أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-10-2014
1400
التاريخ: 19-6-2016
2474
التاريخ: 27-11-2014
1606
التاريخ: 27-04-2015
1973
|
قصة خلق القرآن وقدمه محزنة ومؤلمة ومشوبة بمزيد من الدموع والدماء، فهي وان كانت لا تتعلق بأي اصل من اصول الدين أو فروعه إلا انها اقامت العالم الاسلامي واقعدته لفترة طويلة من الزمن وأحدثت بين ابنائه من الفرقة والخلاف ورغم اشتراكهم في الشهادتين والكتاب والقبلة والفرائض والامور الأخرى- احدثت من الفرقة ما بينهم ما يتعذر على الاستعمار واعداء المسلمين بامكانياتهم المادية والعسكرية من احداث شطرا منه في بحر عشرات السنين ..
ان هذا الخلاف الذي استعر بين المسلمين حول هذا الموضوع لم يكن ليرتضيه الاسلام أو القرآن نفسه في شيء، بل انه قد جاء من خلف ظهورهما وعبر النظرة الضيقة التي كان يحملها أولئك الذين اشعلوا هذه الحرب واوقدوا هذه الفتنة ..
ولو ادرك هؤلاء مليا حقيقة المفاهيم الاسلامية وما تدعو اليه من تسامح وتساهل لما حدث الذي كان ولما تلطخ التاريخ بالدماء والعنف ولعاش الجميع اخوة متحابين كالجسد الواحد واليد الواحدة ..
والحقيقة ان مأساة حكاية خلق القرآن وقدمه قد اصبحت في ذمة التاريخ وليس لها مكان الآن أو في المستقبل لا سيما بعد ان طغت الافكار والتيارات السياسية المختلفة على عقول غير قليل من المسلمين وغدت هذه الافكار هي المفرّقة بينهم دون سواها غالبا ..
هذا وقد بلغت فتنة خلق القرآن وقدمه ذروتها القصوى في أواخر القرن الثاني للهجرة عند ما تولى المأمون العباسي (1) زمام الحكم وقيامه ببذل التسهيلات بوجه ترجمة الكتب اليونانية والفلسفية إلى اللغة العربية ووضعها في متناول ابناء الشعب، اضافة لمباركة الخليفة للمناظرات والمناقشات التي تحدث بين الناس والتي تخص مواضيع الطبيعة وما وراءها ومسائل العدم والوجود وغيرها ..
و لو ان الأمر قد وقف عند حدود المطالعات والمباحثات البحتة في مسائل ما وراء الطبيعة أو في المواضيع الفلسفية لهان الأمر ولمرّ مرورا سريعا من دون ان يحس به أحد ..
ولكن تدخل بعض الخلفاء والحكام السافر ودس انوفهم في خضم هذه المناقشات والانتصار لهذه الفكرة تارة ولتلك تارة اخرى مع استعمال العنف في اشاعة الفكرة التي ينتصر لها قد زاد في الطين بلة واخرج هذه المناظرات من مجرد بحث وجدل منطقي وفكري إلى حرب مستعرة الأوار تلتهم الأخضر واليابس من دون ان تترك شيئا ..
وعن حقيقة خلق القرآن وقدمه نشير في البداية إلى ان المسلمين جميعا قد اتفقوا من دون خلاف يذكر على ان اللّه تعالى يتصف بالكلام وانه متكلم، وان القرآن الكريم هو كلام اللّه سبحانه ولكنهم بعد هذا اختلفوا حول ماهية هذا الكلام وأساسه ..
فترى فئة من المسلمين ان القرآن الكريم هو قديم بدليل هو «ان اللّه تعالى متكلم بكلام نفسي ازلي قديم زائد عن ذاته وغير منفك عنها وان القرآن معنى قائم بذات اللّه وقديم بقدمه»(2)و انه احدى صفاته الذاتية ..
بينما ترى الفئة الثانية من المسلمين وتذهب إلى فكرة خلق القرآن وحدوثه بدليل تورده مفاده «ان اللّه تعالى متكلم بذاته بدون كلام زائد عنها وانه يخلق الحروف والاصوات في الأغراض فتقرأ وتسمع، وان القرآن باعتبار انه متصف بما هو صفات المخلوق وسمات الحدوث من تأليف وتنظيم وانزال وكتابة وسماع وحفظ وناسخ ومنسوخ هو مخلوق» (3) ولا يصح ان يكون قديما وازليا، اضافة إلى ذلك فإن القرآن «مؤلف من الحروف والكلمات ولا بد ان يكون لها ولتأليفها بداية ونهاية ولا بد من ان يكون له علة في ايجاده ووجوده لأنه ليس بواجب الوجود فان واجب الوجود واحد هو اللّه تعالى وليست علة وجود الموحى منه إلا خلق اللّه خالق كل شيء، فقد قال سبحانه - انا جعلناه قرآنا عربيا - والجعل هو الخلق وكل مجعول ومخلوق له بداية» (4).
وهذا الذي قيل في خلق القرآن وقدمه لو اردنا ان نترجمه ونقلبه إلى اسلوب سهل وبسيط ليمكن فهمه من قبل القراء الكرام لا صبح كما يلي:
تذهب الفئة الأولى من المسلمين الى ان اللّه تعالى قديم (و هذا امر مسلّم به عند الفئة الثانية أيضا) ولهذا يجب أو يلزم ان يكون كلامه النفسي المقبل به ابدا ولا يمكن سلبه عنه مثله قديما ..
بينما ذهبت الفئة الثانية إلى ان كلام اللّه تعالى مخلوق كخلقه تعالى لبقية الأشياء والحاجات متى اراد وحين يشاء لأنه كلام لفظي والتكلم من الصفات الفعلية ..
وفي الحق اذا كان لي ان ادلو بدلوي في هذا الموضوع فإني ارى- بعد المرور على حجج الطرفين واستعراض آرائهم- ان دلائل وتعليلات الفئة الثانية بصدد خلق القرآن تتفق مع المنطق والعقل وتتلاءم مع العلم وتطور الفكر الحديث ..
لذا فإنها أقوى حجة واثباتا- لديّ- من الأولى مما لا مجال للتفصيل أو للايضاح باكثر من هذا وسواء أضمّ القارئ الكريم صوته إلى صوت الفئة الثانية في تأييد خلق القرآن أو انتصر لمن قال بقدمه، فليس لصوته أو صوت غيره كبير اهمية أو عظيم اثر بعد ان اصبحت القضية برمتها في ذمة التاريخ وبات امرها نسيا منسيا.
كما ولم يكن ليخطر على بالي قط ان أشير إلى هذا الموضوع في هذه الدراسة لو لا الرغبة والحرص مني على تسجيل لون من الوان التفكير الاسلامي اشغل صفحات طويلة وعريضة من التاريخ في العصر العباسي الأول وادى إلى تعذيب وسجن وازهاق ارواح كثيرة من الناس كان المفروض فيهم ان يتموا حياتهم بسلام وان يسهموا في انعاش الحركة الفكرية والثقافية في العالم ..
____________________________
(1) ولد المأمون عام 170 هـ وقد تولى الخلافة بعد قتل أخيه الأمين عام 198 هـ ، حيث قال الأخير قبل ذلك وعند تولّيه الخلافة بعد وفاة الرشيد بخلع المأمون عن ولاية العهد وإسنادها إلى ابنه موسى، مما أدى إلى نشوب الحرب بين الأخوين واستعانة المأمون بالقوات الفارسية لاجتياح بغداد عاصمة الخلافة وقتل أخيه الأمين ..
وكان المأمون من عظماء الخلفاء العباسيين حيث قرّب الحكماء والشعراء وطلب ترجمة الكتب المختلفة إلى العربية، وكان سمحا يميل إلى الإقناع والمناقشة واحتمال آراء المتناظرين وإن كانت هذه لا تتفق مع آرائه وميوله ..
اسند المأمون ولاية العهد إلى الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلّا أن الإمام توفي في عهد المأمون مما أضطره إلى تولية أخيه محمد المعتصم محل الإمام الرضا، أمه فارسية وكذلك زوجته ..
توفي في بلاد بيزنطية شمال طرسوس عام 218 ه ..
(2) القرآن المجيد - محمد عزة دروزة.
(2) القرآن المجيد - محمد عزة دروزة.
(4) آلاء الرحمن في تفسير القرآن - محمد جواد البلاغي.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|