحل البحر المتوسط، فلم يكن بالإمكان أن ينتقل الفينيقيون قديماً بين السواحل، أو يصل العرب قديماً من الجزيرة العربية إلى جنوب شرق آسيا، وأن تتوسع الامبروطورية، ومن قبلها الإغريق في مناطق تبعد عن موطنها الأصلي، أو أن ينجح الاستعمار الأوروبي في السيطرة على الكثير من البلدان واستغلال مواردها الطبيعية دون توافق وسائل النقل المناسبة لذلك.

وميدان الدراسة في جغرافية النقل يركز على دراسة شبكات الطرق سواء كانت برية أو بحرية أو جوية والميزة النسبية لكل منها، ودراسة وسائل النقل بصورها المختلفة سواء بالسيارة أو القطار أو الطائرة أو الباخرة أو الأنابيب أو الكابلات التي تنقل الطاقة الكهربائية أو الاتصالات السلكية واللاسلكية.

كما تركز دراسة النقل على الإلمام بالعوامل المؤثرة في النقل، ودراسة حركة النقل بصورها المختلفة سواء حركة الأفراد أو السلع أو الأفكار والثقافات، وذلك بالوقوف علي مصدر هذه الحركة واتجاهاتها ودوافعها وأهميتها والوسائل التي تعتمد عليها هذه الحركة، ولماذا تفضل وسيلة نقل دون أخري؟