أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2020
21932
التاريخ: 24-7-2020
5979
التاريخ: 26-7-2020
37764
التاريخ: 22-7-2020
5379
|
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [إبراهيم: 5-8]
ذكر سبحانه إرساله موسى فقال{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} أي: بالمعجزات والدلالات{ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ} أي: بأن أخرج قومك { مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} مر معناه أي أمرناه بذلك وإنما أضاف الإخراج إليه لأنهم بسبب دعائه خرجوا من الكفر إلى الإيمان{ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } قيل فيه أقوال أحدها : أن معناه وأمرناه بأن يذكر قومه وقائع الله في الأمم الخالية وإهلاك من أهلك منهم ليحذروا ذلك عن ابن زيد والبلخي ويعضده قول عمرو بن كلثوم :
وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا (2)
فيكون المعنى: الأيام التي انتقم الله فيها من القرون الأولى والثاني :أن المعنى ذكرهم بنعم الله سبحانه في سائر أيامه عن ابن عباس وأبي بن كعب والحسن ومجاهد وقتادة وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) والثالث : أنه يريد بأيام الله سننه وأفعاله في عباده من إنعام وانتقام وكنى بالأيام عنهما لأنها ظرف لهما جامعة لكل منهما عن أبي مسلم وهذا جمع بين القولين المتقدمين.
{ إن في ذلك } التذكير{ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي: دلالات لكل من كان عادته الصبر على بلاء الله والشكر على نعمائه وإنما جمع بينهما لأن حال المؤمن لا يخلومن نعمة يجب شكرها أومحنة يجب الصبر عليها فالشكر والصبر من خصال المؤمنين فكأنه قال لكل مؤمن ولأن التكليف لا يخلو من الصبر والشكر{ وإذ قال موسى لقومه } والتقدير واذكر يا محمد إذ قال موسى لهم{ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ }أي: في الوقت الذي أنجاكم{ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ} أي: يذيقونكم { سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} أي: يستبقونهن أحياء للاسترقاق{ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } والآية مفسرة في سورة البقرة(3) قال الفراء : وإنما دخلت الواو هنا للعطف لأنهم كانوا يعذبون أنواعا من العذاب سوى الذبح فجاز العطف فإذا حذفت الواو كان يذبحون تفسيرا للعذاب .
لما تقدم ذكر النعمة أتبعه سبحانه بذكر ما يلزم عليها من الشكر فقال{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} التقدير واذكر إذ أعلم ربكم عن الحسن والبلخي وقيل معناه وإذ قال لكم ربكم عن ابن عباس وقيل أخبر ربكم عن الجبائي{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } أي: لئن شكرتم لي على نعمتي لأزيدنكم في النعم { ولئن كفرتم } أي: جحدتم نعمتي { إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } لمن كفر نعمتي وقال أبوعبد الله (عليه السلام): في هذه الآية أيما عبد أنعمت عليه نعمة فأقر بها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه لم ينفذ كلامه حتى يأمر الله له بالزيادة{ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا}أي: تجحدوا نعم الله سبحانه { أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} من الخلق لم تضروا الله شيئا وإنما يضركم ذلك بأن تستحقوا عليه العقاب{ فإن الله } سبحانه { لغني }عن شكركم { حميد} في أفعاله وقد يكون كفر النعمة بأن يشبه الله بخلقه أويجور في حكمه أويرد على نبي من أنبيائه فإن الله سبحانه قد أنعم على خلقه في جميع ذلك بأن أقام الحجج الواضحة والبراهين الساطعة على صحته وعرض بالنظر فيها للثواب الجزيل.
_______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص59-61.
{ ولَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا } - الدالة على نبوته - « أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ } . عاد الحديث إلى موسى ( عليه السلام ) وبني إسرائيل الذين أقرحوا قلبه ، وأدموا فؤاده ، عاد الحديث إليهم ، وقد تكرر فيما سبق عشرات المرات ، ولا أعرف سرا لتكرار الحديث عنهم أكثر من غيرهم الا انهم قد شذوا عن الناس ،
كل الناس طبيعة وعملا ، كما أشرت فيما تقدم ، ولا أخفي اني أشعر بعبء ثقيل عند تفسير الآيات التي فيها اسم بني إسرائيل .
{ وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } . وأظهر هذه الأيام ، وأعظمها نعمة عليهم يوم أنجاهم اللَّه من عذاب فرعون وحررهم من الرق والعبودية . . للَّه من حكم . . { إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } . . صبرا على بلائك أملا بنصرك وآلائك . .
ذلك إشارة إلى التذكير ، والمراد بالآيات هنا العبر والعظات ، ومن الواضح ان الذي يتعظ ويعتبر هو المؤمن حقا الذي يشكر عند الرخاء ، ويصبر عند البلاء ، مع الجد والاجتهاد في الخلاص مما يعانيه .
{ وإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ ويُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } . ذكّر موسى ( عليه السلام ) بني إسرائيل بما صنعه فرعون بهم من الذبح والاسترقاق ، وبنعمة الخلاص من ذلك ، وأمرهم أن يذكروا اللَّه ويشكروه على هذه النعمة . . ولكنهم لم يذكروه ولم يشكروه ، بل كفروا باللَّه ، وجحدوا نعمته ، وتمردوا عليه وعلى نبيهم موسى ، وقالوا له : أرنا اللَّه جهرة ، وقالوا له :
اذهب أنت وربك فقاتلا . . ومروا على قوم يعبدون أصناما لهم ، فقالوا ، يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، ثم عبدوا من دون اللَّه عجلا جسدا له خوار مكافأة للَّه الذي أنجاهم من عذاب فرعون . . ولما يئس منهم موسى ، وضاق بهم ذرعا توجه إلى اللَّه وقال : ربي اني لا أملك الا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين . . فأي عجب بعد هذا إذا تنكر اليهود لنعمة المسلمين عليهم يوم نبذهم العالم ، حيث لا أمريكا ولا انكلترا ولا ألمانيا الغربية تتخذ منهم سمسارا مخلصا ، وكلبا حارسا للاستعمار والنازية ؟ . ومر نظير هذه الآية في ج 1 ص 98 الآية 49 من سورة البقرة .
{ وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ولَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ } .
المراد بالكفر هنا الكفران ، وهو عقوق المنعم وجحود نعمته ، لأن الحديث عن جحود بني إسرائيل لأنعم اللَّه ، ولأن الشكر يقابله الكفران ، لا الكفر ، وقد ذكرا في آية واحدة . وقال المفسرون أو الكثير منهم : المراد ان اللَّه إذا أنعم على عبده بنعمة فشكرها واعترف للَّه بها أدام اللَّه عليه هذه النعمة وضاعفها ، قالوا هذا أخذا بالقول المشهور : « بالشكر تدوم النعم » .
وفي رأينا ان المراد بزيادة النعمة هنا زيادتها في الآخرة ، لا في الدنيا ، لأنه من المؤكد ان المراد بالعذاب الشديد على الكفران عذاب الآخرة ، فيكون الأجر على الشكر كذلك ، وثبت عن رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) انه ساوى في العطاء بين الصالح والطالح ، وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : لو كان المال لي لسويت بينهم ، فكيف وانما المال مال اللَّه ؟ . . هذا ، إلى أنّا نشاهد الأموال تتراكم وتتدفق على الطغاة كلما ازدادوا عتوا وطغيانا . . أجل ، لو كان المراد بالشكر المحافظة على المال وحسن تدبيره واستثماره لكان لقول المفسرين وجه ، ولكنه خلاف الظاهر ، ولا قائل به حتى من المفسرين أنفسهم .
{ وقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ ومَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهً لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } .
والحمد للَّه لا لغيره ، والاستغناء به لا بسواه ، وبدل هذا القول من موسى على حرقته ويأسه من بني إسرائيل وهدايتهم .
___________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص425- 427.
قوله تعالى:{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } إلى آخر الآية، إذ كان الكلام في السورة مبنيا على الإنذار والتذكير بعزة الله سبحانه ناسب أن يذكر إرسال موسى بالآيات لهداية قومه فإن قصة رسالته من أوضح مصاديق ظهور العزة الإلهية من بين الرسل وقد قال تعالى فيه:{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين}: هود: 96، وقال حاكيا عنه (عليه السلام):{ وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}: الدخان: 19.
فوزان الآية أعني قوله:{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور}، من قوله:{كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم} وزان التنظير بداعي التأييد وتطييب النفس كما في قوله:{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ }: النساء، 16.
وأما ما ذكر بعضهم أن الآية شروع في تفصيل ما أجمل في قوله:{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} فبعيد كل البعد.
ونظيره في البعد قول بعضهم: إن المراد بالآيات التي أرسل بها موسى آيات التوراة دون المعجزات التي أرسل (عليه السلام) بها كالثعبان واليد البيضاء وغيرهما.
على أن الله سبحانه وتعالى لم يعد في كلامه التوراة من آيات رسالة موسى ولا ذكر أنه أرسله بها قط وإنما ذكر أنه أنزلها عليه وآتاه إياها.
ولم يقيد قوله:{أن أخرج قومك} - إلخ - بالإذن كما قيد به قوله للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم){لتخرج الناس} إلخ لأن قوله هاهنا:{أخرج قومك} أمر يتضمن معنى الإذن بخلاف قوله هناك:{لتخرج الناس}.
وقوله:{وذكرهم بأيام الله} لا شك أن المراد بها أيام خاصة، ونسبة أيام خاصة إلى الله سبحانه مع كون جميع الأيام وكل الأشياء له تعالى ليست إلا لظهور أمره تعالى فيها ظهورا لا يبقى معه لغيره ظهور، فهي الأزمنة والظروف التي ظهرت أوسيظهر فيها أمره تعالى وآيات وحدانيته وسلطنته كيوم الموت الذي يظهر فيه سلطان الآخرة وتسقط فيه الأسباب الدنيوية عن التأثير، ويوم القيامة الذي لا يملك فيه نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله، وكالأيام التي أهلك الله فيها قوم نوح وعاد وثمود فإن هذه وأمثالها أيام ظهر فيها الغلبة والقهر الإلهيان وأن العزة لله جميعا.
ويمكن أن يكون منها أيام ظهرت فيها النعم الإلهية ظهورا ليس فيه لغيره تعالى صنع كيوم خروج نوح (عليه السلام) وأصحابه من السفينة بسلام من الله وبركات ويوم إنجاء إبراهيم من النار وغيرهما فإنها أيضا كسوابقها لا نسبة لها في الحقيقة إلى غيره تعالى فهي أيام الله منسوبة إليه كما ينسب الأيام إلى الأمم والأقوام ومنه أيام العرب كيوم ذي قار ويوم فجار ويوم بغاث وغير ذلك.
وتخصيص بعضهم الأيام بنعماء الله سبحانه بالنظر إلى ما سيأتي من ذكر نعمه تعالى كتخصيص آخرين لها بنقماته تعالى خال عن الوجه بعد ما كان الكلام جاريا في السورة على ما تقتضيه عزته تعالى، ومن مقتضى صفة عزته الإنعام على العباد والأخذ الشديد إن كفروا بنعمته.
ثم تمم الكلام بقوله:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي كثير الصبر عند الضراء وكثير الشكر على النعماء.
الآيات تشتمل على ذكر نبذة من نعم الله ونقمه في أيامه وظاهر سياق الآيات أنها من كلام موسى (عليه السلام) غير قوله تعالى:{وإذ تأذن ربكم} الآية فهي حكاية قول موسى يذكر فيها قومه ببعض أيام الله سبحانه على ما يقتضيه عزته المطلقة من إنزال النعم والنقم، ووضع كل في موضعه الذي يليق به حسب ما اقتضته حكمته البالغة.
قوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } إلى آخر الآية، السوم على ما ذكره الراغب بمعنى الذهاب في ابتغاء الشيء فهو لفظ لمعنى يتركب من الذهاب والابتغاء فكأنه في الآية بمعنى إذاقة العذاب، والاستحياء استبقاء الحياة.
والمعنى واذكر أيها الرسول لزيادة التثبت في أن الله عزيز حميد إذ قال موسى لقومه وهم بنو إسرائيل: اذكروا نعمة الله عليكم يوم أنجاكم من آل فرعون وخاصة من القبط والحال أنهم مستمرون على إذاقتكم سوء العذاب ويكثرون ذبح الذكور من أولادكم وعلى استبقاء حياة نسائكم للاسترقاق، وفي ذلكم بلاء ومحنة من ربكم عظيم.
قوله تعالى:{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } قال في المجمع التأذن الإعلام يقال: آذن وتأذن ومثله أوعد وتوعد انتهى.
وقوله:{وإذ تأذن ربكم} إلخ معطوف على قوله:{وإذ قال موسى لقومه} وموقع الآية التالية:{وقال موسى} إلخ، من هذه الآية كموقع قوله:{ولقد أرسلنا موسى} إلخ، من قوله:{كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} إلخ، فافهم ذلك فهو الأنسب بسياق كلامه تعالى.
وذكر بعضهم أنه داخل في مقول موسى وليس بكلام مبتدإ وعليه فهو معطوف على قوله:{نعمة الله عليكم} والتقدير: اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا إذ تأذن ربكم إلخ، وفيه أنه لوكان كذلك لكان الأنسب أن يقال: اذكروا إذ أنجاكم فأنعم عليكم وإذ تأذن ربكم إلخ، لما فيه من رعاية حكم الترتيب.
وقيل: إنه معطوف على قوله:{إذ أنجاكم} والمعنى اذكروا نعمة الله عليكم إذ تأذن ربكم، فإن هذا التأذن نفسه نعمة لما فيه من الترغيب والترهيب الباعثين إلى نيل خير الدنيا والآخرة.
وفيه أن هذا التأذن ليس إلا نعمة للشاكرين منهم خاصة وأما غيرهم فهونقمة عليهم وخسارة فنظمه في سلك ما تقدمه من غير تقييد أواستثناء ليس على ما ينبغي.
فالظاهر أنه كلام مبتدأ وقد بين تعالى هذه الحقيقة أعني كون الشكر - الذي حقيقته استعمال النعمة بنحويذكر إنعام المنعم ويظهر إحسانه ويئول في مورده تعالى إلى الإيمان به والتقوى - موجبا لمزيد النعمة والكفر لشديد العذاب، في مواضع من كلامه، وقد حكى عن نوح فيما ناجى ربه ودعا على قومه:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } إلخ: نوح: 12.
ومن لطيف كرمه تعالى اللائح من الآية - كما ذكره بعضهم - اشتمالها على التصريح بالوعد والتعريض في الوعيد حيث قال:{لأزيدنكم} وقال إن عذابي لشديد ولم يقل لأعذبنكم وذلك من دأب الكرام في وعدهم ووعيدهم غالبا.
والآية مطلقة لا دليل على اختصاص ما فيها من الوعد والوعيد بالدنيا ولا بالآخرة، وتأثير الإيمان والكفر والتقوى والفسق في شئون الحياة الدنيا والآخرة معا معلوم من القرآن.
وقد استدل بالآية على وجوب شكر المنعم، والحق أن الآية لا تدل على أزيد من أن الكافر على خطر من كفره فإن الله سبحانه لم يصرح بفعلية العذاب على كل كفر إذ قال:{ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} ولم يقل: لأعذبنكم.
قوله تعالى:{ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } لما أمر تعالى بشكر نعمه بذكر ما تأذن به من الزيادة على الشكر والعذاب على الكفر على ما تقتضيه العزة المطلقة ذكر في تأييده من كلام موسى (عليه السلام) ما يجري مجرى التنظير فقال:{وقال موسى} والكلام جار على هذا النمط إلى تمام عشر آيات.
وأما أن الله غني وإن كفر من في الأرض جميعا فإنه غني بالذات عن كل شيء فلا ينتفع بشكر ولا يتضرر بكفر، وإنما يعود النفع والضرر إلى الإنسان فيما أتى به، وأما أنه حميد فلأن الحمد هو إظهار الحامد بلسانه ما لفعل المحمود من الجمال والحسن وفعله تعالى حسن جميل من كل جهة فهو جميل ظاهر الجمال يمتنع خفاؤه وإخفاؤه، فهو تعالى محمود سواء حمده حامد باللسان أولم يحمد.
على أن كل شيء يحمده بتمام وجوده حتى الكافر بنعمته كما قال تعالى:{ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ }: الإسراء: 44، فهو تعالى محمود سواء حمده الناس بألسنتهم أولم يحمدوه، وله كل الحمد سواء قصد به هو أو قصد به غيره.
________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص14-19.
وعلى هذا النحو فإنّ محور الهداية والضلال في أيدي الناس أنفسهم.
تشير الآية الأُخرى إلى واحدة من نماذج إرسال الأنبياء في مقابل طواغيت عصرهم، ليخرجوهم من الظّلمات إلى النّور:{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ }(2).
وكما قرأنا في الآية الأُولى من هذه السورة فإنّ خلاصة دعوة رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) هي إخراج الناس من الظّلمات إلى النّور، فهذه دعوة كلّ الأنبياء، بل جميع القادة الروحيين للبشر، فهل الظلم غير الضلال والإنحراف والذلّ والعبوديّة والفساد والظلم؟! وهل النّور غير الإيمان والتقوى والحرية والإستقلال والعزّة والشرف؟! لذلك فإنّها تمثّل الخطّ المشترك والجامع بين كلّ دعوات القادة الإلهيين.
ثمّ يشير القرآن الكريم إلى واحدة من أكبر مسؤوليات موسى (عليه السلام) حيث يقول تعالى:{وذكّرهم بأيّام الله}.
من المتيقّن أنّ كلّ الأيّام هي أيّام الله، كما أنّ كلّ الأماكن متعلّقة بالله جلّ وعلا، وإذا كانت هناك نقطة خاصّة تسمّى (بيت الله) فذلك بدليل ميزاتها، كذلك أيّام الله تشير إلى أيّام مميّزة لها خصائص منقطعة النظير.
ولهذا السبب إختلف المفسّرون في تفسيرها:
قال البعض: إنّها تشير إلى أيّام النصر للأنبياء السابقين واُممهم والأيّام التي شملتهم النعم الإلهيّة فيها على أثر إستحقاقهم لها.
وقال البعض الآخر: إنّها تشير إلى العذاب الإلهي الذي شمل الأقوام الطاغين والعاصين لأمر الله.
وقال آخرون: إنّها تشير إلى المعنيين السابقين معاً.
لكنّنا ـ حقّاً ـ لا نستطيع أن نجعل هذه العبارة البليغة والواضحة محدودة، فأيّام الله هي جميع الأيّام العظيمة في تاريخ الإنسانيّة. فكلّ يوم سطعت فيه الأوامر الإلهيّة وجعلت بقيّة الأُمور تابعة لها، هي من أيّام الله، وكلّ يوم يُفتح فيه فصل جديد من حياة الناس فيه درس وعبرة، أو ظهور نبي فيه، أو سقوط جبّار وفرعون ـ أو كلّ طاغ ـ ومحوه من الوجود. خلاصة القول: كلّ يوم يُعمل فيه بالحقّ والعدالة ويقع في الظلم وتطغا فيه بدعة، هو من أيّام الله.
وكما سوف نرى أنّ روايات الأئمّة (عليهم السلام) في تفسير هذه الآية تشير إلى هذه الأيّام الحسّاسة.
وفي آخر الآية يقول تعالى:{إنّ في ذلك لآيات لكلّ صبّار شكور}.
«صبّار» و «شكور» صيغة مبالغة فأحدهما تشير إلى شدّة الصبر، والأُخرى إلى زيادة الشكر، وتعني أنّ المؤمنين كما لا يستسلمون للحوادث والمشاكل التي تصيبهم في حياتهم، كذلك لا يغترّون ولا يغفلون في أيّام النصر والنعم، وذكر هاتين الصفتين بعد الإشارة إلى أيّام الله دليل على ما قلناه.
تشير الآية الأُخرى إلى أحد هذه الأيّام التي كانت ساطعة ومثمرة في تاريخ بني إسرائيل، وذكرها تذكرةً للمسلمين حيث يقول تعالى:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} هؤلاء الفراعنة الذين كانوا{ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ }.
أي يوم أكثر بركة من ذلك اليوم حيث أزال الله عنكم فيه شرّ المتكبّرين والمستعمرين، الذين كانوا يرتكبون أفظع الجرائم بحقّكم، وأي جريمة أعظم من ذبح أبنائكم كالحيوانات(إنتبه إلى أنّ القرآن عبّر بالذبح لا بالقتل) وأهمّ من ذلك فإنّ نوامسيكم كانت خدماً في أيدي الطامعين.
وليس هذا المورد خاصّ ببني إسرائيل، بل في جميع الاُمم والأقوام. فإنّ يوم الوصول إلى الإستقلال والحرية وقطع أيدي الطواغيت يوم من أيّام الله الذي يجب أن نتذكّره دوماً حتّى لا نعود إلى ما كنّا عليه في الأيّام الماضية.
«يسومونكم» من مادّة (سَوْمَ) على وزن (صوم) بمعنى البحث عن الشيء، وتأتي بمعنى فرض عمل على الآخرين(3)، ولهذا فإنّ معنى جملة يسومونكم سوء العذاب: إنّ أُولئك كانوا يفرضون عليكم أسوأ الأعمال وأكثرها تعذيباً. وهل أنّ تجميد وإبادة الكتلة الفعّالة في المجتمع وإستخدام نسائهم وإذلالهنّ على يد فئة ظالمة وطاغية يعتبر أمراً هيّناً؟!
ثمّ إنّ التعبير بفعل المضارع «يسومون» إشارة إلى أنّ هذا العمل كان مستمرّاً لمدّة طويلة.
وجملة{يذبّحون أبناءكم ...} معطوفة على «سوء العذاب» وفي عين الوقت هي من مصاديق سوء العذاب، وذلك بسبب أهميّة هذين العذابين، وهذا توضيح أنّ فرعون وقومه الظالمين فرضوا على بني إسرائيل أحكاماً جائرة أُخرى، إلاّ أنّ هذين العذابين كانا أشدّ وأصعب.
ثمّ يضيف القرآن الكريم{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(4) يمكن أن تكون هذه الآية من كلام موسى لبني إسرائيل التي دعاهم فيها إلى الشكر في مقابل ذلك النجاة والنصر والنعم الكثيرة، ووعدهم بزيادة النعم، وفي حالة كفرهم هدّدهم بالعذاب، ويمكن أن تكون جملة مستقلّة وخطاباً للمسلمين، ولكن على أيّة حال فالنتيجة واحدة، لأنّه حتّى إذا كان الخطاب موجّهاً لبني إسرائيل وروده في القرآن الكريم ليكون درساً بنّاءاً لنا. ومن الطريف أنّه في حالة الشكر يقول بصراحة{لأزيدنّكم} أمّا في حالة كفران النعم فلا يقول(اُعذّبكم) بل يقول:{إنّ عذابي لشديد} وهذا التفاوت دليل على سموّ اللطف الإلهي.
أفي الله شكّ؟
الآية الأُولى من هذه المجموعة تؤيّد وتُكمل البحث السابق في الشكر والكفران، وذلك ضمن الكلام الذي نقل عن لسان موسى (عليه السلام){ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}(5).
إنّ الشكر والإيمان بالله ـ في الواقع ـ سبب في زيادة النعم والتكامل الإنساني، وإلاّ فالله عزّوجلّ ليس بحاجة إلى أي شيء، ولو كفرت جميع الكائنات ولم تحمده لا تَمسُّ كبرياءه بأدنى ضرر، لأنّه حميد في ذاته.
ولو كان محتاجاً لم يكن واجب الوجود، وعلى هذا فمفهوم الغني هو إشتماله لجميع الكمالات، وإذا كان كذلك فهو محمود في ذاته، لأنّ «الحميد» من إستحقّ الحمد.
___________________
1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي ،ج6،ص485-495.
2- المعجزات التي ظهرت من موسى بن عمران أشارت إليها الآية أعلاه بلفظ الآيات، وهي 9 معاجز مهمّة طبقاً للآية (101) من سورة الإسراء، والتي سوف تأتي إن شاء الله في تفسير تلك الآية.
3 ـ راجع المفردات للراغب، وتفسير المنار،[المجلّد الأوّل، ص308] وتفسير الرازي[المجلّد السابع، ص7].
4 ـ «تأذّن» من باب «تفعّل» بمعنى الإعلام للتأكيد، لأنّ مادّة أفعال من (إيذان) بمعنى إعلام، ولمّا يصبح من باب تفعّل يستفاد منه الإضافة والتأكيد.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|