المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16330 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الحث على المشاورة والتواضع
2024-04-24
معنى ضرب في الأرض
2024-04-24
معنى الاصعاد
2024-04-24
معنى سلطان
2024-04-24
معنى ربيون
2024-04-24
الإمام علي (علي السلام) وحديث المنزلة
2024-04-24

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (17-20) من سورة الفرقان  
  
3434   01:56 صباحاً   التاريخ: 4-9-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الفاء / سورة الفرقان /

قال تعالى : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان : 17 - 20] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ويوم يحشرهم} أي يجمعهم {وما يعبدون من دون الله} يعني عيسى وعزير والملائكة عن مجاهد وقيل يعني الأصنام عن عكرمة والضحاك {فيقول} الله تعالى لهؤلاء المعبودين {أ أنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل} أي طريق الجنة والنجاة {قالوا} يعني المعبودين من الملائكة والإنس أ والأصنام إذا أحياهم الله وأنطقهم {سبحانك} تنزيها لك عن الشريك وعن أن يكون معبود سواك {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} أي ليس لنا أن نوالي أعداءك بل أنت ولينا من دونهم وقيل معناه ما كان يجوز لنا وللعابدين وما كان يحق لنا أن نأمر أحدا بأن يعبدنا ولا يعبدك فإنا ل وأمرناهم بذلك لكنا واليناهم ونحن لا نوالي من يكفر بك ومن قرأ نتخذ فمعناه ما كان يحق لنا أن نعبد .

{ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر} معناه ولكن طولت أعمارهم وأعمار آبائهم ومتعتهم بالأموال والأولاد بعد موت الرسل حتى نسوا الذكر المنزل على الأنبياء وتركوه {وكانوا قوما بورا} أي هلكى فاسدين هذا تمام الحكاية عن قول المعبودين من دون الله فيقول الله سبحانه عند تبرء المعبودين من عبدتهم {فقد كذبوكم} أي كذبكم المعبودون أيها المشركون {بما تقولون} أي بقولكم أنهم آلهة شركاء لله ومن قرأ بالياء فالمعنى فقد كذبوكم بقولهم {سبحانك ما كان ينبغي لنا} الآية .

{فما يستطيعون صرفا} أي فما يستطيع المعبودون صرف العذاب عنكم {ولا نصرا} لكم بدفع العذاب عنكم ومن قرأ بالتاء فالمعنى فما تستطيعون أيها المتخذون الشركاء صرف العذاب عن أنفسكم ولا أن تنصروا أنفسكم بمنعها من العذاب {ومن يظلم منكم} نفسه بالشرك وارتكاب المعاصي {نذقه} في الآخرة {عذابا كبيرا} أي شديدا عظيما ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فقال {وما أرسلنا قبلك} يا محمد {من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} قال الزجاج وهذا احتجاج عليهم في قوله {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} أي فقل لهم كذلك كان من خلا من الرسل فكيف يكون محمد بدعا منهم .

{وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} أي امتحانا وابتلاء وهوافتتان الفقير بالغني يقول لوشاء الله لجعلني مثله غنيا والأعمى بالبصير يقول ل وشاء الله لجعلني مثله بصيرا وكذلك السقيم بالصحيح عن الحسن وقيل هوابتلاء فقراء المؤمنين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا من موالينا ورذالنا فقال الله لهؤلاء الفقراء {أ تصبرون} أيها الفقراء على الأذى والاستهزاء {وكان ربك بصيرا} إن صبرتم فاصبروا فأنزل الله فيهم إني جزيتهم اليوم بما صبروا عن مقاتل وقيل معناه أ تصبرون أيها الفقراء على فقركم ولا تفعلون ما يؤدي إلى مخالفتنا أ تصبرون أيها الأغنياء فتشكرون ولا تفعلون ما يؤدي إلى مخالفتنا {وكان ربك بصيرا} أي عليما فيغني من أوجبت الحكمة إغناءه ويفقر من أوجبت الحكمة إفقاره وقيل بصيرا بمن يصبر وبمن يجزع عن ابن جريج .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص286-287 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

 { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ } . ذكر سبحانه في الآيات السابقة المشركين وأقوالهم عن رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) وما يلاقونه غدا من عذاب الحريق ، وفي الآيات التي نحن بصددها ذكر جل وعز انه يوم القيامة يجمع بين المشركين والذين اتخذوهم شركاء للَّه ، ثم يسأل سبحانه الفريق المعبود على مسمع ومرأى من الفريق العابد المشرك ، يسألهم :

أأنتم غررتم بهؤلاء الضالين ، وقلتم لهم : نحن شركاء للَّه ؟ والغرض من هذا السؤال تبكيت المشركين وتأكيد الحجة التي لزمتهم بلسان الأنبياء والرسل .

{قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ} . أجاب الفريق المعبود : تنزهت يا إلهنا وتعاليت عن الشريك . . كيف ندع وإلى عبادتنا ونحن نوحدك ونعبدك بصدق واخلاص ، ونخاف عقابك ، ونرج وثوابك ، ولا نستعين بأحد سواك . . وفي هذا الجواب تقريع وتوبيخ للمشركين تماما كما في السؤال {ولكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وكانُوا قَوْماً بُوراً} ما زال الكلام للفريق المعبود ، ومعناه نحن ما أضللنا المشركين ، ولكن حكمتك يا إله العالمين قضت أن تمهلهم وآباءهم ، وأن تنعم عليهم بطول العمر والأموال والأولاد عسى أن يتوبوا ويستغفروا ، ولكنهم انصرفوا عنك إلى الدنيا وملذاتها ، فكانوا من الهالكين بتقصيرهم وسوء اختيارهم .

{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً ولا نَصْراً} . الخطاب من اللَّه للمشركين ، والمعنى كنتم أيها المشركون تقولون : نحن نعبد من نعبد ليشفعوا لنا عند اللَّه ، ويقربونا منه زلفى . . فما ذا رأيتم ؟ لقد تبرأوا منكم ، وكذبوكم في أقوالكم وأباطيلكم ، وهذا العذاب ينزل بكم ، ولا دافع يدفعه عنكم أ وناصر ينصركم من اللَّه {ومَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً ، كَبِيراً} ولا شيء أكبر وأعظم من نار جهنم ، وهي الجزاء لكل ظالم ومجرم .

{وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ ويَمْشُونَ فِي الأَسْواقِ} . نفى المشركون النبوة عن محمد (صلى الله عليه واله وسلم) لأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، فقال سبحانه ردا عليهم : وأية غرابة في ذلك ؟ فجميع الأنبياء من قبله كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، ومنهم من تعتقدون أنتم أيها المشركون بنبوتهم كإبراهيم وإسماعيل (عليه السلام) . أنظر تفسير الآية 7 من هذه السورة .

{وجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} . المراد بالفتنة هنا الامتحان والاختبار . . ان اللَّه سبحانه يختبر عباده ، وه وأعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي يستحق بها الثواب والعقاب كما قال الإمام علي (عليه السلام) ، ومن الأشياء التي امتحن اللَّه بها عباده ، بل من أظهرها إرسال الرسل إليهم مبشرين ومنذرين ، فمن آمن بهم ، وسمع لهم وأطاع فقد استحق الثواب ، ومن كفر وعاند استحق العقاب ، فوجود النبي كمنذر ومبشر هوامتحان للمؤمنين والكافرين ، وسبب لإظهار ما يكنه كل من الفريقين . . وأيضا وجود الكافرين والمنافقين ه وامتحان وابتلاء للأنبياء الصالحين ، لأن أهل الشر والفساد لا يدعون أهل الصلاح وشأنهم ، بل يحاولون إيذاءهم بكل سبيل ، بالإشاعات والافتراءات ، والدس والمؤامرات ، تماما كما فعل المشركون مع رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، ويفعل الآن العملاء المأجورون مع الأحرار المخلصين . . ويبتدئ تاريخ الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل بتاريخ الإنسانية ، فلقد قتل قابيل هابيل ، وهما من نطفة واحدة ، وخرجا من رحم واحد ، قتله لا لشيء إلا لأن اللَّه تقبل عمل هابيل لصلاحه ، ولم يتقبل عمل قابيل لفساده {أَتَصْبِرُونَ} أي أثبتوا على الحق أيها المؤمنون ، ولا تكترثوا بالمنافقين وأكاذيبهم {وكانَ رَبُّكَ بَصِيراً} بمن يفتري على الأبرياء الصالحين ، وبمن يثبت على الحق مهما تكن النتائج ويجزي كلا بما يستحق .

________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص 456 -457 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله} إلى آخر الآية ضمائر الجمع الأربعة عائدة إلى الكفار ، والمراد بما يعبدون الملائكة والمعبودون من البشر والأصنام إن كان {ما} أعم من غير أولي العقل ، وإلا فالأصنام فقط .

والمشار إليهم المعنيون بقوله : {عبادي هؤلاء} الكفار ومعنى الآية ظاهر .

قوله تعالى : {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} إلخ ، جواب المعبودين عن قوله : {ء أنتم أضللتم عبادي هؤلاء} إلخ وقد بدءوا بالتسبيح على ما هومن أدب العبودية في موارد يذكر فيها شرك أهل الشرك أو ما يوهم ذلك بوجه .

وقوله : {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} أي ما صح وما استقام لنا أن نتجاوزك إلى غيرك فنتخذ من دونك من أولياء وهم الذين عبدونا واتخذونا أولياء من دونك ، وقوله : {ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا} البور جمع بائر وهو الهالك وقيل : الفاسد .

لما نفى المعبودون المسئولون عن سبب ضلال عبادهم نسبة الإضلال إلى أنفسهم أخذوا في نسبته إلى الكفار أنفسهم مع بيان السبب الذي أضلهم وهو أنهم كانوا قوما هالكين أو فاسدين وقد متعتهم وآباءهم من أمتعة الحياة الدنيا ونعمها حتى طال عليهم التمتيع امتحانا وابتلاء فتمتعوا منها واشتغلوا بها حتى نسوا الذكر الذي جاءت به الرسل فعدلوا عن التوحيد إلى الشرك .

فكونهم قوما هالكين أو فاسدين بسبب انكبابهم على الدنيا وانهماكهم في الشهوات هو السبب في استغراقهم في التمتع وانصراف هممهم إلى الاشتغال بالأسباب وهو السبب لنسيانهم الذكر والعدول عن التوحيد إلى الشرك .

فتبين بذلك أن قوله : {وكانوا قوما بورا} من تمام الجواب وأما من جعل الجملة اعتراضا تذييليا مقررا لمضمون ما قبله واستفاد منه أن السبب الأصلي في ضلالهم أنهم كانوا بحسب ذواتهم أشقياء هالكين ، وليس ذلك إلا بقضاء حتم منه تعالى في سابق علمه فهو المضل لهم حقيقة ، وإنما نسب إلى أنفسهم أدبا .

ففيه أولا : أنه إفساد لمعنى الآية إذ لا موجب حينئذ لإيراد الاستدراك بقوله : {ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر} لكونه فضلا لا حاجة إليه .

وثانيا : أن نسبة البوار والشقاء إلى ذوات الأشياء ينافي ما أطبق عليه العقلاء بفطرتهم من تأثير التعليم والتربية ، والحس والتجربة يؤيدان ذلك وهو يناقض القول بالاختيار والجبر معا ، أما مناقضة القول بالاختيار فظاهر ، وأما مناقضة القول بالجبر فلأن الجبري يقصر العلية في الواجب تعالى وينفيه عن غيره ويناقضه نسبة الاقتضاء الضروري إلى ذوات الأشياء وماهياتها .

وثالثا : أن فيه خلطا في معنى القضاء من حيث متعلقه فكون القضاء حتما لا يوجب خروج الفعل الذي تعلق به من الاختيار إلى الإجبار فإن القضاء إنما تعلق بالفعل بحدوده وهو صدوره عن اختيار الفاعل من حيث إنه صادر عن اختياره فتعلقه يوجب تأكد كونه اختياريا لا أنه يزيل عنه وصف الاختيار .

ورابعا : أن قولهم : إن المضل بالحقيقة هو الله وإنما نسبوا الضلال إلى الكفار أنفسهم تأدبا وبمثله صرحوا في نسبة المعاصي والأعمال القبيحة الشنيعة والفجائع الفظيعة إلى فواعلها أنها في عين أنها من أفعاله تعالى إنما تنسب إلى غيره تأدبا كلام متهافت فإن الأدب - كما تقدم تفصيل القول فيه في الجزء السادس من الكتاب – هو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يقع عليها فعل ما ، وبعبارة أخرى ظرافة الفعل ، وإذ كان الحق الصريح في الفعل غير الجميل أنه فعل الله سبحانه ولا يشاركه في فعله غيره بأي وجه فرض كانت نسبته إلى غيره تعالى نسبة باطلة غير حق وكذبا وفرية لا تطابق الواقع فليت شعري أي أدب جميل في إماطة حق صريح وإحياء باطل؟ وأي ظرافة ولطف في الكذب والفرية بإسناد الفعل إلى غير فاعله؟ والله سبحانه أجل من أن يعظم بباطل أو بالستر على بعض أفعاله أو بالكذب والفرية بإسناد بعض ما يفعله إلى غيره ، وإذ كان جميلا لا يفعل إلا الجميل فما معنى التأدب بنفي بعض أفعاله عنه؟ .

قوله تعالى : {فقد كذبوكم بما تقولون فلا تستطيعون صرفا ولا نصرا} إلى آخر الآية ، كلام له تعالى يلقيه إلى المشركين بعد براءة المعبودين منهم ، وأما كلام المعبودين فقد تم في قوله : {وكانوا قوما بورا} .

والمعنى : فقد كذبكم المعبودون بما تقولون في حقهم إنهم آلهة من دون الله يصرفون عن عبدتهم السوء وينصرونهم ، وإذ كذبوكم ونفوا عن أنفسهم الألوهية والولاية فلا تستطيعون أنتم أيها العبدة أن تصرفوا عن أنفسكم العذاب بسبب عبادتهم ، ولا تستطيعون نصرا لأنفسكم بسببهم .

والترديد بين الصرف والنصر كأنه باعتبار استقلال المعبودين في دفع العذاب عنهم وهو الصرف .

وعدم استقلالهم بأن يكونوا جزء السبب وهو النصر .

وقرأ غير عاصم من طريق حفص {يستطيعون} بالياء المثناة من تحت وهي قراءة حسنة ملائمة لمقتضى السياق ، والمعنى : فقد كذبكم المعبودون بما تقولون إنهم آلهة يصرفون عنكم السوء أو ينصرونكم ويتفرع على ذلك أنهم لا يستطيعون لكم صرفا ولا نصرا .

وقوله : {ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا} المراد بالظلم مطلق الظلم والمعصية وإن كان مورد الآيات السابقة خصوص الظلم الذي هو الشرك ، فقوله : {ومن يظلم منكم} إلخ ، من قبيل وضع القانون العام موضع الحكم الخاص ، ولوكان المراد به الحكم الخاص بهم لكان من حق الكلام أن يقال : {ونذيقكم بما ظلمتم عذابا كثيرا لأنهم كلهم ظالمون ظلم الشرك .

والنكتة فيه الإشارة إلى أن الحكم الإلهي نافذ جار لا مانع منه ولا معقب له كأنه قيل : وإن كذبكم المعبودون وما استطاعوا صرفا ولا نصرا فالحكم العام الإلهي {من يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا على نفوذه وجريانه لا مانع منه ولا معقب له فأنتم ذائقون العذاب البتة .

قوله تعالى : {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} إلى آخر الآية .

أجاب تعالى عن قولهم : {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} إلخ ، أولا بقوله : {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} إلخ ، مع ما يلحقه من قوله : {بل كذبوا بالساعة} إلخ ، وهذا جواب ثان محصله أن هذا الرسول ليس بأول رسول أرسل إلى الناس بل أرسل الله قبله جما غفيرا من المرسلين وقد كانوا على العادة البشرية الجارية بين الناس يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ولم يخلق لهم جنة يأكلون منها ولا ألقي إليهم كنز ولا أنزل معهم ملك ، وهذا الرسول إنما هو كأحدهم ولم يأت بأمر بدع حتى يتوقع منه ما لا يتوقع من غيره .

فالآية في معنى قوله : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأحقاف : 9] ، وقريبة المعنى من قوله : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف : 110] .

فإن قيل : هذا في الحقيقة دفع للاعتراض عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة وتوجيهه إلى عامة الرسل فلهم أن يعترضوا على عامة الرسل كما وجهه سابقوهم وقد حكى الله عنهم ذلك قال : {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } [التغابن : 6] ، وقال : {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا } [إبراهيم : 10] ، وقال : { مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون : 33] .

قلنا : الجواب مطابق للاعتراض فإن قولهم : {ما لهذا الرسول يأكل} إلخ ، يعطي الخصوصية بلا إشكال وأما تعميم الاعتراض لو عمم فيدفعه قوله تعالى : {بل كذبوا بالساعة} إلخ ، وقوله قبل ذلك : {قل أنزله الذي يعلم السر} إلخ ، على ما تقدم من التقرير .

ومن عجيب القول ما عن بعض المفسرين أن الآية تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كأنه قيل : إن الرسل من قبلك كانوا على الحال التي أنت عليها فلك فيهم أسوة حسنة ، وأما كونه جوابا عن تعنتهم فالنظم لا يساعد عليه إذ قد أجيب عنه بقوله : {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} هذا وهو خطأ .

وقوله تعالى : {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أ تصبرون} متمم للجواب السابق بمنزلة التعليل لكون الرسل كسائر الناس في الخواص البشرية من غير أن تتميز حياتهم أو دعوتهم بخواص سماوية تورث القطع بكونهم حاملين للرسالة الإلهية كإنزال ملك عليهم أو إلقاء كنز إليهم أو خلق جنة لهم فكأنه قيل : والسبب في كون الرسل جارين في حياتهم على ما يجري عليه الناس أنا جعلنا بعض الناس لبعض فتنة يمتحنون بها فالرسل فتنة لسائر الناس يمتحنون بهم فيتميز بهم أهل الريب من أهل الإيمان والمتبعون للأهواء الذين لا يصبرون على مر الحق من طلاب الحق الصابرين في طاعة الله وسلوك سبيله .

وبما مر يتبين أولا : أن المراد بالصبر هو الصبر بأقسامه وهي الصبر على طاعة الله ، والصبر عن معصيته ، والصبر عند المصائب .

وثانيا : أن قوله : {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} من وضع الحكم العام موضع الخاص ، والمطلوب الإشارة إلى جعل الرسل - وحالهم هذه الحال - فتنة لسائر الناس .

وقوله تعالى : {وكان ربك بصيرا} أي عالما بالصواب في الأمور فيضع كل أمر في الموضع المناسب له ويجري بذلك أتم النظام فهدف النظام الإنساني كمال كل فرد بقطعه طريق السعادة أو الشقاوة على حسب ما يستعد له ويستحقه ولازمه بسط نظام الامتحان بينهم ولازمه ارتفاع التمايز بين الرسل وغيرهم .

وفي الجملة التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة ، والنكتة فيه نظيرة ما في قوله السابق : {تبارك الذي إن شاء} إلخ .

______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص153-157 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

المحاكمة بين المعبودين وعبدتهم الضالين :

كان الكلام في الآيات السابقة حول مصير كل من المؤمنين والمشركين في القيامة وجزاء هذين الفريقين ، وتواصل هذه الآيات نفس هذا الموضوع بشكل آخر ، فتبيّن السؤال الذي يسأل الله عنه معبودي المشركين في القيامة وجوابهم ، على سبيل التحذير ، فيقول تعالى أولا : واذكر يوم يحشر الله هؤلاء المشركين وما يعبدون من دون الله : {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله} .

فيسأل المعبودين : {فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل} .

ففي الإجابة : {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} .

فليس فقط أنّنا لم ندعهم إلى أنفسنا ، بل إنّنا كنّا نعترف بولايتك وربوبيتك ، ولم نقبل غيرك معبوداً لنا ولغيرنا .

وكان سبب انحراف أولئك هو : أنّ الله تعالى رزقهم الكثير من مواهب الدنيا ونعيمها فتمتعوا هم وآباءهم وبدلا من شكر الله تعالى غرقوا في هذه الملذات ونسوا ذكر الله : {ولكن متعتهم وآباءَهم حتى نسوا الذكر} ولهذا هلكوا واندثروا {وكانوا قوماً بوراً} .

هنا يوجه اللّه تبارك وتعالى الخطاب إلى المشركين فيقول : {فقد كذبتم بما تقولون} .

لأنّ الأمر هكذا ، وكنتم أنتم قد أضللتم أنفسكم فليس لديكم القدرة على دفع العذاب عنكم : {فما يستطيعون صرفاً ولا نصراً ، ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيراً} .

لا شك أنّ «الظلم» له مفهوم واسع ، ومع أنّ موضوع البحث في الآية هو«الشرك» الذي هو أحد المصاديق الجلية للظلم ، إلاّ أنّه لا يقدح بعمومية المفهوم .

 والملفت للنظر أن «من يظلم» جاءت بصيغة الفعل المضارع ، وهذا يدل على أن القسم الأوّل من البحث وأن كان مرتبطاً بمناقشات البعث ، لكن الجملة الأخيرة خطاب لهم في الدنيا ، لعل قلوب المشركين تصبح مستعدة للتقبل على أثر سماعها (محاورات العابدين والمعبودين في القيامة) ، فيحول الخطاب من القيامة إلى الدنيا فيقول لهم : {ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيراً} . (2)

 

وقوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا

 

هكذا كان جميع الأنبياء

في عدّة آيات سابقة وردت واحدة من ذرائع المشركين بهذه الصيغة : لماذا يأكل رسول الله الطعام ، ويمشي في الأسواق؟ وأجيب عليها بجواب إجمالي ومقتضب ، أمّا الآية مورد البحث فتعود إلى نفس الموضوع لتعطي جواباً أكثر تفصيلا وصراحة ، فيقول تعالى : {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ أنّهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} فقد كانوا من البشر ويعاشرون الناس ، وفي ذات الوقت {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} وامتحاناً .

وهذا الإمتحان ، قد يكون بسبب أنّ اختيار الأنبياء من جنس البشر ومن أوساط الجماهير المحرومة هو امتحان عظيم بذاته ، لأنّ البعض يأبون أن ينقادوا لمن هومن جنسهم ، خاصّة إذا كان في مستوىً واطىء من حيث الإِمكانات المادية ، وهم في مستوى عال مادياً ، أو أن أعمارهم أكبر ، أ وأنّهم أكثر شهرة في المجتمع .

ويرد احتمال آخر في المراد بالفتنة ، وه وأنّ الناس عموماً بعضهم لبعض فتنة ، ذلك أن المتقاعدين والعجزة والمرضى والأيتام والمزمنين فتنة للأقوياء والأصحاء السالمين ، وبالعكس ، فإنّ الأفراد الأصحاء الأقوياء فتنة للضعفاء والعجزة .

تُرى هل أنّ الفريق الثّاني راض برضا الله ! أم لا ؟

وهل أن الفريق الأوّل يؤدي مسؤوليته وتعهده إزاء الفريق الثّاني ، أم لا ؟!

من هنا ، لا تقاطع بين هذين التّفسيرين فمن الممكن أن يجتمع كلاهما في المفهوم الواسع للآية في أن الناس بعضهم لبعض فتنة .

 وعلى أثر هذا القول ، جعل الجميع موضع الخطاب فقال تعالى : {أتصبرون} ؟

ذلك لأنّ أهم ركن للنجاح في جميع هذه الإمتحانات هو الصبر والإستقامة والشجاعة . . . الصبر والإستقامة أمام خيالات الغرور الذي يمنع من قبول الحق . . . الصبر والإستقامة أمام المشكلات الناشئة من المسؤوليات وأداء الرسالات ، وكذلك الجلد أمام المصائب والحوادث الأليمة التي لا تخل ومنها حياة الإنسان على كل حال .

والخلاصة : أنّ من الممكن اجتياز هذا الإمتحان الإلهي العظيم بقوّة الإستقامة والصبر . (3)

ويقول تعالى في ختام الآية بصيغة التحذير : {وكان ربّك بصيراً} فينبغي ألا يتصور أحد أن شيئاً من تصرفاته حيال الإختبارات الإلهية يظل خافياً ومستوراً عن عين الله وعلمه الذي لا يخفى عليه شيء . إنّه يراها بدقة ويعلمها جميعاً .

سؤال :

يرد هاهنا استفسار ، وهوأن ردّ القرآن على المشركين في الآيات أعلاه قائم على أن جميع الأنبياء ، كانوا من البشر . وهذا لا يحلّ المشكلة ، بل يزيد من حدّتها ، ذلك أن من الممكن أن يعمموا إشكالهم على جميع الأنبياء .

والجواب :

أنّ الآيات القرآنية المختلفة تدلّ على أن إشكالهم على شخص النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكانوا يعتقدون أنه اتخذ لنفسه وضعاً خاصاً به ، ولهذا كانوا يقولون : مالهذا الرّسول . . .

يقول القرآن في جوابهم : ليس هذا منحصراً بالرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، فجميع الأنبياء كانت لهم مثل هذه الأوصاف ، وعلى فرض أنّهم سيعممون هذا الأشكال على جميع الأنبياء ، فقد أعطى القرآن جوابهم أيضاً حيث يقول : {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } [الأنعام : 9] «كي يستطيع أن يكون أسوة وأنموذجاً للناس في كل مجالات» . إشارة إلى أن الإنسان فقط يستطيع أن يكون مرشداً للإنسان ، فهو الواقف على جميع حاجاته ورغباته ومشكلاته ومسائله .

_____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص 173-180 .

2 ـ ويحتمل أن تكون الجملة الأخيرة استمراراً لمحاورة الله مع المشركين في القيامة ، ولا يضرّ كون الفعل مضارعاً ، لأنّ جملة (من يظلم . .)

ذكرت بصورة قانون عام (جملة شرطية) ، ونعلم أنّ الأفعال في الجملة الشرطية تفقد مفهومها الزماني ، وتبقى وحدة الإرتباط بين الشرط وجوابه معتبرة .

3 ـ من أجل توضيح أكثر في مسألة الإختبارات الإلهية ، والغاية من هذه الإختبارات وسائر أبعاد ذلك ، بحثنا ذلك بشكل مفصّل في ذيل الآية (55) من سورة البقرة .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



جامعة الكفيل تكرم الفائزين بأبحاث طلبة كلية الصيدلة وطب الأسنان
مشروع التكليف الشرعي بنسخته السادسة الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء
ضمن جناح جمعيّة العميد العلميّة والفكريّة المجمع العلمي يعرض إصداراته في معرض تونس الدولي للكتاب
جامعة الكفيل تعقد مؤتمرها الطلابي العلمي الرابع