أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2020
37719
التاريخ: 28-7-2020
7999
التاريخ: 24-7-2020
2429
التاريخ: 24-7-2020
5914
|
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [إبراهيم: 24-27]
ضرب الله سبحانه مثل يقرب من أفهام السامعين ترغيبا للخلق في اتباع الحق فقال:{ أَلَمْ تَرَ } أي: أ لم تعلم يا محمد{ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا } أي: بين الله شبها ثم فسر ذلك المثل فقال{كلمة طيبة } وهي كلمة التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله عن ابن عباس، وقيل: هي كل كلام أمر الله تعالى به من الطاعات عن أبي علي: قال وإنما سماها طيبة لأنها زاكية نامية لصاحبها بالخيرات والبركات{ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } أي: شجرة زاكية نامية راسخة أصولها في الأرض عالية أغصانها وثمارها في السماء، وأراد به المبالغة في الرفعة والأصل سافل والفرع عال إلا أنه يتوصل من الأصل إلى الفرع وروى أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن هذه الشجرة الطيبة هي النخلة وقيل: إنها شجرة في اللجنة عن ابن عباس وروى ابن عقدة عن أبي جعفر (عليه السلام) أن الشجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وفرعها علي (عليه السلام) وعنصر الشجرة فاطمة وثمرتها أولادها وأغصانها وأوراقها شيعتنا ثم قال (عليه السلام): أن الرجل من شيعتنا ليموت فيسقط من الشجرة ورقة وأن المولود من شيعتنا ليولد فيورق مكان تلك الورقة ورقة وروي عن ابن عباس قال: قال جبريل (عليه السلام): للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنت الشجرة وعلي غصنها وفاطمة ورقها والحسن والحسين ثمارها وقيل: أراد بتلك شجرة هذه صفتها وأن لم يكن لها وجود في الدنيا لكن الصفة معلومة وقيل: إن المراد بالكلمة الطيبة الإيمان وبالشجرة الطيبة المؤمن{تؤتي أكلها } أي: تخرج هذه الشجرة ما يؤكل منها{كل حين } أي: في كل ستة أشهر عن ابن عباس وأبي جعفر (عليه السلام) وقال الحسن وسعيد بن جبير أراد بذلك أنه يؤكل ثمرها في الصيف وطلعها في الشتاء وما بين صرام النخلة إلى حملها ستة أشهر وقال مجاهد وعكرمة كل حين أي كل سنة لأنها تحمل في كل سنة مرة وقال سعيد بن المسيب في كل شهرين لأن من وقت ما يطعم النخل إلى صرامه يكون شهرين وقيل لأن من وقت أن يصرم النخل إلى حين يطلع يكون شهرين وقال الربيع بن أنس: كل حين أي كل غدوة وعشية وروي ذلك عن ابن عباس أيضا وقيل: معناه في جميع الأوقات لأن ثمر النخل يكون أولا طلعا ثم يصير بلحا ثم بسرا ثم رطبا ثم تمرا فيكون ثمره موجودا في كل الأوقات ويدل على أن الحين بمنزلة الوقت قول النابغة في صفة الحية والملدوغ :
تناذرها الراقون من سوء سمها تطلقه حينا وحينا تراجع(2)
يعني أن السم يخف ألمه وقتا ويعود وقتا وقيل: إنه سبحانه شبه الإيمان بالنخلة لثبات الإيمان في قلب المؤمن كثبات النخلة في منبتها وشبه ارتفاع علمه إلى السماء بارتفاع فروع النخلة وشبه ما يكسبه المؤمنون من بركة الإيمان وثوابه في كل وقت وحين بما ينال من ثمرة النخلة في أوقات السنة كلها من الرطب والتمر وقيل إن معنى قوله{تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } ما يفتي به الأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وشيعتهم في الحلال والحرام.
{ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي: لكي يتدبروا فيعرفوا الغرض بالمثل{ومثل كلمة خبيثة } وهي كلمة الكفر والشرك عن ابن عباس وغيره وقيل هو كل كلام في معصية الله تعالى عن أبي علي{كشجرة خبيثة } غير زاكية وهي شجرة الحنظل عن ابن عباس وأنس ومجاهد وقيل إنها شجرة هذه صفتها وهو أنه لا قرار لها في الأرض عن الحسن وقيل إنها الكشوث(3) عن الضحاك .
وروى أبوالجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) أن هذا مثل بني أمية{اجتثت من فوق الأرض } أي: اقتطعت واستؤصلت واقتلعت جثته من الأرض{ما لها من قرار } أي: ما لتلك الشجرة من ثبات فإن الريح تنسفها وتذهب بها فكما أن هذه الشجرة لا ثبات لها ولا بقاء ولا ينتفع بها أحد فكذلك الكلمة الخبيثة لا ينتفع بها صاحبها ولا يثبت له منها نفع ولا ثواب وروي عن ابن عباس أيضا أنها شجرة لم يخلقها الله بعد وإنما هو مثل ضربه بهذا وهذا القول حسن لأن الحنظل وغيره قد ينتفع بذلك في الأدوية .
لما قدم سبحانه ذكر الكلمة الطيبة عقبه بذكر ما يحصل لصاحبها من المثوبة والكرامة فقال:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } أي: يثبتهم في كرامته وثوابه بالقول الثابت الذي وجد منهم وهو كلمة الإيمان لأنه ثابت بالحجج والأدلة وقيل معناه يثبت الله المؤمنين بسبب كلمة التوحيد وحرمتها في الحياة الدنيا حتى لا يزلوا ولا يضلوا عن طريق الحق ويثبتهم بها حتى لا يزلوا ولا يضلوا عن طريق الجنة وقيل معناه يثبتهم بالتمكين في الأرض والنصرة والفتح في الدنيا وبإسكانهم الجنة في الآخرة عن أبي مسلم وقال أكثر المفسرين إن المراد بقوله{في الآخرة } في القبر والآية وردت في سؤال القبر وهو قول ابن عباس وابن مسعود وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام).
وروى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الكافي بإسناده عن سويد بن غفلة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال إن ابن آدم إذا كان في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة مثل له ماله وولده وعمله فيلتفت إلى ماله فيقول والله إني كنت عليك لحريصا شحيحا فما لي عندك فيقول خذ مني كفنك فيلتفت إلى ولده فيقول والله إني كنت لكم لمحبا وعليكم لمحاميا فما ذا لي عندكم فيقولون نؤديك إلى حفرتك نواريك فيها قال فيلتفت إلى عمله فيقول والله إني كنت فيك لزاهدا وإن كنت علي لثقيلا فما ذا لي عندك فيقول أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك حتى أعرض أنا وأنت على ربك قال فإن كان لله وليا أتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم منظرا وأحسنهم رياشا فقال أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ومقدمك خير مقدم فيقول له من أنت فيقول أنا عملك الصالح ارتحل من الدنيا إلى الجنة وأنه ليعرف غاسله ويناشد حامله أن يعجله فإذا أدخل قبره أتاه ملكا القبر يجران أشعارهما ويخدان الأرض بأنيابهما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول الله ربي وديني الإسلام ونبيي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيقولان ثبتك الله فيما تحب وترضى وهو قوله سبحانه{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ثم يفسحان له في قبره مد بصره ثم يفتحان له بابا إلى الجنة ثم يقولان له نم قرير العين نوم الشاب الناعم فإن الله يقول {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا}.
قال: وإذا كان لربه عدوا فإنه يأتيه أقبح خلق الله زيا وأنتنه ريحا فيقول أبشر بنزل من حميم وتصلية جحيم وإنه ليعرف غاسله ويناشد حملته أن يحتبسوه فإذا أدخل القبر أتاه ملكا القبر فألقيا أكفانه ثم يقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول لا أدري فيقولان له لا دريت ولا هديت فيضربان يافوخة بمرزبة معهما ضربة ما خلق الله من دابة إلا تذعر لها ما خلا الثقلين ثم يفتحان له بابا إلى النار ثم يقولان له نم بشر حال فيه من الضيق مثل ما فيه القناة من الزج حتى أن دماغه ليخرج من بين ظفره ولحمه ويسلط الله عليه حيات الأرض وعقاربها وهو امها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره وأنا ليتمنى قيام الساعة مما هوفيه من الشر نعوذ بالله من عذاب القبر.
{ويضل الله الظالمين } أي: ويضلهم عن هذا التثبيت في الدنيا وفي الآخرة{ويفعل الله ما يشاء } من الإمهال والانتقام وضغطة القبر ومساءلة منكر ونكير لا اعتراض عليه في ذلك ولا قدرة لأحد على منعه وهذا من تمام الترغيب والترهيب.
___________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص73-77.
2- تناذرها أي : أنذر بعضهم بعضاً.وراقون جمع الراقي: من يصنع الرقية وهي العوذة. وفي الديوان وشرح الاشموني(( تطلقه طوراً وطوراً تراجع )). ويروي ايضاً (( من سوء سمعها)).
3- الكشوت : نبات يلتف على الشوك والشجر ، لا اصل له في الارض، ولا ورق.
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } . قيل : المراد بالكلمة الطيبة هنا كلمة التوحيد :{لا إله الا اللَّه } . . وليس من شك ان التوحيد مصدر الحق ومعدنه ، ومن التوحيد والإخلاص للَّه وحده أن نفسر الكلمة الطيبة بكل كلمة تنفع الناس ، وتعود عليهم بالخير والصلاح ، ولوبجهة من الجهات ، سواء أكانت الكلمة للدين والشرع ، أم للعلم والفلسفة ، أم للأدب والفن . . فأي إنسان انتفع الناس بقوله أوبعمله فهو يلتقي من هذه الجهة مع مبادئ الإسلام والدين أيا كان ويكون . . وأفضل الكلمات والأقوال هي كلمة الثورة ، والصرخة الغاضبة في وجوه حكام الجور ، ومن آزرهم من المأجورين والرجعيين لأنهم أصل الداء ، ومصدر البلاء ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) :
( وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل اللَّه عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الا كنفثة في بحر لجي ، وان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ، ولا ينقصان من رزق ، وأفضل من ذلك كله كلمة عدل عند إمام جائر ) لأنه المصدر الأول لكل منكر ، فمن جاهده وأنكر عليه فقد جاهد الآثام
كلها مجتمعة في شخص هذا الحاكم الغاشم . . وفي معنى كلمة الإمام علي هذه أحاديث عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) . وكل ما عند علي أمير المؤمنين فهو شعاع من شمس محمد سيد الخلق أجمعين .
ولا شيء أدل على أن المراد بالكلمة الطيبة الكلمة المفيدة النافعة من تشبيهها بالشجرة الطيبة التي { أَصْلُها ثابِتٌ } لا تزعزعه الأعاصير ، ولا تقوى عليه المعاول { وفَرْعُها فِي السَّماءِ } بعيد عن أوباء الأرض وأقذارها { تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها } فلا تجود آنا ، وتبخل آنا ، كالتاجر يعطيك ان دفعت ، ويمسك ان أمسكت ، بل هي تعطي أبدا ودائما { ويَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فيشبه المعنى الغامض بالمعنى الواضح ليفهم الناس ، كل الناس طريق الهدى فيتبعوه ، وطريق الضلال فيجتنبوه .
{ ومَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } . كل كلمة تضر الناس ولا تنفعهم فهي خبيثة لعينة ، سواء أكانت من مسلم ، أم من غير مسلم عظيم أم حقير ، بل إن سكوت الكبير عن مقاومة الباطل ، ومناصرة الحق يعد من أعظم الجرائم ، وفي الحديث : الساكت عن الحق شيطان أخرس ، وكتب غاندي إلى طاغور :
« انك شاعر عظيم ، ولكنك تلعب والبيت يحترق . . ان الأغنية الجميلة لا تشبع جائعا ، ولا تشفي مريضا } . { اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ } .
هذا أصدق مثل للباطل وأهله الذين يتعالون ويتعاظمون ، ويخيل للجاهل انهم شيء ضخم ، وما هم الا كشجرة بلا أصول وجذور ، فسرعان ما يصبح عاليها سافلها إذا هبت الريح .
{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ } . ليس المراد بالمؤمنين من قال : آمنت باللَّه ورسوله واليوم الآخر ، ثم لم يقم حقا أويدفع باطلا ، بل المراد بالمؤمنين هنا من عناهم اللَّه بقوله :{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - 15 الحجرات } . آمنوا وأعربوا عن ايمانهم بالجهاد والفداء . أما إذا ادعوا الايمان باللَّه ، ولم يقاوموا الظلم والفساد بجرأة وشجاعة فهم مرتابون لا مؤمنون .
ومعنى تثبيتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا ان اللَّه سبحانه قد أخبرهم في كتابه وعلى لسان نبيه انهم في رعايته وعنايته ، وانه هو كفيلهم ووليهم وحافظهم وناصرهم ، كما شجعهم وأثنى عليهم بالصدق والإخلاص ، وما إليهما من الفضائل ، أما تثبيته لهم في الآخرة بالقول الثابت فهو قوله عز من قائل لهم يوم القيامة :
{ يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ولا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ - 68 الزخرف } .
{ ويُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ } بكفرهم وكذبهم وطغيانهم . . والقرآن الكريم يستعمل الظلم كثيرا بمعنى الكفر والشرك ، ولكن المراد بالظلم هنا من ظلم نفسه بالكفر ، وظلم غيره بالعدوان والافتراء ، كما أن المراد بالإضلال هنا العذاب ، تماما كقوله تعالى:
{ كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُومُسْرِفٌ مُرْتابٌ - 34 غافر } . { ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ } من ثواب الصالحين وعقاب الفاسدين ، ولا راد لمشيئته .
قرأت ، وأنا بصدد تفسير هذه الآية كلمة في جريدة(الأهرام ) المصرية عدد 21 شباط 1969 بعنوان{هل تشهد الإنسانية نهاية حرب الذرة وبداية حرب الجراثيم } ، جاء فيها (لقد ظهر في الأفق سلاح جديد أشد خطرا ، وأكثر قسوة من الأسلحة النووية ، وهو سلاح الجراثيم ، ونشر الأوبئة ، وان من آثار هذا السلاح انه إذا مس الإنسان ذرة منه تقلصت عضلاته ، وبرزت عيناه ، ومات في الحال ، وان لدى أمريكا وبريطانيا معامل ومصانع تنتج هذا السلاح ، وتعدانه إلى وقت الحاجة ، فإذا ما اتفقت الدول على حظر انتشار الأسلحة النووية بسبب الضغط العالمي استعملت الدولتان أوبئة الفناء والدمار كبديل عن القنابل الذرية والهيدر وجينية ) . . فهل يجتمع الايمان باللَّه مع النية والعزم على استعمال هذا السلاح ؟ .
وهل صلاة الذين يؤازرون أصحاب هذه النية والعزم تجديهم نفعا عند اللَّه ؟
__________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 443-445.
قوله تعالى:{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } ذكروا أن{كلمة} بدل اشتمال من{مثلا} و{كشجرة} صفة بعد صفة لقوله{كلمة} أوخبر مبتدإ محذوف والتقدير هي كشجرة، وقيل: إن{كلمة} مفعول أول متأخر لضرب و{مثلا} مفعوله الثاني قدم لدفع محذور الفصل بين{كلمة} وصفتها وهي{كشجرة} والتقدير ضرب الله كلمة طيبة كشجرة طيبة إلخ... مثلا.
وقيل:{ضرب} متعد لواحد و{كلمة} منصوب بفعل مقدر كجعل واتخذ والتقدير ضرب الله مثلا جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة إلخ، وأظن أن هذا أحسن الوجوه لو وجه بكون{كلمة طيبة} إلخ عطف بيان لقوله:{ضرب الله مثلا} من بيان الجملة للجملة، ويتعين حينئذ نصب{كلمة} بمقدر هو جعل أواتخذ لأن المدلول أنه مثل الكلمة بالشجرة وشبهها بها وهو معنى قولنا: اتخذ كلمة طيبة كشجرة إلخ.
وقوله:{أصلها ثابت} أي مرتكز في الأرض ضارب بعروقه فيها، وقوله:{وفرعها في السماء} أي ما يتفرع على ذلك الأصل من أغصانها في جهة العلو فكل ما علا وأظل سماء، وقوله:{ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } أي تثمر ثمرها المأكول كل زمان بإذن الله، وهذا نهاية ما تفيده شجرة من البركات.
واختلفوا في الآية أولا في المراد من الكلمة الطيبة فقيل: هي شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل: الإيمان، وقيل: القرآن، وقيل: مطلق التسبيح والتنزيه، وقيل: الثناء على الله مطلقا، وقيل: كل كلمة حسنة، وقيل: جميع الطاعات، وقيل: المؤمن.
وثانيا في المراد من الشجرة الطيبة فقيل: النخلة وهو قول الأكثرين، وقيل: شجرة جوز الهند، وقيل: كل شجرة تثمر ثمرة طيبة كالتين والعنب والرمان، وقيل: شجرة صفتها ما وصفه الله وإن لم تكن موجودة بالفعل.
ثم اختلفوا في المراد بالحين فقيل: شهران، وقيل: ستة أشهر، وقيل: سنة كاملة، وقيل: كل غداة وعشي، وقيل: جميع الأوقات.
والاشتغال بأمثال هذه المشاجرات مما يصرف الإنسان عما يهمه من البحث عن معارف كتاب الله والحصول على مقاصد الآيات الكريمة وأغراضها.
والذي يعطيه التدبر في الآيات أن المراد بالكلمة الطيبة التي شبهت بشجرة طيبة من صفتها كذا وكذا هو الاعتقاد الحق الثابت فإنه تعالى يقول بعد وهو كالنتيجة المأخوذة من التمثيل:{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } الآية والقول هي الكلمة ولا كل كلمة بما هي لفظ بل بما هي معتمدة على اعتقاد وعزم يستقيم عليه الإنسان ولا يزيغ عنه عملا.
وقد تعرض تعالى لما يقرب من هذا المعنى في مواضع من كلامه كقوله:{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}: الأحقاف: 13، وقوله:{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا }: حم السجدة: 30، وقوله:{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ: فاطر: 10.
وهذا القول والكلمة الطيبة هو الذي يرتب تعالى عليه تثبيته في الدنيا والآخرة أهله وهم الذين آمنوا ثم يقابله بإضلال الظالمين ويقابله بوجه آخر بشأن المشركين، وبهذا يظهر أن المراد بالممثل هو كلمة التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله حق شهادته.
فالقول بالوحدانية والاستقامة عليه هو حق القول الذي له أصل ثابت محفوظ عن كل تغير وزوال وبطلان وهو الله عز اسمه أوأرض الحقائق، وله فروع نشأت ونمت من غير عائق يعوقه عن ذلك من عقائد حقة فرعية وأخلاق زاكية وأعمال صالحة يحيي بها المؤمن حياته الطيبة ويعمر بها العالم الإنساني حق عمارته وهي التي تلائم سير النظام الكوني الذي أدى إلى ظهور الإنسان بوجوده المفطور على الاعتقاد الحق والعمل الصالح.
والكمل من المؤمنين وهم الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فتحققوا بهذا القول الثابت والكلمة الطيبة مثلهم كمثل قولهم الذي ثبتوا لا يزال الناس منتفعين بخيرات وجودهم ومنعمين ببركاتهم.
وكذلك كل كلمة حقة وكل عمل صالح مثله هذا المثل، له أصل ثابت وفروع رشيدة وثمرات طيبة مفيدة نافعة.
فالمثل المذكور في الآية يجري في الجميع كما يؤيده التعبير بكلمة طيبة بلفظ النكرة غير أن المراد في الآية على ما يعطيه السياق هو أصل التوحيد الذي يتفرع عليه سائر الاعتقادات الحقة، وينموعليه الأخلاق الزاكية وتنشأ منه الأعمال الصالحة.
ثم ختم الله سبحانه الآية بقوله:{ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ليتذكر به المتذكر أن لا محيص لمريد السعادة عن التحقق بكلمة التوحيد والاستقامة عليها.
قوله تعالى:{ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} الاجتثاث الاقتلاع، يقال: جثته واجتثته أي قلعته واقتلعته، والجث بالضم ما ارتفع من الأرض كالأكمة، وجثة الشيء شخصه الناتىء. كذا في المفردات.
والكلمة الخبيثة ما يقابل الكلمة الطيبة ولذا اختلفوا فيها فقال كل قوم فيها ما يقابل ما قاله في الكلمة الطيبة وكذا اختلفوا في المراد بالشجرة الخبيثة فقيل: هي الحنظلة، وقيل: الكشوث وهو نبت يلتف على الشوك والشجر لا أصل له في الأرض ولا ورق عليه، وقيل: شجرة الثوم، وقيل: شجرة الشوك، وقيل: الطحلب، وقيل: الكمأة، وقيل: كل شجرة لا تطيب لها ثمرة.
وقد عرفت حال هذه الاختلافات في الآية السابقة، وعرفت أيضا ما يعطيه التدبر في معنى الكلمة الطيبة وما مثلت به ويجري ما يقابله في الكلمة الخبيثة وما مثلت به حرفا بحرف فإنما هي كلمة الشرك مثلت بشجرة خبيثة مفروضة اقتلعت من فوق الأرض ليس لها أصل ثابت وما لها من قرار، وإذ كانت خبيثة فلا أثر لها إلا الضر والشر.
قوله تعالى:{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} إلى آخر الآية الظاهر أن{بالقول} متعلق بقوله:{يثبت} لا بقوله:{آمنوا}، والباء للآلة أوالسببية لا للتعدية، وأن قوله:{في الحياة الدنيا وفي الآخرة} متعلق أيضا بقوله:{يثبت} لا بقوله:{الثابت}.
فيعود المعنى إلى أن الذين آمنوا إذا ثبتوا على إيمانهم واستقاموا ثبتهم الله عليه في الدنيا والآخرة، ولولا تثبيته تعالى لهم لم ينفعهم الثبات من أنفسهم شيئا ولم يستفيدوا شيئا من فوائده فإليه تعالى يرجع الأمر كله، فقوله تعالى:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}، في باب الهداية يوازن قوله:{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }: الصف - 5، في باب الإضلال.
غير أن بين البابين فرقا وهو أن الهدى يبتدىء من الله سبحانه ويترتب عليه اهتداء العبد والضلال يبتدىء من العبد بسوء اختياره فيجازيه الله بالضلال على الضلال، كما قال:{ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}: البقرة: 26 وقد تكاثرت الآيات القرآنية أن الهداية من الله سبحانه ليس لغيره فيها صنع.
وتوضيح المقام أن الله سبحانه خلق الإنسان على فطرة سليمة ركز فيها معرفة ربوبيته وألهمها فجورها وتقواها، وهذه هداية فطرية أولية ثم أيدها بالدعوة الدينية التي قام بها أنبياؤه ورسله.
ثم إن الإنسان لوجرى على سلامة فطرته واشتاق إلى المعرفة والعمل الصالح هداه الله فاهتدى العبد للإيمان عن هدايته تعالى، وأما جريه على سلامة الفطرة فلوسمي اهتداء فإنما هو اهتداء متفرع على السلامة الفطرية لوسميت هداية.
ولو انحرف الإنسان عن صراط الفطرة بسوء اختياره وجهل مقام ربه وأخلد إلى الأرض واتبع الهوى وعاند الحق فهو ضلال منه غير مسبوق بإضلال من الله وحاشاه سبحانه لكنه يستعقب إضلاله عن الطريق مجازاة وتثبيته على ما هو عليه بقطع الرحمة منه وسلب التوفيق عنه وهذا إضلال مسبوق بضلالة من نفسه بسوء اختياره وإزاغة له عن زيغ منه.
ومن هنا وجه اختلاف السياق في الآيتين أما قوله:{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } فقد فرض فيه زيغ منهم ثم أزاغه منه تعالى وأما قوله:{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ } فقد فرض فيه إيمان ثابت على التثبيت وهو في نفسه يستلزم هداية منه واهتداء منهم ثم أضيف إلى ذلك القول الثابت وهو ثباتهم واستقامتهم بحسن اختيارهم على ما آمنوا به وهو فعلهم فيعقبه الله بتثبيتهم بسبب ذاك القول الثابت وحفظهم من الزيغ والزلل يدفع عنهم بذلك مخاطر الحياة في الدنيا والآخرة وهذا هداية منه تعالى غير مسبوقة باهتداء من عند أنفسهم يرتبط بها فافهم ذلك.
وكيف كان فهذا التثبيت بالنظر إلى التمثيل بمنزلة إحكام الشجرة الطيبة من جهة ثبوت أصلها في الأرض، وإذا ثبت أصل الشجرة نمت وتفرعت بالفروع وأتت بالأثمار في كل حين والدنيا والآخرة تحاذيان:{كل حين} فإن الدنيا والآخرة تشملان جميع الأحيان فهذا ما يعطيه السياق من معنى الآية.
وقيل: إن المعنى يثبت الله الذين آمنوا ويقرهم في كرامته وثوابه بالقول الثابت الذي وجد منهم وهو كلمة الإيمان لأنه ثابت بالحجج والأدلة فالمراد بتثبيتهم تقريبهم منه وإسكانهم الجنة وبثبوت قولهم تأيده بالحجة والبرهان، وفيه أنه تقييد من غير مقيد.
وقيل: المعنى أنه يثبتهم بالتمكين في الأرض والنصرة والفتح والغلبة في الدنيا وإسكان الجنة في الآخرة. وهو بعيد من السياق.
وقوله:{ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ } ظاهر المقابلة بين الظالمين والذين آمنوا في الجملة السابقة أن المراد بهم أهل الكفر بالله وبآياته على أنه تعالى فسر الظالمين بقول مطلق في بعض كلامه بما يقرب منه إذ قال:{ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ }: الأعراف: 45.
والجملة كالنتيجة المستخرجة من المثل الثاني المذكور:{ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } والمعنى أن الله يضل أهل الكفر بحرمانهم من صراط الهداية فلا يهتدون إلى عيشة سعيدة في الدنيا ولا إلى نعمة باقية ورضوان من الله في الآخرة فلا يوجد عندهم إن كشف عن قلوبهم إلا الشك والتردد والقلق والاضطراب والأسى والأسف والحسرة.
وقوله:{ويفعل الله ما يشاء} أي يجري تثبيت هؤلاء وإضلال أولئك على ما تقتضيه مشيته لا مانع له ولا دافع فلا حائل بين مشيته وفعله.
ويظهر من ذلك أن الله تعالى قد شاء تثبيت هؤلاء وإضلال أولئك وهوفاعلهما لا محالة فمن القضاء المحتوم سعادة المؤمن وشقاء الكافر وقد وردت به الرواية.
ووقوع لفظ الجلالة في قوله:{ويضل الله} وقوله:{ويفعل الله} من وقوع الظاهر موقع المضمر ويدل على فخامة الأمر ومهابة الموقف كما قيل.
_____________
1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج12،ص40-44.
الشّجرة الطيّبة والشّجرة الخبيثة!
هنا مشهد آخر في تجسيم الحقّ والباطل، الكفر والإيمان، الطيّب والخبيث ضمن مثال واحد جميل وعميق المعنى ... يُكمل البحوث السابقة في هذا الباب.
يقول تعالى أوّلا: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} ثمّ يشير إلى خصائص هذه الشجرة الطيّبة في جميع أبعادها ضمن عبارات قصيرة.
ولكن قبل أن نستعرض هذه الخصائص يجب أن نعرف ما المقصود من «الكلمة الطيّبة»؟
قال بعض المفسّرين: إنّها كلمة التوحيد {لا إله إلاّ الله}.
وقال آخرون: إنّها تشير إلى الأوامر الإلهيّة.
وقال البعض الآخر: إنّه الإيمان الذي محتواه ومفهومه {لا إله إلاّ الله}.
وقال آخرون في تفسيرها: إنّها شخص المؤمن.
وأخيراً قال بعضهم: إنّها الطريقة والبرامج العمليّة.
ولكن بالنظر إلى سعة مفهوم ومحتوى الكلمة الطيّبة نستطيع أن نقول: إنّها تشمل جميع هذه الأقوال، لأنّ «الكلمة» في معناها الواسع تشمل جميع الموجودات، ولهذا السبب يقال للمخلوقات «كلمة الله».
و «الطيّب» كلّ طاهر ونظيف، فالنتيجة من هذا المثال أنّه يشمل كلّ سنّة ودستور وبرنامج وطريقة، وكلّ عمل، وكلّ إنسان .. والخلاصة: كلّ موجود طاهر ونظيف وذي بركة، وجميعها كشجرة طيّبة فيها الخصائص التالية:
1 ـ كائن يمتلك الحركة والنمو، وليس جامداً ولا خاملا، بل ثابت وفاعل ومبدع للآخرين ولنفسه (التعبير بـ«الشجرة» بيان لهذه الحقيقة).
2 ـ هذه الشجرة طيّبة، ولكن من أيّة جهة؟ بما أنّه لم يذكر لها قسم خاص بها، فإنّها طيّبة من كلّ جهة .. منظرها، ثمارها، أزهارها، ظلالها، ونسيمها جميعها طيب وطاهر.
3 ـ لهذه الشجرة نظام دقيق، لها جذور وأغصان، وكلّ واحد له وظيفته الخاصّة، فوجود الأصل والفرع فيها دليل على سيادة النظام الدقيق عليها.
4 ـ أصلها ثابت محكم بشكل لا يمكن أن يقلعها الطوفان ولا العواصف. وبإستطاعتها أن تحفظ أغصانها العالية في الفضاء وتحت نور الشمس، لأنّ الغصن كلّما كان عالياً يحتاج إلى جذور قوّية {أصلها ثابت}.
5 ـ إنّ أغصان هذه الشجرة الطيّبة ليست في محيط ضيّق ولا رديء، بل مقرّها في عنان السّماء، وهذه الأغصان والفروع تشقّ الهواء وتصعد فيه عالياً {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.
ومن الواضح أنّ الأغصان كلّما كانت عالية وسامقة تكون بعيدة عن التلوّث والغبار وتصبح ثمارها نظيفة، وتستفيد أكثر من نور الشمس والهواء الطلق، فتكون ثمارها طيّبة جدّاً(2).
6 ـ هذه الشجرة كثيرة الثمر لا كالأشجار الذابلة العديمة الثمر، ولذلك فهي كثيرة العطاء {تؤتي اُكلها}.
7 ـ وثمارها ليست فصلية، بل في كلّ فصل وزمان، فإذا أردنا أن نمدّ يدنا إلى أغصانها في أي وقت لم نرجع خائبين {كلّ حين}.
8 ـ إنّ إنتاجها من الثمار يكون وفق قوانين الخلقة والسنن الإلهيّة وليس بدون حساب {بإذن ربّها}.
والآن يجب أن نفتّش، أين نجد هذه الخصائص والبركات؟
نجدها بالتأكيد في كلمة التوحيد ومحتواها، وفي الإنسان الموحّد ذي المعرفة، وفي البرامج الحيّة النظيفة، وجميعها نامية ومتحرّكة ولها اُصول ثابتة ومحكمة وفروع كثيرة وعالية بعيدة عن التلوّث بالأدران الجسديّة والدنيوية، وكلّها مثمرة وفيّاضة.
وما من أحد يأتي إليها ويمدّ يده إلى فروعها إلاّ ويستفيد من ثمارها اللذيذة العطرة، وتتحقّق فيه الخصال المذكورة، فعواصف الأحداث الصعبة والمشاكل الكبيرة لا تزحزحه من مكانه، ولا يتحدد، واُفق تفكيره في هذه الدنيا الصغيرة، بل يشقّ حجب الزمان والمكان ويسير نحو المطلق اللامتناهي.
سلوكهم وبرامجهم ليست تابعة للهوى والهوس، بل طبقاً للأوامر الإلهيّة وبإذن ربّهم، وهذا هو مصدر الحركة والنمو في حركتهم.
الرجال العظام من المؤمنين هم كلمة الله الطيّبة، وحياتهم أصل البركة، دعوتهم توجب الحركة، آثارهم وكلماتهم وأقوالهم وكتبهم وتلاميذهم وتاريخهم .. وحتّى قبورهم جميعها ملهمة وحيّة ومُربّية.
نعم { وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }.
وهناك سؤال مطروح بين المفسّرين وهو: هل لوجود هذه الشجرة وصفاتها واقع خارجي؟
يعتقد البعض بوجودها وهي النخلة، ولذلك اضطروا إلى أن يفسّروا {كلّ حين} بستّة أشهر.
ولكن لا حاجة إلى الإصرار في وجود مثل هذه الشجرة، بل هناك تشبيهات كثيرة وليس لها وجود خارجي أصلا.
وعلى أيّة حال، فالهدف من التشبيه هو تجسيم الحقائق والمسائل العقليّة وصبّها في قالب الحواس، وهذه الأمثال ليس فيها أي إبهام، بل هي مقبولة ومؤثّرة وجذّابة.
وفي عين الحال هناك أشجاراً في هذه الدنيا ثمارها لا تنقطع على طول السنة، وقد رأينا بعض الأشجار في المناطق الحارّة وكانت مثمرة وفي نفس الوقت لها أزهار جديدة للثمار المقبلة!
وبما أنّ أحد أفضل الطرق لتوضيح المسائل هو الإستفادة من طريق المقابلة والمقايسة، فقد جعلت النقطة المقابلة للشجرة الطيّبة، الشجرة الخبيثة { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}.
والكلمة «الخبيثة» هي كلمة الكفر والشرك، وهي القول السيء والرديء، وهي البرنامج الضالّ والمنحرف، والناس الخبثاء، والخلاصة: هي كلّ خبيث ونجس.
ومن البديهي أنّ مثل هذه الشجرة ليس لها أصل، ولا نمو ولا تكامل ولا ثمار ولا ظلّ ولا ثبات ولا إستقرار، بل هي قطعة خشبيّة لا تصلح إلاّ للإشتعال ... بل أكثر من ذلك هي قاطعة للطريق وتزاحم السائرين وأحياناً تؤذي الناس!
ومن الطريف أنّ القرآن الكريم فصل الحديث في وصف الشجرة الطيّبة بينما إكتفى في وصف الشجرة الخبيثة بجملة قصيرة واحدة { اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، وهذا نوع من لطافة البيان أن يتابع الإنسان جميع خصوصيات ذكر «المحبوب» بينما يمرّ بسرعة في جملة واحدة بذكر «المبغوض»!
ومرّة أُخرى نجد المفسّرين إختلفوا في تفسير الشجرة الخبيثة، وهل لها واقع خارجي؟
قال البعض: إنّها شجرة «الحنظل» والتي لها ثمار مرّة ورديئة.
واعتقد آخرون أنّها «الكشوت» وهي نوع من الأعشاب المعقّدة التي تنبت في الصحراء ولها أشواك قصيرة تلتفّ حولها وليس لها جذر ولا أوراق.
وكما قلنا في تفسير الشجرة الطيّبة، ليس من اللازم أن يكون للشجرة الخبيثة وجود خارجي في جميع صفاتها، بل الهدف هو تجسيم الوجه الحقيقي لكلمة الشرك والبرامج المنحرفة والناس الخبثاء، وهؤلاء كالشجرة الخبيثة ليس لها ثمار ولا فائدة ... إلاّ المتاعب والمشاكل. مضافاً إلى أنّ الأشجار والنباتات الخبيثة التي قلعتها الأعاصير ليست قليلة.
وبما أنّ الآيات السابقة جسّدت حال الإيمان والكفر، الطيّب والخبيث من خلال مثالين صريحين، فإنّ الآية الأخيرة تبحث نتيجة عملهم ومصيرهم النهائي، يقول تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }لأنّ إيمانهم لم يكن إيماناً سطحياً وشخصيتهم لم تكن كاذبة ومتلوّنة، بل كانت شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء، وبما أنّ ليس هناك من لا يحتاج إلى اللطف الإلهي، وبعبارة أُخرى: كلّ المواهب تعود لذاته المقدّسة، فالمؤمنون المخلصون الثابتون بالإستناد إلى اللطف الإلهي يستقيمون كالجبال في مقابل أيّة حادثة. والله تعالى يحفظهم من الزلاّت التي تعتريهم في حياتهم. ومن الشياطين الذين يوسوسون لهم زُخرف الحياة ليزلّوهم عن الطريق.
وكذلك فالله تعالى يثبّتهم أمام القوى الجهنّمية للظالمين القُساة، الذين يسعون لإخضاعهم بأنواع التهديد والوعيد.
ومن الطريف أنّ هذا الحفظ والتثبّت الإلهيين يستوعبان كلّ حياتهم في هذه الدنيا وفي الآخرة، فهنا يثبّتون بالإيمان ويبرؤون من الذنوب، وهناك يُخلدون في النعيم المقيم.
ثمّ يشير إلى النقطة المقابلة لهم { وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }.
قلنا مراراً: إنّ الهداية والضلال التي تنسب إلى الله عزّوجلّ لا تتحقّقان إلاّ بأن يرفع الإنسان القدم الأوّل لها، فالله عزّوجلّ عندما يسلب المواهب والنعم من العبد أو يمنحها له يكون ذلك بسبب إستحقاقه أو عدم إستحقاقه.
ووصف «الظالمين» بعد جملة «يضلّ الله» أفضل قرينة لهذا الموضوع، يعني ما دام الإنسان غير ملوّث بالظلم لا تسلب الهداية منه، أمّا إذا تلوّث بالظلم وعمّت وجوده الذنوب، فسوف يخرج من قلبه نور الهداية الإلهيّة، وهذه عين الإرادة الحرّة. وبالطبع إذا غيّر مسيره بسرعة فطريق النجاة مفتوح له، ولكن إذا إستحكم الذنب فإنّ طريق العودة يكون صعباً جدّاً.
___________
1- تفسير الامثل،الشيخ ناصر مكارم الشيرازي،ج6،ص522-526.
2 ـ ويظهر هذا الأمر بشكل واضح في ثمار الأشجار، فثمار الأغصان العالية تكون أنضج وأطيب طعماً من ثمار الأغصان الواطئة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|