أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-04-2015
1540
التاريخ: 15-11-2014
1876
التاريخ: 2024-09-02
343
التاريخ: 2024-09-06
352
|
التفسير بوصفه علما تتوقّف ممارسته على شروط كثيرة لا يمكن بدونها أن ينجح البحث في القرآن ويوفّق المفسّر في مهمّته.
ويمكن أنّ نلخّص تلك الشروط في الامور الأربعة التالية :
أولا :
يجب على المفسّر أن يدرس القرآن ويفسّره بذهنية إسلامية أي ضمن الإطار الإسلامي للتفكير فيقيم بحوثه دائما على أساس أنّ القرآن كتاب إلهي انزل للهداية وبناء الإنسانية بأفضل طريقة ممكنة، ولا يخضع للعوامل والظروف والمؤثّرات التي يخضع لها النتاج البشري في مختلف حقول المعرفة الإنسانيّة، فإنّ هذا الأساس هو الأساس الوحيد لإمكان فهم القرآن وتفسير ظواهره بطريقة صحيحة.
وأمّا حين يستعمل المفسّر في دراسة القرآن نفس المقاييس التي يدرس على ضوئها أي كتاب دعوة اخرى أو أيّ نتاج بشري، فهو يقع نتيجة لذلك في أخطاء كبيرة واستنتاجات خاطئة، كما يتّفق ذلك لبحوث المستشرقين الذين يدرسون القرآن على ضوء نفس المقاييس التي يدرسون بها أيّ ظاهرة من ظواهر المجتمع التي نشأ في داخله وترتبط بمؤثّراته وعوامله وتتكيّف بموجبها.
وهذا الشرط تفرضه طبيعة الموقف العلمي، لأنّ المفهوم الذي يكوّنه المفسّر عن القرآن ككلّ يشكّل القاعدة الإسلامية لفهم تفصيلاته، ودرس مختلف جوانبه، فلا بدّ أن يبنى التفسير على قاعدة سليمة ومفهوم صحيح عن القرآن، يتّفق مع الإطار الإسلامي للتفكير، لكي يتّجه اتّجاها صحيحا في الشرح والتحليل. وأمّا إذا اقيم التفسير على أساس تقييم خاطئ للقرآن ومفهوم غير صحيح عنه فسوف ينعكس انحراف القاعدة على التفصيلات ويفرض على اتّجاه البحث انحرافا في التحليل والاستنتاج.
وفيما يلي نذكر بعض الأمثلة التي يتجلّى فيها مدى الفرق في الاتّجاه بين دراسة القرآن بوصفه كتابا إلهيا للهداية والدراسة بوصفه ظاهرة في مجتمع تتأثر به وتتفاعل مع عوامله ومؤثراته، وكيف تنعكس القاعدة التي يقام على أساسها التفسير في التفصيلات وطريقة التحليل والاستنتاج.
الف) ففي إقرار القرآن لعدد من الأعراف وألوان من السلوك كانت سائدة بين العرب قبل بزوغ نور الرسالة الجديدة قد يخيّل لمن ينطلق من قاعدة خاطئة ويحاول أن يفسّر القرآن بمقاييس غيره من منتجات الأرض أنّ ذلك الإقرار يعبّر عن تأثّر القرآن بالمجتمع الذي وجد فيه، ولكن هذا التفسير لا معنى له حين ننطلق من القاعدة الصحيحة ونفهم القرآن الكريم بوصفه كتابا إلهيا للهداية وبناء الإنسانية، بالصورة التي تعيد اليها فطرتها النقية وتوجّهها نحو أهدافها الحقيقية الكبرى.
بل نستطيع على أساس هذه القاعدة الصحيحة أن نفهم ذلك الإقرار من القرآن فهما صحيحا؛ إذ ليس من الضروري لكتاب هداية من هذا القبيل أن يشجب كلّ الوضع الذي كانت الإنسانية عليه قبله ؛ لأنّ الإنسانية مهما تفسد وتنحرف عن طريق الفطرة والأهداف الحقيقيّة الكبرى فهي لا تفسد كلّها بل تبقى في العادة جوانب صالحة في حياة الإنسانية تمثّل فطرة الإنسان أو تجاربه الخيّرة، فمن الطبيعي للقرآن أن يقرّ بعض الجوانب ويشجب أكثر الجوانب في عمليّة التغيير العظيم التي مارسها. وحتّى هذا الذي أقرّه وضعه في إطاره الخاصّ وربطه بأصوله وقطع صلته بالجاهلية وجذورها.
ب) وفي تدرّج القرآن الكريم في التشريع قد يخيّل لمن ينطلق من القاعدة الخاطئة التي تقول ببشرية القرآن أنّ التدرّج بتكامل شخصية الرسول صلّى اللّه عليه وآله أو غير ذلك من الأسباب التي تفترض أنه إيحاء بشري.
غير أنّ الواقع أن هذا التدرّج يرتبط بطبيعة عملية البناء التي يمارسها القرآن؛ لأنّ القرآن لم ينزل ليكون كتابا علميا يدرسه العلماء وإنّما نزل لتغيير الإنسانية وبنائها من جديد على أفضل الاسس، وعملية التغيير تتطلب التدرّج.
ج) وفي القرآن الكريم نجد كثيرا من التشريعات والمفاهيم الحضارية التي كانت متبنّاة من قبل الشرائع السماويّة الاخرى كاليهودية والنصرانية. وقد يخيّل لمن يدرس القرآن على أساس القاعدة الخاطئة بأنّ القرآن قد تأثّر في ذلك بهذه الأديان فانعكس هذا الانفصال بالتالي على القرآن نفسه.
ولكن الواقع - وعلى أساس المفهوم الصحيح - أنّ القرآن يمثّل الإسلام الذي هو امتداد لرسالات السماء وخاتمها. ومن الطبيعي أن تشتمل الرسالة الخاتمة على الكثير مما احتوته الرسالات السماوية السابقة، وتنسخ الجوانب التي لا تتلاءم مع التطوّرات النفسيّة والفكريّة والاجتماعيّة للمرحلة التي وصل إليها الفرد الإنساني بشكل عام؛ لأنّ مصدر الرسالات هذه كلّها شيء واحد وهو اللّه سبحانه، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار إيمان الإسلام بهذه الوحدة في مصدر الرسالات وتأكيده عليها.
ثانيا :
وبعد سلامة القاعدة الأساسية في فهم القرآن وتقييمها يجب أن يتوفّر في المفسّر مستوى رفيع من الاطّلاع على اللغة العربية، ونظامها لأنّ القرآن جاء وفق هذا النظام، فما لم تكن لدينا صورة عن النظام العامّ للّغة العربية لا نستطيع أن نستوعب معاني القرآن، فيحتاج المفسّر إلى الاطّلاع على علم النحو والصرف والبيان وغيرها من العلوم العربية. والقدر اللازم توفّره من هذا الشرط يختلف باختلاف الجوانب التي يريد المفسّر معالجتها من القرآن الكريم. فحين يريد أن يدرس فقه القرآن مثلا، لا يحتاج إلى التعمّق في أسرار اللغة العربية بالدرجة التي يحتاجها المفسّر إذا درس الفن القصصي في القرآن أو المجاز في القرآن مثلا.
ثالثا :
ولا بدّ للمفسّر أن يحاول إلى أكبر درجة ممكنة الاندماج كلّيا في القرآن عند تفسيره. ونقصد بالاندماج في القرآن أن يدرس النص القرآني ويستوحي معناه دون تقيّد سبق باتّجاه معيّن غير مستوحي من القرآن نفسه، كما يصنع كثير من أصحاب المذاهب الذين يحاولون في تفسيرهم إخضاع النصّ القرآني لعقيدتهم المذهبية، فلا يدرسون النصّ ليكتشفوا اتّجاهه بل يفرضون عليه اتّجاههم المذهبي ويحاولون فهمه دائما ضمن اطارهم العقائدي الخاصّ. وهذا ليس تفسيرا وإنّما هو محاولة تبرير للمذهب وتوفيق بينه وبين النص القرآني، ولهذا كان من أهمّ الشروط في المفسّر أن يكون بدرجة من التحرّر الفكري تتيح له الاندماج بالقرآن، وجعله قاعدة لتكوين أي إطار مذهبيّ، بدلا عن جعل الاتّجاه المذهبي المحدود قاعدة لفهم القرآن.
رابعا :
وأخيرا لا بدّ للمفسّر من منهج عام للتفسير، يحدّد فيه عن اجتهاد علمي طريقته في التفسير، ووسائل الإثبات التي يستعملها، ومدى اعتماده على ظهور اللفظ وعلى السّنة وعلى أخبار الآحاد وعلى القرائن العقلية في تفسير النصّ القرآني؛ لأنّ في كلّ واحد من هذه الامور خلافا علميّا ووجهات نظر عديدة، فلا يمكن ممارسة التفسير دون درس تلك الخلافات درسا دقيقا، والخروج من دراستنا بوجهات نظر معيّنة تؤلّف المنهج العام للمفسّر، الذي يسير عليه في تفسيره.
ولمّا كانت تلك الخلافات تتّصل بجوانب من الاصول والكلام والرجال وغيرها كان لزاما على المفسّر لدى وضعه للمنهج ودراسته لتلك الخلافات أن يكون ملمّا إلماما كافيا بتلك العلوم.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|