أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-27
1799
التاريخ: 2-06-2015
2254
التاريخ: 5-2-2016
2195
التاريخ: 18-11-2014
2512
|
قبل أن نتحدث عن هذه الاقصوصة ينبغي أن نذكر بأن النص القرآني الكريم قد عقب على اقصوصة نوح (عليه السلام) قبل أن ينتقل إلى اقصوصة هود أي قصة قوم عاد . . .
عقب على ذلك قائلا :
﴿اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾
﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
إن هذه الفقرة الأخيرة من التعقيب على الاقصوصة ، ونعني بها :
﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
هذه الفقرة لها أهميتها الفنية في الأقاصيص اللاحقة من هذه السورة وبضمنها الاقصوصة الرئيسة هود ، فيما سيمسها ، أي امة هود العذاب الأليم الذي مهدت به اقصوصة نوح . وهو أمر سنلحظه مفصلا عند حديثنا عن الاقصوصة الجديدة .
تلخيص الحكاية :
يقول النص : إن هودا ارسل إلى قومه عاد وهم اخوته في النسب وطالبهم بالإيمان بالله والتوبة من ذنوبهم ، واعدا إياهم أن السماء سترسل عليهم المطر متتابعا .
وكانت أرضهم كما تقول النصوص المفسرة قد أجدبت ، كما وعدهم هود بأن السماء ستمدهم بالقوة أعدادا وأموالا وأبدانا في حالة توبتهم من الذنوب .
إلا أن القوم لم تنفعهم هذه النصيحة الصادقة ، فبدأوا يعترضون عليه بحجج واهية ، مطالبين إياه بتقديم شاهد على صدق رسالته ، مؤكدين عليه أنـهم سوف لن يتركوا عبادة الأصنام ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حتى وصل الأمر إلى أنـهم اتهموه بالجنون ، وإلى أن أصنامهم هي التي عاقبته ، فجعلته مخبولا مادام قد شتمها وأنكر مشروعية عبادتها .
وقد أجابهم هود على هذه التهمة البليدة ، بأنه يشهد الله على براءته مما نسب إليه متحديا إياهم بأن يعملوا هم وأصنامهم ما يشاؤون من التآمر عليه ، وإلى أن الله يمتلك ناصية الكائنات بأكملها ، فليعملوا ما يشاؤون ، وليركبوا رؤوسهم ، فإن الله سوف ينتقم منهم ويبيدهم بأجمعهم ويستخلف قوما آخرين .
وفعلا أبادهم الله وانجى هودا ومن معه من المؤمنين .
وهذا هو العقاب الدنيوي لهم .
وأيضا ينتظرهم العقاب الأخروي يوم القيامة جزاء موقفهم هذا .
* * *
من هذا التلخيص للحكاية نتعرف على جملة امور :
منها : أن هؤلاء القوم بلغ من تمسكهم بالأصنام إلى الدرجة التي اعتقدوا فيها أن أصنامهم أصابت هودا بالسوء ، لأنـه تعرض لها بالشتم والإنكار .
إن هذا النمط من التمسك بالآلهة الخرافية يكشف عن مدى التخلف الذهني لهؤلاء القوم ، ومن ثم مدى العناد الذي يطبع سلوكهم .
ومنها : أن السماء قطعت لهم وعدا ـ على لسان هود ـ أن ترسل عليهم المطر ، وتخصب أرضهم التي كانت تشكو الجدب ، وأن تمدهم بأسباب القوة في أجسادهم وأموالهم وشتى مجالات حياتهم .
لكنهم مع ذلك رفضوا هذا العرض وتمسكوا بعنادهم المذكور .
ومنها : أن السماء نتيجة لموقفهم المنكر أبادتهم في نهاية المطاف ، وتوعدتهم بالعقاب الأخروي أيضا .
إذن ، الاقصوصة تتحدث عن عرض سخي قدمته السماء ، لكنه رفض من قبل هؤلاء القوم ، وتتحدث عن موقف بالغ الالتواء من حيث التمسك بالأصنام بنحو جعلهم يرفضون عطاء السماء ويفضلون العطاء الوهمي لأصنامهم . ثم كانت النتيجة أنـهم خسروا الدنيا بما فيها من الأصنام التي لم تستطع أن تمنع العذاب عنهم ، فضلا عن أنـهم خسروا الآخرة بما ينتظرهم من العذاب المقبل .
وأخيرا فإن الاقصوصة تتحدث عن أن النجاة ستكون من نصيب صاحب الرسالة ، ومن آمن معه من حيث المصير الدنيوي .
إن هذه الدلالات التي استخلصناها من الاقصوصة تمثل الخطوط المشتركة لكل الأقاصيص التي وردت في سورة هود ، مع ملاحظة أن كل قصة تطرح أنماطا مختلفة من الذهنيات التي تطبع القوم الكافرين ، لكنها متماثلة من حيث الطابع العام للذهنية .
ويمكننا ملاحظة هذه الدلالات المتماثلة من خلال الاسلوب الذي صيغت الأقاصيص به .
فقد بدأت كل قصة بعرض نمط الذهنية المتخلفة لدى هؤلاء الأقوام . فقوم هود قالوا له : إن أصنامهم قد مست هودا بسوء . وقوم صالح قالوا له : إنهم كانوا يرجون منه أن يكون على عقليتهم ، لا أن ينهاهم عن عبادة الأصنام .
وقوم شعيب قالوا له : لا نفقه كلامك . . . إلى آخره .
ثم جاء اسلوب العقاب متماثلا لدى الجميع ، وجاء التعقيب على ذلك متماثلا بدوره ، وجاء إنقاذ المؤمنين متماثلا أيضا .
ففي قصة نوح أشار النص إلى عقاب الكافرين وإنقاذ المؤمنين بقوله :
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا . . . قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا﴾
وفي قصة هود : قوم عاد :
﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾
وفي قصة صالح : مجتمع ثمود :
﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾
وفي قصة شعيب :
﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾
إذن الأقاصيص صيغت بأسلوب واحد من حيث الإشارة إلى مجيء الأمر وإنقاذ الرسول ومن معه .
كما جاء التعقيب عليها واحدا ، ففي قصة هود جاء التعقيب كما يلي :
﴿ألا بعدا لعاد قوم هود﴾
وفي قصة صالح :
﴿ألا بعدا لثمود﴾
وفي قصة شعيب :
﴿ألا بعدا لمدين﴾
إن كل هذه التعقيبات تدلنا على أن الأقاصيص في هذه السورة خاضعة لنسق واحد من حيث تماثل الذهنية لدى الكافرين ، وتماثل العقاب ، وتماثل الإنقاذ ، وتماثل الضلال لدى المتمردين .
بيد أنـه ينبغي أن نشير إلى أن كل اقصوصة قد تميزت بأحداث ومواقف متفردة في الآن ذاته . كما كان هناك تناسق بين مجموعة من الأقاصيص وبين سواها . فمثلا قصص قوم عاد ومجتمع ثمود وشعيب تتناسق من حيث المواقف والمصائر والتعقيب عليها .
أما قصص نوح وإبراهيم ولوط ، فكل منها متميز عن الآخر ، ومتميز عن أقاصيص هود وصالح وشعيب .
والحق أن إبراز أمثلة هذه التناسق والتميز في الآن ذاته يتطلب معالجة كبيرة لا يستطيع أن يستكنه أسرارها الفنية إلا متذوق خاص يمتلك قدرات فنية من الصعب توافرها إلا لدى الخاصة من المتلقين .
من هنا ، لا نجد مسوغا حادا يدفعنا إلى كشف الأسرار الفنية لهذه الأقاصيص ، ما دام هدفنا منصبا على تقديم المادة القصصية للمتذوق العادي .
أما المتذوق الخاص فله مكان آخر قد نتوفر على تحقيقه في غير هذه الدراسات .
على أية حال ، يهمنا أن نتابع أقاصيص هذه السورة كلا على حدة مع محاولة إبراز بعض خطوط التلاقي بينها .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|