المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16450 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الخليل ومدرسته الصوتية  
  
15488   01:48 صباحاً   التاريخ: 23-04-2015
المؤلف : محمد حسين الصغير
الكتاب أو المصدر : الصوت اللغوي في القران
الجزء والصفحة : ص39-51.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / أحكام التلاوة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015 5046
التاريخ: 2023-12-22 586
التاريخ: 23-04-2015 8248
التاريخ: 11-10-2014 1684

ذهب أستاذنا الدكتور المخزومي : «أن الخليل أول من التفت إلى صلة الدرس الصوتي بالدراسات اللغوية الصرفية ، الصرفية والنحوية، ولذلك كان للدراسة الصوتية من عنايته نصيب كبير، فقد أعاد النظر في ترتيب الأصوات القديمة، الذي لم يكن مبنيا على أساس منطقي، ولا على أساس لغوي، فرتبها بحسب المخارج في الفم، وكان ذلك فتحا جديدا، لأنه كان منطلقا إلى معرفة خصائص الحروف وصفاتها» (1).

لم تكن هذه الأولية اعتباطية، ولا الحكم بها مفاجئا، فهما يصدران عن رأي رصين لأن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت : 175 هـ) هو أول من وضع الصوت اللغوي موضع تطبيق فني في دراسته اللغوية التي انتظمها كتابه الفريد (العين) بل هو أول من جعل الصوت اللغوي أساس اللغة المعجمي، فكان بذلك الرائد والمؤسس.

لا أريد التحدث عن أهمية كتاب العين في حياة الدرس اللغوي ولكن أود الإشارة أن كتاب العين ذو شقين : الأول المقدمة، والثاني الكتاب بمادته اللغوية وتصريفاته الإحصائية المبتكرة التي اشتملت على المهمل والمستعمل في لغة العرب.

والذي يعنينا في مدرسة الخليل الصوتية مواكبة هذه المقدمة في منهجيتها لتبويب الكتاب، وبيان طريقته في الاستقراء، وإبداعه في‏ ىالاحصاء، ورأيه في الاستنباط ومسلكية التصنيف الجديد، والأهم الذي نصبو إليه «إن مقدمة العين على إيجازها، أول مادة في علم الأصوات دلت على أصالة علم الخليل، وأنه صاحب هذا العلم ورائده الأول» (2).

يبدأ الخليل المقدمة بالصوت اللغوي عند السطر الأول بقوله : «هذا ما ألفه الخليل بن أحمد البصري من حروف :

أ. ب. ت. ث ...» (3).

وأضاف أنه لم يمكنه «أن يبتدئ التأليف من أول : أ، ب، ت، ث،. وهو الألف، لأن الألف حرف معتل، فلما فاته الحرف الأول كره أن يبتدئ بالثاني- وهو الباء- إلا بعد حجة واستقصاء النظر، فدبّر ونظر إلى الحروف كلها، وذاقها فوجد مخرج الكلام كله من الحلق، فصيّر أولاها بالابتداء أدخل حرف في الحلق» (4).

ومعنى هذا أن الخليل قد أحاط بالترتيب (الألفبائي) من عهد مبكر، ولم يشأ أن يبتدئ به مع اهتدائه إليه، لأن أول حرف في هذا النظام حرف معتل، ولا معنى أن يبتدئ بما يليه وهو الباء لأنه ترجيح بلا مرجح، وتقديم دون أساس، فذاق الحروف تجريبيا، فرأى أولاها بالابتداء حروف الحلق، وذاقها مرة أخرى، فرأى (العين) أدخل حرف منها في الحلق، بل في أقصى الحلق.

قال ابن كيسان : (ت : 299 ه-) سمعت من يذكر عن الخليل أنه قال : «لم أبدأ بالهمزة لأنها يلحقها النقص والتغيير والحذف، ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء كلمة لا في اسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة، ولا بالهاء لأنها مهموسة خفية لا صوت لها، فنزلت إلى الحيز الثاني وفيه العين والحاء، فوجدت العين أنصع الحرفين فابتدأت به ليكون أحسن في التأليف» (5).

وإذا صح ما نقله ابن كيسان، وستجد في البحث ما يتعارض معه نوعا ما- فالخليل يعتبر الهمزة والألف في الحيز الأول لاصوات حروف المعجم، ولكنه ينتقل إلى الحيز الثاني فيختار الصوت الأنصع بتذوقه للحرف من مخرجه الصوتي، وهو يوضح طريقته المبدعة بذاك، فيجرد من نفسه معنيا يتكلم عنه، فيقول : «و إنما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف، ثم يظهر الحرف نحو : إب، ات، اع، اغ، فوجد العين أدخل الحروف في الحلق فجعلها أول الكتاب، ثم ما قرب منها الأرفع فالأرفع حتى أتى آخرها وهو الميم» (6).

ومعنى هذا أنه سار مع الحروف مسيرة مختبرية استقرائية، ابتداء من أقصى الحلق، فالحلق، ومرورا بفضائه، فالاسنان، وانتهاء بالشفة فالميم عندها، لأن الميم أرفع حروف الشفة.

وهذا يدل على ذائقة حسية فريدة، وصبر عنيف على الاستنتاج، حتى توصل إلى ما توصل إليه ابتداعا وابتكارا، دون الاستعانة بأي جهاز علمي، إذ لا جهاز آنذاك، وهو ما لم يثبت العلم التشريحي الحديث بكل أجهزته الدقيقة، ومختبراته الضخمة خلافا له فيما يبدو إلا يسيرا (7).

إن الخليل في ذائقته الصوتية هذه، قد قلب حروف العربية، فوضعها في منازل معينة ضمن مخارج صوتية معينة بحسب مدارج مقدرة من أقصى الحلق حتى إطباق الشفة في الميم.

واتضح أن الخليل رحمه اللّه تعالى قد صنف هذه المخارج إلى عشرة أصناف كالآتي :

1- ع، ح، ه، خ، غ.

2- ق، ك.

3- ج، ش، ض.

4- ص، س، ز.

5- ط، د، ت.

6- ظ، ث، ذ.

7- ز، ل، ن.

8- ف، ب، م.

9- و، ا، ي.

10- همزة (8).

ولم يكتف الخليل بهذا التقسيم الفيزولوجي الدقيق بحسب تذوقه الخاص، بل نصّ على تسمية كل قسم من هذه الأقسام، وأفاد اللغات العالمية جمعاء، بأصل من الأصول الأولى في الاصطلاحات الصوتية دون أن يسبقه إلى ذلك سابق، بل عوّل عليه فيه كل لاحق.

لقد حدد الخليل كل صنف من أصناف الحروف المعجمية على بنية صوتية متميزة، تحسها كيانا مستقلا، وتتذوقها قاعدة صلبة، وعلل ذلك على أساس صوتي متكامل، ووعي بأبعاد هذا الأساس، فكوّن بذلك نظاما فريدا غير قابل للرد إذ جاء فيه بضرس قاطع لا يختلف به اثنان، وسيّر ذلك مسيرة نابضة بالحياة لا يلحقها الهرم، ولا تعوزها النضارة، فهي غضة طرية في كل حين، قال الخليل :

«فالعين والحاء والغين والخاء حلقية، لان مبدأها من الحلق.

والقاف والكاف لهويتان، لأن مبدأها من اللهاة.

والجيم والشين والضاد شجرية، لأن مبدأها من شجرة الفم.

والصاد والسين والزاء أسلية، لأن مبدأها من أسلة اللسان.

والطاء والتاء والدال نطعية، لأن مبدأها من نطح الغار الأعلى.

والظاء والذال والثاء لثوية، لأن مبدأها من اللثة.

والراء واللام والنون ذلقية، لأن مبدأها من ذلق اللسان.

والفاء والباء والميم شفوية، لأن مبدأها من الشفة.

والياء والواو والألف والهمزة هوائية في حيز واحد، لأنها لا يتعلق بها شي‏ء (9).

إن هذه التسميات التشخيصية قد نهضت بكيان كل صوت وعادت به إلى نقطة انطلاقه، واهتداء الخليل إليها بذهنه المتوهج فطنة وذكاء، دون مثال يحتذيه عند من سبقه من علماء العربية كنصر بن عاصم الليثي وأبي عمرو بن العلاء لدليل ناصع على موسوعية فذة، وعبقرية لا تقاس بالأشباه، كيف لا وبداية إفاضاته الصوتية مبكرة ومبتكرة.

ختم الخليل هذه المقدمة بما بدأه من ملحظ صوتي ليس غير : «بدأنا في مؤلفنا هذا بالعين، وهو أقصى الحروف، ونضم إليه ما بعده حتى نستوعب كلام العرب الواضح والغريب، وبدأنا الأبنية بالمضاعف لأنه أخف على اللسان، وأقرب مأخذا للمتفهم» (10). ولمّا كانت هذه المتقدمة مشتملة على الإفاضة الصوتية الأولى عند العرب، فإننا نشير إلى بعض ملامحها بإيجاز وتحديد :

1- لقد أدرك الخليل بفطرته الصافية، وحسه المتوقد، أهمية الصوت اللغوي، في الدراسات اللغوية المتخصصة، فأشار إلى أبعادها من ينابيعها الأولى، فوضع يده على الأصول في انطلاق الأصوات من مخارجها الدقيقة، وأفرغ جهده الدءوب في التماس التسميات للمسميات فطبق بها المفصل، وتمكن من استنباط طائفة صالحة من الأسرار الصوتية من هذا الخلال، لذلك فقد كان صحيحا ما توصل إليه محققا العين أن في المقدمة منه «بواكير معلومات صوتية لم يدركها العلم فيما خلا العربية من اللغات إلا بعد قرون عدة من عصر الخليل» (11).

فقد استعمل الخليل كلمة (حرف) للدلالة على إرادة (صوت) منها، فكانت الأصوات عنده هي : الحروف الذلق/ الحروف الشفوية/ حروف الحلق/ حروف أقصى الحلق/ الحروف الصحاح/ الحروف الصم/ حروف الجوف/ حروف اللين/ حروف ما بين عكدة اللسان/ الحروف اللهوية/ الحروف الشجرية/ الحروف الأسلية/ الحروف النّطعية/ الحروف اللثوية ... إلخ‏(12) وهو يريد بذلك، أصوات الذلاقة، وأصوات الشفة، وأصوات الحلق، وأصوات أسلة اللسان. إلخ.

ولا يكتفي بهذا حتى يسمي هذه الأصوات بالإضافة إلى مخارجها ومدارجها، ناظرا إلى هيئة المخرج من المدرج، وما يصطدم بها من أجهزة النطق أو يتجاوزها باندفاع الهواء، فيصفها في مثل النحو الآتي :

فمنها ما يخرج من الجوف وليس لها حيّز تنسب إليه سواه، ومنها ما يقع في مدرجة من مدارج اللسان، وما يقع في مدرجة من مدارج الحلق، وما يقع من مدرج اللهاة، وما هي هوائية، أي أنها في الهواء كالألف اللينة والواو والياء (13).

2- يبتدع الخليل في هذه المقدمة أمرا ذا أهمية قصوى في حياة الأصوات، فيصنع- وبدقة متناهية- مخططا شاملا لمخرج كل صوت، ويقارن بين بعض الأصوات، فيضعها في حيز متميز عن حيز الأصوات الأخرى، ويعطي بعض الخصائص المفرقة لصوت عن صوت، ويعالج إلحاق بعض الأصوات ببعض المخارج دون سواها، فتقف عند العلة والسبب، وتستظهر العلة التي تخفى ولا تكاد تبين، يقول الخليل في هذا التخطيط :

«فأقصى الحروف كلها العين ثم الحاء، ولو لا بحة في الحاء لأشبهت العين لقرب مخرجها من العين.

ثم الهاء، ولو لا هتة في الهاء لأشبهت الحاء لقرب مخرج الهاء من‏ الحاء، فهذه ثلاثة أحرف في حيّز واحد بعضها أرفع من بعض، ثم الخاء والغين في حيّز واحد كلها حلقية.

ثم القاف والكاف لهويتان، والكاف أرفع.

ثم الجيم والشين والضاد في حيّز واحد.

ثم الصاد والسين والزاء في حيّز واحد.

ثم الطاء والدال والتاء في حيّز واحد.

ثم الظاء والذال والثاء في حيّز واحد.

ثم الراء واللام والنون في حيز واحد.

ثم الفاء والباء والميم في حيّز واحد.

ثم الألف والواو والياء في حيّز واحد.

والهمزة في الهواء لم يكن لها حيّز تنسب إليه‏ (14). وأقف عند الهمزة، فهي مختلف فيها، ففي الوقت الذي لا يوجد لها حيّز عند الخليل، إلا فيما نسبه إليه ابن كيسان فيما سبق، نجد سيبويه يبتدئ بها، ويعتبرها من حروف أقصى الحلق‏ (15) . في حين يعتبرها ابن جني أول الحروف مخرجا، ويبتدئ بها (16) . بينما يعدّها الخليل هوائية منبعثة من الرئتين، وقد يوافقه ابن الجزري لأنه يعتبرها صوتا مرققا، سلس النطق، لا مبالغة في تحقيقه‏(17).

والحق أن الهمزة صوت مهموس غير مجهور، وقد ذهب دانيال جونز D.Joenes فيما بين ذلك إلى أنه صوت ليس بالمجهور، ولا هو بالمهموس، وإنما هو حالة بين حالتين.

وذهب هفنر R.M.Heffner إلى أنه صوت مهموس دائما، ويبدو أن لا تعارض بين الرأيين، فكلاهما قد نفي عن الهمزة صفة الجهر، ولكن كلا منهما أصدر حكمه بناء على نظرة إلى الحنجرة تختلف عن نظر الآخر، فجونز قد اعتبر أن للحنجرة ثلاثة أوضاع : الاحتباس، الانفتاح دون ذبذبة، الانفتاح مع الذبذبة، وبذلك تكون الهمزة صوتا لا هو بالمجهور ولا بالمهموس.

أما هفنر فقد اعتبر أن للحنجرة وظيفتين هما : ذبذبة الأوتار الصوتية، وهي صفة الجهر، وعدم ذبذبتها وهي صفة الهمس، ويدخل في حالة عدم الذبذبة احتباس في الحنجرة أو انطلاق فيها في بقية المهموسات، على أن من المسلم به لدى كل منهما : أن الهمزة عبارة عن احتباس في الحنجرة (18).

إن هذا العرض إنما تم لجونز وهفنر بعد تقدم العلم الفيزولوجي الذي أعانهما على فهم جهاز الحنجرة بتفصيلات ذبذبته وعدمها، ومع هذا فقد اختلفا من وجه في الهمزة، أما الخليل فقد عينها حسيا بذاته دون الاستعانة بخبرة تشريحية معقدة، وانبعاثها من الرئتين دون حيّز تنسب إليه، لا يضير معرفته الدقيقة بجهة انطلاقها واصطدامها وخروجها من فضاء الفم، وإذا كان العلم الحديث يميل إلى رأي سيبويه في الموضوع على فرض أن الخليل لم يعتبرها أول الأصوات، فسيبويه تلميذ الخليل وابنه حملة علمه، فالعائدية على الخليل في كلتا الحالتين، وهذا ما يقرب ما نسبه ابن كيسان إلى الخليل في شأن الهمزة، فيبدو لنا أنه لم يبدا بها لأن العين أنصع منها ليس غير.

3- في هذه المقدمة : إشارات صوتية، وإشارات لغوية، وقد يدخل الملحظ الصوتي ضمن الملحظ اللغوي كما فعل الخليل هذا لدى حديثه عن ألف الخماسي باعتبارها ليست أصلية فقال :

«أدخلت هذه الألفات في الأفعال وأمثالها من الكلام لتكون الألف عمادا وسلما للسان إلى حرف البناء، لأن اللسان لا ينطلق بالساكن من الحروف فيحتاج إلى ألف الوصل» (19).

لقد كان بامكان الخليل التصريح بأن هذه الألف من حروف الزيادة، ولكنه لم يفعل، بل أراد وهو معيب بهذه الإرادة، أنها وسيلة لإخراج الصوت، فكأن أي صوت لا يمكن للمعرب أن ينطقه، ولا أن يأخذ الصوت مادته وصفته إلا بعد اعتماده على صوت الألف الأولى قبله، ومن أجل ذلك دعاها عمادا أو سلّما، كما أشار إلى أن إخراج الصوت، وهو ساكن بصفته : محتاج إلى وسيلة إخراجه، لأن اللسان لا ينطلق بالساكن من الحروف، وكانت هذه الوسيلة هي ألف الوصل ‏(20).

والخليل يراعي هذا التمازج الصوتي في اللغة فيحكم أن الاسم لا يكون أقل من ثلاثة أحرف. حرف يبتدأ به، وحرف يحشى به الكلمة، وحرف يوقف عليه، فهذه ثلاثة أحرف، فإن صيرت الثنائي مثل : قد، هل لو، اسما أدخلت عليه التشديد فقلت : هذه لوّ مكتوبة، وهذه قدّ حسنة الكتبة، زدت واوا على واو، ودالا على دال، ثم أدغمت وشدّدت.

فالتشديد علامة الإدغام، والحرف الثّالث ‏(21).

إن هذا الاهتمام السليم في ربط اللغة بالصوت، واعتبار الصوت امتدادا للبنية التركيبة، وأصلا للأفكار المنظورة في اللغة، هو الذي توصل إليه بعد قرون عدة الأستاذ اللغوي فرديناند دي سوسور في أن اللغة فكرة منظمة مقرونة بالصوت من خلال تأمل عنصرين يشتركان في تأدية اللغة لوظيفتها، وهما : الأفكار والأصوات من خلال الربط بينهما كما صنع الخليل.

يقول دي سوسور : «إن المادة الصوتية ليست أكثر ثبوتا، ولا أشد تحديدا من الفكر : وهي ليست قالبا يصب فيه الفكر بالضرورة، بل هي مادة مرنة تنقسم في كل حالة إلى أجزاء متميزة لتوفر الدوال‏Significes   التي يحتاج إليها الفكر. وبذلك يمكن أن نتصور الحقيقة اللغوية في مجملها على أنها سلسلة من التقسيمات المتجاورة التي حددت على مستويين : المستوى غير المحدد للأفكار المكدسة، ومستوى الأصوات.

إن الدور المميز للغة بالنسبة للفكر ليس وسيلة صوتية مادية للتعبير عن الأفكار، بل القيام بوظيفة حلقة الوصل بين الفكر والصوت، في ظروف تؤدي بالضرورة إلى التمييز المتبادل لوحدات الفكر والصوت» (22).

إن هذا المنحنى من التخطيط الصوتي هو الذي يرمي إليه الخليل في مقدمة العين ليخلص إلى صلة التفاعل الحقيقي بين الأفكار والأصوات، بل أنه يحصر ما في كتاب العين من لغة وتصريف واشتقاق بمنطق تذوقه لأصوات حروف المعجم «فإذا سئلت عن كلمة وأردت أن تعرف موضعها، فانظر إلى حروف الكلمة، فمهما وجدت منها واحدا في الكتاب المقدم (يعنى مقدمة العين) فهو ذلك الكتاب» (يعني كتاب العين) (23).

فهو يرى في اللغة امتدادا طبيعيا للأصوات أولا فيربطها بها ارتباط الأصل بالفرع، ونعني بذلك ربط الأصوات أصلا، باللغة باعتبارها متفرعة عن الأصوات.

4- ولعل أهم ما توصل إليه الخليل في علم الأصوات حصره للمعجم العربي بأبعاد صوتية فضلا عن وصف الأصوات منفردة ومجتمعة ومنضمّة إلى سواها. وإني ليمتلكني العجب حينما أجده يضع حدا جديدا، ومعيارا فنيا متوازنا، للكلمات العربية باشتمالها على الحروف الذلق والشفوية، وللكلمات الأعجمية التي لا تشتمل على واحد من حروف الذلاقة والشفة.

هذا المقياس الفني الصوتي لدى الخليل لم يخطئ ولا مرة واحدة حتى في كلمة واحدة، فيا له من مقياس ما أكمله.

يقول الخليل : «فإن وردت عليك كلمة رباعية أو خماسية معرّاة من حروف الذلق أو الشفوية، ولا يكون في تلك الكلمة من هذه الحروف حرف واحد أو اثنان أو فوق ذلك، فاعلم أن تلك الكلمة محدثة مبتدعة، ليست من كلام العرب، لأنك لست واجدا من يسمع من كلام العرب‏ بكلمة واحدة رباعية أو خماسية إلّا وفيها من حروف الذلق أو الشفوية واحد أو اثنان أو أكثر» (24).

فهو هنا وبحس صوتي جامع مانع : يدرأ الدخيل والمعرّب والمولّد والمحدث والمبتدع عن لغة العرب، وتلك ميزة ما بعدها ميزة في هذا الخضم المتلاطم من الكلمات واللغى.

قال الليث : قلت : فكيف تكون الكلمة المولدة المبتدعة غير مشوبة بشي‏ء من هذه الحروف ؟ فقال نحو : (الكشعثج والخضعثج والكشعطج وأشباههن) فهذه مولدات لا تجوز في كلام العرب، لأنه ليس فيهن شي‏ء من حروف الذلق والشفوية فلا تقبلن منها شيئا، وإن أشبه لفظهم وتأليفهم، فإن النحارير منهم ربما أدخلوا على الناس ما ليس في كلام العرب إرادة اللبس والتعنيت» (25).

وليس جديدا بعد العروض السابقة القول بأن الخليل كان ضليعا بكل تفصيلات الجهاز الصوتي عند الإنسان، ولا يضيره- إن صح ما يقال- أن لا يذكر الوترين الصوتيين، لأنه ليس عالما بالتشريح، ولا متخصصا بجراحة الحنجرة، وما اضطلع بمهمة طبية قط، وما ذكره من أجزاء هذا الجهاز فيه الكفاية لعصره إن لم نقل للعصور كافة، لأنه قد تضمن بكثير من الأبعاد الإشارة لهذه المباحث التي تفرغ لها الأوروبيون.

قال جملة من الأساتيذ :

«و من أحسن ما عرض له العرب في دراسة الأصوات ما نجده عند الخليل من وصف الجهاز الصوتي، وهو الحلق والفم إلى الشفتين، وتقسيمه إياه إلى مناطق ومدارج يختص كل منها بحرف أو مجموعة حروف، وما أشار إليه من ذوق الحروف لبيان حقيقة المخرج، فقد هدى بذكائه المتفوق في ذلك إلى مقاييس صحيحة أقرّ كثيرا منها علماء الأصوات المحدثون» (26).

لقد اهتم علماء الأصوات المحدثون بوصف الجهاز الصوتي، وبيان وظيفته في تفصيل دقيق استعانوا على تحقيقه بعلم الصوت الفسملجي، فأعطوا ثمرات جيدة ومفيدة، ولكنها لا تختلف إلا قليلا عن معطيات قدماء العرب، ولقد اقتصر العالم اللغوي دي سوسور (1857- 1913 م) أبرز لغوي أوروبي في العصر الحديث، اقتصر في وصفه لجهاز الصوت على تجويف الأنف، وتجويف الفم، والحنجرة بما في ذلك فتحة لسان المزمار الواقعة بين الوترين الصوتيين، وكانت المفردات التي أخضعها للدراسة عبارة عن الشفتين ، واللسان ، والأسنان العليا ، والحنك ، واللهاة.

يقول دي سوسور : «إن فتحة لسان المزمار تتألف من عضلتين موازيتين، أو حبلين صوتيين ، تفتح كلما ابتعدت العضلتان، بعضهما عن بعض، وتغلق عند ما تقتربان، وعند ما تتسع الفتحة تسمح بدخول الهواء بحرية كاملة فلا يحدث أي تذبذب في الوترين الصوتيين. في حين يحدث مثل هذا التذبذب (الصوت) عند ما تكون الفتحة ضيقة. وليس لهذه العملية في إخراج الأصوات بديل عادة.

إن التجويف الأنفي عضو غير متحرك، ولا يمكن إيقاف تدفق الهواء فيه إلا برفع اللهاة. فهو عبارة عن باب مفتوح أحيانا.

أما تجويف الفم ، فالاحتمالات التي يوفرها أكثر : إذ يمكن استخدام الشفتين لزيادة طول القناة (تجويف الفم) كما يمكن دفع الفكين إلى الخارج أو تقليصهما نحو الداخل. وللشفتين واللسان حركات كثيرة مختلفة يمكن استخدامها، ويتناسب دور هذه الأعضاء في إخراج الأصوات تناسبا طرديا مع مرونة حركتها، فالحنجرة والتجويف الأنفي ثابتان، لهما وظيفة ثابتة ... ويستطيع المرء أن يخرج صوتا حنجريا بشد الوترين الصوتيين، ولكن الحنجرة لا تستطيع أن تخرج أصواتا متنوعة ... أما القناة الأنفية فليس لها من وظيفة في النطق سوى إحداث رنين للذبذبات الصوتية ...

وعلى العكس من ذلك يسهم تجويف الفم في إخراج الأصوات وإحداث الرنين.

وموجز القول : إن العناصر التي تسهم في إخراج الأصوات هي :

الهواء إلى الخارج، والنطق في الفم، وتذبذب في منطقة الحنجرة، والرنين الأنفي‏ (27).

إذن : اندفاع الهواء من الرئتين+ النطق في الفم+ التّصويت في الحنجرة+ الرنين في الأنف - إحداث الأصوات.

بهذا أعطى دي سوسور تفصيلا مكثفا لإحداث الأصوات وتوليدها من أجهزتها، ولكن هذا التفصيل لم يكن ليتأتى له لو لا تطور الدراسات الصوتية فسلجيا وفيزيائيا وتشريحيا، أما الخليل فقد اهتدى لذلك فطريا على وجه العموم، واكتشف ولأول مرة كل التفصيلات الصحيحة لجهاز النطق وإحداث الصوت بذهنيته الوقادة دون الاستعانة بأي علم يتسع لمثل إبداعاته الصوتية في بيئته البدوية.

ولم يكن فهم الخليل لأبعاد إحداث الأصوات بمنأى عن الفهم عند دي سوسور، بل لقد زاد عليه - كما عرفت سابقا- في كثير من الخصوصيات الانطلاقية لهذه الأجزاء- التي قد تعتبر أولية في مدرسته الصوتية- تنم عن إدراك متكامل للموضوع، وتمرس عميق في قضايا صوتية معقدة.

______________________________
(1) المخزومي ، في النحو العربي ، قواعد وتطبيق : 4

(2)- مقدمة التحقيق لكتاب العين : 1/ 10.

(3) الخليل : كتاب العين : 1/ 47.

(4) نفس المصدر : 1/ 47.

(5) السيوطي : المزهر : 1/ 90.

(6) الخليل، كتاب العين : 1/ 47.

(7) ظ : المؤلف ، منهج البحث الصوتي عند العربي : نقد وتحليل : «بحث».

(8) الخليل ، كتاب العين : 1/ 48.

(9) الخليل ، كتاب العين : 1/ 58.

(10) المصدر نفسه : 1/ 60.

(11) ظ : مقدمة التحقيق لكتاب العين : 1/ 10.

(12- 13) ظ : الخليل ، كتاب العين : 1/ 53- 57.

(14) ظ : كتاب العين : 1/ 57- 58.

(15) ظ : سيبويه ، الكتاب : 2/ 405.

(16) ظ : ابن جني، سر صناعة الأعراب : 1/ 50.

(17) ظ : ابن الجزري، النشر في القراءات العشر : 1/ 216.

(18) ظ : عبد الصبور شاهين، أثر القراءات في الأصوات : 167 وما بعدها.

(19) الخليل، العين : 1/ 49.

(20) ظ : مقدمة التحقيق لكتاب العين : 1/ 11.

(21) ظ : الخليل ، العين : 1/ 49- 50.

(22) دي سوسور : علم اللغة العام : 131 وما بعدها.

(23) ظ : الخليل ، كتاب العين : 1/ 47.

(24) الخليل ، كتاب العين : 1/ 52.

(25) المصدر نفسه : 1/ 52 وما بعدها

(26) مصطفى السقا وآخرون ، مقدمة تحقيق سر صناعة الأعراب : 1/ 13.

(27) دي سوسور، علم اللغة العام : 60. 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



اختتام الأسبوع الثاني من الشهر الثالث للبرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسية
راية قبة مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) تتوسط جناح العتبة العباسية في معرض طهران
جامعة العميد وقسم الشؤون الفكرية يعقدان شراكة علمية حول مجلة (تسليم)
قسم الشؤون الفكريّة يفتتح باب التسجيل في دورات المواهب