أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2016
21329
التاريخ: 16-10-2014
23776
التاريخ: 16-11-2014
1863
التاريخ: 11-3-2016
5431
|
لقد روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) ما يسهّل على المسلمين طريقة الاستفادة من القرآن الكريم ، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)) «إن القرآن يصدق بعضه بعضاً ويشهد بعضه على بعض . . .» (1) ، كما روي عن أهل البيت (عليهم السلام)) «ذلك القرآن فاستنطقوه . . .» (2) ، وأن القرآن هو في كل زمان جديد ، ولم يجعله الله تعالى لزمان دون زمان ولناس دون ناس» (3) إلى غير ذلك من الروايات التي من شأنها أن ترشد المفسّر ، سواء أكان ذلك في الماضي ، أم في الحاضر ، إلى ما ينبغي أن يكون عليه من منهج . ولكن رغم ذلك الوضوح في الهداية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) نجد أن كثيراً من المفسرين قد التبس عليهم الأمر ، وبدأوا بتخيّر المناهج لتفسير كتاب الله تعالى ، وقد بلغ بعضهم في منهجه إلى حد أن القرآن أصبح سهل الفهم والاستيعاب أكثر من تفاسيرهم ، والله تعالى ، كما نعلم ، يريد بالناس اليسر وليس العسر! وإذا أردنا أن نوغل في قدم التفسير ، فإننا نجد ابن جرير الطبري) (ت310هـ) في طليعة التفسير الأثري ، الذي اكتفى بنقل الكثير من الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة والتابعين في استيضاح النصوص القرآنية ، وهو الذي أنبأ في منهجه عن ضرورة التمحيص في الروايات ، لكونها مشوبة وغير ثابتة في صدورها كما جاء في مقدمة تاريخه (4) ، وقد يكون من المناسب الإيغال في القدم إلى القرنين الأولين من الهجرة ، لنجد أن حال المفسرين هو كحال الطبري تماماً ، حيث نجد مجاهد وقتادة وابن أبي ليلى والشعبي والسدّي وغيرهم في القرنين الأولين لم يزيدوا على طريقة سلفهم من مفسري الصحابة شيئاً غير أنهم زادوا من التفسير بالروايات ، وبينها ، كما يقول الطباطبائي ، روايات دسّها اليهود أو غيرهم ، فأوردوها في القصص والمعارف الراجعة إلى الخلقة كابتداء السماوات وتكوين الأرض والبحار ، وعثرات الأنبياء وتحريف الكتاب ، وقد كان يوجد بعض ذلك في المأثور عن الصحابة من التفسير والبحث (5) .
إن ما ينبغي على الباحث أن يناقشه ، وأن يتدبر فيه في مناهج المفسرين ، إضافة إلى التساؤل بشأنه ، هو الاستغراق في الروايات والإكثار منها ، في وقت كان الأجدى فيه هو التأمل فيما تواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشأن طريقة فهم وتفسير كتاب الله تعالى ، الذي يُفسر بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه على بعض ، وينطق بعضه ببعض ، فلماذا لم يكن الاستغراق في هذا الحديث وأمثاله للتخفيف من غلواء الروايات؟ وهل القرآن يهدي إلى التي أقوم بهذه الروايات ، أم أن لهذا القرآن إماماً ينطق به ويترجمه لتتحقق الغاية من إنزاله وتلقيه ؟؟
لا شك في أن ضرورة البحث في هذا المجال تحتم على الباحث الإشارة إلى جملة المناهج التي عرفها تاريخ المسلمين ، ولو بالإجمال للتعرف إلى أهم ما تميزت به هذه المناهج ، وذلك بهدف استخلاص نتيجة فيما يتعلق بمنهج الطباطبائي . هذا المنهج الذي يعود إلى عصر الرسالة في تفسير القرآن بالقرآن ، ويكشف في الوقت عينه عن إخفاقات المناهج التفسيرية في ما آلت إليه من نتائج ، وعبرت عنه من حقائق ، فنقول) إن المناهج التي تعاملت مع القرآن ، وهي المناهج الأساسية التي ظهرت في حياة المسلمين ، واختلفت فيما بينها إلى حد التكفير ، هذه المناهج هي التي أدت في كثير من معطياتها ونتائجها إلى أن تجعل من القرآن مجموعة روايات ناطقة بهذا الشخص أو ذاك! أو مادحة لهذه الفرقة أو تلك ، ولعل أكثر المناهج التباساً في هذا المجال ، هو منهج التفسير بالمأثور ، والذي تعامل معه الطباطبائي بحذر شديد ، إلاّ أن تكون الرواية صادرة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) الذين جعلهم الله تعالى أبواباً لمدينة علمه وطهرهم تطهيراً ، وهذا ما فرّق فيه الطباطبائي بين أن يكون التفسير للقرآن بالقرآن والسنة ، وبين أن يكون التفسير للقرآن بالمأثور الذي لا يتضمن أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأفعاله وخالف أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) . فهذا المنهج في التفسير لا حجيّة له عند الطباطبائي (6) ، وكما عرفنا أن هذا المنهج هو أقدم المناهج وأكثرها انتشاراً ، وقد حظي هذا المنهج بكثير من الاهتمام من قبل المفسرين ، وأخذ طابعاً متشدداً ، ورفض مؤيدوه جميع المناهج المخالفة له .
أيضاً من المناهج التي سادت وظهرت في تاريخ المسلمين ، المنهج اللغوي ، الذي وإن كان ضرورياً لتفسير القرآن ، إلاّ أنه ابتعد عن التفسير ليكون مجرد منهج لغوي وروائي هادف إلى إحكام الطوق على المفردات القرآنية (7) ، وهذا ما رأى فيه الطباطبائي أمراً في غاية الإلتباس نظراً لما أدى إليه من تعقيد في بيان معنى الألفاظ والمفردات ما صرفه عن المعنى والمعرفة ، وعن كثير من الحقائق القرآنية لحساب اللغة والإعراب ، ومَن يطالع الفراء (ت 207 هـ) وأبو عبيدة (ت 210 هـ) ، وغيرهم يلحظ هذا الاهتمام باللغة والأدب ، فكان هذا المنهج أقرب إلى المباحث اللغوية منه إلى المبحث التفسيري ، ويمكن أن نجد هذا الحال عند الطبرسي في مجمع البيان ، إذ هو اهتم كغيره من المفسرين اللغويين اهتماماً كبيراً بمدلولات الألفاظ ومفرداتها ، وفي سرد آراء اللغويين (8) . . .
فالطباطبائي يرى ضرورة اللغة في التفسير ، ولكنه لم يرد لتفسيره الاستغراق في ذلك ، بل اكتفى بإيراد اللغة والصور البلاغية في الآيات لبيان نكتة علمية تسهم في إيضاح المعنى ، ولهذا نجد كثيراً ما يناقش الزمخشري لكونه إماماً لا يبارى في البلاغة ، بهدف تجلية المراد من الآية وبيان معناها ، وكما عُرف الزمخشري والرازي وغيرهما ببيان المناسبات والنظم بين الآيات نجد الطباطبائي اهتم بالمناسبة بين الآيات وبيان أوجهها من خلال السياق ، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقاً .
من المناهج أيضاً ، منهج التفسير الصوفي ، أو الإشاري ، ويشمل التفسير العرفاني والصوفي ونحوهما ، وقد ذهب البعض إلى عده من أوائل المناهج التفسيرية لوروده في بعض الروايات ، وهناك من رد هذا المنهج إلى الإمام علي (عليه السلام) خالطاً بين زهده وتصوفه! في حين يرى الطباطبائي أن هذا المنهج ظهر مقارناً لانتشار البحث الفلسفي وتمايل الناس إلى نيل المعارف الدينية من طريق المجاهدة والرياضة النفسانية دون البحث اللفظي والعقلي (9) . . .
أما المنهج العقلي والاجتهادي في التفسير ، فحدث ولا حرج ، باعتباره منهجاً خلط بين الكلام ، والفلسفة واللغة والتصوف ، فكان تفسيراً في كل شيء ، إلا في القرآن ، وهذا المنهج كما يرى الطباطبائي شاع بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في زمن الخلفاء باختلاط المسلمين بالفرق المختلفة من أمم البلاد المفتوحة بيد المسلمين وعلماء الأديان . . . وبعد نقل الفلسفة اليونانية إلى العربية في زمن السلطة الأموية أواخر القرن الأول من الهجرة ، ثم في عهد العباسيين ، وانتشار البحث العقلي الفلسفي بين الباحثين (10) . . . وقد حظي هذا المنهج باهتمام أصحاب المناهج العقلية في تفسير الشريعة كالمعتزلة والفلاسفة (11) ، وهذا المنهج يقف مقابل المنهج النقلي المتشدد ، الذي رفض أي دور للعقل في مجال التفسير ، وهنا تبدو المفارقة العجيبة ، أن أصحاب منهج التفسير بالمأثور (النقلي) رفضوا المنهج العقلي والفلسفي ، ولكنهم اعتصموا بمنهج التفسير بالرأي ، الذي نهى عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو منهج ، أي التفسير بالرأي ، كما يرى العلامة الطباطبائي ، مرفوض لكونه عبارة عن ضرب للقرآن بالقرآن (12) .
يبقى أن نشير إلى المنهج العلمي في تفسير القرآن ، وهو المنهج الذي يحاول الباحثون في كل عصر تفسير القرآن به ، والتعاطي مع القرآن وكأنه كتاب علمي يحتوي على نظريات ، ويؤسس لقواعد علمية ، في حين أن القرآن ، كما أشار الطباطبائي ، يتضمن إشارات علمية ، ولا بد أن تكون علمية وصحيحة ، وإن انتهت التجربة إلى خلاف ذلك ، لاستحالة التصادم بين الحقائق القرآنية والحقائق العلمية (13) ، وهذا المنهج في التفسير مؤسس على الاستفادة من العلوم الطبيعية والتجريبية في فهم المراد من آيات القرآن الكريم ، وكان ظهوره متأخراً عن المنهج الروائي ، وبما أن القرآن ليس كتاباً علمياً ، فإنه لا يمكن التكلف في استعمال هذا المنهج في تفسير القرآن نظراً لما قد يؤول إليه من التباسات في العلوم والمعارف والحقائق القرآنية ، باعتبار أن الإشارة العلمية شيء ، والنظرية العلمية شيء آخر . والحق يقال) إن هذا المنهج لا نرى له أثراً في تفسير ومنهج الطباطبائي ، لكونه يُفسر القرآن بالقرآن ، ويعطي تفسيراً للعلماء يختلف فيه كثيراً عن المفسرين القدامى ، فهو يرى أن العلماء بالله هم الذين يعرفون الله تعالى باسمائه وصفاته وأفعاله معرفة تامة ، أما العلماء الذين يعرفون حقيقة الخلق ، فيما أشار إليه القرآن من آيات علمية ، كما في سورة فاطر في قوله تعالى) ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر : 27-28] .
نلاحظ في تفسير هذه الآية أن أكثر المفسرين قد ذهبوا إلى القول بأن المقصود من العلماء في الآية الكريمة هم أهل العلم بكل ما خلق الله تعالى ، وليس فقط علماء الصيام والقيام وحسب ، وعلى هذا الرأي جل العلماء والمفسرين ، في حين أن الطباطبائي لم يذهب إلى هذا القول رغم أن وحدة السياق بين صدر الآية وعجزها تؤلف نسقاً جدلياً فيها ذكر لبعض خلق الله العجيب ، الذي لا يصل إلى معرفته الجهال به ، ولعل الطباطبائي في ذلك لم يرد أن يخرج عن سياق التفسير الذي اختاره ، حيث حصر العلماء بمن يتفكرون في ما يفضي بهم إلى معرفته تعالى ، دونما اعتبار لوحدة النص مع التجربة (14) ، وهذا ما تميز به ، كما نعلم ، الشهيد محمد باقر الصدر ، عن السيد الطباطبائي ، رغم اتفاقهما في إطار الرؤية الموضوعية في تفسير القرآن الكريم . وهنا يبدو لنا تمايز مهم وكبير بين المفسرين ، ويحتاج إلى مزيد تدبر وعناية من الباحثين في علوم القرآن .
_______________________________
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|