أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2020
2790
التاريخ: 26-8-2020
4671
التاريخ: 27-8-2020
8396
التاريخ: 26-8-2020
3792
|
قال تعالى : {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُو الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُو وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُو الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [الشورى : 19 - 22]
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {الله لطيف بعباده} أي حفي بار بهم رفيق عن ابن عباس وعكرمة والسدي وقيل اللطيف العالم بخفيات الأمور والغيوب والمراد به هنا الموصل المنافع إلى العباد من وجه يدق إدراكه وذلك في الأرزاق التي قسمها الله لعباده وصرف الآفات عنهم وإيصال السرور والملاذ إليهم وتمكينهم بالقدر والآلات إلى غير ذلك من ألطافه التي لا يوقف على كنهها لغموضها .
ثم قال سبحانه {يرزق من يشاء} أي يوسع الرزق على من يشاء يقال فلان مرزوق إذا وصف بسعة الرزق وقيل معناه يرزق من يشاء في خفض ودعة ومن يشاء في كد ومشقة ومتعبة وكل من رزقه الله من ذي روح فهو ممن شاء الله أن يرزقه {وهو القوي} القادر الذي لا يعجز {العزيز} الغالب الذي لا يغالب .
{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} معنى الحرث في اللغة الكسب وفلان يحرث لعياله ويحترث أي يكتسب أي من كان يريد بعمله نفع الآخرة ويعمل لها نجازه بعمله ونضاعف له ثواب عمله فنعطيه على الواحد عشرة ونزيد على ذلك ما نشاء {ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} أي ومن كان يريد بعمله نفع الدنيا نعطه نصيبا من الدنيا لا جميع ما يريده بل على حسب ما تقتضيه الحكمة كما قال سبحانه عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد {وما له في الآخرة من نصيب} وقيل معناه من قصد بالجهاد وجه الله فله سهم الغانمين والثواب في الآخرة ومن قصد به الغنيمة لم يحرم ذلك وحصل له سهمه من الغنيمة ولكن لا نصيب له من الثواب في الآخرة وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال (من كانت نيته الدنيا فرق الله عليه أمره وجعل الفقر بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت نيته الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة) . وقيل : من كان يعمل للآخرة نال الدنيا والآخرة ومن عمل للدنيا فلا حظ له في ثواب الآخرة لأن الأعلى لا يجعل تبعا للأدون ، عن الحسن .
وقوله تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [الشورى : 21 ، 22]
لما أخبر الله سبحانه أن من يطلب الدنيا بأعماله فلا حظ له في خير الآخرة قال {أم لهم شركاء} أي بل لهؤلاء الكفار شركاء فيما كانوا يفعلونه {شرعوا لهم} أي بينوا لهم ونهجوا لهم {من الدين ما لم يأذن به الله} أي ما لم يأمر به الله ولا أذن فيه أي شرعوا لهم دينا غير دين الإسلام عن ابن عباس {ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم} أي لولا أن الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب لهذه الأمة إلى الآخرة لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا {وإن الظالمين} الذين يكذبونك {لهم عذاب أليم} في الآخرة .
{ترى الظالمين مشفقين} أي خائفين {مما كسبوا} أي من جزاء ما كسبوا من المعاصي وهو العقاب الذي استحقوه {وهو واقع بهم} لا محالة لا ينفعهم منه خوفهم من وقوعه والإشفاق الخوف من جهة الرقة على المخوف عليه من وقوع الأمر {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات} فالروضة الأرض الخضرة بحسن النبات والجنة والأرض التي يحفها الشجر {لهم فيها ما يشاءون عند ربهم} أي لهم ما يتمنون ويشتهون يوم القيامة الذي لا يملك فيه الأمر والنهي غير ربهم ولا يريد بعند قرب المسافة لأن ذلك من صفات الأجسام وقيل عند ربهم أي في حكم ربهم .
{ذلك هو الفضل الكبير} أي ذلك الثواب هو الفضل العظيم من الله إذ نالوا نعيما لا ينقطع بعمل قليل منقطع ثم قال {ذلك} الفضل الكبير .
_________________
1- مجمع اللبيان ، الطبرسي ، ججج999 ، ص45-47 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وهُو الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} . ذكر سبحانه في هذه الآية انه اللطيف الرزاق ، والقوي العزيز ، والمراد باللطيف البر ، قال تعالى : {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } [الطور : 28] والبر هو المحسن ، ومعنى الرزاق ان اللَّه يهب الإنسان القوة وجميع الطاقات التي تؤهله للعمل من أجل الرزق ، ويرشده إلى طريقه وسبيله ، بالإضافة إلى أن ما في الأرض والسماء من الخيرات هومن صنعه تعالى وفضله ، أما القوي العزيز فهو الذي لا يقهر ولا يغلب ، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
{مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ومَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} . من عمل للآخرة فله أجر ما عمل ، ويزيده اللَّه من فضله أضعافا ، ولا ينقص من دنياه شيئا ، وليس من شك ان الكد في سبيل العيش من عمل الآخرة أيضا ، ومن أعرض عن الآخرة وعمل للدنيا وحدها تمتع فيها أياما قلائل ، ثم يرتحل عنها إلى عذاب مقيم . . وأسوأ حالا ومآلا من هذا الذين يتاجرون بالدين ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة نفاقا ورياء .
وتقدم مثله في الآية 145 من سورة آل عمران ج 2 ص 172 والآية 18 من سورة الإسراء ج 5 ص 32 .
{أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . أم استفهام توبيخ وانكار ، والمراد بالشركاء هنا شياطين الإنس والجن ، وشرعوا أي أغروا وزينوا ، والمعنى لما ذا يعمل المجرمون للدنيا ، وينسون الآخرة ؟ ألأن لهم شياطين يصدونهم عنها ، ويوسوسون لهم بأشياء ما هي من دين اللَّه في شيء ؟ ثم هددهم سبحانه وتوعدهم بقوله : {ولَولا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} . لقد شاءت حكمته تعالى أن يؤخر عذاب المجرمين إلى يوم يبعثون ، ولولا ذلك لأخذ بنقمته كل معتد أثيم {وإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة ، والقليل منه كثير بالنسبة إلى عذاب الدنيا .
{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وهُو واقِعٌ بِهِمْ والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} . تجري غدا عملية الإحصاء والفرز لجميع الأعمال ، فمن عمل صالحا فهو في أمن وجنان ، له فيها ما أحب وأراد {ذلِكَ هُو الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} ومن عمل السيئات فهو في خوف من غضب اللَّه وعذابه . .
وهذا العذاب محيط به لا محالة جزاء لما كسبت يداه .
أطعني تكن مثلي :
كنت من قبل في شك من حديثين ترددا كثيرا على سمعي ، أولهما هذا الحديث القدسي : يا عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون . وثانيهما هذا الحديث النبوي : ان للَّه عبادا إذا أرادوا أراد . شككت في سند هذين الحديثين لأني لم أجد لهما أي أثر في هذه الحياة . . ثم أدركت ، وأنا أفسر آي الذكر الحكيم ان موضوع الحديثين الآخرة لا الدنيا ، فزال الشك ، وأيقنت ان كلا من الحديث القدسي والنبوي هو تفسير وبيان لقوله تعالى : {والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ونحوه من الآيات .
___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص519-520 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز} في معنى اللطف شيء من الرفق وسهولة الفعل وشيء من الدقة في ما يقع عليه الفعل فإذا تم الرفق والدقة وكان الفاعل يفعل برفق وسهولة ويقع فعله على الأمور الدقيقة كان لطيفا كالهواء النافذ في منافذ الأجسام برفق وسهولة المماس لدقائق أجزائها الباطنة .
وإذا ألقيت الخصوصيات المادية عن هذا المعنى صح أن يتصف به الله سبحانه فإنه تعالى ينال دقائق الأمور بإحاطته وعلمه ويفعل فيها ما يشاء برفق فهو لطيف .
وقد رتب الرزق في الآية على كونه تعالى لطيفا بعباده قويا عزيزا دلالة على أنه تعالى بلطفه لا يغيب عنه أحد ممن يشاء أن يرزق ولا يعصيه وبقوته عليه لا يعجز عنه وبعزته لا يمنعه مانع عنه .
والمراد بالرزق ما يعم موهبة الدين الذي يتلبس بها من يشاء من عباده على ما يشهد به الآية التالية ، ولذا ألحق القول فيه بقوله : {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} .
قوله تعالى : {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} إلخ ، الحرث الزرع والمراد به نتيجة الأعمال التي يؤتاها الإنسان في الآخرة على سبيل الاستعارة كان الأعمال الصالحة بذور وما تنتجه في الآخرة حرث .
والمراد بالزيادة له في حرثه تكثير ثوابه ومضاعفته ، قال تعالى : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام : 160] ، وقال : {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة : 261] .
وقوله : {ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} أي ومن كان يريد النتائج الدنيوية بأن يعمل للدنيا ويريد نتيجة ما عمله فيها دون الآخرة نؤته من الدنيا وما له في الآخرة نصيب ، وفي التعبير بإرادة الحرث إشارة إلى اشتراط العمل لما يريده من الدنيا والآخرة كما قال تعالى : {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم : 39] .
وقد أبهم ما يعطيه من الدنيا إذ قال : {نؤته منها} إشارة إلى أن الأمر إلى المشية الإلهية فربما بسطت الرزق وربما قدرت كما قال تعالى : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء : 18] .
والالتفات من الغيبة إلى التكلم بالغير في قوله {نزد له} و{نؤته منها} للدلالة على العظمة التي يشعر بها قوله : {وهو القوي العزيز} .
والمحصل من معنى الآيتين : أن الله سبحانه لطيف بعباده جميعا ذو قوة مطلقة وعزة مطلقة يرزق عباده على حسب مشيته وقد شاء في من أراد الآخرة وعمل لها أن يرزقه منها ويزيد فيه ، وفيمن أراد الدنيا وعمل لها فحسب أن يؤتيه منها وما له في الآخرة من نصيب .
ويظهر من ذلك أن الآية الأولى عامة تشمل الفريقين ، والمراد بالعباد ما يعم أهل الدنيا والآخرة ، وكذا الرزق وأن الآية الثانية في مقام تفصيل ما في قوله : {يرزق من يشاء} من الإجمال .
قوله تعالى : {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} إلى آخر الآية لما بين أن الله سبحانه هو الذي أنزل الكتاب بالحق وشرع لهم الدين الذي هو ميزان أعمالهم وأنه بلطفه وقوته وعزته يرزق من أراد الآخرة وعمل لها ما أراده منها ويزيد ، وإن من أراد الدنيا ونسي الآخرة لا نصيب له فيها سجل على من كفر بالآخرة عدم النصيب فيها بإنكار أن لا دين غير ما شرعه الله يدين به هؤلاء حتى يرزقوا بالعمل به مثل ما يرزق أهل الإيمان بالآخرة فيها إذ لا شريك لله حتى يشرع دينا غير ما شرعه الله من غير إذن منه تعالى فلا دين إلا لله ولا يرزق في الآخرة رزقا حسنا إلا من آمن بها وعمل لها .
فقوله : {أم لهم شركاء} إلخ ، في مقام الإنكار ، وقوله : {ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم} إشارة إلى الكلمة التي سبقت منه تعالى أنهم يعيشون في الأرض إلى أجل مسمى ، وفيه إكبار لجرمهم ومعصيتهم .
وقوله : {وإن الظالمين لهم عذاب أليم} وعيد لهم على ظلمهم ، وإشارة إلى أنهم لا يفوتونه تعالى فإن لم يقض بينهم ولم يعذبهم في الدنيا فلهم في الآخرة عذاب أليم .
قوله تعالى : {ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم} إلخ ، الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعنوان أنه سامع فيشمل كل من من شأنه أن يرى ، والمراد بالظالمين التاركون لدين الله الذي شرعه لعباده المعرضون عن الساعة ، والمعنى : يرى الراءون هؤلاء الظالمين يوم القيامة خائفين مما كسبوا من السيئات وهو واقع بهم لا مناص لهم عنه .
والآية من الآيات الظاهرة في تجسم الأعمال ، وقيل : في الكلام مضاف محذوف والتقدير مشفقين من وبال ما كسبوا ، ولا حاجة إليه .
وقوله : {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات} في المجمع ، : أن الروضة الأرض الخضرة بحسن النبات ، والجنة الأرض التي تحفها الشجر فروضات الجنات الحدائق المشجرة المخضرة متونها .
وقوله : {لهم ما يشاءون عند ربهم} أي إن نظام الأسباب مطوي فيها بل السبب الوحيد هو إرادتهم وحدها يخلق الله لهم من عنده ما يشاءون ذلك هو الفضل الكبير .
__________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص33-35 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
مزرعة الدنيا والآخرة :
بما أن الآيات السابقة كانت تتحدث عن العذاب الإلهي الشديد وعن طلب منكري المعاد للتعجيل بقيام القيامة ، لذا فإنّ أوّل آية نبحثها هنا تقرن «الغضب» الالهي مع «اللطف» الالهي في معرض ردها على استعجال منكري المعاد : {الله لطيف بعباده} .
فعندما يهددهم بالعذاب الشديد في موضع ، يعدهم باللطف في موضع آخر ، ذلك اللطف الواسع غير المحدود ولا يعجّل في عقاب الجاهلين المغرورين .
ثم تطرح الآية أحد مظاهر لطفه العام وهو الرزق ، فتقول : {يرزق من يشاء} . وهذا لا يعني أن هناك جماعة محرومون من رزقه ، بل المقصود البسط في الرزق لمن يشاء ، كما جاء في الآية 26 من سورة الرعد : {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } [الرعد : 26] .
ونقرأ في آية قادمة في هذا السورة : {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى : 27] .
وواضح أن (الرزق) هنا يشمل الرزق المعنوي والمادي ، الجسماني والروحاني فعندما يكون هو مصدر اللطف والرزق ، فلماذا تتوجهون نحو الأصنام التي لا ترزق ولا تتلطف ، لا تحل مشاكلكم .
وتقول الآية في نهايتها : {وهو القوي العزيز} .
وعندما يعد الله تعالى عباده بالرزق واللطف فهو قادر على إنجاز هذا الأمر ، ولهذا السبب لا يوجد أي تخلف في وعوده أبداً .
ومن الضروري الإنتباه إلى هذه الملاحظة وهي أن (لطيف) لها معنيان : الأوّل : أنّه صاحب اللطف والمحبة والرحمة . والثّاني : علمه بجميع الأمور الصغيرة والخافية ، وبما أن رزق العباد يحتاج إلى الإحاطة والعلم بالجميع وفي أي مكان كانوا ، سواء في السماء أوفي الأرض ، لذا فإن الآية تشير في البداية إلى لطفه ثمّ إلى رزقه ، كما أن القرآن يضيف في الآية (6) من سورة هود وبعد أن يذكر : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [هود : 6] قوله : {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود : 6] .
وطبعاً لا يوجد أي تناقض بين هذين المعنيين ، بل يكمل أحدهما الآخر ، فاللطيف هو الشخص الذي يكون كاملا من حيث المعرفة والعلم ، ومن حيث اللطف والمحبّة لعباده ، وبما أن الخالق يعلم باحتياجات عباده بشكل جيد فانه يسدد احتياجاتهم بأفضل وجه ، لذا فهو الاجدر بهذا الاسم .
على أية حال ، فإنّ الآية أعلاه أشارت إلى أربعة صفات من أوصاف الخالق : اللطف ، والرزق ، والقوّة ، والعزّة ، وهي أفضل دليل على مقام (ربوبيته) ، لأن (الرب) يجب أن تتوفر فيه هذه الصفات .
الآية التي بعدها شبّهت أفراد العالم حيال رزق الخالق وكيفية الإستفادة منه بالمزارعين الذين يقوم قسم منهم بالزراعة للآخرة والقسم الآخر للدنيا ، وتحدد عاقبة كلّ قسم منهم وفق تشبيه لطيف حيث تقول : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى : 20] (2) .
إنه لتشبيه لطيف وكناية جميلة ، فجميع الناس مزارعون ، وهذه الدنيا مزرعة لنا ، أعمالنا هي البذور ، والإمكانات الإلهية هي المطر لهذه المزرعة ، إلاّ أن هذه البذور تختلف كثيراً ، فبعضها غير محدودة النتاج وأبدية ، أشجارها دائمة الخضرة ومثمرة وبعضها الآخر قليل النفع جداً ، وتنتهي بسرعة ، وتحمل ثماراً مرّة .
وفي الحقيقة ، فإن عبارة (يريد) تشير إلى اختلاف الناس في النيات ، ومجموع هذه الآية يعتبر توضيحاً لما جاء في الآية السابقة من المواهب والرزق الإلهي ، فالبعض يستفيد من هذه المواهب على شكل بذور للآخرة ، والبعض الآخر يستعملها للتمتع الدنيوي .
والطريف في الأمر أن الآية تقول بخصوص الذين يزرعون للآخرة : {نزد له في حرثه} إلاّ أنّها لا تقول أنّه لا يصيبهم شيء من متاع الدنيا ، وبالنسبة لمن يزرع للدنيا تقول : {نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب} .
وعلى هذا الأساس فلا طلاّب الدنيا يصلون إلى ما يريدون ، ولا طلاّب الآخرة يحرمون من الدنيا ، ولكن مع الفارق ، وهو أن المجموعة الأولى تذهب إلى الآخرة بأيد فارغة ، والمجموعة الثانية بأيد مملوءة .
وقد جاء ما يشبه نفس هذا المعنى في الآية 18 و19 من سورة الإسراء ، ولكن بشكل آخر : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا } [الإسراء : 18 ، 19]
عبارة {نزد له في حرثه} تتلاءم مع ما ورد في آيات قرآنية اُخرى ، مثل : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام : 160] و { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر : 30] .
على أية حال ، فالآية أعلاه صورة ناطقة تعكس التفكير الإسلامي بالنسبة الى الحياة الدنيا ، الدنيا المطلوبة لذاتها ، والدنيا التي تعتبر مقدمة للعالم الآخر ومطلوبة لغيرها ، فالإسلام ينظر إلى الدنيا على أنّها مزرعة يقتطف ثمارها يوم القيامة .
والعبارات الواردة في الروايات أوفي آيات قرآنية اُخرى تؤّكد هذا المعنى .
فمثلا تشبّه الآية (216) من سورة البقرة المنفقين بالبذر الذي له سبعة سنابل ، وفي كلّ سنبلة مئة حبة ، وأحياناً أكثر . وهذا نموذج لمن يبذر البذور للآخرة .
ونقرأ في حديث عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) . «وهل يكب الناس على مناخرهم في النّار إلاّ حصائد ألسنتهم» (3) .
وجاء في حديث آخر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إن المال والبنين حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما الله لأقوام» (4) .
ويمكن أن نستفيد هذه الملاحظة من الآية أعلاه ، وهي أن الدنيا والآخرة تحتاجان إلى السعي ، ولا يمكن نيلهما دون تعب وأذى ، كما أن البذر والثمر لا يخلوان من التعب والأذى ، لذا فالأفضل للإنسان أن يزرع شجرة ويبذل جهده في تربيتها ، ليكون ثمرها حلو المذاق ودائمياً وأبدياً ، وليست شجرة تموت بسرعة وتُفنى .
ونُنهي هذا الكلام بحديث عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول : «من كانت نيّته الدنيا فرق الله عليه أمره ، وجعل الفقر بين عينيه ، ولم يأته من لدنيا إلاّ ما كتب له ، ومن كانت نيّته الآخرة جمع الله شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة» (5) .
وما هو مشهور بين العلماء أن (الدنيا مزرعة الآخرة) فهو في الحقيقة اقتباس من مجموع ما ذكرناه أعلاه .
قال تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُو وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُو الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [الشورى : 21 ، 22]
أجر الرسالة في مودة أهل البيت (عليهم السلام)
بما أنّ الآية 13 من هذه السورة كانت تتحدث عن تشريع الدين من قبل الخالق بواسطة الأنبياء أولي العزم ، لذا فإن أوّل آية في هذا البحث ـ كاستمرار للموضوع ـ تقول في مجال نفي تشريع الأخرين ، وأن جميع القوانين ليست معتبرة قبال القانون الإلهي ، وأن التقنين يختص بالخالق : {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} .
فهو خالق ومالك ومدبر عالَم الوجود ، ولهذا السبب تنفرد ذاته المنزهة بحق التقنين ، ولا يستطيع شخص أن يتدخل في تشريعاته دون إذن ، لذا فكل شيء باطل قبال تشريعه .
وبعد ذلك يقوم القرآن بتهديد المشرعين بالباطل ، حيث تقول الآية : {ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم} حيث يصدر الأمر بعذابهم .
وفي نفس الوقت يجب عليهم أن لا ينسوا هذه الحقيقة وهي : {وإن الظالمين لهم عذاب أليم} .
المقصود من (كلمة الفصل) هي المدّة المقررة المعطاة من قبل الخالق لمثل هؤلاء الأفراد ، كي تكون لهم حرية العمل وتتم الحجة عليهم .
كما أن عبارة (ظالمين) تتحدث عن المشركين الذين لهم عقائد منحرفة قبال القوانين الإلهية وذلك بسبب اتساع مفهوم الظلم ، وإطلاقه على أي عمل ليس في مورده .
ويظهر أن المقصود من (العذاب الأليم) هو عذاب يوم القيامة ، لأن هذه العبارة عادةً ما تستخدم بهذا المعنى في القرآن الكريم ، والآية التي بعدها تشهد على هذه الحقيقة ، وما قاله بعض المفسّرين (كالقرطبي) من أن ذلك يشمل عذاب الدنيا والآخرة مستبعد .
ثم تذكر الآية بياناً مجملا حول (عذاب الظالمين) ثمّ بياناً مفصلا عن (جزاء المؤمنين) ، فتقول : (ترى الظالمين مشفقين ممّا كسبوا وهو واقع بهم) . (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات) .
«روضات» جمع (روضة) وتعني المكان الذي يشتمل على الماء والشجر الكثير ، لذا فإن كلمة (روضة) تطلق على البساتين الخضراء ، ونستفيد من هذه العبارة بشكل واضح أن بساتين الجنّة متفاوتة ، والمؤمنون من ذوي الأعمال الصالحة في أفضل بساتين الجنّة ، ومفهوم هذا الكلام أن المؤمنين المذنبين سيدخلون الجنّة بعد أن يشملهم العفو الإلهي بالرغم من أن مكانهم ليس في (الروضات) .
إلاّ أن الفضل الإلهي بخصوص المؤمنين ذوي الأعمال الصالحة لا ينتهي هنا ، فسوف يشملهم اللطف الإلهي بحيث : {لهم ما يشاؤون عند ربّهم} .
ولهذا الترتيب لا يوجد أي قياس بين (العمل) و (الجزاء) ، بل إن جزاءهم غير محدود من جميع الجهات ، لأن جملة : (لهم ما يشاؤون) تكشف عن هذه الحقيقة .
والأجمل من ذلك عبارة (عند ربّهم) حيث توضح اللطف الإلهي اللامتناهي بشأنّهم ، وهل هناك فوز أكبر من أن يصلوا إلى قرب مقام الخالق؟ فكما يقول بخصوص الشهداء : بل أحياء عند ربّهم يرزقون ، كذلك يقول بشأن المؤمنين ذوي الأعمال الصالحة : لهم ما يشاؤون عند ربّهم .
وليس غريباً أن تقول الآية في نهايتها : {ذلك هو الفضل الكبير} .
وقد قلنا ـ مراراً ـ أنّه لا يمكن شرح نعم الجنّة من خلال الكلام ، فنحن المكبلون بقيود عالم المادة ، لا نستطيع أن ندرك المفاهيم التي تتضمّنها جملة : {لهم ما يشاؤون عند ربّهم} . فماذا يريد المؤمنون؟ وما هي الألطاف الموجودة في جوار قربه تعالى ؟!
وعادة عندما يقوم الخالق العظيم بوصف شيء ما بالفضل الكبير ، فإنّ ذلك يكشف عن مقدار العظمة بحيث يكون أعظم من كلّ ما نفكر به .
وبعبارة اُخرى : سوف يصل الأمر بهؤلاء العباد الخلّص أنّه سيتوفر لهم كلّ ما يريدونه ، يعني سيظهر في وجودهم شعاع من قدرة الخالق الأزلية ، أي {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس : 82] ، فهل هناك فضيلة وموهبة أعظم من هذه ؟
_____________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص267-273 .
2 ـ مصطلح (حرث) كما يقول الراغب في مفرداته : تعني في الأصل : رمي البذر في الأرض وتهيئتها للزراعة ، وفي القرآن الكريم استخدمت عدّة مرّات بهذا المعنى ، ولكن لا يعلم سبب اعتبار بعض المفسّرين أنّها تعني (العمل والكسب) .
3 ـ المحجة البيضاء ، المجلد الخامس ، ص193 (كتاب آفات اللسان) .
4 ـ الكافي ، وفقاً لنقل نور الثقلين ، المجلد الرابع ، ص 569 .
5 ـ مجمع البيان ، نهاية الآيات التي نبحثها .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|