المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23



تفسير الآية (63-77) من سورة الفرقان  
  
68381   03:48 مساءً   التاريخ: 19-9-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الفاء / سورة الفرقان /

قال تعالى : {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْو مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } [الفرقان : 63 - 77] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {وعباد الرحمن} يريد أفاضل عباده وهذه إضافة التخصيص والتشريف كما يقال ابني من يطيعني أي ابني الذي أنا عنه راض ويكون توبيخا لأولاده الذين لا يطيعونه {الذين يمشون على الأرض هونا} أي بالسكينة والوقار والطاعة غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين ولا مفسدين عن ابن عباس ومجاهد وقال أبوعبد الله (عليه السلام) هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر وقيل معناه حلماء علماء لا يجهلون وإن جهل عليهم عن الحسن وقيل أعفاء أتقياء عن الضحاك .

{وإذا خاطبهم الجاهلون} بما يكرهونه أو يثقل عليهم {قالوا} في جوابه {سلاما} أي سدادا من القول لا يقابلونهم بمثل قولهم من الفحش عن مجاهد وقيل سلاما أي قولا يسلمون فيه من الإثم أو سلموا عليهم دليله قوله وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم وقال قتادة كانوا لا يجاهلون أهل الجهل وقال ابن عباس لا يجهلون مع من يجهل قال الحسن هذه صفة نهارهم إذا انتشروا في الناس وليلهم خير ليل إذا خلوا فيما بينهم وبين ربهم يراوحون بين أطوافهم وهو قوله .

{والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} قال الزجاج كل من أدركه الليل فقد بات نام أولم ينم والمعنى يبيتون لربهم بالليل في الصلاة ساجدين وقائمين طالبين لثواب ربهم فيكونون سجدا في مواضع السجود وقياما في مواضع القيام {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} أي يدعون بهذا القول وغراما أي لازما ملحا دائما غير مفارق {إنها ساءت مستقرا ومقاما} أي إن جهنم بئس موضع قرار وإقامة هي {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} واختلف في معنى الإسراف فقيل هو النفقة في المعاصي والإقتار الإمساك عن حق الله تعالى عن ابن عباس وقتادة وقيل السرف مجاوزة الحد في النفقة والإقتار التقصير عما لا بد منه عن إبراهيم النخعي وروي عن معاذ أنه قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فقال ((من أعطى في غير حق فقد أسرف ومن منع عن حق فقد قتر)) . وروي عن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة أنه قال ليس في المأكول والمشروب سرف وإن كثر .

{وكان بين ذلك قواما} أي وكان إنفاقهم بين الإسراف والإقتار لا إسرافا يدخلون به في حد التبذير ولا تضييقا يصيرون به في حد المانع لما يجب وهذا هو المحمود والقوام من العيش ما أقامك وأغناك وقيل القوام بالفتح وهو العدل والاستقامة وبالكسر ما يقوم به الأمر ويستقر عن تغلب وقال أبوعبد الله (عليه السلام) القوام هو الوسط وقال (عليه السلام) أربعة لا يستجاب لهم دعوة رجل فاتح فاه جالس في بيته فيقول يا رب ارزقني فيقول له أ لم آمرك بالطلب ورجل كانت له امرأة يدعو عليها يقول يا رب أرحني منها فيقول أ لم أجعل أمرها بيدك ورجل كان له مال فأفسده فيقول يا رب ارزقني فيقول أ لم آمرك بالاقتصاد ورجل كان له مال فأدانه بغير بينة فيقول أ لم آمرك بالشهادة .

{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} أي لا يجعلون لله سبحانه شريكا بل يوجهون عبادتهم إليه وحده {ولا يقتلون النفس التي حرم الله} أي حرم الله قتلها {إلا بالحق} والنفس المحرم قتلها نفس المسلم والمعاهد والمستثناة قتلها نفس الحربي ومن يجب قتلها على وجه القود والارتداد أو للزنا بعد الإحصان وللسعي في الأرض بالفساد {ولا يزنون} والزنا هو الفجور بالمرأة في الفرج وفي هذا دلالة على أن أعظم الذنوب بعد الشرك القتل والزنا وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما بالإسناد عن عبد الله بن مسعود قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : أي الذنب أعظم؟ قال إن تجعل لله ندا وهو خلقك قال قلت ثم أي؟ قال إن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال قلت ثم أي؟ قال إن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تصديقها {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} الآية .

{ومن يفعل ذلك} قال مقاتل هذه الخصال جميعا {يلق أثاما} أي عقوبة وجزاء لما فعل قال الفراء أثمه الله يأثمه إثما وأثاما أي جزاه جزاء الإثم وقال الشاعر :

 

وهل يأثمني الله في أن ذكرتها *** وعللت أصحابي بها ليلة النفر (2)

 

وقيل إن أثاما اسم واد في جهنم عن عبد الله بن عمر وقتادة ومجاهد وعكرمة ثم فسر سبحانه لقي الآثام بقوله {يضاعف له العذاب يوم القيامة} يريد سبحانه مضاعفة أجزاء العذاب لا مضاعفة الاستحقاق لأنه تعالى لا يجوز أن يعاقب بأكثر من الاستحقاق لأن ذلك ظلم وهومنفي عنه وقيل معناه أنه يستحق على كل معصية منها عقوبة فيضاعف عليه العقاب وقيل المضاعفة عذاب الدنيا وعذاب الآخرة عن قتادة {ويخلد فيه مهانا} أي ويدوم في العذاب مستحقا به وإنما قال ذلك لأنه عز اسمه قد يوصل الآلام إلى بعض المكلفين لا على وجه الاستخفاف والإهانة فبين أنه يوصل العقاب إليهم على وجه الإهانة .

ثم استثنى من جملتهم التائب بقوله {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال قتادة إلا من تاب من ذنبه وآمن بربه وعمل عملا صالحا فيما بينه وبين ربه قال والتبديل في الدنيا طاعة الله بعد عصيانه وذكر الله بعد نسيانه والخير يعمله بعد الشر وقيل يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام بالشرك إيمانا وبقتل المؤمنين قتل المشركين وبالزنا عفة وإحصانا عن ابن عباس ومجاهد والسدي وقيل إن معناه أن يمحوالسيئة عن العبد ويثبت له بدلها الحسنة عن سعيد بن المسيب ومكحول وعمرو بن ميمون واحتجوا بالحديث الذي رواه مسلم في الصحيح مرفوعا إلى أبي ذر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه ونحوا عنه كبارها فيقال عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول أن لي ذنوبا ما أراها هاهنا قال ولقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ضحك حتى بدت نواجذه)) . {وكان الله غفورا} أي ساترا لمعاصي عباده {رحيما} أي منعما عليهم بالرحمة الفضل .

ثم قال سبحانه {ومن تاب} أي أقلع عن معاصيه وندم عليها {وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} أي يرجع إليه مرجعا عظيما جميلا وفرق علي بن عيسى بين التوبة إلى الله والتوبة من القبيح لقبحه بأن التوبة إلى الله تقتضي طلب ثوابه وليس كذلك التوبة من القبيح لقبحه فعلى هذا يكون المعنى من عزم على التوبة من المعاصي فإنه ينبغي أن يوجه توبته إلى الله بالقصد إلى طلب جزائه ورضائه عنه فإنه يرجع إلى الله فيكافيه وقيل معناه من تاب وعمل صالحا فقد انقطع إلى الله فاعرفوا ذلك له فإن من انقطع إلى خدمة بعض الملوك فقد أحرز شرفا فكيف المنقطع إلى الله سبحانه .

ثم عاد سبحانه إلى وصف عباده المخلصين فقال {والذين لا يشهدون الزور} أي لا يحضرون مجالس الباطل ويدخل فيه مجالس الغناء والفحش والخنا وقيل الزور الشرك عن الضحاك قال الزجاج الزور في اللغة الكذب ولا كذب فوق الشرك بالله وقيل الزور أعياد أهل الذمة كالشعانين(3) وغيرها عن محمد بن سيرين وقيل هو الغناء عن مجاهد وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) وقيل يعني شهادة الزور عن علي بن أبي طلحة فيكون المراد أنهم لا يشهدون شهادة الزور فحذف المضاف وكان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ويسخم وجهه ويطوف به في السوق وأصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنه حق .

{وإذا مروا باللغو مروا كراما} واللغو المعاصي كلها أي مروا به مر الكرماء الذين لا يرضون باللغو لأنهم يجلون عن الدخول فيه والاختلاط بأهله عن الحسن والكلبي والتقدير إذا مروا بأهل اللغو وذوي اللغو مروا منزهين أنفسهم معرضين عنهم فلم يجاروهم فيه ولم يخوضوا معهم في ذلك فهذه صفة الكرام يقال تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكرم نفسه عنه وقيل مرورهم كراما هو أن يمروا بمن يسبهم فيصفحون عنه وبمن يستعين بهم على حق فيعينونه وقيل هم الذين إذا أرادوا ذكر الفرج كنوا عنه عن أبي جعفر (عليه السلام) ومجاهد وأصل اللغو هو الفعل الذي لا فائدة فيه ولهذا يقال للكلمة التي لا تفيد لغو وليس المراد به القبيح فإن فعل الساهي والنائم لغو وليس بحسن ولا قبيح إلا ما يتعدى إلى الغير على الخلاف فيه .

{والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا} أي إذا وعظوا بالقرآن والأدلة التي نصبها الله لهم نظروا فيها وتفكروا في مقتضاها ولم يقعوا عليها صما كأنهم لم يسمعوها وعميانا كأنهم لهم يروها لكنهم سمعوها وأبصروها وانتفعوا بها وتدبروا لها قال الحسن كم من قارىء يقرؤها فخر عليها أصم وأعمى وقال الأخفش {لم يخروا عليها} أي لم يقيموا وقال ابن قتيبة لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها وعمي لم يروها {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} أي اجعل أزواجنا وذرياتنا قرة أعين بأن نراهم يطيعون الله عن الحسن وقيل معناه ارزقنا من أزواجنا أولادا ومن ذريتنا أعقابا قرة أعين أي أهل طاعة تقر بهم أعيننا في الدنيا بالصلاح وفي الآخرة بالجنة .

{واجعلنا للمتقين إماما} أي اجعلنا ممن يقتدي بنا المتقون طلبوا العز بالتقوى لا بالدنيا وقيل معناه اجعلنا نأتم بمن قبلنا حتى يأتم أي يقتدي بنا من بعدنا وعلى هذا فيجوز أن يكون اللام في اللفظ في المتقين وفي المعنى في نا والتقدير واجعل المتقين لنا إماما ومثله قول الشاعر

((كأننا رعن قف يرفع الآلا)) (4) والتقدير يرفعه الآل ثم أخبر سبحانه عن جميع هذه الأوصاف فقال {أولئك يجزون الغرفة} أي يثابون الدرجة الرفيعة في الجنة {بما صبروا} على أمر ربهم وطاعة نبيهم وعلى مشاق الدنيا وصعوبة التكليف وقيل هي غرف الزبرجد والدر والياقوت عن عطا والغرفة في الأصل بناء فوق بناء وقيل الغرفة اسم لأعلى منازل الجنة وأفضلها كما أنها في الدنيا أعلى المساكن .

{ويلقون فيها تحية وسلاما} أي تتلقاهم الملائكة فيها بالتحية وهي كل قول يسر به الإنسان وبالسلام بشارة لهم بعظيم الثواب وقيل التحية الملك العظيم والسلام جميع أنواع السلامة وقيل التحية البقاء الدائم وقال الكلبي يحيي بعضهم بعضا بالسلام ويرسل إليهم الرب بالسلام {خالدين} أي مقيمين {فيها} من غير موت ولا زوال {حسنت} الغرفة {مستقرا ومقاما} أي موضع قرار واستقامة {قل} يا محمد {ما يعبؤ بكم ربي} أي ما يصنع بكم ربي عن مجاهد وابن زيد وقيل ما يبالي بكم ربي عن أبي عمرو بن العلاء وما لا يعبأ به فوجوده وعدمه سواء .

{لولا دعاؤكم} أي لولا دعاؤه إياكم إلى الدين والإسلام عن ابن عباس فيكون المصدر مضافا إلى المفعول والمعنى قل للمشركين ما يفعل بكم ربي أي أي نفع له فيكم وأي ضرر يعود إليه من عدمكم وأي قدر لكم عند الله حتى يدعوكم إلى الإيمان لكن الواجب في الحكمة دعاؤكم إلى الدين وإرسال الرسول وقد فعل وقيل معناه لولا عبادتكم له وإيمانكم به وتوحيدكم إياه عن الكلبي ومقاتل والزجاج فيكون الدعاء بمعنى العبادة وفي هذا دلالة على أن من لا يعبد الله ولا يطيعه فلا وزن له عند الله وقيل معناه ما يعبأ بعذابكم ربي لولا دعاء بعضكم بعضا إلى الشرك والشر عن البلخي ودليله ما يفعل الله بعذابكم الآية وقيل معناه لولا دعاؤكم له إذا مسكم ضر أوأصابكم سوء رغبة له وخضوعا له وروى العياشي بإسناده عن يزيد بن معاوية العجلي قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) كثرة القراءة أفضل أم كثرة الدعاء أفضل قال كثرة الدعاء أفضل وقرأ هذه الآية {فقد كذبتم} الخطاب لأهل مكة أي أن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم يا معاشر الكفار الرسول {فسوف يكون لزاما} أي فسوف يكون عقابه لتكذيبكم إياه لازما لكم قال صخر الغي :

 

فأما ينجوا من حتف أرضي *** فقد لقيا حتوفهما لزاما (5)

 

 أي أنه واقع لا محالة قال الزجاج تأويله فسوف يكون تكذيبكم لزاما يلزمكم فلا تعطون التوبة وتلزمكم به العقوبة وقال أبو عبيدة لزاما فيصلا وقيل في تفسير اللزام أنه القتل يوم بدر عن ابن مسعود وأبي بن كعب وقيل هو عذاب الآخرة وقال أبو ذؤيب في اللزام :

 

ففاجأه بعادية لزام *** كما يتفجر الحوض اللقيف (6)

 

 فلزام معناه كثيرة يلزم بعضها بعضا ولقيف متساقط متهدم وبالله التوفيق .

________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص310-317 .

2- قائله : صعيب بن الاسود . يعني هل يجزيني الله جزاء اثمي بأن ذكرت هذه المرأة في غنائي . وليلة النفر : ليلة الخروج من (منى) الى (مكة) .

3- الشعابين : عيد معروف للنصارى قبل عيدهم الكبير بأسبوع ، كما قاله ابن الاثير في (النهاية) .

4- عجز بيت للنابغة . وصدره : ((حتى لحقنا بهم تعدى فوارسنا)) . والرعن : الانف العظيم من الجبل تراه متقدما . والقف : ما ارتفع من الارض وغلظ . والآل : السراب .

5- الحتف : الموت .

6- العادية : جماعة القوم يعدون للقتال . يصف كثرة الجيش ، وشبهها بحوض متهدم ، يتفجر الماء من جوانبه .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

بعد أن ذكر سبحانه صفات الكافرين ، وتوعدهم عليها ذكر - على عادته - صفات المؤمنين وما أعده لهم عليها من الأجر والثواب ، وهذه هي صفاتهم :

1 - {وعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} . قال الإمام جعفر الصادق في تفسير ذلك : {هو الرجل يمشي على سجيته التي جبل عليها ، لا يتكلف ولا يتصنع} . أجل ، على سجيته يمشي من غير تصنع . . ومنفردا ، لا حواشي وأتباع من خلفه ، ولا خدم وحشم من أمامه يركبون الخيول أو الدراجات النارية التفسير الكاشف ، ج ٥ ، محمد جواد مغنية ، ص ٤٨٢ تزعج الناس بأصواتها إعلانا عن مقدمه ليفسحوا له ويصفقوا إجلالا وتعظيما .

2 - {وإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً} . المراد بخطاب الجاهلين سفاهة السفهاء ، كهزئهم أو شتمهم أو جدالهم بالهوى والغرض . . وسلاما كناية عن تجاهلهم والإعراض عنهم استخفافا بشأنهم ، وترفعا عما لا يليق بالرجل الكريم ، والمعنى ان المؤمن إذا سمع كلمة السوء تجاهلها حتى كأنه لم يسمعها أو كأن المقصود بها غيره ، وهذا هو الهجر الجميل المراد بقوله تعالى : {واصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ واهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل - 10] . وليس من شك ان الإعراض عن السفيه انما يحسن حيث لا قوة تردعه وإلا وجب تأديبه ، ولا بد من تقييد الآية بذلك .

3 - {والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وقِياماً} . يبيتون أي يدركهم الليل .

والمؤمنون ينصرفون في ظلمة الليل إلى اللَّه وعبادته ، لأنها أبعد عن الرياء ، ولا يقضون الليالي في المقاهي والملاهي ، وتبذير الأموال ، وتدبير المؤامرات ضد المؤمنين والمخلصين ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : {كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وبِالأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات - 19] .

4 - {والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً} لازما لا مفر منه ، ودائما لا تحوّل عنه {إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقاماً} . آمنوا بالجنة والنار ايمانهم بما شاهدوا وعاينوا ، فخافوا من هذه ، وطمعوا في تلك ، قال الإمام علي (عليه السلام) في وصفهم : فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون .

5 - {والَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا وكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً} لا افراط ولا تفريط ، لا تقتير ولا تبذير ، بل وسط واعتدال ، وهذا هو نهج الإسلام الاعتدال في كل شيء ، لا إلحاد ولا تعدد آلهة ، ولا دكتاتورية ولا فوضى ، ولا إلغاء ملكية ولا ملكية طاغية . انظر تفسير الآية 29 من سورة الإسراء ، فقرة (الإسلام ونظرية الأخلاق) .

6 - {والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ} ومن عمل رياء أو أطاع مخلوقا في معصية الخالق فهو كمن دعا مع اللَّه إلها آخر . {ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} . والنفس التي تقتل بالحق والعدل هي التي قتلت نفسا بغير الحق ، أوزنت عن إحصان ، أو ارتدت عن دين الحق ، أوسعت في الأرض فسادا والتفصيل في كتب الفقه . {ولا يَزْنُونَ} لأن الزنا من أكبر الكبائر ، ولذا ساوى اللَّه سبحانه بينه وبين الشرك باللَّه ، وقتل النفس ، وجعل حكم الثلاثة القتل بالشروط التي ذكرها الفقهاء {ومَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً} . ذلك إشارة إلى الشرك والقتل والزنا ، والآثام العقوبة {يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً} . وأي عذاب وهوان أشد من عذاب جهنم ؟ فكيف إذا كان مضاعفا مع الخلود إلى ما لا نهاية .

{إِلَّا مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} . من تاب عن الذنب كمن لا ذنب له ، وفوق ذلك يثيبه اللَّه على التوبة ، ويعطيه من الحسنات ما يعادل سيئات ذنوبه ، بحيث تمحو حسنات التوبة سيئات الذنوب : {إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} [هود - 116] ، وهذا هو معنى قوله تعالى : {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ} فإن السيئة بما هي لا تستحيل إلى حسنة ، ولا الحسنة بما هي تستحيل إلى سيئة {ومَنْ تابَ وعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً} بعد ان بين سبحانه في الآية السابقة انه يثيب التائب ثواب المحسنين أثنى عليه في هذه الآية بأنه قد رجع إلى خالقه رجوعا حسنا ، وتدارك ما كان منه .

7 - {والَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وإِذا مَرُّوا بِاللَّغْو مَرُّوا كِراماً} . المراد بالشهادة هنا الحضور مثلها في قوله تعالى : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة - 184] . والمراد بالزور الباطل ، وباللغو كل ما لا خير فيه ، والمعنى ان المؤمنين لا يحضرون مجالس الباطل ، ولا يعينون أحدا عليه ، وبالأولى أن لا يفعلوه ، ولا يشتركوا في كلام لا خير فيه ، وإذا مروا به كرّموا أسماعهم عنه ، كما نزهوا ألسنتهم عن التفوه به ، تماما كالنحلة تسرع إذا مرت بالجيف والروائح الكريهة .

8 - {والَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وعُمْياناً} . الشاعر يصغي إلى الشعر ، ويتذوقه ، ويقبل عليه بكله . . وهكذا كل صاحب مهنة إذا حدثته بمهنته واختصاصه ، فإنه يقبل عليك بقلبه وسمعه وبصره . . وإذا حدثت إنسانا بما هو بعيد عنه ، ولا يمت إلى مهنته بصلة تحول عنك وعن حديثك ، وان كان هدى ونورا . . وبهذا يتبين لك السر في اقبال المؤمن على القرآن ، وإدبار الكافر عنه ، يقبل المؤمن على كتاب اللَّه لأنه يؤمن به ، ويدرك معناه ومرماه ، ويجد فيه نفسه وعقيدته وصالح أعماله ، وما أعده اللَّه له من الأجر والثواب ، ويدبر الكافر عن كتاب اللَّه لأنه يجحده ، ويجهل أهدافه وأسراره ، ولا يجد فيه إلا الذم والتنديد به وبعقيدته وصفاته ، والا التهديد على كفره وفساده .

9 - {والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً} . يتمنى الشقي الفاجر أن يقتدي به الناس لا اقتناعا منه بأنه على هدى من ربه . . كلا ، بل لتخف عنه المذمة والملامة ، ويبرر خطيئته بكثرة المخطئين ، ولذا لا يحب ان يكون أولاده وزوجته على شاكلته ، تماما كما لا يحب المريض أن يصاب أهله بدائه . . أما البر التقي فهو على يقين من دينه وبصيرة من أمره ، ولذا يتمنى من أعماق قلبه مبدأ وعقيدة أن يسير جميع الناس على نهجه ، وأن يكون أولاده على شاكلته يفرح بدينهم وسلوكهم ، ويتضاعف بهم عدد المتقين والمطيعين . . فالمخلصون يسألون خالقهم أن يجعلهم قدوة لمن رغب في تقوى اللَّه لا ليبرروا أعمالهم عند الناس ، ولا طلبا للجاه في الدنيا وقبض الأموال باسم حقوق اللَّه ، بل رغبة في عظيم المنزلة عند اللَّه وحده .

{أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ويُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقاماً} . بعد أن بيّن سبحانه أوصاف المتقين ذكر ان جزاءهم عنده الخلود في الهناء والنعيم ، والأمن والأمان مع التوقير والاحترام . . وخص الصبر بالذكر للإشارة إلى أن كل محق لا بد أن يلاقي الأذى والعناء من المبطلين ، وان ثواب اللَّه لا يظفر به إلا من صمد وصبر واستمر على مبدئه وعقيدته مهما كان الثمن ويكون .

{قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَولا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً} . المراد بالدعاء هنا ان اللَّه سبحانه دعا المشركين بلسان نبيه إلى الايمان والطاعة ، والدليل على أن هذا هو المراد بالدعاء قوله تعالى : {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} فهو مثل : {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} . والمعنى لستم عند اللَّه أيها المشركون بشيء يستحق العناية والذكر لولا شيء واحد ، وهو دعوتكم إلى الايمان والطاعة كي تلزمكم الحجة عند الحساب والجزاء إذا لم تسمعوا وتطيعوا ، وقد أعرضتم عن الدعوة وكذبتم الداعي ، فحقت عليكم كلمة العذاب ، وأصبح عقابكم لازما ، لا مفر منه .

______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص481-485 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

تذكر الآيات من محاسن خصال المؤمنين ما يقابل ما وصف من صفات الكفار السيئة ويجمعها أنهم يدعون ربهم ويصدقون رسوله والكتاب النازل عليه قبال تكذيب الكفار لذلك وإعراضهم عنه إلى اتباع الهوى ، ولذلك تختتم الآيات بقوله : {قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما} وبه تختتم السورة .

قوله تعالى : {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} لما ذكر في الآية السابقة استكبارهم على الله سبحانه وإهانتهم بالاسم الكريم : الرحمن ، قابله في هذه الآية بذكر ما يقابل ذلك للمؤمنين وسماهم عبادا وأضافهم إلى نفسه متسميا باسم الرحمن الذي كان يحيد عنه الكفار وينفرون .

وقد وصفتهم الآية بوصفين من صفاتهم : أحدهما : ما اشتمل عليه قوله : الذين يمشون على الأرض هونا} والهون على ما ذكره الراغب التذلل ، والأشبه حينئذ أن يكون المشي على الأرض كناية عن عيشتهم بمخالطة الناس ومعاشرتهم فهم في أنفسهم متذللون لربهم ومتواضعون للناس لما أنهم عباد الله غير مستكبرين على الله ولا مستعلين على غيرهم بغير حق ، وأما التذلل لأعداء الله ابتغاء ما عندهم من العزة الوهمية فحاشاهم وإن كان الهون بمعنى الرفق واللين فالمراد أنهم يمشون من غير تكبر وتبختر .

وثانيهما : ما اشتمل عليه قوله : {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} أي إذا خاطبهم الجاهلون خطابا ناشئا عن جهلهم مما يكرهون أن يخاطبوا به أو يثقل عليهم كما يستفاد من تعلق الفعل بالوصف أجابوهم بما هو سالم من القول وقالوا لهم قولا سلاما خاليا عن اللغو والإثم ، قال تعالى : { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا } [الواقعة : 25 ، 26] ، ويرجع إلى عدم مقابلتهم الجهل بالجهل .

وهذه - كما قيل - صفة نهارهم إذا انتشروا في الناس وأما صفة ليلهم فهي التي تصفها الآية التالية .

قوله تعالى : {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} البيتوتة إدراك الليل سواء نام أم لا ، و{لربهم} متعلق بقوله : {سجدا} والسجد والقيام جمعا ساجد وقائم ، والمراد عبادتهم له تعالى بالخرور على الأرض والقيام على السوق ، ومن مصاديقه الصلاة .

والمعنى : وهم الذين يدركون الليل حال كونهم ساجدين فيه لربهم وقائمين يتراوحون سجودا وقياما ، ويمكن أن يراد به التهجد بنوافل الليل .

قوله تعالى : {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} الغرام ما ينوب الإنسان من شدة أو مصيبة فيلزمه ولا يفارقه والباقي ظاهر .

قوله تعالى : {إنها ساءت مستقرا ومقاما} الضمير لجهنم والمستقر والمقام اسما مكان من الاستقرار والإقامة ، والباقي ظاهر .

قوله تعالى : {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما{ ، الإنفاق بذل المال وصرفه في رفع حوائج نفسه أو غيره ، والإسراف الخروج عن الحد ولا يكون إلا في جانب الزيادة ، وهو في الإنفاق التعدي عما ينبغي الوقوف عليه في بذل المال ، والقتر بالفتح فالسكون التقليل في الإنفاق وهو بإزاء الإسراف على ما ذكره الراغب ، والقتر والإقتار والتقتير بمعنى .

والقوام بالفتح الواسط العدل ، وبالكسر ما يقوم به الشيء وقوله : {بين ذلك} متعلق بالقوام ، والمعنى : وكان إنفاقهم وسطا عدلا بين ما ذكر من الإسراف والقتر فقوله : {وكان بين ذلك قواما تنصيص على ما يستفاد من قوله {إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا{ ، فصدر الآية ينفي طرفي الإفراط والتفريط في الإنفاق ، وذيلها يثبت الوسط .

قوله تعالى : {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى آخر الآية هذا هو الشرك وأصول الوثنية لا تجيز دعاءه تعالى وعبادته أصلا لا وحده ولا مع آلهتهم وإنما توجب دعاء آلهتهم وعبادتهم ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده .

فالمراد بدعائهم مع الله إلها آخر إما التلويح إلى أنه تعالى إله مدعو بالفطرة على كل حال فدعاء غيره دعاء لإله آخر معه وإن لم يذكر الله .

أو أنه تعالى ثابت في نفسه سواء دعي غيره أم لا فالمراد بدعاء غيره دعاء إله آخر مع وجوده وبعبارة أخرى تعديه إلى غيره .

أو إشارة إلى ما كان يفعله جهلة مشركي العرب فإنهم كانوا يرون أن دعاء آلهتهم إنما ينفعهم في البر وأما البحر فإنه لله لا يشاركه فيه أحد فالمراد دعاؤه تعالى في مورد كما عند شدائد البحر من طوفان ونحوه ودعاء غيره معه في مورد وهو البر ، وأحسن الوجوه أوسطها .

وقوله : {ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} أي لا يقتلون النفس الإنسانية التي حرم الله قتلها في حال من الأحوال إلا حال تلبس القتل بالحق كقتلها قصاصا وحدا .

وقوله تعالى : {ولا يزنون} أي لا يطئون الفرج الحرام وقد كان شائعا بين العرب في الجاهلية ، وكان الإسلام معروفا بتحريم الزنا والخمر من أول ما ظهرت دعوته .

وقوله : {ومن يفعل ذلك يلق أثاما} الإشارة بذلك إلى ما تقدم ذكره وهو الشرك وقتل النفس المحترمة بغير حق والزنا ، والأثام الإثم وهو وبال الخطيئة وهو الجزاء بالعذاب الذي سيلقاه يوم القيامة المذكور في الآية التالية .

قوله تعالى : {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} بيان للقاء الأثام ، وقوله : {ويخلد فيه مهانا} أي يخلد في العذاب وقد وقعت عليه الإهانة .

والخلود في العذاب في الشرك لا ريب فيه ، وأما الخلود فيه عند قتل النفس المحترمة والزنا وهما من الكبائر وقد صرح القرآن بذلك فيهما وكذا في أكل الربا فيمكن أن يحمل على اقتضاء طبع المعصية ذلك كما ربما استفيد من ظاهر قوله : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} .

أو يحمل الخلود على المكث الطويل أعم من المنقطع والمؤبد أو يحمل قوله : {ومن يفعل ذلك} على فعل جميع الثلاثة لأن الآيات في الحقيقة تنزه المؤمنين عما كان الكفار مبتلين به وهو الجميع دون البعض .

قوله تعالى : {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} استثناء من لقي الأثام والخلود فيه ، وقد أخذ في المستثنى التوبة والإيمان وإتيان العمل الصالح ، أما التوبة وهي الرجوع عن المعصية وأقل مراتبها الندم فلولم يتحقق لم ينتزع العبد عن المعصية ولم يزل مقيما عليها ، وأما إتيان العمل الصالح فهو مما تستقر به التوبة وبه تكون نصوحا .

وأما أخذ الإيمان فيدل على أن الاستثناء إنما هومن الشرك فتختص الآية بمن أشرك وقتل وزنى أو بمن أشرك سواء أتى معه بشيء من القتل المذكور والزنا أولم يأت ، وأما من أتى بشيء من القتل والزنا من غير شرك فالمتكفل لبيان حكم توبته الآية التالية .

وقوله : {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} تفريع على التوبة والإيمان والعمل الصالح يصف ما يترتب على ذلك من جميل الأثر وهو أن الله يبدل سيئاتهم حسنات .

وقد قيل في معنى ذلك أن الله يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم فيبدل الكفر إيمانا والقتل بغير حق جهادا وقتلا بالحق والزنا عفة وإحصانا .

وقيل : المراد بالسيئات والحسنات ملكاتهما لا نفسهما فيبدل ملكة السيئة ملكة الحسنة .

وقيل : المراد بهما العقاب والثواب عليهما لا نفسهما فيبدل عقاب القتل والزنا مثلا ثواب القتل بالحق والإحصان .

وأنت خبير بأن هذه الوجوه من صرف الكلام عن ظاهره بغير دليل يدل عليه .

والذي يفيد ظاهر قوله : {يبدل الله سيئاتهم حسنات} وقد ذيله بقوله : {وكان الله غفورا رحيما} أن كل سيئة منهم نفسها تتبدل حسنة ، وليست السيئة هي متن الفعل الصادر من فاعله وهو حركات خاصة مشتركة بين السيئة والحسنة كعمل المواقعة مثلا المشترك بين الزنا والنكاح ، والأكل المشترك بين أكل المال غصبا وبإذن من مالكه بل صفة الفعل من حيث موافقته لأمر الله ومخالفته له مثلا من حيث إنه يتأثر به الإنسان ويحفظ عليه دون الفعل الذي هو مجموع حركات متصرمة متقضية فانية وكذا عنوانه القائم به الفاني بفنائه .

وهذه الآثار السيئة التي يتبعها العقاب أعني السيئات لازمة للإنسان حتى يؤخذ بها يوم تبلى السرائر .

ولولا شوب من الشقوة والمساءة في الذات لم يصدر عنها عمل سيىء إذ الذات السعيدة الطاهرة من كل وجه لا يصدر عنها سيئة قذرة فالأعمال السيئة إنما تلحق ذاتا شقية خبيثة بذاتها أو ذاتا فيها شوب من شقاء وخباثة .

ولازم ذلك إذا تطهرت بالتوبة وطابت بالإيمان والعمل الصالح فتبدلت ذاتا سعيدة ما فيها شوب من قذارة الشقاء أن تتبدل آثارها اللازمة التي كانت سيئات قبل ذلك فتناسب الآثار للذات بمغفرة من الله ورحمة وكان الله غفورا رحيما .

وإلى مثل هذا يمكن أن تكون الإشارة بقوله : {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} .

قوله تعالى : {ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} المتاب مصدر ميمي للتوبة ، وسياق الآية يعطي أنها مسوقة لرفع استغراب تبدل السيئات حسنات بتعظيم أمر التوبة وأنها رجوع خاص إلى الله سبحانه فلا بدع في أن يبدل السيئات حسنات وهو الله يفعل ما يشاء .

وفي الآية مع ذلك شمول للتوبة من جميع المعاصي سواء قارنت الشرك أم فارقته ، والآية السابقة - كما تقدمت الإشارة إليه - كانت خفية الدلالة على حال المعاصي إذا تجردت من الشرك .

قوله تعالى : {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما} قال في مجمع البيان : ، أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنه حق . انتهى .

فيشمل الكذب وكل لهو باطل كالغناء والفحش والخنا بوجه ، وقال أيضا : يقال : تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكرم نفسه منه انتهى .

فقوله : {والذين لا يشهدون الزور} إن كان المراد بالزور الكذب فهو قائم مقام المفعول المطلق والتقدير لا يشهدون شهادة الزور ، وإن كان المراد اللهو الباطل كالغناء ونحوه كان مفعولا به والمعنى لا يحضرون مجالس الباطل ، وذيل الآية يناسب ثاني المعنيين .

وقوله : {وإذا مروا باللغو مروا كراما} اللغو ما لا يعتد به من الأفعال والأقوال لعدم اشتماله على غرض عقلائي ويعم - كما قيل - جميع المعاصي ، والمراد بالمرور باللغو المرور بأهل اللغو وهم مشتغلون به .

والمعنى : وإذا مروا بأهل اللغو وهم يلغون مروا معرضين عنهم منزهين أنفسهم عن الدخول فيهم والاختلاط بهم ومجالستهم .

قوله تعالى : {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا} الخرور على الأرض السقوط عليها وكأنها في الآية كناية عن لزوم الشيء والانكباب عليه .

والمعنى : والذين إذا ذكروا بآيات ربهم من حكمة أو موعظة حسنة من قرآن أو وحي لم يسقطوا عليه وهم صم لا يسمعون وعميان لا يبصرون بل تفكروا فيها وتعقلوها فأخذوا بها عن بصيرة فآمنوا بحكمتها واتعظوا بموعظتها وكانوا على بصيرة من أمرهم وبينة من ربهم .

قوله تعالى : {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} قال الراغب في المفردات ، : قرت عينه تقر سرت قال ، تعالى : {كي تقر عينها} وقيل لمن يسر به قرة عين قال : {قرة عين لي ولك} وقوله تعالى : {هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} قيل : أصله من القر أي البرد فقرت عينه قيل : معناه بردت فصحت ، وقيل : بل لأن للسرور دمعة باردة قارة وللحزن دمعة حارة ولذلك يقال فيمن يدعى عليه : أسخن الله عينه ، وقيل : هومن القرار والمعنى أعطاه الله ما يسكن به عينه فلا تطمح إلى غيره انتهى .

ومرادهم بكون أزواجهم وذرياتهم قرة أعين لهم أن يسروهم بطاعة الله والتجنب عن معصيته فلا حاجة لهم في غير ذلك ولا إربة وهم أهل حق لا يتبعون الهوى .

وقوله : {واجعلنا للمتقين إماما} أي متسابقين إلى الخيرات سابقين إلى رحمتك فيتبعنا غيرنا من المتقين كما قال تعالى : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } [البقرة : 148] ، وقال : {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [الحديد : 21] ، وقال : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة : 10 ، 11] ، وكأن المراد أن يكونوا صفا واحدا متقدما على غيرهم من المتقين ولذا جيء بالإمام بلفظ الإفراد .

وقال بعضهم : إن الإمام مما يطلق على الواحد والجمع ، وقيل : إن إمام جمع آم بمعنى القاصد كصيام جمع صائم ، والمعنى : اجعلنا قاصدين للمتقين متقيدين بهم ، وفي قراءة أهل البيت {واجعل لنا من المتقين إماما} .

قوله تعالى : {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما} الغرفة - كما قيل - البناء فوق البناء فهو الدرجة العالية من البيت ، وهي كناية عن الدرجة العالية في الجنة ، والمراد بالصبر الصبر على طاعة الله وعن معصيته فهذان القسمان من الصبر هما المذكوران في الآيات السابقة لكن لا ينفك ذلك عن الصبر عند النوائب والشدائد .

والمعنى : أولئك الموصوفون بما وصفوا يجزون الدرجة الرفيعة من الجنة يلقون فيها أي يتلقاهم الملائكة بالتحية وهوما يقدم للإنسان مما يسره وبالسلام وهو كل ما ليس فيه ما يخافه ويحذره ، وفي تنكير التحية والسلام دلالة على التفخيم والتعظيم ، والباقي ظاهر .

قوله تعالى : {قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما} قال في المفردات : ، ما عبأت به أي لم أبال به ، وأصله من العبء أي الثقل كأنه قال : ما أرى له وزنا وقدرا ، قال تعالى : {قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم} وقيل : من عبأت الطيب كأنه قيل : ما يبقيكم لولا دعاؤكم . انتهى .

قيل : {دعاؤكم} من إضافة المصدر إلى المفعول وفاعله ضمير راجع إلى {ربي} وعلى هذا فقوله : {فقد كذبتم} من تفريع السبب على المسبب بمعنى انكشافه بمسببه ، وقوله : {فسوف يكون لزاما} أي سوف يكون تكذيبكم ملازما لكم أشد الملازمة فتجزون بشقاء لازم وعذاب دائم .

والمعنى : قل لا قدر ولا منزلة لكم عند ربي فوجودكم وعدمكم عنده سواء لأنكم كذبتم فلا خير يرجى فيكم فسوف يكون هذا التكذيب ملازما لكم أشد الملازمة ، إلا أن الله يدعوكم ليتم الحجة عليكم أو يدعوكم لعلكم ترجعون عن تكذيبكم .

وهذا معنى حسن .

وقيل : {دعاؤكم} من إضافة المصدر إلى الفاعل ، والمراد به عبادتهم لله سبحانه والمعنى : ما يبالي بكم ربي أو ما يبقيكم ربي لولا عبادتكم له .

وفيه أن هذا المعنى لا يلائم تفرع قوله : {فقد كذبتم} عليه وكان عليه من حق الكلام أن يقال : وقد كذبتم! على أن المصدر المضاف إلى فاعله يدل على تحقق الفعل منه وتلبسه به وهم غير متلبسين بدعائه وعبادته تعالى فكان من حق الكلام على هذا التقدير أن يقال لولا أن تدعوه فافهم .

والآية خاتمة السورة وتنعطف إلى غرض السورة ومحصل القول فيه وهو الكلام على اعتراض المشركين على الرسول وعلى القرآن النازل عليه وتكذيبهما .

_____________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص191-197 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الصفات الخاصّة لعباد الرحمن :

هذه الآيات ـ فما بعد ـ تستعرض بحثاً جامعاً فذاً حول الصفات الخاصّة لعباد الرحمن ، إكمالا للآيات الماضية حيث كان المشركون المعاندون حينما يذكر اسم الله «الرحمن» يقولون وملء رؤوسهم استهزاء وغرور «وما الرحمن»؟ ورأينا أن القرآن يعرّف لهم «الرحمن» ضمن آيتين ، وجاء الدور الآن ليعرّف «عباد الرحمن» .

تبيّن هذه الآيات اثنتي عشرة صفة من صفاتهم الخاصّة ، حيث يرتبط بعضها بالجوانب الإعتقادية ، وبعض منها أخلاقي ، ومنها ما هو إجتماعي ، بعض منها يتعلق بالفرد ، وبعض آخر بالجماعة ، وهي أوّلا وآخراً مجموعة من أعلى القيم الإنسانية .

يقول تعالى : {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً} . (2)

إن أول صفة لـ : «عباد الرحمن» هو نفي الكبر والغرور والتعالي ، الذي يبدو في جميع أعمال الإنسان حتى في طريقة المشي ، لأنّ الملكات الأخلاقية تظهر نفسها في حنايا أعمال وأقوال وحركات الإنسان بحيث أن من الممكن تشخيص قسم مهم من أخلاقه ـ بدقّة ـ من أسلوب مشيته .

نعم ، إنّهم متواضعون ، والتواضع مفتاح الإيمان ، في حين يعتبر الغرور والكبر مفتاح الكفر .

لقد رأينا بأُم أعيننا في الحياة اليومية ، وقرأنا مراراً في آيات القرآن أيضاً ، أن المتكبرين المغرورين لم يكونوا مستعدين حتى ليصغوا إلى كلام القادة الإلهيين ، كانوا يتلقون الحقائق بالسخرية ، ولم تكن رؤيتهم أبعد من أطراف أُنوفهم ، تُرى أيمكن أن يجتمع الإيمان في هذه الحال مع الكبر ؟!

نعم ، هؤلاء المؤمنون ، عباد ربهم الرحمن ، والعلامة الأُولى لعبوديتهم هو التواضع . . . التواضع الذي نفذ في جميع ذرات وجودهم ، فهو ظاهر حتى في مشيتهم .

فإذا رأينا أنّ إحدى أهم القواعد التي يأمر الله بها نبيّه هي {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء : 37] فلنفس هذا السبب أيضاً ، وهو أن التواضع روح الإيمان .

حقّاً إذا كان للإنسان أدنى معرفة بنفسه وبعالم الوجود ، فسيعلم كم هو ضئيل حيال هذا العالم الكبير ، حتى وإن كانت رقبته كالجبال ، فإن أعلى جبال الأرض أمام عظمة الأرض أقل من تعرجات قشر (النارنج) بالنسبة إليها ، تلكم الأرض التي هي نفسها لا شيء بالنسبة الى الأفلاك العظيمة .

ترى أليست هذه الحالة من الكبر والغرور ، دليلا على الجهل المطلق !؟

نقرأ في حديث رائع عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنّه كان يعبر أحد الأزقة يوماً ما ، فرأى جماعة من الناس مجتمعين ، فسألهم عن سبب ذلك فقالوا : مجنون شغل الناس بأعمال جنونية مضحكة ، فقال : رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : أتريدون أن أخبركم من هو المجنون حقاً ، فسكتوا وأنصتوا بكل وجودهم فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : «المتبختر في مشيه ، الناظر في عطفيه ، المحرك جنبيه بمنكبيه ، الذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه ، فذلك المجنون ، وهذا مبتلى !» .

الصفة الثّانية لـ «عباد الرحمن» الحلم والصبر ، كما يقول القرآن في مواصلته هذه الآية {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} .

السلام الذي هو علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة ، وليس الناشيء عن الضعف .

السلام دليل عدم المقابلة بالمثل حيال الجهلة الحمقى ، سلام الوداع لأقوالهم غير المتروية ، ليس سلام التحية الذي هو علامة المحبة ورابطة الصداقة .

والخلاصة ، أنه السلام الذي هو علامة الحلم والصبر والعظمة .

نعم ، المظهر الآخر من مظاهر عظمتهم الروحية ، هو التحمل وسعة الصدر اللذين بدونهما سوف لا يطوي أي إنسان طريق «العبودية لله» الصعب الممتلىء بالعقبات ، خصوصاً في المجتمعات التي يكثر فيها الفاسدون و«مفسدون» وجهلة .

وتتناول الآية الثّانية ، خاصيتهم الثالثة التي هي العبادة الخالصة لله ، فيقول تعالى : {والذين يبيتون لربّهم سجداً وقياماً} .

في عتمة الليل حيث أعين الغافلين نائمة ، وحيث لا مجال للتظاهر والرياء ، حرّموا على أنفسهم لذة النوم ، ونهضوا إلى ما هو ألذّ من ذلك ، حيث ذكرُ الله والقيام والسجود بين يدي عظمته عزَّوجلّ ، فيقضون شطراً من الليل في مناجاة المحبوب ، فينورون قلوبهم وأرواحهم بذكره وباسمه .

ورغم أن جملة «يبيتون» دليل على أنّهم يقضون الليل بالسجود والقيام إلى الصباح ، لكن المعلوم أنّ المقصود هو شطر كبير من الليل ، وإن كان المقصود هو كل الليل فإنّ ذلك يكون في بعض الموارد .

كما أن تقديم «السجود» على «القيام» بسبب أهميته ، وإن كان القيام مقدّم على السجود عملياً في حال الصلاة . (3)

الصفة الرّابعة لهم هي الخوف من العذاب الإلهي {والذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنم إنّ عذابها كان غراماً} . أي شديداً ومستديماً . {إنّها ساءت مستقراً ومقاماً} .

ومع أنّهم مشتغلون بذكر الله وعبادته في الليالي ، ويقضون النهار في إنجاز تكاليفهم ، فإنَّ قلوبهم أيضاً مملوءة بالخوف من المسؤوليات ، ذلك الخوف الباعث على القوّة في الحركة أكثر وأفضل باتجاه أداء التكاليف ، ذلك الخوف الذي يوجه الإنسان من داخله كشرطي قوي ، فينجز تكاليفه على النحو الأحسن دون أن يكون له آمر ورقيب ، في ذات الوقت الذي يرى نفسه مقصراً أمام الله .

كلمة «غرام» في الأصل بمعنى المصيبة ، والألم الشديد الذي لا يفارق الانسان . ويطلق «الغريم» (4) على الشخص الدائن ، لأنّه يلازم الإنسان دائماً من أجل أخذ حقّه .

ويطلق «الغرام» أيضاً على العشق والعلاقة المتوقدة التي تدفع الإنسان بإصرار باتجاه عمل أو شيء آخر ، وتطلق هذه الكلمة على «جهنم» لأنّ عذابها شديد ودائم لا يزول .

ولعل الفرق بين «مستقراً» و«مقاماً» أن جهنم مكان دائم للكافرين فهي لهم «مقام» ، ومكان مؤقت للمؤمنين ، أي «مستقر» ، وبهذا الترتيب يكون قد أُشير إلى كلا الفريقين الذين يردان جهنم .

ومن الواضح أن جهنم محل إقامة ومستقر سيء ، وشتان بين الراحة والنعيم وبين النيران الحارقة .

ومن المحتمل أيضاً أن تكون «مستقراً» و«مقاماً» كلاهما لمعنىً واحد ، وتأكيد على دوام عقوبات جهنم ، وهو صحيح في مقابل الجنّة ، حيث نقرأ عنها في آخر هذه الآيات نفسها {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [الفرقان : 76] .

في الآية الأخيرة يشير جل ذكره إلى الصفة الممتازة الخامسة لـ «عباد الرحمن» التي هي الإعتدال والإبتعاد عن أي نوع من الإفراط والتفريط في الأفعال ، خصوصاً في مسألة الإِنفاق ، فيقول تعالى : {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً} .

الملفت للإنتباه أنه يعتبر أصل الإنفاق أمراً مسلماً لا يحتاج إلى ذكر ، ذلك لأن الإنفاق أحد الأعمال الضرورية لكل إنسان ، لذا يورد الكلام في كيفية إنفاقهم فيقول : إن إنفاقهم إنفاق عادل (معتدل) بعيد عن أي إسراف وبخل ، فلا يبذلون بحيث تبقى أزواجهم وأولادهم جياعاً ، ولا يقترون بحيث لا يستفيد الآخرون من مواهبهم وعطاياهم .

في تفسير «الإسراف» و«الإقتار» كنقطتين متقابلتين ، للمفسّرين أقوال مختلفة يرجع جميعها إلى أمر واحد ، وهو أنّ «الإسراف» هو أن ينفق المسلم أكثر من الحد ، وفي غير حق ، وبلا داع ، و«الإِقتار» هو أن ينفق أقل من الواجب .

في إحدى الروايات الإِسلامية ، ورد تشبيه رائع للإِسراف والإِقتار وحد الإِعتدال ، تقول الرّواية : تلا أبوعبد الله(عليه السلام) هذه الآية : (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) . قال : فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده ، فقال : هذا الإِقتار الذي ذكره الله عزَّوجلّ في كتابه ، ثمّ قبض قبضة أُخرى فأرخى كفَّه كلَّها ، ثمّ قال : هذا الإِسراف ، ثمّ أخذ قبضة أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال : هذا القوام» . (5)

كلمة «قوام» (على وزن عوام) لغة بمعنى العدل والإِستقامة والحد والوسط بين شيئين ، و «قُوام» (على وزن كتاب) : الشيء الذي يكون أساس القيام والإستقرار .

 

وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا } [الفرقان : 68 - 71]

 

بحث آخر في صفات عباد الرحمن :

ميزة «عباد الرحمن» السادسة التي وردت في هذه الآيات هي التوحيد الخالص الذي بيعدهم عن كل أنواع الشرك والثنوية والتعددية في العبادة ، فيقول تعالى : {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} .

فقد أنار التوحيد آفاق قلوبهم وحياتهم الفردية والإجتماعية ، وانقشعت عن سماء أفكارهم وأرواحهم ظلمات الشرك .

الصفة السابعة طهارتهم من التلوث بدم الأبرياء {ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلاّ بالحق} . (6)

ويستفاد جيداً من الآية أعلاه أن جميع الأنفس الإنسانية محترمة في الأصل ، ومحرم إراقة دمائها إلاّ إذا تحققت أسباب ترفع هذا الإِحترام الذاتي فتبيح إراقة الدم .

صفتهم الثّامنة هي أن عفافهم لا يتلوث أبداً : (ولا يزنون) .

إنّهم على مفترق طريقين : الكفر والإيمان ، فينتخبون الإيمان ، وعلى مفترق طريقين الأمان واللاأمان في الأرواح ، فهم يتخيرون الأمان ، وعلى مفترق طريقين : الطهر والتلوث : فهم يتخيرون النقاء والطهر . إنّهم يهيئون المحيط الخالي من كل انواع الشرك والتعدي والفساد والتلوث ، بجدهم واجتهادهم .

وفي ختام هذه الآية يضيف تعالى من أجل التأكيد أكثر : {ومن يفعل ذلك يلق أثاماً} .

«الإثم» و«آثام» في الأصل بمعنى الأعمال التي تمنع من وصول الإنسان إلى المثوبة ، ثمّ أطلقت على كل ذنب ، لكنّها هنا بمعنى جزاء الذنب .

قال بعضهم أيضاً : إن «إثم» بمعنى الذنب و«آثام» بمعنى عقوبة الذنب (7) فإذا رأينا أن بعض المفسّرين ذكروها بمعنى صحراء أو جبل أو بئر في جهنم فهو في الواقع من قبيل بيان المصداق .

وحول فلسفة تحريم الزنا ، قدمنا بحثاً مفصلا في ذيل الآية (33) سورة الإسراء .

ومن الملفت للنظر في الآية أعلاه ، أنها بحثت أولا في مسألة الشرك ، ثمّ قتل النفس ، ثمّ الزنا ، ويستفاد من بعض الرّوايات أن هذه الذنوب الثلاثة تكون من حيث الأهمية بحسب الترتيب الذي أوردته الآية .

ينقل ابن مسعود عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال : سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أي الذنب أعظم ؟ قال : «أن تجعل لله نداً وهو خلقك» قال : قلت : ثمّ أَيُّ ؟ قال : «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» قال : قلت : ثمّ أيُّ ؟ قال : «أن تزاني حليلة جارك» فأنزل الله تصديقها . (8)

وبالرغم من أن الكلام في هذا الحديث ، ورد عن نوع خاص من القتل والزنا ، لكن مع الإنتباه إلى إطلاق مفهوم الآية يتجلى أنّ هذا الحكم يشمل جميع أنواع القتل والزنا ، وما في الرّواية مصداق أوضحٌ لهما .

تتكيء الآية التالية أيضاً على ما سبق ، من أن لهذه الذنوب الثّلاثة أهمية قصوى ، فيقول تعالى : {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً} .

ويتجسد هنا سؤالان :

الأوّل : لماذا يتضاعف عذاب هذا النوع من الأشخاص؟ ولماذا لا يجازون على قدر ذنوبهم؟ وهل ينسجم هذا مع أصول العدالة !؟

الثّاني : إنّ الكلام هنا عن الخلود في العذاب ، في حين أنّ الخلود هنا مرتبط بالكفار فقط . والذنب الأوّل من هذه الذنوب الثلاثة التي ذكرت في الآية يكون كفراً ، فقط ، وأمّا قتل النفس والزنا فليسا سبباً للخلود في العذاب .

بحث المفسّرون كثيراً في الإجابة على السؤال الأول ، وأصح ما أوردوه هو أن المقصود من مضاعفة العذاب أن كل ذنب من هذه الذنوب الثلاثة المذكورة في هذه الآية سيكون له عقاب منفصل ، فتكون العقوبات بمجموعها عذاباً مضاعفاً .

فضلا عن أنّ ذنباً ما يكون أحياناً مصدر الذنوب الأُخرى ، مثل الكفر الذي يسبب ترك الواجبات وارتكاب المحرمات ، وهذا نفسه موجب لمضاعفة العذاب الإلهي .

لهذا اتّخذ بعض المفسّرين هذه الآية دليلا على هذا الأصل المعروف أن : «الكفار مكلفون بالفروع كما أنّهم مكلفون بالأصول» .

وأمّا في الإجابة على السؤال الثّاني : فيمكن القول أن بعض الذنوب عظيم إلى درجة يكون عندها سبباً في الخروج من هذه الدنيا بلا إيمان ، كما قلنا في مسألة قتل النفس في ذيل الآية (93) سورة النساء . (9)

ومن الممكن أن يكون الأمر كذلك في مورد الزنا أيضاً ، خاصّة إذا كان الزنا بمحصنة .

ومن المحتمل أيضاً أن «الخلود» في الآية أعلاه يقصد به من يرتكب هذه الذنوب الثلاثة معاً ، الشرك وقتل النفس والزنا ، والشاهد على هذا المعنى : الآية التالية حيث تقول : {إلاّ من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً} .

واعتبر بعض المفسّرين ـ أيضاً ـ أن «الخلود» هنا بمعنى المدة الطويلة لا الخالدة ، لكن التّفسير الأوّل والثّاني أصح .

ومن الملفت للنظر هنا ـ فضلا عن مسألة العقوبات العادية ـ عقوبة أُخرى ذكرت أيضاً هي التحقير والمهانة ، أي البعد النفسي من العذاب ، وقد تكون بذاتها تفسيراً لمسألة مضاعفة العذاب ، ذلك لأنّهم يعذبون عذاباً جسدياً وعذاباً روحياً .

لكن القرآن المجيد كما مرِّ سابقاً ، لم يغلق طريق العودة أمام المجرمين في أي وقت من الأوقات ، بل يدعو المذنبين إلى التوبة ويرغبهم فيها ، ففي ، الآية التالية يقول تعالى هكذا : {إلاّ من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً فأُولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، وكان الله غفوراً رحيماً} .

كما مرّ بنا في الآية الماضية ، ففي الوقت الذي ذكرت ثلاثة ذنوب هي من أعظم الذنوب ، تركت الآية باب التوبة مفتوحاً أمام هؤلاء الأشخاص ، وهذا دليل على أن كل مذنب نادم يمكنه العودة إلى الله ، بشرط أن تكون توبته حقيقية ، وعلامتها ذلك العمل الصالح (المُعَوِّض) الذي ورد في الآية ، وإلاّ فإن مجرّد الإستغفار باللسان أو الندم غير المستقر في القلب لا يكون دليلا على التوبة أبداً .

المسألة المهمّة فيما يتعلق بالآية أعلاه هي : كيف يبدل الله «سيئات» أولئك «حسنات» ؟

 

وقوله تعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [الفرقان : 72 - 76] .

 

جزاء «عباد الرحمن» :

في متابعة للآيات الماضية التي كررت القول في خصائص «عباد الرحمن» ، تشرح هذه الآيات بقية هذه الصفات :

الصفة الرفيعة التاسعة لهم ، هي احترام وحفظ حقوق الآخرين : إنّ هؤلاء لا يشهدون بالباطل مطلقاً : {والذين لا يشهدون الزور} .

المفسّرون الكبار فسّروا هذه الآية على نحوين :

اعتبر بعضهم «الزور» بمعنى «الشهادة بالباطل» كما قلنا أعلاه ، لأنّ «الزور» لغة بمعنى التمايل والإنحراف ، وحيث أن الكذب والباطل والظلم من الإنحرافات ، فإن «الزور» يطلق عليها .

هذه العبارة (شهادة الزور) في كتاب الشهادات في فقهنا ، موجودة بنفس هذا العنوان ، وقد نُهي عنها في روايات متعددة ، وإن لم نرفي تلك الرّوايات استدلالا بالآية أعلاه .

التّفسير الآخر : هو أنّ المقصود من «الشهود» هو «الحضور» يعني أن عباد الرحمن لا يتواجدون في مجالس الباطل .

وفي بعض الرّوايات التي وردت عن طرق أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) ، فسّرت بـ «الغناء» أي تلك المجالس التي يتمّ فيها إنشاد اللهو مصحوباً بأنغام الآلات الموسيقية أو بدونها .

لا شك أنّ مراد هذا النوع من الرّوايات ليس هو تحديد مفهوم «الزور» الواسع بـ «الغناء» ، فالغناء واحد من مصاديقه البارزة إنه يشمل سائر مجالس اللهو واللعب وشرب الخمر والكذب والغيبة وأمثال ذلك .

ولا يستبعد أيضاً أن يجتمع كلا التّفسيرين في معنى الآية ، وعلى هذا فعباد الرحمن لا يؤدون الشهادة الكاذبة ، ولا يشهدون مجالس اللهو والباطل والخطيئة ، ذلك لأنّ الحضور في هذه المجالس ـ فضلا عن ارتكاب الذنب ـ فإنه مقدمة لتلوث القلب والروح .

ثمّ يشير تعالى في آخر الآية إلى صفتهم الرفيعة العاشرة ، وهي امتلاك الهدف الإيجابي في الحياة ، فيقول : {وإذا مروا باللغو مروا كراماً} .

إنّهم لا يحضرون مجالس الباطل ، ولا يتلوثون باللغو والبطلان . ومع الإلتفات إلى أن «اللغو» يشمل كل عمل لا ينطوي على هدف عقلائي ، فإن ذلك يدل على أن «عباد الرحمن» يتحرون دائماً الهدف المعقول والمفيد والبناء ، وينفرون من اللاهدفية والأعمال الباطلة ، فإذا اعترضهم هذا النوع من الأعمال في مسير حياتهم ، مروا بمحاذاتها مرور اللامبالي ، ولا مبالاتهم نفسها دليل على عدم رضاهم الداخلي عن هذه الأعمال ، فهم عظماء بحيث لا تؤثر عليهم الأجواء الفاسدة ولا تغيرهم .

ولا شك أنّ عدم اعتنائهم بهذه الاُمور من جهة أنّهم لا طريق لهم إلى مواجهة الفساد والنهي عن المنكر ، وإلاّ فلا شكّ أنّهم سوف يقفون ويؤدون تكاليفهم حتى المرحلة الأخيرة .

الصفة الحادية عشر لهذه النخبة امتلاك العين الباصرة والأذن السامعة حين مواجهتهم لآيات الخالق ، فيقول تعالى : {والذين إذا ذكروا بآيات ربّهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً} .

من المسلّم أنّ المقصود ليس الإشارة إلى عمل الكفار ، ذلك لأنّهم لا اعتناء لهم بآيات الله أصلا ، بل إن المقصود : فئة المنافقين أو مسلمو الظاهر ، الذين يقعون على آيات الله بأعين وآذان موصدة ، دون أن يتدبروا حقائقها ويسبروا غورها ، فيعرفوا ما يريده الله ويتفكروا فيه ، ويستهدوه في أعمالهم .

ولا يمكن طي طريق الله بعين وأذن موصدتين ، فالأذن السامعة والعين الباصرة لازمتان لطي هذا الطريق ، العين الناظرة في الباطن ، المتعمقة في الأشياء ، والأذن المرهفة العارفة بلطائف الحكمة .

ولو تأملنا جيداً لأدركنا أن ضرر هذه الفئة ذات الأعين والآذان الموصدة وفي ظنها أنّها تتبع الآيات الإلهية ، ليس أقلّ من ضرر الأعداء الذين يطعنون بأصل شريعة الحق عن وعي وسبق اصرار ، بل أن ضررهم أكثر بمراتب أحياناً .

التلقي الواعي عن الدين هو المعين الأساس للمقاومة والثبات والصمود ، لأنْ من اليسير خداع من يقتصر على ظواهر الدين ، وبتحريفه يتم الإنحراف عن الخط الأصيل ، فيهوي بهم ذلك إلى وادي الكفر والضلالة وعدم الإيمان .

هذا النوع من الأفراد أداة بيد الأعداء ، ولقمة سائغة للشياطين ، المؤمنون وحدهم هم المتدبرون المبصرون السامعون كمثل الجبل الراسخ ، فلا يكونون لعبة بيد هذا أو ذاك .

نقرأ في حديث عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن قول الله عزَّوجلّ : {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً} ، قال : «مستبصرين ليسوا بشكاك» . (10)

الصفة الثّانية عشر الخاصّة لهؤلاء المؤمنين الحقيقيين ، هي التوجه الخاص إلى تربية أبنائهم وعوائلهم ، وإيمانهم بمسؤوليتهم العظيمة إزاء هؤلاء {والذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} .

بديهي أن معنى هذا ليس أن يقبعوا في زاوية ويتضرعوا بالدعاء ، بل إن الدعاء دليل شوقهم وعشقهم الداخلي لهذا الأمر ، ورمز جدهم واجتهادهم .

من المسلَّم أنّ أفراداً كهؤلاء لا يقصرون في بذل مالديهم من طاقة وقدرة في تربية أبنائهم وأزواجهم ، وتعريفهم بأصول وفروع الإسلام ، وسبل الحق والعدالة وفي ما لا تصل إليه قدرتهم وطاقتهم ، فإنّهم يدعون الله ، يسألونه التوفيق بلطفه .

فالدعاء الصحيح من حيث الأصل ، ينبغي أن يكون هكذا : السعي بمقدار الإستطاعة ، والدعاء خارج حدّ الإستطاعة .

«قرّة العين» كناية عمّن يُسرَّ به ، هذا التعبير أُخذ في الأصل من كلمة «قر» التي بمعنى البرد ، وكما هو معروف (وقد صرح به كثير من المفسّرين) أن دمعة الشوق والسرور باردة ، ودموع الحزن والغم حارة حارقة ، لذا فـ «قرّة عين» بمعنى الشيء الذي يسبب برودة عين الإنسان ، يعني أن دمعة الشوق تنسكب من عينيه ، وهذه كناية جميلة عن السرور والفرح . (11)

مسألة تربية الأبناء وإرشاد الزوجات ، ومسؤولية الآباء والأمهات إزاء أطفالهم من أهم المسائل التي أكد عليها القرآن ، وسنفصل القول فيها إن شاء الله في ذيل الآية (6) من سورة التحريم .

وأخيراً فالصفة الرفيعة الثّالثة عشر لعباد الرحمن التي هي أهم هذه الصفات من وجهة نظر معينة : هي أنّهم لا يقنعون أبداً أنّهم على طريق الحق ، بل أن همتهم عالية بحيث يريدون أن يكونوا أئمة وقدوات للمؤمنين ، ليدعوا الناس إلى هذا الطريق أيضاً .

إنّهم ليسوا كالزهاد المنزوين في الزوايا ، وليس همّهم انقاذ أنفسهم من الغرق ، بل إن سعيهم هو أن ينقذوا الغرقى .

لذا يقول في آخر الآية ، إنّهم الذين يقولون : {واجعلنا للمتقين إماماً} .

ينبغي الإلتفات إلى هذه النكتة أيضاً ، إنّهم لا يدعون ليكونوا في موقع العظماء جزافاً ، بل إنّهم يهيئون أسباب العظمة والإمامة بحيث تجتمع فيهم الصفات اللائقة بالقدوة الحقيقية ، وهذا عمل عسير جداً ، وله شرائط صعبة وثقيلة .

ولا ننس أنّ القرآن لا يذكر في هذه الآيات صفات جميع المؤمنين ، بل أوصاف نخبة ممتازة من المؤمنين في الصف المتقدم بعنوان «عباد الرحمن» . نعم ، إنّهم عباد الرحمن ، وكما أن رحمة الله العامّة تشمل الجميع فإنّ رحمة الله بهؤلاء العباد عامّة أيضاً من أكثر من جهة ، فعلمهم وفكرهم وبيانهم وقلمهم ومالهم وقدرتهم تخدم بلا انقطاع في طريق هداية خلق الله .

أُولئك نماذج وأُسوات المجتمع الإنساني .

أُولئك قدوات المتقين .

إنّهم أنوار الهداية في البحار والصحاري . ينادون التائهين إليهم لينقذوهم من الغرق في الدوامة ، ومن السقوط في المزالق .

نقرأ في روايات متعددة أنّ هذه الآية نزلت في علي (عليه السلام) وائمّة أهل البيت (عليهم السلام) .

ونقرأ في رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إيانا عنى» . (12)

ولا شك أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أوضح مصاديق هذه الآية ، لكن هذا لا يمنع من اتساع مفهوم الآية ، فالمؤمنون الآخرون أيضاً يكون كل منهم إماماً وقدوة للآخرين بمستويات متفاوتة .

واستنتج بعض المفسّرين من هذه الآية أن طلب الرئاسة المعنوية والروحانية ليس غير مذموم فقط ، بل إنه مطلوب ومرغوب فيه أيضاً . (13)

وينبغي الإلتفات ضمناً إلى أن كلمة «إمام» وإن كانت للمفرد ، إلاّ أنّها تأتي بمعنى الجمع ، وهكذا هي في الآية .

بعد إكمال هذه الصفات الثلاثة عشرة ، يشير تعالى إلى عباد الرحمن هؤلاء مع جميع هذه الخصائص ، وفي صورة الكوكبة الصغيرة ، فيبيّن جزاءهم الإلهي {أُولئك يجزون الغرفة بما صبروا} .

«غرفة» من مادة «غرف» (على وزن حرف) : بمعنى رفع الشيء وتناوله ، ويقال لما يغترف ويتناول «غرفة» (كاغتراف الإنسان الماء من العين بيده للشرب) ثمّ أُطلقت على الأقسام العليا من البناء ، ومنازل الطبقات العليا ، وهي هنا كناية عن أعلى منازل الجنّة .

لذلك فإنّ «عباد الرحمن» بامتلاكهم هذه الصفات ، يكونون في الصف الأوّل من المؤمنين ، وينبغي أن تكون درجتهم في الجنّة أعلى درجة أيضاً .

المهم أنّه يقول : إن هذا المقام العالي قد أُعطي لهم بسبب ما قدموا من ضريبة الصبر والإستقامة في طريق الله ، ومن الممكن أن يتصور أن هذا وصف آخر من أوصافهم ، لكن هذا في الحقيقة ليس وصفاً جديداً ، بل هو ضمانة تطبيق جميع الصفات السابقة ، وإلاّ فهل يمكن أن نتصور عبادة الخالق ، ومواجهة الطغيان والشهوات ، وترك شهادة الزور ، والتواضع والخشوع وغيرها من الصفات بدون صبر واستقامة .

هذا البيان يُذكّر الإنسان بالحديث المعروف عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام)حيث يقول : «والصبر من الإيمان كالرأس من الجسد» فبقاء الجسد من بقاء الرأس ، ذلك لأن قيادة جميع أعضاء البدن تستقر في دماغ الإنسان .

وعلى هذا فللصبر هنا مفهوم واسع ، فالتحمل والصمود أمام مشكلات طريق الحق ، والجهاد والمواجهة ضد العصاة ، والوقوف أمام دواعي الذنوب ، تجتمع كلها في ذلك المفهوم ، وإذا فسر في بعض الرّوايات بالصبر على الفقر والحرمان المالي ، فمن المسلم أن ذلك من قبيل بيان المصداق .

ثمّ يضيف تعالى : {ويلقّون فيها تحية وسلاماً} .

أهل الجنّة يحي بعضهم بعضاً ، وتسلم الملائكة عليهم ، وأعلى من كل ذلك أن الله يحييهم ويُسلم عليهم ، كما نقرأ في الآية (58) من سورة يس { سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس : 58] ، ونقرأ في الآية (23 و24) من سورة يونس {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } [الرعد : 23 ، 24] .

تُرى هل لـ «التحية» و«السلام» هنا معنيان ، أم معنى واحد!؟ ثمّة أقوال بين المفسّرين ، لكن مع الإلتفات إلى أن «التحية» في الأصل بمعنى الدعاء لحياة الغير ، و«سلام» من مادة السلامة ، وبمعنى الدعاء للغير .

على هذا نستنتج : أن الكلمة الأُولى بعنوان طلب الحياة ، للمخاطب والكلمة الثّانية طلب اقتران هذه الحياة مع السلامة ، ولو أن هاتين الكلمتين تأتيان بمعنى واحد أحياناً .

«التحية» في العرف لها معنى أوسع ، فهي كل ما يقولونه في بيان اللقاء مع الآخرين ، فيكون سبباً في سرورهم واحترامهم وإظهار المحبّة لهم .

ثمّ يقول تبارك وتعالى للتأكيد أكثر : {خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً} .

وقوله تعالى : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان : 77]

 

لولا دعاؤكم ، لما كانت لكم قيمة :

هذه الآية التي هي الآية الأخيرة في سورة الفرقان ، جاءت في الحقيقة نتيجة لكل السورة ، وللأبحاث التي بصدد صفات «عباد الرحمن» في الآيات السابقة ، فيقول تبارك وتعالى مخاطباً النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : {قل ما يعبؤبكم ربّي لولا دعاؤكم} .

«يعبؤ» من مادة «عبء» بمعنى «الثقل» ، وعلى هذا فجملة لا يعبأ يعني لايزن ، وبعبارة أُخرى لا يعتني .

ولو أن احتمالات كثيرة ذكرت هنا في مسألة معنى الدعاء ، لكن أساس جميعها يعود إلى أصل واحد .

فذهب البعض : إن الدعاء هو نفس ذلك المعنى المعروف للدعاء .

بعض آخر فسّره بمعنى الإيمان .

وبعض بمعنى العبادة والتوحيد .

وآخر ، بمعنى الشكر .

وبعض : بمعنى التضرع إلى الله في المحن والشدائد .

لكنّ أساس جميعها هو الإيمان والتوجه إلى الله .

وبناء على هذا ، يكون مفهوم الآية هكذا : إن ما يعطيكم الوزن والقيمة والقدر عند الله هو الإِيمان بالله والتوجه إليه ، والعبودية له .

ثمّ يضيف تعالى : {فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً} .

من الممكن التصور أن تضاداً بين بداية الآية ونهايتها ، أو أنّه لا يبدو على الأقل الإرتباط والإنسجام اللازم بينهما ، ولكن إذا دققنا قليلا يتّضح أنّ المقصود أساساً هو : أنّكم قد كذبتم فيما مضى بآيات الله وبأنبيائه ، فإذا لم تتوجهوا إلى الله ، ولم نسلكوا طريق الإيمان به والعبودية له ، فلن تكون لكم أية قيمة أو مقام عنده ، وستحيط بكم عقوبات تكذيبكم .(14)

ومن جملة الشواهد الواضحة التي تؤيد هذا التّفسير ، الحديث المنقول عن الإمام الباقر (عليه السلام) ، أنّه سُئِلَ : «كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدعاء» ؟ فقال (عليه السلام) : «كثرة الدعاء أفضل وقرأ هذه الآية» . (15) .

_______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص241-259 .

2 ـ «هون» مصدر ، وهو بمعنى الناعم والهادي المتواضع ، واستعمال المصدر في معنى اسم الفاعل هنا للتوكيد ، يعني أنّهم في ما هم عليه كأنّهم عين الهدوء والتواضع .

3 ـ ينبغي الإنتباه إلى أنّ «سجداً» جمع «ساجد» ، «وقياماً» جمع «قائم» .

4 ـ تطلق «الغريم» على «الدائن» و«المدين» أيضاً . (لسان العرب مادة غرم) .

5 ـ الكافي : طبقاً لنقل تفسير نور الثقلين ، ج 4 ، ص 29 .

6 ـ الإستثناء في الجملة أعلاه «استثناء مفرغ» اصطلاحاً ، وكان في التقدير هكذا «لا يقتلون النفس التي حرم الله بسبب من الأسباب إلاّ بالحق» .

7 ـ تفسير الفخر الرازي .

8 ـ صحيح «البخاري» و«مسلم» طبقاً لنقل مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث .

9 ـ التّفسير الأمثل ، الجزء الثّالث .

10 ـ نور الثقلين ، ج4 ، ص 43 .

11 ـ الشاهد على هذا القول ، الشعر الذي نقله القرطبي في تفسيره عن أحد الشعراء العرب .

فكم سخنت بالأمسِ عينٌ قريرة وقرتْ عيون دمعها اليوم ساكب

12 ـ أورد هذه الروايات في تفسير آخر هذه الآية «علي بن إبراهيم» ، ومؤلف كتاب نور الثقلين في تفسيريهما .

13 ـ يراجع تفسير «القرطبي» وتفسير «الفخر الرازي» .

14 ـ الآية أعلاه من الآيات التي هي مورد مناقشات كثيرة بين المفسّرين ، وما قلناه في تفسيرها هو أوضح تفسير ، لكن جماعة من المفسّرين المعروفين ذكروا لها تفسير آخر خلاصته هكذا .

لا اعتناء لله بكم ، ذلك لأنّكم كذبتم بآياته ، إلاّ أن الله يدعوكم إلى الإيمان (طبقاً لهذها التّفسير : «دعاؤكم» من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول ، وفاعله ضمير يعود إلى «ربّي» .

لكن طبقاً للتفسير الذي اخترناه فإن «دعاؤكم» من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل ، وظاهر إضافة المصدر إلى الضمير هي أن تكون الإضافة إلى الفاعل ، إلاّ أن تظهر قرينة على خلافه) .

ثمّة تفسير ثالث لهذه الآية وهو أنّ الهدف بيان : إنّكم أيّها البشر ، غالباً ما سلكتم طريق التكذيب ، فلا وزن ولا قدر لكم عند الله ، إلاّ لأجل تلك الأقلية مثل «عباد الرحمن» الذين يتوجهون إلى الله ويدعونه بإخلاص (هذا التّفسير وإن كان صحيحاً من ناحية المعنى والمضمون ، لكنّه لا يوافق ظاهر الآية كثيراً ، ذلك لأنّ الضمير في «دعاؤكم» و«كذبتم» يعود ظاهراً إلى فئة واحدة لا فئتين (فتأمل !) .

15 ـ تفسير الصافي ، ذيل هذه الآية ـ نقلوا لهذه الرّواية أيضاً تفاسير أُخرى يتفاوت يسير ، نقلت أيضاً روايات أُخرى شاهدة على التّفسير أعلاه ، بعضها عن أمالي الشيخ الطوسي ، وبعضها عن تفسير علي بن إبراهيم ذيل هذه الآية .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .