أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2021
2348
التاريخ: 19-5-2016
3237
التاريخ: 2023-09-23
998
التاريخ: 5-12-2017
2834
|
من هو الغير؟
لا نقصد بالغير هنا الخلف العام عندما يصبح "غيراً " ، في تبرعات الوارث في مرض الموت . ولا الخلف الخاص عندما يصبح الخبراء في عقد أبرمه الخلف الخاص ولم تتوافر فيه الشروط المطلوبة بأن أبرم العقد بعد انتقال الشيء أو كان الحق أو الالتزام الناشئ من العقد ليس من مستلزمات الشيء، كذلك لا نقصد بالغير الدائن عندما يصبح "غيراً " في تصرفات مدينه المعسر أو في تصرفات المدين الواقعة إضرارا بحقوقه ويستطيع أن يطعن فيها بالدعوى البوليصية
وإنما نقصد بالغير هنا شخصا أجنبيا تماما عن العقد فليس هو طرفة فيه، ولا خلفة عامة أو خاصة لأحد العاقدين، ولا دائنة لا يهما.
لا يسري العقد في حق الغير:
والأصل أن العقد لا ينصرف أثره إلى هذا الغير الأجنبي تماما عن العقد، فالصلح الذي يقع بين الدائنين وأحد الورثة لا يسري في حق بقية الورثة، والعقد الذي بصدر من أحد الشركاء في الشيوع لا يقيد بقية الشركاء. وبيع ملك الغير لا يسري في حق المالك الحقيقي الذي لم يكن طرفا في العقد .
على أن اعتبارات ترجع إلى العدالة أو إلى استقرار التعامل قد تقضي استثناء بانصراف أثر العقد إلى الغير، فالعدالة قد تفضي بأن يكون للغير دعوى مباشرة في عقد لم يكن طرفا فيه، ولا يكون ذلك إلا بنص خاص في القانون، وذلك كالمؤجر برجع بدعوى مباشرة على المستأجر من الباطن (م 596 مدني) والمقاول من الباطن والعمال يرجعون بدعوى مباشرة على رب العمل (م 662 مدني)، واستقرار التعامل قد يقضي بأن ينصرف أثر العقد لمن لم يكن طرفا فيه، فالتصرف الصادر من الوارث الظاهر يسري في حق الوارث الحقيقي، والإيجار الصادر دون غش لمستأجر حسن النية يسري في حق المالك الحقيقي في بعض الأحوال.
التعهد عن الغير والاشتراط لمصلحة الغير:
ولكن الأثر الذي انصرف إلى الغير في الأحوال المتقدمة أثر غير مقصود، لم يرده المتعاقدان وقت التعاقد، فهو مبني على اعتبارات لا دخل للإرادة فيها. أما أن العقد ينتج أثرة ينصرف إلى الغير، ويكون أثرة مقصودة أراده المتعاقدان ، فذلك ما لا يجوز إذا أريد أن ينشئ العقد التزاما في ذمة الغير، وذلك ما يجوز إذا أريد أن يكسب العقد حقا للغير. وقد نصت المادة ۱۰۲ مدني على هذا الحكم إذ تقول : الا يرتب العقد التزاما في ذمة الغير، ولكن يجوز أن يكسبه حقا
فالتعهد عن الغير لا ينصرف أثره إلى الغير، ولا يرتب في ذمته التزاما، والاشتراط لمصلحة الغير ينصرف أثره إلى الغير، ويكسبه حقا. ونبحث كلا من هاتين المسألتين :
١. التعهد عن الغير. ۲. الاشتراط لمصلحة الغير
1- التعهد عن الغير
الصور العملية للتعهد عن الغير:
يراد عادة بالتعهد عن الغير علاج موقف لا يمكن فيه الحصول على رضاء ذي الشأن، فيلزم عنه غيره، مثل ذلك شركاء في الشيوع يتصرفون في الشيء الشائع وفيهم قاصر ويريدون تجنب الإجراءات الفضائية، أو كان أحدهم غير حاضر وقت العقد ولا يستطاع انتظاره خوف ضياع الصفقة، أو كانوا يقتسمون الشيء الشائع وفيهم من هو ناقص الأهلية ويريدون تجنب إجراءات القسمة الفضائية، في مثل هذه الأحوال يتعاقد الشركاء الذين بصح لهم التعاقد دون الذين لا يستطيعون ذلك، ويتعاقد الأولون عن أنفسهم وملتزمين عن الآخرين، وكذلك الوكيل إذا رأى أن يجاوز حدود الوكالة ولم يتمكن من أن يحصل على إذن من الموكل، ولم يتيسر له أن يعمل كفضولي، يستطيع فيما يجاوز فيه حدود الوكالة أن يتعاقد باسمه متعهدا عن الموكل
فمقومات التعهد عن الغير إذن ثلاثة :
1- أن يتعاقد المتعهد باسمه لا باسم الغير ، وهذا هو الفرق بين التعهد عن الغير من جهة وبين الوكيل والفضولي من جهة أخرى .
2- أن يريد المعهد عن الغير أن يلزم نفسه بهذا التعهد لا أن يلزم الغير . فلو أنه أراد إلزام الغير لكان التعاقد باطلا لاستحالة المحل، إذ لا يمكن قانونا أن يلزم شخص آخر بعقد لم يكن الملتزم طرفا فيه، أما في الاشتراط لمصلحة الغير، فسنرى أن المتعاقد يريد أن يجعل للغير حقا مباشرة بكسبه من العقد الذي لم يكن طرفا فيه.
3- أن يكون التزام المتعهد هو القيام بحمل الغير على قبول التعهد، وهذا التزام بعمل شيء. أما التعهد الذي براد حمل الغير على قبوله فقد يكون التزام بعمل كمقاول براد حمله على التعهد ببناء منزل، وقد يكون التزاما بالامتناع عن عمل كتاجر براد حمله على التعهد بعدم المنافسة، وقد يكون التزام بنقل حق عيني كشريك في الشيوع براد حمله على بيع حصته في الشيء الشائع، والتزام المعهد التزام بتحقيق غاية لا يبذل عناية، فلا يكفي أن يبذل المتعهد جهده الحمل الغير على قبول التعهد، بل يجب أن يصل إلى تحقيق هذه الغابة فيتعهد الغبر فعلا. ولكن إذا قبل الغير التعهد، فإن المتعهد لا يكفله في تنفيذه وفي هذا يخالف الكفيل للغير أن يقبل التعهد أو يرفضه:
وقد نصت المادة 103مدني على ما يأتي :
1- إذا تعهد شخص بأن يجعل الغير يلتزم بأمر، فلا يلزم الغير بتعهده، فإذا رفض الغير أن يلتزم، وجب على المتعهد أن يعرض من تعاقد معه، ويجوز مع ذلك أن يتخلص من التعويض بأن يقوم هو نفسه بتنفيذ الالتزام الذي تعهد به.
2- أما إذا قبل الغير التعهد، فإن قبوله لا ينتج أثرة إلا من وقت صدوره، ما لم يتبين أنه قصد صراحة أو ضمنا يستند أثر هذا القبول إلى الوقت الذي صدر فيه التعهد"
فالغير إذن حر في قبول التعهد أو رفضه، لأنه أجنبي عن العند فلا يلزمه العقد بشيء. ويبقى أن نستعرض حالة قبول الغير للتعهد وحالة رفضه إياه
قبول الغير للتعهد
يعتبر التعهد وهر عقد بين المتعهد والمتعاقد معه . بمثابة إيجاب معروض على الغير من جانب المتعاقد مع المتعهد. فإذا قبل الغير التعهد، فقد قبل هذا الإيجاب، وتم عقد جديد بينه وبين المتعاقد مع المتعهد، يختلف عن عقد المتعهد من حيث أطراف التعاقد ومن حيث محل العقد ومن حيث الوقت الذي يتم فيه
أما من حيث أطراف التعاقد، فعقد التعهد طرفاء المتعهد والمتعاقد معه والعقد الجديد طرفاه المتعاقد مع المتعهد والغير.
وأما من حيث محل العقد، فعقد التعهد ينشئ التزاما بعمل شيء كما قدمنا، والعقد الجديد ينشئ التزاما في جانب الغير محله قد يكون نقل حق عيني أو عملا أو امتناع عن عمل كما سبق القول، ومن ثم ليس التعهد عن الغير إلأ محض تطبيق للقواعد العامة ، فإن الغير لم يلتزم بالعقد الأول الذي كان أجنبية عنه، بل التزم بالعقد الجديد الذي كان طرفا فيه .
: وأما من حيث وقت تمام العقد، فعقد التعهد يتم عند تلافي الإيجاب والقبول من المتعهد والمتعاقد معه، والعقد الجديد لا يتم إلا عند صدور القبول من الغير. فليس للقبول أثر رجعي، إلا إذا تبين أن الغير قصد صراحة أو ضمنا أن يستند أثر القبول إلى الوقت الذي صدر فيه التعهد . فإذا تعاقد شركاء في الشيوع متعهدين عن قاصر فيهم، وقبل القاصر التعهد بعد بلوغه سن الرشد ، فالمفهوم ضمنا أن القاصر قصد أن يكون لقبوله أثر رجعي.
رفض الغير للتعهد:
وإذا رفض الغير التعهد فلا مسؤولية عليه، لأنه لم يكن طرفا فيه، فلا يلتزم به، ولكن المتعهد يبقى مسؤولا بموجب عقد التعهد، وعليه أن يعوض المتعاقد معه عن الأضرار التي أصابته من جراء رفض الغير للتعهد
ولا يمكن إجبار المعهد على تنفيذ التعهد الذي كان يراد من الغير أن يقبله، لأنه لم يلتزم إلا بحمل الغير على قبول هذا التعهد، وهو التزام بعمل كما قدمنا، ولكن يجوز للمتعهد، إن شاء ، أن يقوم بتنفيذ التعهد إذا كان تنفيذه ممكنة ولم يكن متصلا بشخص الغير. فالتزام المتعهد بتنفيذ هذا التعهد هو إذن التزام بدلي، إذ التزامه الأصلي هو دفع التعويض ولكن يستطيع أن يبرئ ذمته من التعويض بأن ينفذ التعهد المشار إليه.
2- الاشتراط لمصلحة الغير
كيف تطورت قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير وما وصلت إليه في تطبيقاتها العملية
لو أننا سرنا في الاشتراط لمصلحة الغير على مقتضى القواعد العامة كما فعلنا في التعهد عن الغير ، لوجب أن تكون الاشتراط لمصلحة الغير من عقدين، العقد الأول ما بين المشترط والمتعهد. يلتزم فيها المتعهد أن يتعاقد مع المنتفع والعقد الثاني ما بين المتعهد والمنتفع، يلتزم فيه المتعهد نحو المنتفع، ويكون الأساس القانوني واحدة في الاشتراط لمصلحة الغير والتعهد عن الغيرة في كليهما يكسب الغير حقا أو يترتب في ذمته التزام لا بموجب العقد الذي لم يكن طرفا فيه بل بموجب عقد جديد كان هو أحد طرفيه
ولكن الأساس القانوني في الاشتراط لمصلحة الغير يختلف عنه في العهد عن الغير ، فالاشتراط لمصلحة الغير لا يتضمن عقدين، بل هو لا يشتمل إلا على عقد واحد تم بين المشترط والمتعهد، والمنتفع أي الغير، إنما يكسب حقه من هذا العقد بالذات، أي من عقد لم يكن هو طرفا فيه. وهذا هو وجه الخروج على القواعد التقليدية التي تقضي بأن أثر العقد لا ينصرف إلى الغير ، فإن أثر العقد هنا . متمثلا في حق اشترط لمصلحة المنتفع . انصرف إلى المنتفع مع أنه ليس طرفة في العقد.
ولم يدخل هذا الاستثناء على القواعد التقليدية، ويبرز ليصبح هو نفسه قاعدة قائمة بذاتها. إلا بعد تطور طويل، فقد كان القانون الروماني لا يجيز أن ينصرف أثر العقد . التزاما أو حقا . إلى الغير، ووصل في ذلك إلى حد أن منع النيابة في التعاقد, ثم تطور تحت ضغط الضرورات العملية، فبدأ بأن جعل المشترط لمصلحة الغير يصطنع لنفسه حقا شخصية في العقد، بأن يضع شرطة جزائية يطالب به المتعهد إذا لم يقم هذا بما تعهد به لمصلحة المنتفع. ثم انقلب الشرط الجزائي الصريح إلى شرط جزائي مفروض، ولكن الذي يرجع بالتعويض هو المشترط، فلم يكن للمنتفع حق مباشر بكسبه من الاشتراط لمصلحته، ثم أعطى القانون الروماني للمنتفع حقا مباشرة في حالات استثنائية معينة أهمها الهبة إذا اشترط فيها الواهب على الموهوب له حقا لمصلحة الغير ، وورث القانون الفرنسي القديم هذه القواعد من القانون الروماني، وأضاف استثناء آخر هو اشتراط البائع على المشتري أن يدفع الثمن لشخص ثالث كدائن للبائع فيكون للشخص الثالث وهو المنتفع حق مباشر قبل المشتري، وسار التقنين المدني الفرنسي على هذا النحو، فلم بجز الاشتراط لمصلحة الغير إلا في حالتين:
1- الهبة بشرط، وهي التي تقدم ذكرها.
2- إذا صدر من المشترط عقد معارضة اشترط فيه أولا حقا لنفسه، ثم قرن ذلك بأن اشترط حقا للغير.
واستمر التطور في الفقه والفضاء طوال القرن التاسع عشر، ليواجه الحاجات العملية المتجددة، وبخاصة ما تفتضيه عقود التأمين التي كان لها أكبر الأثر في تطور قاعدة الاشتراط المصلحة الغير ففسر الفقه والقضاء في فرنسا كلمة اشترطا بمعنى تعاقد سواء كان المتعاقد مشترطة حقا لنفسه أو مرتبة التزاما في ذمته. ففي عقد التأمين نرى المتعاقد لمصلحة الغير لم يشترط لنفسه حقا، ولكنه رتب في ذمته التزاما هو دفع أقساط التأمين، ثم تطور الفقه والقضاء، فأصبح يكفي أن يكون للمشترط مصلحة مادية أو أدبية في الاشتراط لمصلحة المنتفع، وليس من الضروري أن يشترط لنفسه أو أن يلتزم عن نفسه، فإذا اشترطت أم على والد ابنها نفقة للابن جاز هذا الاشتراط ، دون أن تشترط الأم لنفسها شيئا أو تلتزم عن نفسها بشيء. ويكفي أن يكون لها مصلحة أدبية في أن نوفر لابنها نفقة تعوله . بل إن الفضاء والفقه وصلا في التطور إلى حد أن أجازا الاشتراط المصلحة شخص غير معين، بل لمصلحة شخص غير موجود. وكثيرا ما يؤمن رب العمل من مخاطر العمل لمصلحة عماله من غير تعيين ، فالمنتفع هنا أشخاص غير معينين ولكن تعيينهم مستطاع وقت أن ينتج العقد أثره، وكثيرا ما يؤمن الشخص لمصلحة أولاده الموجودين ومن سيوجد منهم، بل قد لا يكون له أولاد أصلا ومع ذلك يؤمن لمصلحة من عسى أن يوجد له من أولاد في المستقبل، فالمنتفع هنا أشخاص غير موجودين وقت إبرام عقد التأمين ولكنهم لا ينالون حقا إلا إذا وجدوا معينين بالذات وقت أن ينتج عقد التأمين أثره هذا هو التطور الذي وصلت إليه قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير، فانقلبت من استثناء محدود إلى قاعدة عامة ، وهذا هو ما عبر عنه التقنين المصري الجديد في عبارة صريحة ، فقال في المادة 152 إن العقد لا يرتب التزاما في ذمة الغير ولكن يجوز أن يكسبه حقا.
وهناك تطبيقات عملية كثيرة لقاعدة الاشتراط لمصلحة الغير على النحو الذي تطورت إليه أخيرا. من ذلك الهبة أو البيع مع اشتراط الواهب أو البائع على الموهوب له أو المشتري ترتيب إيراد أو أي حق آخر لمصلحة الغير ، ومنها بيع العين المرهونة مع اشتراط البائع على المشتري أن يدفع الثمن إلى الدائن المرتهن. كذلك قد يشترط صاحب المتجر عند بيع متجره لمصلحة العمال والمستخدمين، فيأخذ على المشتري عهدا أن يبقيهم في العمل أو ألا ينقص من أجورهم، وعقد التأمين على الحياة هو خير مثل للاشتراط لمصلحة الغير، والمتعاقد تارة يؤمن لمصلحته ولمصلحة ورثته من بعده، وطورة يؤمن لمصلحة أقارب له معينين أو قابلين للتعيين. وقد يؤمن المستحق في وقف، عندما كان الوقف الأهلي قائما، على حياته لمصلحة دائنة . وعد التأمين على الحياة توجد عقود تأمين أخرى يشترط فيها المؤمن لمصلحة الغير، فكثيرا ما يؤمن رب العمل لمصلحة عماله ، وقد يؤمن عامل النقل لمصلحة مرسل البضاعة وقد بؤمن المدين الراهن على المنزل المرهون من الحريق لمصلحة الدائن المرتهن، وإذا حصلت شركة على احتكار تلتزم به مرفقة عاما، كالمياه والنور والغاز والنقل، فإن مانع الاحتكار يشترط عادة على المحتكر شروطا لمصلحة المنتفعين من الجمهور، كحد معين من الأجور، وكثيرا ما يفرض رب العمل في عقود المقاولات على المقاول شروطا لمصلحة العمال : حدة معينة من حيث الأجور، وشروطا معينة من حيث ساعات العمل ومن حيث التعويض عن الإصابات.
وننتقل الآن إلى بيان شروط تحقق قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير ، ثم إلى بيان أحكام هذا الاشتراط شروط تحقيق قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير
الاشتراط لمصلحة الغير يفترض وجود أشخاص ثلاثة : المشترط والمعهد والمنتفع. ولكي يتحقق يجب أن تتوافر الشروط الثلاثة الآتية :
1- أن يشترط المشترط على المتعهد حقا مباشرة للمنتفع .
2- أن يتعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع
3- أن يكون للمشترط من وراء هذا الاشتراط مصلحة شخصية .
فيجب أولا أن يشترط المشترط حلها مباشرة للمنتفع. أما إن اشترط لنفسه هو، فإن هذا لا يكون اشتراطا لمصلحة الغير وإن عادت منه فائدة على الغير. مثل ذلك أن يؤمن شخص على مسؤوليته عما ينجم من الضرر للغير، فإن الغير منا يستفيد من التعويض الذي تدفعه شركة التأمين إذ يستطيع أن يستوفي منه حفه , ولكن ليس له حق مباشر إذ أن المؤمن له قد اشترط لنفسه لا للمصاب، ومن ثم لا يرجع المصاب على شركة التأمين إلا بطريق الدعوى غير المباشرة فيستعمل دعوى المدين ويزاحمه سائر دائني هذا المدين، كذلك لا يكفي إعطاء حق للمنتفع إذا لم ينشأ هذا الحق مباشرة من عقد الاشتراط الذي تم ما بين المشترط والمتعهد. فإذا اشترط المشترط الحق لنفسه ثم حوله للغير، لم يكن في هذا اشتراط لمصلحة الغير لأن الغير قد استمد الحق من عند الحوالة لا من عقد الاشتراط. وكما لا يستمد المنتفع حقه من عقد بينه وبين المشترط، كذلك لا يستمد هذا الحق من عقد بينه وبين المتعهد، وإنما يستمد الحق مباشرة من عقد الاشتراط بين المشترط والمنتفع.
ويجب ثانية أن يتعاند المشترط باسمه لا باسم المنتفع. وهذا الذي يميز الاشتراط لمصلحة الغير عن النيابة ، فالنائب، وكي أو ولية أو وصية أو فضولية أو غير ذلك، بتعاقد باسم الأصيل لا باسمه، والأصيل لا النائب هو الطرف في العقد. أما المشترط فيتعاقد باسمه لا باسم المنتفع، وهو نفسه الطرف في العقد وليس المنتفع، ويتبين من ذلك أن المشترط ليس فضولية يتعاقد بالنيابة عن المنتفع. فهذا رأي قديم تبين الأن فساده. فالفضولي بعمل لحساب رب العمل ويلتزم بالمضي فيما بدا فيه، أما المشترط فيعمل لحسابه ، ولا يلتزم بالمضي في عمله بل له أن ينفض الاشتراط للمنتفع ويضيف الحق لنفسه أو لشخص آخر.
ويجب ثالثة أن يكون للمشترط مصلحة شخصية في الاشتراط للغير، وهذا فرق آخر بينه وبين الفضولي، فالفضولي يقوم بمصلحة ضرورية عاجلة لرب العمل دون أن تكون له أية مصلحة شخصية في ذلك، أما المشترط فيقوم للمنتفع بمصلحة ضرورية أو غير ضرورية وله في ذلك مصلحة شخصية مادية أو أدبية، ويكفي أن يكون للمشترط مصلحة شخصية، وليس من الضروري أن يكون له دور شخصي في العقد، فقد رأينا الأم وهي تشترط على والد ابنها النفقة للابن لا تقوم بعمل الفضولي لأن لها مصلحة شخصية في الاشتراط فهي مدفوعة بعامل الأمومة لا بعامل المروءة، وهي في الوقت ذاته ليس لها دور شخصي في التعاقد فهي لم تلتزم شخصية ولم يترتب لها شخصيا أي حقه
أحكام الاشتراط لمصلحة الغير:
أثر الاشتراط لمصلحة الغير يظهر في العلاقة ما بين الأشخاص الثلاثة بعضهم ببعض : في علاقة المشترط بالمتعهد، وفي علاقة المشترط بالمنتفع، وفي علاقة المتعهد بالمنتفع.
أما علاقة المشترط بالمتعهد، فهذه بحددها عقد الاشتراط الذي تم فيما بينهما. فإذا كان هذا العقد عقد بيع مثلا اشترط فيه البائع على المشتري دفع الثمن لدائن البائع ، التزم المشترط (البائع) نحو المتعهد (المشتري) بأن ينقل إليه ملكية المبيع وبتسليمه إياه، والتزم أيضا بضمان الاستحقاق والعيوب الخفية وغير ذلك من التزامات البائع. والتزام المتعهد نحو المشترط بتسلم المبيع ودفع مصروفات البيع، والتزم في الوقت ذاته نحو دائن المشترط بدفع الثمن. ولكل من المشترط والمتعهد أن ينمسك قبل الآخر بأوجه الدفع المستمدة من عقد البيع من نحو أوجه بطلان أو أسباب الفضاء. وللمشترط فوق ذلك أن يطالب المتعهد بأن ينفذ التزامه نحو الدائن فيدفع له الثمن، ويطالبه بتنفيذ هذا الالتزام باسمه لا باسم الدائن، لأن له مصلحة شخصية فيه وقد بنينا قيام الاشتراط لمصلحة الغير على هذه المصلحة الشخصية
وأما علاقة المشترط بالمنتفع، فقد تكون علاقة تبرع وقد تكون علاقة معاوضة، فإذا كان | المشترط أراد التبرع للمنتفع، فلا يشترط شكل الهبة لأنها هنا هبة غير مباشرة. ولكن الأحكام الموضوعية للهبة تسري ، فيجب توافر أملية التبرع في المشترط، ويجوز الطعن في الهبة بالدعوى البوليصية ولا يشترط أن يكون أي من المشترط والمنتفع سيء النية. ويلاحظ أن المقدار الموهوب
ليس هو ما التزم به المتعهد نحو المنتفع، بل هو مقدار ما دفعه المشترط للمتعهد بشرط ألا يزيد عما التزم به المتعهد نحو المنتفع. فإذا أعطى شخص آخر شيئا قيمته ألف واشترط عليه التزاما المصلحة الغير فيمنه خمسمائة ، فإن المقدار الذي وهبه المشترط للمنتفع هو خمسمائة لا ألف. وإذا كان المشترط لم يرد التبرع، فالعلاقة بينه وبين المنتفع يحددها موقف الأول من الثاني بحسب الأحوال. فقد يكون المشترط مدينة للمنتفع واشترط لمصلحته وفاء للدين ، وقد يكون أراد إقراض المنتفع من طريق الاشتراط لمنفعته وقد يكون أراد توكيل المنتفع في شراء شيء واشترط لمصلحته حتى يهيء له ثمن المبيع.
بقيت علاقة المتعهد بالمنتفع، وهي أخص ما في الاشتراط لمصلحة الغير من طابع بتميز به عن غيره من ضروب التعاقد، فالمنتفع كما قدمنا يكسب من عقد الاشتراط الذي لم يكن طرفا فيه حقا مباشرة يطالب به التعهد. وإذا قيل كيف ينشئ العقد حقا للغير، قلنا ولهذا قامت قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير . ثم لماذا لا ينشئ العقد حقا للغير ، إذا كان هذا الحق لا يصبح باتا إلا برضاء الغير ؟ ليس في المنطق القانوني ما يجعل هذا متعذرة، وإنما هي القاعدة الرومانية العنيفة التي كانت تقضي بأن العقد يقتصر أثره على المتعاقدين نزولا على اعتبارات ترجع للصياغة القانونية عند الرومان، ولا معنى لبقاء هذه القاعدة بعد زوال مقتضياتها. بل ليس في المنطق القانوني ما يستعصي على أن يكون التعهد عن الغير . عندما تقوم الحاجة العملية إلى ذلك ولم تقم بعد . على غرار الاشتراط لمصلحة الغير ، فيترتب في ذمة الغير التزام من عقد لم يكن طرفا فيه، ما دام هذا الالتزام لا يصبح باتا إلا برضاء الغير . ومع وضوح ذلك نرى الفقهاء يعقدون عادة بحثا تقليدية يتساءلون فيه أين مصدر الحق الذي ثبت للمنتفع؟ لعله يكون في عقد جديد تم بين المشترط والمنتفع، أو بين المتعهد والمنتفع، أو لعل الحق قد نشأ من عمل المشترط على أساس أنه فضولي يعمل لمصلحة المنتفع، أو لعله يكون هو حق المشترط كسبه من العقد وحوله بعد ذلك للمنتفع؛ وقد سبق أن فندنا كل هذا، والواقع من الأمر أن الفقهاء يناقضون أنفسهم عندما يقررون أن الاشتراط لمصلحة الغير لا يتفق مع القاعدة القديمة التي كانت تقضي بأن العقد لا بنشي، حفا للغير، ثم إذا وصلوا إلى المكان الذي يبحثون فيه عن مصدر حق المنتفع نسوا ما قرروه من قبل، وحاولوا أن يخضعوا حق المنتفع لهذه القاعدة القديمة ذاتها التي سبق لهم أن أنكروها! فلا بجرؤ فقيه على أن يرجع هذا الحق إلى عقد الاشتراط ذاته ، خوفا من أن يصطدم بهذه القاعدة! أما نحن فلا تتردد في القول بأن حق المنتفع هو حق مباشر مصدره عند الاشتراط ذاته، ولكل من هاتين الخاصيتين نتائج عملية هامة.
أما النتائج التي تترتب على أن حق المنتفع حق مباشر لا يتلقاه من المشترط، فمنها :
١. لا شأن لدائني المشترط بهذا الحق بعد موته، بل بخلص الحق للمنتفع وحده لأنه لم يتلقه من المشترط، ولو كان قد تلقاه منه بطريق الميراث لتلقاه مثقلا بديون التركة. وأهم تطبيق لهذه النتيجة عقد التأمين على الحياة، فإذا تعاقد المؤمن له مشترطة لمصلحة أولاده ثم مات، فإن الأولاد لا يتلقون الحق في تركة أبيهم، بل هو حقهم المباشر قبل شركة التأمين، فلا يثقل هذا
الحق بديون التركة ولا بأخذ الدائنون منه شيئا.
۲. ولما كان المنتفع، بموجب حقه المباشر، أصبح دائنا للمتعهد، فدائنو المتعهد وند أصبح المنتفع واحدة منهم يشتركون معه شركة غرماء في استبقاء حقوقهم من مال المتعهد . فالمنتفع، ولا شأن له كما رأينا بدائني المشترط، بتحمل على العكس من ذلك مزاحمة دائني المنتفع.
وأما النتائج التي تترتب على أن حق المنتفع المباشر مصدره عند الاشتراط ذاته ، فمنها:
۱. لما كان حق المنتفع مصدره عقد الاشتراط، فإن هذا الحق يوجد منذ صدور العقد لا من وقت إعلان المنتفع إرادته في الاستفادة من الاشتراط أي وقت إقراره للحق. ويترتب على ذلك أنه إذا فقد المتعهد أهليته في الفترة ما بين صدور العند وصدور إقرار المنتفع لحقه، لم يكن هذا مانعة للمنتفع من أن يصدر إقراره ويترتب على ذلك أيضا أن المنتفع إذا رفض الاشتراط، جاز الطعن في رفضه بالدعوى البوليصية، لأنه يكسب الحق منذ صدور عقد الاشتراط، فرفضه إياه بعد ذلك يعتبر إنقاصا من حقوقه.
٢. لما كان حق المنتفع مصدره عند الاشتراط، فإن المتعهد يستطيع أن يتمسك قبل المنتفع بجميع الدفوع الجائزة في هذا العقد، فله أن يطعن فيه بأي وجه من وجوه البطلان، وله أن ينمسك بفسخه إذا تحقق ما يوجب الفسخ وحق المنتفع المباشر الذي يكسبه من عقد الاشتراط قابل للنقض إلى أن يصدر منه إقرار لهذا الحق، والذي يثبت له حق النقض هو المشترط. وهو حق شخصي لا ينتقل إلى الورثة ، وبوجه المشترط النقض إلى المنتفع أو إلى المعهد، ولكن يجب إعلان المتعهد دائما بالنقض حتى يمتنع عن تنفيذ التزامه نحو المنتفع. وليس للنقض شكل مخصوص وكما يقع صريحة يصح أن يكون ضمنية وإذا نقض المشترط حق المنتفع جاز له أن يعين منتفعة آخر يحل محل المنتفع الأول ويثبت له الحق من وقت العقد كذلك فلا يتلقاه من المنتفع الأول، ويجوز للمشترط أن يضيف الحق إلى نفسه، وهو على كل حال إذا لم يعين بعد النقض منتفعة أخر أصبح حق المنتفع له هو، وانقلب الاشتراط لمصلحة الغير في هذه الحالة عقدة عادية .
ولا ينقطع حق النقض إلا إذا صدر إقرار المنتفع للاشتراط. وإقرار المنتفع هو تثبيت لحقه ، وليس قبولا لإيجاب معروض عليه من المتعهد أو من المشترط، ولا بد من صدور هذا الإقرار من المنتفع كي لا يثبت له حق دون رضاه ، فإذا صدر الإقرار تثبت الحق من وقت العقد لا من وقت الإقرار ، ويستطيع المنتفع أن يصدر إقراره في أي وقت شاء ما دام المشترط لم ينقض الحق، ولا بد من إعلان المتعهد بالإقرار حتى يسري في حقه. فإذا صدر الإقرار، أصبح الحق غير قابل للنقض، وكان المدين بهذا الحق هو المتعهد أو ورثنه. وقد يرفض المنتفع الحق الذي اشترط لمصلحته، وفي هذه الحالة ينصرف الحق إلى المشترط أو إلى ورثته من وقت العقد الا من وقت الرفض . ويجوز للمشترط، عند رفض المنتفع أن يعين منتفعا آخر بحل محل المنتفع الذي رفض ، ويثبت حق هذا المنتفع الآخر من وقت العقد لا من وقت تعيين المشترط إياه.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|