المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23

طول الأمل‏
22-9-2016
اللون الأحمر ودلالته
2024-06-04
اتصال غير مباشر (الرسائل في أسلوب إجراء الحديث الصحفي)
25-7-2019
سعد بن طريف
9-9-2016
انواع المعابد عند الباليين القدماء
3-1-2021
الشمولية والكيل للطلاء والوارنيش والمواد اللاصقة
2023-08-22


تفسير الاية (16-21) من سورة الأسراء  
  
6757   06:33 مساءً   التاريخ: 17-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الإسراء /

 

قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُو مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء: 16، 21]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} لما لم يجز في العقول تقديم إرادة العذاب على المعصية لأنه عقوبة عليها ويستحقه لأجلها فمتى لم توجد المعصية لم يحسن فعل العقاب وإذا لم يحسن فعله لم تحسن إرادته اختلفوا في تأويل الآية وتقديرها على وجوه أحدها : إن معناه وإذا أردنا أن نهلك أهل قرية بعد قيام الحجة عليهم وإرسال الرسل إليهم أمرنا مترفيها أي رؤساءها وساداتها بالطاعة واتباع الرسل أمرا بعد أمر نكرره عليهم وبينة بعد بينة نأتيهم بها إعذارا للعصاة وإنذارا لهم وتوكيدا للحجة ففسقوا فيها بالمعاصي وأبوا إلا تماديا في العصيان والكفران.

 { فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} أي: فوجب حينئذ عليها الوعيد { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} أي: أهلكناها إهلاكا وإنما خص المترفين وهم المنعمون والرؤساء بالذكر لأن غيرهم تبع لهم فيكون الأمر لهم أمرا لأتباعهم وعلى هذا فيكون قوله { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} جوابا لإذا وإليه يؤول ما روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أن معناه أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا ومثله أمرتك فعصيتني ويشهد بصحة هذا التأويل الآية المتقدمة وهي قوله { من اهتدى } فإنما يهتدي لنفسه إلى قوله { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وثانيها : إن قوله { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} من صفة القرية وتقديره وإذا أردنا أن نهلك قرية صفتها أنا كنا قد أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فلا يكون لإذا جواب ظاهر في اللفظ للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة عليه ونظيره قوله سبحانه { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} إلى قوله { فنعم أجر العاملين } فلم يأت لإذا جواب في طول الكلام للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة ومما يشهد بصحة ذلك قول الهذلي :

حتى إذا سلكوهم في قتائدة                 شلا كما تطرد الجمالة الشردا(2)

 فحذف جواب إذا لأن هذا البيت آخر القصيدة  وثالثها : إن الآية محمولة على التقديم والتأخير وتقديرها إذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة فعصوا أردنا إهلاكهم ومما يمكن أن يكون شاهدا لهذا الوجه قوله { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} وقيام الطائفة معه يكون قبل إقامة الصلاة لأن إقامتها هي الإتيان بجميعها على الكمال وكذلك قوله { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} والطهارة إنما تجب قبل القيام إلى الصلاة  ورابعها : أنه سبحانه ذكر الإرادة على وجه المجاز والاتساع وإنما عنى بها قرب الهلاك والعلم بكونه لا محالة كما يقال إذا أراد العليل أن يموت خلط في مأكله ويسرع إلى ما تتوق نفسه إليه وإذا أراد التاجر أن يفتقر أتاه الخسران من كل وجه ومعلوم أن العليل والتاجر لم يريدا في الحقيقة شيئا لكن لما كان من المعلوم من حال هذا الهلاك ومن حال ذلك الخسران حسن هذا الكلام واستعمل ذكر الإرادة لهذا الوجه ولكلام العرب إشارات واستعارات ومجازات لأجلها كان كلامهم في الغاية القصوى من الفصاحة والوجه الأول عندي أصح الوجوه وأقربها إلى الصواب إذا تأولت الآية على الأمر الذي هو ضد النهي إذا تأولت الآية على معنى القراءتين الأخيرتين من آمرنا بالمد وأمرنا بالتشديد فلن يخرج على هذا الوجه وتكون محمولة على أحد الأوجه الثلاثة الأخر.

 ثم بين سبحانه ما فعله من ذلك بالقرون الخالية فقال: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ} أي: من الأمم الكثيرة المكذبة { من بعد نوح } أي: من بعد زمان نوح إلى زمانك هذا لأن كم تفيد التكثير كما أن رب تفيد التقليل والقرن مائة وعشرون سنة عن عبد الله بن أبي أوفى وقيل: مائة سنة عن محمد بن القسم المازني وروي ذلك مرفوعا وقيل ثمانون سنة عن الكلبي وقيل أربعون سنة ورواه ابن سيرين مرفوعا { وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} أي: كفى ربك عالما بذنوب خلقه { بصيرا } بها يجازيهم عليها ولا يفوته شيء منها.

 ثم بين سبحانه أنه يدبر عباده بحسب ما يراه من المصلحة فقال { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ} أي: النعم العاجلة وهي الدنيا فعبر عنها بصفتها { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} من البسط والتقتير وعلق ذلك بمشيئته لا بمشيئة العبد فقد يشاء العبد ما لا يشاؤه الله فلا يعطيه لكونه مفسدة { لمن نريد } أي: لمن نريد إعطاءه بين بذلك أنه ربما يكون حريصا يريد الدنيا فلا يعطي وإن أعطي أعطي قليلا { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا} أي: يصير بصلاها ويحترق بنارها { مذموما } ملوما { مدحورا } مبعدا من رحمة الله وروي عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال معنى الآية من كان يريد ثواب الدنيا بعمله الذي افترضه الله عليه لا يريد به وجه الله والدار الآخرة عجل له فيها ما يشاء الله من عرض الدنيا وليس له ثواب في الآخرة وذلك أن الله سبحانه وتعالى يؤتيه ذلك ليستعين به على الطاعة فيستعمله في معصية الله فيعاقبه الله عليه.

 { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ } أي: ومن أراد خير الآخرة ونعيم الجنة { وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي: فعل الطاعات وتجنب المعاصي وهو مع ذلك مصدق بتوحيد الله مقر بأنبيائه { فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} أي: تكون طاعتهم مقبولة وقيل شكره أنه سبحانه يضاعف حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم عن قتادة والمعنى أنا أحللنا سعيهم محل ما يشكر عليه في حسن الجزاء وروي عن الحسن أنه قال : اطلبوا الآخرة فما رأيت طالبا لها إلا نالها وربما نال الدنيا وما رأيت طالب دنيا نال الآخرة وربما لا ينال الدنيا أيضا { كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ} أي: كل واحد من هذين الفريقين ممن يريد الدنيا وممن يريد الآخرة نمدهم أي نزيدهم وقيل كلا نعطي من الدنيا البر والفاجر عن الحسن والمعنى أنا نعطي المؤمن والكافر في الدنيا وأما الآخرة فللمتقين خاصة { من عطاء ربك } أي: نعمة ربك ورزقه { وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} معناه: وما كان رزق ربك محبوسا عن الكافر لكفره ولا عن الفاسق لفسقه.

(( سؤال)): فإن قيل هل يجوز أن يريد المكلف بعمله العاجل والآجل والجواب نعم إذا جعل العاجل تبعا للآجل كالمجاهد في سبيل الله يقاتل لإعزاز الدين ويجعل الغنيمة تبعا { أنظر } يا محمد { كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} بأن جعلنا بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء وبعضهم موالي وبعضهم عبيدا وبعضهم أصحاء وبعضهم مرضى على حسب ما علمناه من المصالح { وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} أي: درجاتها ومراتبها أعلى وأفضل وهي مستحقة على قدر الأعمال فينبغي أن تكون رغبتهم في الآخرة وسعيهم لها أكثر قد روي أن ما بين أعلى درجات الجنة وأسفلها ما بين السماء والأرض وفي الآية دلالة على أن الطاعة لا تزيد في رزق الدنيا وإنما تزيد في درجات الآخرة.

___________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص234-237.

2- البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي. وقتادة:وموضع.والجمالة:أصحاب الجمال،كالبغالة،والحمارة،وانتصاب(شلا) على المصدر،يعني اذا سلكوهم هذا الموضع،شلوهم شلا يشبه طرد الشرد من الجمال اذا تزاحمت على الماء.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

المترفون :

حين بلغت بالتفسير إلى قوله تعالى : { أَمَرْنا مُتْرَفِيها الخ . } تذكرت سؤالا وجّهه إليّ أحد خطباء العراق قائلا : لما ذا تصب جام غضبك على المترفين في كتاباتك ومؤلفاتك ؟ . فقلت له : ولما ذا أنت تدافع عنهم ؟ . ألأنك منهم ، أولأنهم أولياء نعمتك ؟ . فتراجع عن سؤاله واعتذر . . وهذا ما دعاني أن أعرض تفسير الآية على النحوالتالي :

1 - وردت كلمة المترفين ومشتقاتها في القرآن بثماني آيات - كما في المرشد - وجاءت في نهج البلاغة في العديد من الموارد . . هذا عدا عن كلمة الغنى ، وما يتفرع منها ، وما ذكرت كلمة الترف في كلام اللَّه وأوليائه إلا مقرونة بالذم .

2 - قال أهل اللغة : ترف الرجل تنعم ، وأترفه المال أبطره وأفسده ، واستترف بغى وتغطرف . هذا هوتعريف المترفين في اللغة ، أما صفاتهم كما جاءت في كتاب اللَّه وغيره فغفلة عن اللَّه ، وبغي على عباد اللَّه ، واستكبار على أمر اللَّه ، وحرب لأولياء اللَّه . . حديثهم التكاثر والتفاخر ، وطبعهم الجفاء والتهاتر . . إلى كثير من ألقاب الذم . . إلا من رحم اللَّه ، ورحم نفسه .

3 – { وإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً } . المأمور به محذوف أي أمرنا مترفيها بالعدل والطاعة ، وذكر أهل التفاسير أربعة أقوال في معنى هذه الآية ، أرجحها ان اللَّه سبحانه أطلق كلمة المترفين على جميع أهل القرية ، من باب استعمال الجزء في الكل ، ومثل هذا الاستعمال كثير في كلام العرب إذا كان الجزء عضوا رئيسيا في الكل ، كالعين بالنسبة إلى جسم الإنسان ، فقد استعملوها في طليعة الجيش ، لأن للعين مزية على سائر أعضاء الجسم ، ولما كان المترفون أقدر وأسرع إلى الفسق ، وأجرأ على المعصية من غيرهم ، وهم في الوقت نفسه متبوعون تقلدهم العامة فيما يفعلون ، لما كان كذلك - صح اطلاق كلمة المترفين على جميع أهل القرية كما صح اطلاق كلمة العين على الإنسان .

وعلى هذا يكون معنى الآية ان اللَّه لا يهلك أهل قرية إلا إذا استحقوا الهلاك والدمار ، وهم يستحقون ذلك بعد ان تقوم عليهم الحجة بإرسال الرسل ، يأمرونهم بالخير ، وينهونهم عن الشر ، ويحذرونهم من المخالفة والعصيان ، فإذا فسقوا وخرجوا عن الطاعة حقت عليهم كلمة العذاب ، وأنزل اللَّه بهم الهلاك والدمار .

ومع العلم بأن هذا المعنى يحتمه اللفظ ، ولا يأباه العقل فإننا نذهب في تفسير الآية مذهبا آخر ، وهو ان أي مجتمع يوجد فيه مترفون بالمعنى الذي ذكرناه فهومجتمع يعيش في ظل نظام فاسد جائر ، لأن وجود المترفين فيه تماما كوجود السرطان في الجسم ، والمسؤول الأول عن وجود الفاسدين في المجتمع هو المجتمع بالذات ، حيث لم يقف منهم موقف المقاوم ، أوالمستخف بشأنهم - على الأقل - بل أضفى عليهم ألقاب الشرف والسيادة ، وأحاطهم بالتكريم والتعظيم ، ومنحهم ثقته أيام الانتخاب ، واختارهم لمنصب الحكم والقيادة ، وبهذا يكون المجتمع الذي عبر عنه سبحانه بالقرية - شريكا للمترفين الفاسقين في جميع جرائمهم وآثامهم ، ومستحقا للهلاك والدمار تماما كالمترفين . . فقد جاء في الحديث الشريف : { الراضي بالظلم كفاعله . . الساكت عن الحق شيطان أخرس } فكيف إذا كان مناصرا للباطل ؟ وقال السيد الأفغاني : { أيها الفلاح الذي تشق الأرض بمحراثك ، لما ذا لا تشق به قلب من يستعبدك ؟ } . انظر ما قلناه عند تفسير الآية 11 من سورة الرعد : { إِنَّ اللَّهً لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ } .

وتجدر الإشارة إلى أن الهلاك على أنواع ، فيكون بالطوفان أوالخسف والزلازل والصواعق ، وأيضا يكون بالاذلال وتسليط الأشرار ، وهذا أوجع وأفظع . وقد عاقب اللَّه به أمة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) لما تركوا الجهاد ، وتغاضوا عن أهل الشر والفساد ، ورضوا لأنفسهم المذلة والهوان ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) : { ان في سلطان الإسلام عصمة لأمركم ، فأعطوه طاعتكم . . واللَّه لتفعلن أولينقلن اللَّه عنكم سلطان الإسلام ، ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز - يرجع - الأمر إلى غيركم } . أي إذا أطعنا الإسلام عشنا في حصن حصين من المناعة والكرامة ، والا انتقل عنا الحكم والسلطان إلى أعدائنا ، ثم لا يرجع إلينا أبدا . . وما قرأت هذا الانذار إلا اعترتني رعدة هزتني من الأعماق .

{ وكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ } . هذا تهديد ووعيد للذين كذبوا محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) بأن اللَّه سبحانه قادر أن يجعل مصيرهم كمصير الذين كذبوا أنبياءهم في القرون الخالية كعاد وثمود : { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ } - 98 الأعراف . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : { ان رضا اللَّه فيما بقي واحد ، وسخطه فيما بقي واحد ، واعلموا انه لن يرضى عنكم بشيء سخطه على من كان قبلكم ، ولن يسخط عليكم بشيء رضيه ممن كان قبلكم } . . . { وكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } بإساءة من أساء فيعاقبه بما يستحق . قال رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) لأبي ذر : { ان المؤمن يرى ذنبه تحت صخرة يخاف ان تقع عليه ، وان الكافر يرى ذنبه كأنه ذبابة تمر على أنفه } .

{ مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ } . ليس المراد ان كل ما يطلبه الإنسان يحققه له اللَّه . . كلا ، فإننا نريد أشياء وأشياء ، ولا نرى منها شيئا ، بل في كثير من الأحيان لا نرى بعض ما نريد ، وإنما المقصود من الآية ان من يعمل للدنيا فقط غير مؤمن بشيء إلا بمنفعته فإنه يستثمر نتيجة عمله وجهده . . هذا مع مشيئة اللَّه وإرادته ، وإلا فإن العبد لا يصل إلى شيء إذا أبى اللَّه ذلك حتى ولوعمل ليله ونهاره . . إن اللَّه لا يعطي ما أردنا إلا إذا أراد ، وهذا معنى قوله تعالى : { ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ } . . { ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً } لأنه لا يؤمن إلا بمصلحته ، ولا يهتم إلا بنفسه ، ولا يعمل إلا لها .

{ ومَنْ أَرادَ الآخِرَةَ وسَعى لَها سَعْيَها وهُو مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً } .

وسعى لها سعيها أي أراد الخير وفعله وآمن به لا لشيء إلا لوجه اللَّه والخير ، وهذا هو الذي يستحق الدرجات العلى عند اللَّه وعند الناس ، أما من يعمل للربح والتجارة فإن له نار جهنم يصلاها مذموما مدحورا . قال الرسول الكريم ( صلى الله عليه واله وسلم ) :

{ من كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله فهجرته إلى اللَّه ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أوامرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه } . ونخلص من هذا ان للإسلام منهجا يوجه الإنسان إلى فعل الخير وهجر الشر لذاتيهما ، فيلتزم الصدق - مثلا - لأنه يجب أن يلتزم ، ويلتزم اجتناب الكذب لأنه يجب أن يجتنب ، وهكذا سائر الفضائل والرذائل ، وقد عبّر الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) عن هذا المنهج بأبلغ تعبير ، حيث قال : ( انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .

ومن الواضح ان الخلق لا يكون كريما إلا إذا كان خالصا من كل شائبة .

{ كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وهَؤُلاءِ } إشارة إلى كل من الفريقين ممن يعمل لنفسه وحدها ، وممن يعمل لوجه اللَّه والخير { مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ ، وما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } . وعطاء اللَّه للإنسان يبتدئ بخلقه وإيجاده الذي لا يعطى إلا منه ، ثم بأسباب بقائه ونموه ، وهذا العطاء يعم الصالح والطالح ، أما عطاؤه في الآخرة فيختص بالصالحين المتقين .

{ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ } . إن اللَّه سبحانه لا يقسم الناس إلى طبقات ، ولا يعطي امتيازا في الحقوق الانسانية لفرد ، دون فرد ، أوفريق دون فريق ، كيف وهوالقائل : إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم ؟ . وعلى هذا يكون التفضيل بين الناس في الدنيا في غير الحقوق الانسانية ، كالصحة ، والعمر ، والرزق عن طريق العمل أوالإرث أوغيره ، من الأسباب التي أحلها اللَّه سبحانه ، أما الثروات التي تأتي بالغش والاحتيال والسلب والنهب فهي من الشيطان ، ولا يجوز نسبتها إليه تعالى بحال .

{ ولَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } . بعد أن ذكر سبحانه ان الناس يتفاوتون في الدنيا قال : انهم كذلك في الآخرة أيضا . . ولكن الفرق كبير وعظيم بين تفاوتهم هنا ، وتفاوتهم هناك ، فالصفات التي يفترقون بها في الدنيا هي الغنى والفقر ، والعلم والجهل ، والصحة والمرض ، والعمر الطويل والعمر القصير ، ثم ينتهون جميعا إلى الموت الذي يساوي بين الجميع ، حتى بين الأشرار والأخيار ، أما الصفات التي يفترقون بها في الآخرة فهي الحريق بنار السموم ، والخلود في النعمة والمسرة ، وأين تلك من هذه ؟ .

__________________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 30-34.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} قال الراغب: الترفة التوسع في النعمة يقال: أترف فلان فهو مترف - إلى أن قال في قوله أمرنا مترفيها - هم الموصوفون بقوله سبحانه:{ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} انتهى.

وقال في المجمع،: الترفة النعمة، قال ابن عرفة: المترف المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع منه، وقال: التدمير الإهلاك والدمار الهلاك. انتهى.

وقوله:{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} أي إذا دنا وقت هلاكهم من قبيل قولهم: إذا أراد العليل أن يموت كان كذا، وإذا أرادت السماء أن يمطر كان كذا، أي إذا دنا وقت موته وإذا دنا وقت إمطارها فإن من المعلوم أنه لا يريد الموت بحقيقة معنى الإرادة وأنها لا تريد الإمطار كذلك، وفي القرآن:{فوجدا جدارا يريد أن ينقض} الآية.

ويمكن أن يراد به الإرادة الفعلية وحقيقتها توافق الأسباب المقتضية للشيء وتعاضدها على وقوعه، وهو قريب من المعنى الأول وحقيقته تحقق ما لهلاكهم من الأسباب وهو كفران النعمة والطغيان بالمعصية كما قال سبحانه:{لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}: إبراهيم: 7، وقال:{ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}: الفجر: 14.

وقوله:{ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} من المعلوم من كلامه تعالى أنه لا يأمر بالمعصية أمرا تشريعيا فهو القائل:{ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ}: الأعراف: 28 وأما الأمر التكويني فعدم تعلقه بالمعصية من حيث إنها معصية أوضح لجعله الفعل ضروريا يبطل معه تعلقه باختيار الإنسان ولا معصية مع عدم الاختيار قال تعالى:{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}: يس: 82.

فمتعلق الأمر في قوله:{أمرنا} إن كان هو الطاعة كان الأمر بحقيقة معناه وهو الأمر التشريعي وكان هو الأمر الذي توجه إليهم بلسان الرسول الذي يبلغهم أمر ربهم وينذرهم بعذابه لوخالفوا وهو الشأن الذي يختص بالرسول كما تقدمت الإشارة إليه فإذا خالفوا وفسقوا عن أمر ربهم حق عليهم القول وهو أنهم معذبون إن خالفوا فأهلكوا ودمروا تدميرا.

وإن كان متعلق الأمر هو الفسق والمعصية كان الأمر مرادا به الإكثار من إفاضة النعم عليهم وتوفيرها على سبيل الإملاء والاستدراج وتقريبهم بذلك من الفسق حتى يفسقوا فيحق عليهم القول وينزل عليهم العذاب.

وهذان وجهان في معنى قوله:{ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} يجوز توجيهه بكل منهما لكن يبعد أول الوجهين أولا أن قولنا: أمرته ففعل وأمرته ففسق ظاهره تعلق الأمر بعين ما فرع عليه، وثانيا عدم ظهور وجه لتعلق الأمر بالمترفين مع كون الفسق لجميع أهل القرية وإلا لم يهلكوا.

قال في الكشاف،: والأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا لا يكون فبقي أن يكون مجازا، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه، وإنما خولهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير ويتمكنوا من الإحسان والبر كما خلقهم أصحاء أقوياء وأقدرهم على الخير والشر وطلب منهم إيثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليهم القول وهو كلمة العذاب فدمرهم.

فإن قلت: هلا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا قلت لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه؟ وذلك أن المأمور به إنما حذف لأن فسقوا يدل عليه وهو كلام مستفيض يقال: أمرته فقام وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام أوقراءة ولو ذهبت تقدر غيره لزمت من مخاطبك علم الغيب.

ولا يلزم على هذا قولهم: أمرته فعصاني أو فلم يمتثل أمري لأن ذلك مناف للأمر مناقض له، ولا يكون ما يناقض الأمر مأمورا به فكان محالا أن يقصد أصلا حتى يجعل دالا على المأمور به فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوي لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوي لأمره مأمورا به كأنه يقول: كان مني أمر فلم يكن منه طاعة كما أن من يقول: فلان يعطي ويمنع ويأمر وينهى غير قاصد إلى مفعول.

فإن قلت: هلا كان ثبوت العلم بأن الله لا يأمر بالفحشاء وإنما يأمر بالقصد والخير دليلا على أن المراد أمرناهم بالخير ففسقوا؟.

قلت: لا يصح ذلك لأن قوله: ففسقوا يدافعه فكأنك أظهرت شيئا وأنت تدعي إضمار خلافه فكان صرف اللفظ إلى المجاز هو الوجه. انتهى.

وهوكلام حسن في تقريب ظهور قوله:{ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} في كون المأمور به هو الفسق وأما كونه صريحا فيه بحيث لا يحتمل إلا ذلك كما يدعيه فلا، فلم لا يجوز أن تكون الآية من قبيل قولنا: أمرته فعصاني حيث تكون المعصية وهي منافية للأمر قرينة على كون المأمور به هو الطاعة والفسق والمعصية واحد فإن الفسق هو الخروج عن زي العبودية والطاعة فهو المعصية ويكون المعنى حينئذ أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا عن أمرنا وعصوه، أويكون الأمر في الآية مستعملا استعمال اللازم، والمعنى توجه أمرنا إلى مترفيها ففسقوا فيها عنه.

فالحق أن الوجهين لا بأس بكل منهما وإن كان الثاني لا يخلومن ظهور وقد أجيب عن اختصاص الأمر بالمترفين بأنهم الرؤساء السادة والأئمة المتبوعون وغيرهم أتباعهم وحكم التابع تابع لحكم المتبوع ولا يخلو من سقم.

وذكر بعضهم في توجيه الآية أن قوله:{أمرنا مترفيها} إلخ صفة لقرية وليس جوابا لإذا وجواب إذا محذوف على حد قوله: حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها إلى آخر الآية للاستغناء عنه بدلالة الكلام.

وذكر آخرون أن في الآية تقديما وتأخيرا والتقدير وإذا أمرنا مترفي قرية ففسقوا فيها أردنا أن نهلكها، وذلك أنه لا معنى لإرادة الهلاك قبل تحقق سببه وهوالفسق، وهووجه سخيف كسابقه.

هذا كله على القراءة المعروفة{أمرنا} بفتح الهمزة ثم الميم مخففة من الأمر بمعنى الطلب، وربما أخذ من الأمر بمعنى الإكثار أي أكثرنا مترفيها مالا وولدا ففسقوا فيها.

وقرىء{آمرنا} بالمد ونسب إلى علي (عليه السلام) وإلى عاصم وابن كثير ونافع وغيرهم وهومن الإيمان بمعنى إكثار المال والنسل أوبمعنى تكليف إنشاء فعل، وقرىء أيضا{أمرنا} بتشديد الميم من التأمير بمعنى تولية الإمارة ونسب ذلك إلى علي والحسن والباقر (عليهما السلام) وإلى ابن عباس وزيد بن علي وغيرهم.

قوله تعالى:{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} قال في المفردات: القرن القوم المقترنون في زمن واحد وجمعه قرون قال:{ولقد أهلكنا القرون من قبلكم}{وكم أهلكنا من القرون} انتهى ومعنى الآية ظاهر، وفيها تثبيت ما ذكر في الآية السابقة من سنة الله الجارية في إهلاك القرى بالإشارة إلى القرون الماضية الهالكة.

والآية لا تخلو من إشعار بأن سنة الإهلاك إنما شرعت في القرون الإنسانية بعد نوح (عليه السلام) وهو كذلك، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى:{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ}: البقرة - 213 في الجزء الثاني من الكتاب أن المجتمع الإنساني قبل زمن نوح (عليه السلام) كانوا على سذاجة الفطرة ثم اختلفوا بعد ذلك.

قوله تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} العاجلة صفة محذوفة الموصوف ولعل موصوفها الحياة بقرينة مقابلتها للآخرة في الآية التالية وهي الحياة الآخرة، وقيل: المراد النعم العاجلة وقيل: الأعراض الدنيوية العاجلة.

وفي المفردات،: أصل الصلى لإيقاد النار. قال: وقال الخليل: صلي الكافر النار قاسى حرها{يصلونها فبئس المصير} وقيل: صلي النار دخل فيها، وأصلاها غيره قال:{فسوف نصليه نارا} انتهى.

وفي المجمع،: الدحر الإبعاد والمدحور المبعد المطرود يقال: اللهم أدحر عنا الشيطان أي أبعده انتهى.

لما ذكر سبحانه سنته في التعذيب الدنيوي إثر دعوة الرسالة وأنه يهدي الأمم الإنسانية إلى الإيمان والعمل الصالح حتى إذا فسدوا وأفسدوا بعث إليهم رسولا فإذا طغوا وفسقوا عذبهم عذاب الاستئصال، عاد إلى بيان سنته في التعذيب الأخروي والإثابة فيها في هذه الآية والآيتين بعدها يذكر في آية ملاك عذاب الآخرة، وفي آية ملاك ثوابها، وفي آية محصل القول والأصل الكلي في ذلك.

فقوله:{من كان يريد العاجلة} أي الذي يريد الحياة العاجلة وهي الحياة الدنيا، وإرادة الحياة الدنيا إنما هي طلب ما فيها من المتاع الذي تلتذ به النفس ويتعلق به القلب، والتعلق بالعاجلة وطلبها إنما يعد طلبا لها إذا كانت مقصودة بالاستقلال لا لأجل التوسل بها إلى سعادة الأخرى وإلا كانت إرادة للآخرة فإن الآخرة لا يسلك إليها إلا من طريق الدنيا فلا يكون الإنسان مريدا للدنيا إلا إذا أعرض عن الآخرة ونسيها فتمحضت إرادته في الدنيا، ويدل عليه أيضا خصوص التعبير في الآية{من كان يريد} حيث يدل على استمرار الإرادة.

وهذا هو الذي لا يرى لنفسه إلا هذه الحياة المادية الدنيوية وينكر الحياة الآخرة، ويلغوبذلك القول بالنبوة والتوحيد إذ لا أثر للإيمان بالله ورسله والتدين بالدين لولا الاعتقاد بالمعاد، قال تعالى:{ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ }: النجم: 30.

وقوله:{ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ } أي أسرعنا في إعطائه ما يريده في الدنيا لكن لا بإعطائه ما يريده بل بإعطائه ما نريده فالأمر إلينا لا إليه والأثر لإرادتنا لا لإرادته، ولا بإعطاء ما نعطيه لكل من يريد بل لمن نريد فليس يحكم فينا إرادة الأشخاص بل إرادتنا هي التي تحكم فيهم.

وإرادته سبحانه الفعلية لشيء هو اجتماع الأسباب على كينونته وتحقق العلة التامة لظهوره فالآية تدل على أن الإنسان وهو يريد الدنيا يرزق منها على حسب ما يسمح له الأسباب والعوامل التي أجراها الله في الكون وقدر لها من الآثار فهوينال شيئا مما يريده ويسأله بلسان تكوينه لكن ليس له إلا ما يهدي إليه الأسباب والله من ورائهم محيط.

وقد ذكر الله سبحانه هذه الحقيقة بلسان آخر في قوله:{ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: الزخرف: 35 أي لولا أن الناس جميعا يعيشون على نسق واحد تحت قانون الأسباب والعلل، ولا فرق بين الكافر والمؤمن قبال العلل الكونية بل من صادفته أسباب الغنى والثروة أثرته وأغنته مؤمنا كان أم كافرا، ومن كان بالخلاف، فبالخلاف خصصنا الكفار بمزيد النعم الدنيوية إذ ليس لها عندنا قدر ولا في سوق الآخرة من قيمة.

وذكر بعضهم: أن المراد بإرادة العاجلة إرادتها بعمله وهو أن يريد بعمله الدنيا دون الآخرة فهو محروم من الآخرة، وهو تقييد من غير مقيد، ولعله أخذه من قوله تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ }: هود: 16 لكن الآيتين مختلفتان غرضا فالغرض فيما نحن فيه بيان أن مريد الدنيا لا ينال إلا منها، والغرض من آية سورة هود أن الإنسان لا ينال إلا عمله فإذا كان مريدا للدنيا وفي إليه عمله فيها وبين الغرضين فرق واضح فافهم ذلك.

وقوله:{ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} أي وجعلنا جزاءه في الآخرة جهنم يقاسي حرها وهو مذموم مبعد من الرحمة والقيدان يفيدان أنه مخصوص بجهنم محروم من المغفرة والرحمة.

والآية وإن كانت تبين حال من تعلق بالدنيا ونسي الآخرة وأنكرها غير أن الطلب والإنكار مختلفان بالمراتب فمن ذلك ما هوكذلك قولا وفعلا ومنه ما هو كذلك فعلا مع الاعتراف به قولا، وتصديق ذلك قوله تعالى فيما سيأتي:{وللآخرة أكبر درجات} الآية.

قوله تعالى:{ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} قال الراغب: السعي المشي السريع وهو دون العدو، ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان أوشرا، انتهى موضع الحاجة.

وقوله:{من أراد الآخرة} أي الحياة الآخرة نظير ما تقدم من قوله:{من كان يريد العاجلة} والكلام في قول من قال: يعني من أراد بعمله الآخرة نظير الكلام في مثله في الآية السابقة.

وقوله{ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} اللام للاختصاص وكذا إضافة السعي إلى ضمير الآخرة، والمعنى وسعى وجد للآخرة السعي الذي يختص بها، ويستفاد منه أن سعيه لها يجب أن يكون سعيا يليق بها ويحق لها كأن يكون يبذل كمال الجهد في حسن العمل وأخذه من عقل قطعي أوحجة شرعية.

وقوله:{وهو مؤمن} أي مؤمن بالله ويستلزم ذلك توحيده والإذعان بالنبوة والمعاد فإن من لا يعترف بإحدى الخصال الثلاث لا يعده الله سبحانه في كلامه مؤمنا به وقد تكاثرت الآيات فيه.

على أن نفس التقييد بقوله:{وهو مؤمن} يكفي في التقييد المذكور فإن من أراد الآخرة وسعى لها سعيها فهو مؤمن بالله وبنشأة وراء هذه النشأة الدنيوية قطعا فلولا أن التقييد بالإيمان لإفادة وجوب كون الإيمان صحيحا ومن صحته أن يصاحب التوحيد والإذعان بالنبوة لم يكن للتقييد وجه فمجرد التقييد بالإيمان يكفي مئونة الاستعانة بآيات أخر.

وقوله:{ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} أي يشكره الله بحسن قبوله والثناء على ساعيه، وشكره تعالى على عمل العبد تفضل منه على تفضل فإن أصل إثابته العبد على عمله تفضل لأن من وظيفة العبد أن يعبد مولاه من غير وجوب الجزاء عليه فالإثابة تفضل، والثناء عليه بعد الإثابة تفضل على تفضل والله ذوالفضل العظيم.

وفي الآيتين دلالة على أن الأسباب الأخروية وهي الأعمال لا تتخلف عن غاياتها بخلاف الأسباب الدنيوية فإنه سبحانه يقول فيمن عمل للآخرة:{فأولئك كان سعيهم مشكورا} ويقول فيمن عمل للدنيا:{ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}.

قوله تعالى:{ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} قال في المفردات، أصل المد الجر ومنه المدة للوقت الممتد ومدة الجرح ومد النهر ومده نهر آخر ومددت عيني إلى كذا قال تعالى:{ولا تمدن عينيك} الآية ومددته في غيه... وأمددت الجيش بمدد والإنسان بطعام قال: وأكثر ما جاء الإمداد في المحبوب والمد في المكروه نحو{ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ }{ونمد له من العذاب مدا}{ويمدهم في طغيانهم}{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} انتهى بتلخيص منا.

فإمداد الشيء ومده أن يضاف إليه من نوعه مثلا ما يمتد به بقاؤه ويدوم به وجوده ولولا ذلك لانقطع كالعين من الماء التي تستمد من المنبع ويضاف إليها منه الماء حينا بعد حين ويمتد بذلك جريانها.

والله سبحانه يمد الإنسان في أعماله سواء كان ممن يريد العاجلة أوالآخرة فإن جميع ما يتوقف عليه العمل في تحققه من العلم والإرادة والأدوات البدنية والقوى العمالة والمواد الخارجية التي يقع عليها العمل ويتصرف فيها العامل والأسباب والشرائط المربوطة بها كل ذلك أمور تكوينية لا صنع للإنسان فيها ولوفقد كلها أوبعضها لم يكن العمل، والله سبحانه هو الذي يفيضها بفضله ويمد الإنسان بها بعطائه، ولوانقطع منه العطاء انقطع من العامل عمله.

فأهل الدنيا في دنياهم وأهل الآخرة في آخرتهم يستمدون من عطائه تعالى ولا يعود إليه سبحانه في عطائه إلا الحمد لأن الذي يعطيه نعمة على الإنسان أن يستعمله استعمالا حسنا في موضع يرتضيه ربه، وأما إذا فسق بعدم استعماله فيه وحرف الكلمة عن موضعها فلا يلومن إلا نفسه وعلى الله الثناء على جميل صنعه وله الحجة البالغة.

فقوله:{كلا نمد} أي كلا من الفريقين المعجل لهم والمشكور سعيهم نمد، وإنما قدم المفعول على فعله لتعلق العناية به في الكلام فإن المقصود بيان عموم الإمداد للفريقين جميعا.

وقوله:{هؤلاء وهؤلاء} أي هؤلاء المعجل لهم وهؤلاء المشكور سعيهم بما أن لكل منهما نعته الخاص به، ويئول المعنى إلى أن كلا من الفريقين تحت التربية الإلهية يفيض عليهم من عطائه من غير فرق غير أن أحدهما يستعمل النعمة الإلهية لابتغاء الآخرة فيشكر الله سعيه، والآخر يستعملها لابتغاء العاجلة وينسى الآخرة فلا يبقى له فيها إلا الشقاء والخيبة.

وقوله:{من عطاء ربك} فإن جميع ما يستفيدون منه في أعمالهم كما تقدم لا صنع لهم ولا لغيرهم من المخلوقين فيه بل الله سبحانه هو الموجد لها ومالكها فهي من عطائه.

ويستفاد من هذا القيد وجه ما ذكر لكل من الفريقين من الجزاء فإن أعمالهم لما كانت بإمداده تعالى من خالص عطائه فحقيق على من يستعمل نعمته في الكفر والفسوق أن يصلى النار مذموما مدحورا، وعلى من يستعملها في الإيمان به وطاعته أن يشكر سعيه.

وفي قوله:{ربك} التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة وقد كرر ذلك مرتين والظاهر أن النكتة فيه الإشارة إلى أن إمدادهم من شئون صفة الربوبية والله سبحانه هو الرب لا رب غيره غير أن الوثنيين يتخذون من دونه أربابا ولذلك نسب ربوبيته إلى نبيه فقال:{ربك}.

وقوله:{ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } أي ممنوعا والحظر المنع فأهل الدنيا وأهل الآخرة مستمدون من عطائه منعمون بنعمته ممنونون بمنته.

وفي الآية دلالة على أن العطاء الإلهي مطلق غير محدود بحد لمكان إطلاق العطاء ونفي الحظر في الآية فما يوجد من التحديد والتقدير والمنع باختلاف الموارد فإنما هو من ناحية المستفيض وخصوص استعداده للاستفاضة أوفقدانه من رأس لا من ناحية المفيض.

ومن عجيب ما قيل في الآية ما نسب إلى الحسن وقتادة أن المراد بالعطاء العطاء الدنيوي فهو المشترك بين المؤمن والكافر وأما العطاء الأخروي فللمؤمنين خاصة، والمعنى كما قيل: كل الفريقين نمد بالعطايا العاجلة لا الفريق الأول المريد للعاجلة فقط وما كان عطاؤه الدنيوي محظورا من أحد.

وفيه أنه تقييد من غير مقيد مع صلاحية المورد للإطلاق وأما ما ذكر من اختصاص العطاء الأخروي بالمؤمنين من غير مشاركة الكفار لهم فيه فخارج من مصب الكلام في الآية فإن الكلام في الإمداد الذي يمد به الأعمال المنتهية إلى الجزاء لا في الجزاء، وعطايا المؤمنين في الآخرة من الجزاء لا من قبيل الأعمال، ونفس ما يمد به أعمال الفريقين عطايا دنيوية وأخروية على أن العطايا الأخروية أيضا مشتركة غير محظورة والحظر فيها من قبل الكافرين كما أن الأمر في العطايا الدنيوية أيضا كذلك فربما يمنع لكن لا من قبل محدودية العطاء بل من قبل عدم صلاحية القابل.

وقال في روح المعاني،: إن التقسيم الذي تضمنته الآية غير حاصر وذلك غير مضر، والتقسيم الحاصر أن كل فاعل إما أن يريد بفعله العاجلة فقط أويريد الآخرة فقط أويريدهما معا أولم يرد شيئا والقسمان الأولان قد علم حكمهما من الآية، والقسم الثالث ينقسم إلى ثلاثة أقسام لأنه إما أن تكون إرادة الآخرة أرجح أوتكون مرجوحة أوتكون الإرادتان متعادلتين.

ثم أطال البحث فيما تكون فيه إرادة الآخرة أرجح ونقل اختلاف العلماء في قبول هذا النوع من العمل، ونقل اتفاقهم على عدم قبول ما يترجح فيه باعث الدنيا أوكان الباعثان فيه متساويين.

قال: وأما القسم الرابع عند القائلين بأن صدور الفعل من القادر يتوقف على حصول الداعي فهو ممتنع الحصول والذين قالوا: إنه لا يتوقف، قالوا ذلك الفعل لا أثر له في الباطن وهو محرم في الظاهر. انتهى وقد سبقه إلى هذا التقسيم والبحث غيره.

وأنت خبير بأن الآيات الكريمة ليست في مقام بيان حكم الرد والقبول بالنسبة إلى كل عمل صدر عن عامل بل هي تأخذ غاية الإنسان وتعينها بحسب نشاة حياته مرة متعلقة بالحياة العاجلة ولازمه أن لا يريد بأعماله إلا مزايا الحياة الدنيوية المادية ويعرض عن الأخرى، ومرة متعلقة بالحياة الآخرة ولازمه أن يرى لنفسه حياة خالدة دائمة، بعضها وهي الحياة الدنيا مقدمة للبعض الآخر وهي الحياة بعد الموت وأعماله في الدنيا مقصودة بها سعادة الأخرى.

ومعلوم أن هذا التقسيم لا ينتج إلا قسمين نعم أحد القسمين ينقسم إلى أقسام لم يستوف أحكامها في الآيات لعدم تعلق الغرض بها وذلك أن من أراد الآخرة ربما سعى لها سعيها وربما لم يسع لها سعيها كالفساق وأهل البدع، وعلى كلا الوجهين ربما كان مؤمنا وربما لم يكن مؤمنا، ولم يذكر في كلامه تعالى إلا حكم طائفة خاصة وهي من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن لأن الغرض تمييز ملاك السعادة من ملاك الشقاء لا بيان تفصيل الأحوال.

قوله تعالى:{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} إشارة إلى تفاوت الدرجات بتفاوت المساعي حتى لا يتوهم أن قليل العمل وكثيره على حد سواء ويسير السعي والسعي البالغ لا فرق بينهما فإن تسوية القليل والكثير والجيد والردي في الشكر والقبول رد في الحقيقة لما يزيد به الأفضل على غيره.

وقوله:{ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي بعض الناس على بعض في الدنيا، والقرينة على هذا التقييد قوله بعد:{وللآخرة أكبر} والتفضيل في الدنيا هو ما يزيد به بعض أهلها على بعض من أعراضها وأمتعتها كالمال والجاه والولد والقوة والصيت والرئاسة والسؤدد والقبول عند الناس.

وقوله:{ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا } أي هي أكبر من الدنيا في الدرجات والتفضيل فلا يتوهمن متوهم أن أهل الآخرة في عيشة سواء ولا أن التفاوت بين معايشهم كتفاوت أهل الدنيا في دنياهم بل الدار أوسع من الدنيا بما لا يقاس وذلك أن سبب التفضيل في الدنيا هي اختلاف الأسباب الكونية وهي محدودة والدار دار التزاحم وسبب التفضيل واختلاف الدرجات في الآخرة هو اختلاف النفوس في الإيمان والإخلاص وهي من أحوال القلوب، واختلاف أحوالها أوسع من اختلاف أحوال الأجسام بما لا يقاس قال تعالى:{إن تبدوا ما في أنفسكم أوتخفوه يحاسبكم به الله}: البقرة: 284 وقال:{يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}: الشعراء: 89.

ففي الآية أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينظر إلى ما بين أهل الدنيا من التفاضل والاعتبار ليجعل ذلك ذريعة إلى فهم ما بين أهل الآخرة من تفاوت الدرجات والتفاضل في المقامات فإن اختلاف الأحوال في الدنيا يؤدي إلى اختلاف الإدراكات الباطنة والنيات والأعمال التي يتيسر للإنسان أن يأتي بها واختلاف ذلك يؤدي إلى اختلاف الدرجات في الآخرة.

______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص49-57.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

مراحل العقاب الإِلهي:

إِنَّ موضوع البحث في هذه الآيات يُكمِّل ما كُنّا بصددِ بحثه في نهاية الآيات السابقة، ولكن بصورة أُخرى، إِذ تقول الآية الكريمة: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}(2). إِنَّ الآيات التي كُنّا قبل قليل بصدد بحثها، كانت تتحدَّث عن أنَّ العقاب الإِلهي لا يمكن أن ينزل بساحة شخص أو مجموعة أو أُمّة، مِن دون أن تكون هناك حجة وبيان للتكليف مِن قبل الرسل والأنبياء(عليهم السلام)، والآية التي نحنُ بصددها الآن، تتحدث عن نفس هذا الأصل، ولكن بطريقة أُخرى.

صحيح أنَّ المفسّرين وضعوا إِحتمالات متعددة لتفسير هذه الآية، إِلاّ أنّنا نعتقد بأنَّه لا يوجد سوى تفسيرٌ واحد واضحٌ لهذه الآية، يمكن تبيانه من مؤدّى ظاهرها، وهذا التّفسير هو: إِنَّ اللّه لا يُعاقب أو يؤاخذ أحداً بالعذاب، قبل أن يتمَّ الحجّة عليه، وقبل أن يتّضح ويستبين تكليفه، ففي البدايه يضع اللّه تعليماته وأوامره أمام الناس، فإِذا التزموا بها وأطاعوا فستنالهم سعادة الدنيا والآخرة. أمّا إِذا عصوا وخالفوا ولم يلتزموا الأوامر والنواهي الربانية، فسيحيق بهم العذاب، ويؤدي إِلى هلاكهم.

وإِذا تأملنا الآية، ودققنا النظر فيها بشكل صحيح، فسنرى أنَّ هناك أربع مراحل لهذا البرنامج الرباني، هي:

1 ـ مرحلة الأوامر والنواهي.

2 ـ مرحلة الفسق والمخالفة.

3 ـ مرحلة استحقاق المجازاة.

4 ـ مرحلة الهلاك.

والملاحظ هنا، أنَّ المراحل الأربع هذه، معطوفة على بعضها البعض بواسطة «فاء» التفريع.

السؤال:هنا يُطرح هذا السؤال: لماذا كان المأمورون في الآية الكريمة هم المترفين دون غيرهم؟(3).

في الإِجابة على السؤال المثار، لابدَّ مِن الإِشارة إِلى ملاحظة تعتبر مهمّة في توضيح المعنى، وهي أنَّ المترفين هم وجهاء القوم، ورؤساء المجتمع ـ طبعاً هذه القاعدة تخص المجتمعات المريضة ـ والآخرون تبع لهم.

إِضافة إِلى ذلك، فإِنَّ التعبير في الآية الكريمة ينطوي على إِشارة مهمّة، هي أنَّ أغلب المفاسد الإِجتماعية تنبع مِن المترفين، أصحاب الأموال، البعيدين عن اللّه تعالى، والذين يعيشون حياةً مترفة بعيدة عن الشرع مملوءة بالأهواء والمفاسد، وهم بذلك لا يفقهون شيئاً عن تلك المفردات التي تتحدث عن الأخلاق والإِنسانية والإِصلاح. ولهذا السبب بالذات، وبحكم موقعهم، كان المترفون دائماً في الصفوف الأُولى، في مُواجهة دعوات الأنبياء والرسل، وكانوا يعتبرون دعوات الأنبياء ـ القائمة على أساس العدل وحماية المستضعفين ـ ضدّهم.

لهذه الأسباب ذكر هؤلاء بالخصوص لأنّهم أساس الفساد. على أية حال، هذه الآية بمثابة تحذير لكل المؤمنين كي ينتبهوا، ولا يسلموا زمام أُمورهم وحكوماتهم بيد المترفين والأغنياء الغارقين بالشهوات، وألاّ يتبعونهم، لأنَّ هؤلاء يجرون مجتمعهم نحو الهلاك.

الآية التي بعدها تشير إِلى نماذج بهذا الخصوص، على أنّها أصلٌ عام، وقاعدة سارية، إِذ تقول: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ } وفقاً لهذه القاعدة والسنّة، ثمّ تضيف بعد ذلك: { وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} أي إِنَّ ظلم وذنوب فرد أو مجموعة لا يمكنها أن تكون خافية على العين البصيرة التي لا تنام لربِّ العالمين.

«قرون» جمع «قرن» وهي تعني الجماعة التي تعيش في عصر واحد، ثمّ أطلقت فيما بعد على مجموع العصر الواحد.

أمّا بصدد عدد سنين القرن الواحد، فهناك آراء مختلفة، فقسم أعتبر القرن (40) سنة، وآخرون قالوا: ثمانين، والبعض الثالث، قال: إِنَّ القرن مائة عام، أخيراً فقد اعتبر البعض أنَّ القرن هو مائة وعشرون عاماً. وفي كلَّ الأحوال لابدَّ مِن الإِشارة هنا إِلى أن الحكم في هذه القضية يخضع لطبيعة الإِتفاق العرفي الذي ينعقد حولها. ومِن هُنا فقد اتفق في عصرنا الراهن على أنَّ كل مائة سنة تعتبر قرناً واحداً(4).

أمّا لماذا أكدت الآية على القرون مِن بعد نوح(عليه السلام) فقد يكون ذلك بسبب أنَّ الحياة قبل نوح(عليه السلام) كانت حياة بسيطة، والإِختلافات التي تقسِّم المجتمعات إِلى مُترف ومستضعف، كانت بسيطة وضئيلة، لذلك فالعذاب الإِلهي لم يشملهم بكثرة.

أمّا عن سبب ذكر كلمتي «خبير» و«بصير» معاً، فإنّ ذلك يعود إِلى المعنى المراد، إِذ «الخبير» تعني العلم والإِحاطة بالنية والعقيدة; أمّا «بصير» فدلالة على رؤية الأعمال. لذلك فإِنَّ اللّه تبارك وتعالى يعلم بواطن الأعمال والنيات، ويحيط بنفس الأعمال، ومثل هذه القدرة لا يمكنها بحال أن تظلم أحداً، ولا أن يضيع حق أحد في ظل حكومتها.

طلاب الدنيا والآخرة:

لقد تحدّثت الآيات السابقة عن الذين عصوا أوامر اللّه تعالى، وكيفية هلاكهم، لذا فإِنَّ هذه الآيات ـ التي نحنُ بصددها الآن ـ تشير إِلى سبب التمرُّد على شريعة اللّه، والعصيان لأوامره، وهذا السبب هو حب الدُنيا، إِذ يقول تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا}.

«العاجلة» تعني النعم الزائلة; أو الدنيا الزائلة.

والظريف في الآية، أنّها لا تقول: إِنَّ مَن يسعى وراء الدنيا، ويجعلها كلَّ همه، يحصل على كلِّ ما يريد، بل هي قيدَّت ذلك بشرطين هما:

أوّلاً: سيحصل على جزء ممّا يريده; وأنَّ هذا الجزء هو المقدار الذي نريده نحن، أي (ما نشاء).

والشرط الثّاني الذي يقيِّد رغبة الساعي إِلى الدنيا، فهو: إِنَّ جميع الأشخاص ـ رغم سعيهم الدنيوي ـ لا يحصلون على هذا المقدار، وإِنما قسمٌ مِنهم سيحصل على جزء مِن متاع الدنيا. وهذا معنى قوله: {لمن نريد}.

وبناءاً على ذلك، فلا كلَّ طُلاّب الدنيا يحصلون عليها، ولا أُولئك الذين يحصلون على شيء مِنها، يحصلون على ما يريدون. ومسير الحياة اليومية يوضح لنا هذين الشرطين، إِذ ما أكثر الذين يكدون ليلا ونهاراً ولكنّهم لا يحصلون على شيء.

وما أكثر الذين لهم أُمنيات كبيرة وطموحات متعددة ومشاريع بعيدة، ولكن لا يحصلون إلاّ على القليل منها.

وفي هذا تحذيرٌ الدنيا إنّكم إِذا تصورتم بأنّكم ستصلون إِلى أهدافكم عن طريق بيع الآخرة بالدنيا، فهذا خطاء وأشتباه كبير، حيث أنّكم في بعض الأحيان قد لا تُحققون أي هدف، وفي أحيان أُخرى قد تُحققون بعض أهدافكم.

وعادةً ما تكون للإِنسان آمال كبيرة ومُتعدِّدة، لا يمكن إِشباعها في هذه الدُنيا المادية المحدودة، فلو أعطيت الدنيا كُلّها إِلى شخص واحد، فقد لا يقتنع بها!

أمّا الأشخاص الذين يكدّونَ ولا يصلون إِلى شيء، فلذلك أسباب مُختلفة، إِذ قد يكون هُناك أمل في إِنقاذهم، واللّه بذلك يحبهم وييسر سُبل الهداية لهم. أو يكون السبب أنّهم إِذا وصلوا إِلى مرحلة ما من أهدافهم ورغباتهم، فسيطغون ويؤذون خلق اللّه، ويضيقون عليهم الخناق.

«يصلى» مُشتقة مِن «صَلى» وهي تعني إِشعال النّار، وأيضاً تعني الحرق بالنّار، والمقصود مِنها هُنا هو المعنى الثاني.

والجدير بالإِنتباه هنا، أنَّ عاقبة هذه المجموعة مِن الناس، والتي هي نار جهنَّم، قد تمَّ تأكيدها في الآية، بكلمتي {مذموماً} و {مدحوراً} إِذ التعبير الأوّل يأتي بمعنى اللوم، بينما الثّاني يعني الإِبتعاد عن رحمة الخالق، وفي الحقيقة إِنَّ نار جهنَّم تمثل العقاب الجسدي لهم، أمّا «مذموم» و «مدحور» فهما عقاب الروح، لأنَّ المعاد هوَ للروح وللجسد، والجزاء والعقاب يكون للإِثنين معاً.

بعد ذلك تنتقل الآيات إِلى توضيح وضع المجموعة الثّانية ومصيرها، وبقرينة المقابلة وهي أسلوب قرآني مميِّز ـ يتوضح الموضوع أكثر إِذ يقول تعالى: { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}.

بناءاً على ذلك هناك ثلاثة شروط أساسية للوصول إِلى السعادة الأبدية، هي:

أوّلاً: إِرادة الإِنسان: وهي الإِرادة التي ترتبط بالحياة الأبدية، ولا تكون مرتبطة باللذات الزائلة والنعم غير الثابتة، والأهداف المادية; فالإِرادة القوية والروحية العالية تجعلان من الإِنسان حرّاً طليقاً غير مرتبط بالدنيا.

ثانياً: هذه الإِرادة يجب أن لا تكون ضعيفة وقاصرة في المجال الفكري والروحي للإِنسان، بل إنّها يجب أن تشمل جميع ذرات الوجود الإِنساني، وتدفعهُ للحركة، وببذل كل ما يستطيع مِن السعي في هذا المجال (يجب الملاحظة، بأنَّ كلمة «سعيها» قد جاءت في الآية الكريمة للتأكيد. وهي تعني أنَّ على الإِنسان أن يبذل أقصى ما يستطيع مِن السعي في سبيل الآخرة).

ثالثاً: إِنَّ كل ما سبق مِن حديث عن الإِرادة في النقطتين السابقتين، ينبغي أن يقترن بالإِيمان; الإِيمان الثابت القوي. لأنَّ أي تصميم وجهد، إِذا أريد لهُ أن يُثمر يجب أن تكون أهدافه صحيحة، ومصدر هذه الأهداف هو الإِيمان باللّه لا غير.

صحيح أنَّ السعي وبذل الجهد للآخرة لا يمكن أن يكون بدون إِيمان، حيث أنَّ مفهوم الإِيمان داخل ضمنهُ، ولكن يجب عدم الإِكتفاء بهذا المقدار مِن الدلالة الإِلتزامية للإِيمان، بل وينبغي التوسع في شرطِ الإِيمان، بحكم أنَّ (الإِيمان) يعتبر أمراً أساسياً، وركناً مهمّاً في هذا الطريق.

والملاحظ هنا، أنَّ الآية تخاطب عبيد الدنيا بالقول: {جعلنا لهُ جهنَّم} بينما عندما تنتقل إِلى طُلاّب الآخرة وعشّاقها ومريدها، فهي تخاطبهم بالقول: { فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}. إِنَّ استخدام هذا التعبير أشمل وأجمل مِن استخدام أي تعبير آخر، مثل {جزاءهم الجنّة} لأنَّ الشكر من أي شخص هو بمقدار شخصيته ومكانته لا بمقدار العمل الذي تمَّ، لذا فإِنَّ شكر اللّه لسعي عباده يتناسب مع ذاته اللامتناهية، ونعمه المادية والمعنوية وما نتصوره وما نعجز عن تصوّره.

وبالرغم من أنَّ بعض المفسّرين قد فسّروا كلمة «مشكوراً» في هذه الآية بمعنى «الأجر المضاعف»(5). أو بمعنى «قبول العمل»(6)، إِلاّ أنَّهُ مِن الواضح أن كلمة «مشكوراً» لها معنى أوسع مِن هذه المعاني جميعاً.

وقد يتوهم البعض ويلتبس عليه الأمر، ظاناً أنّ نعم الدنيا هي من نصيب عبيدها وطلابها فقط، وأنَّ طلاّب الآخرة وأهلها محرومون مِنها، لذلك فإِنَّ الآية التي بعدها تقف أمام هذا اللبس، وتمنع هذا الظن، عندما تقول: { كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} لتضيف بعدها بقليل: { وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}.

نمدُّ هنا مِن «الإِمداد» بمعنى الزيادة.

الآية التي بعدها تشير إِلى أصل مهم في هذا الخصوص و تقول: كما أن السعي في هذه الدنيا متفاوت، وتتفاوت معه الأجور; فكذلك الأمر في الآخرة: ولكن التفاوت الدنيوي محدود، لأنَّ الدنيا هي نفسها محدودة، وأمّا الآخرة ـ ولكونها غير محدودة ـ فإن تفاوتها غير محدود، إِذ يقول تعالى: { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}.

قد يقول قائل هنا; إِننا نرى في هذه الدنيا أفراداً يحصلون على أرباح كثيرة بدون أي سعي أو جهد.

الجواب: إِنّ وجود هؤلاء يعبِّر عن حالات إِستثنائية لا يمكن إِعتبارها قاعدة في مقابل الأصل الكلي، المتمثل في الجهد والسعي ودورهما في نجاح الإِنسان وتوفيقه. وبذلك فإِنَّ هذه الإِستثناءات الثانوية لا تنافي الأصل الأساسي.

وأخيراً، وقبل أن ننتقل إِلى الملاحظات، ينبغي أن نُنَّبه إِلى أنَّ السعي وبذل الجهد لا يتعلقان بالكمية والمقدار فقط، ففي بعض الأحيان يكون السعي القليل ذو الكيفية العالية أكثر أثراً من السعي الكثير والكيفية الدانية.

_________________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص254-260.

2 ـ بالرغم مِن أنّ كلمة «قول» لها معنى واسع، ولكنّها هُنا تعني إِعطاء الأمر بالعذاب.

3 ـ مُترفون، مِن مادة رفاه، وتعني المتنعمين وذوي الأموال الكثيرة الناسين لله تعالى.

4 ـ في نهاية الآية (13) مِن سورة يونس أشرنا إِلى هذا الموضوع.

5 ـ يُراجع في هذا الشأن تفسير القرطبي، ج 6، ص 3852.

6 ـ راجع تفسير الصافي عند الحديث عن هذه الآية.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .