المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16330 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تعريف بعدد من الكتب / العلل للفضل بن شاذان.
2024-04-25
تعريف بعدد من الكتب / رجال النجاشي.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثالث عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثاني عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الحادي عشر.
2024-04-25
التفريخ في السمان
2024-04-25

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (9-12) من سورة ابراهيم  
  
2433   07:28 مساءً   التاريخ: 22-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة إبراهيم /

 

قال تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم: 9، 12]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ } قيل إن هذا الخطاب متوجه إلى أمة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فذكرت بأخبار من تقدمها من الأمم وقيل إنه من قول موسى (عليه السلام) لأنه متصل به في الآية المتقدمة والمعنى أ لم يجئكم { نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } أي أخبار من تقدمكم.

 { قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ } أي لا يعلم تفاصيل أحوالهم وعددهم وما فعلوه وفعل بهم من العقوبات إلا الله قال ابن الأنباري : إن الله تعالى أهلك أمما من العرب وغيرها فانقطعت أخبارهم وعفت آثارهم فليس يعرفهم أحد إلا الله وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال كذب النسابون وقيل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان لا يجاوز في انتسابه معد بن عدنان فعلى هذا يكون قوله { والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله } مبتدأ وخبرا { جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } أي بالأدلة والحجج والأحكام والحلال والحرام.

 { فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ } اختلفوا في معناه على أقوال  أحدها : أن معناه عضوا على أصابعهم من شدة الغيظ لأنه ثقل عليهم مكان الرسل عن ابن مسعود وابن عباس والجبائي  وثانيها : أن معناه جعلوا أيديهم في أفواه الأنبياء تكذيبا لهم وردا لما جاءوا به فالضمير في أيديهم للكفار وفي أفواههم للأنبياء فكأنهم لما سمعوا وعظ الأنبياء وكلامهم أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل تسكيتا لهم عن الحسن ومقاتل ( وثالثها : أن معناه وضعوا أيديهم على أفواههم مومين بذلك إلى الرسل أن اسكتوا عما تدعوننا إليه كما يفعل الواحد منا مع غيره إذا أراد تسكيته عن الكلبي فيكون على هذا القول الضميران للكفار  ورابعها : أن كلا الضميرين للرسل أي أخذوا أيدي الرسل فوضعوها على أفواههم ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم فيسكتوا عنهم لما يئسوا منهم هذا كله إذا حمل معنى الأيدي والأفواه على الحقيقة.

 ومن حملها على التوسع والمجاز فاختلفوا في معناه فقيل المراد باليد ما نطقت به الرسل من الحجج والمعنى فردوا حججهم من حيث جاءت لأن الحجج تخرج من الأفواه عن أبي مسلم وقيل إن المعنى ردوا ما جاءت به الرسل وكذبوهم عن مجاهد وقتادة وقيل معناه تركوا ما أمروا به وكفوا عن قبول الحق عن أبي عبيدة والأخفش قال القتيبي : ولم يسمع أحد أن العرب تقول رد يده في فيه بمعنى ترك ما أمر به وإنما المعنى أنهم عضوا على الأيدي حنقا وغيظا كقول الشاعر :

يردون في فيه عشر الحسود يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه العشر وقال آخر :

قد أفنى أنامله أزمة              فاضحى يعض على الوظيفا(2)

 وقيل المعنى ردوا بأفواههم نعم الرسل أي وعظهم وبيانهم فوقع في موقع الباء عن مجاهد قال الفراء : أنشدني بعضهم :

وأرغب فيها عن لقيط وره     ولكنني عن سنبس لست أرغب(3)

 قال أراد أرغب بها يعني بنتا له يقول أرغب بها عن لقيط وقبيلته { وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا} أي: جحدنا { بما أرسلتم به } أي: برسالاتكم { وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ } من الدين { مريب } متهم أي يوقعنا في الريب بكم أنكم تطلبون الرئاسة وتفترون الكذب { قالت رسلهم } حينئذ لهم { أ في الله شك } مع قيام الأدلة على وحدانيته وصفاته { فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: خالقهما ومنشئهما لا يقدر على ذلك غيره فوجب أن يعبد وحده ولا يشرك به من لا يقدر على اختراع الأجسام { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} أي: يدعوكم إلى الإيمان به لينفعكم لا ليضركم وقال من ذنوبكم بمعنى ليغفر لكم بعض ذنوبكم لأنه يغفر ما دون الشرك ولا يغفر الشرك وقال الجبائي : دخلت من للتبعيض ووضع البعض موضع الجميع توسعا.

 { وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: يؤخركم إلى الوقت الذي ضربه الله لكم أن يميتكم فيه ولا يؤاخذكم بعاجل العقاب { قالوا } أي: قال لهم قومهم { إن أنتم } أي ما أنتم { إلا بشر مثلنا } أي خلق مثلنا { تريدون أن تصدونا } أي: تمنعونا { عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } من الأصنام والأوثان { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي: بحجة واضحة على صحة ما تدعونه وبطلان ما نحن فيه وإنما قالوا ذلك لأنهم اعتقدوا أن جميع ما جاءت به الرسل من المعجزات ليست بمعجزة ولا دلالة وقيل إنهم طلبوا معجزات مقترحات سوى ما ظهرت فيما بينهم .

وفي هذه الآية دلالة على أنه سبحانه لا يريد الكفر والشرك وإنما يريد الخير والإيمان وأنه إنما بعث الرسل إلى الكفار رحمة وفضلا وإنعاما عليهم ليؤمنوا فإنه قال يدعوكم ليغفر لكم .

ثم حكى سبحانه جواب الرسل للكفار فقال { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } في الصورة والهيأة ولسنا ملائكة { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي: ينعم عليهم بالنبوة وينبئهم بالمعجزة فلقد من الله علينا واصطفانا وبعثنا أنبياء { وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ } أي: بحجة على صحة دعوانا { إلا بإذن الله } أي: بأمره وإطلاقه لنا في ذلك وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } المصدقون به وبأنبيائه { وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ } معناه وأي شيء لنا إذا لم نتوكل على الله ولم نفوض أمورنا إليه وعلى هذا تكون ما للاستفهام وقيل أن معناه ولا وجه لنا ولا عذر لنا في أن لا نتوكل على الله ولا نثق به فتكون ما للنفي وإذا كانت للاستفهام فمعناه النفي أيضا.

 { وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا } أي: عرفنا طريق التوكل وقيل معناه هدانا إلى سبيل الإيمان ودلنا على معرفته ووفقنا لتوجيه العبادة إليه وأن لا نشرك به شيئا وضمن لنا على ذلك جزيل الثواب والمراد أنا إذا كنا مهتدين فلا ينبغي لنا أن لا نتوكل على الله { وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} فإنه تعالى يكفينا أمركم وينصرنا عليكم { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} وإنما قص هذا وأمثاله في القرآن على نبينا ليقتدي بمن كان قبله من المرسلين في تحمل أذى المشركين والصبر على ذلك والتوكل وروى الواقدي بإسناده عن أبي مريم عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا آذاك البراغيث فخذ قدحا من الماء فاقرأ عليه سبع مرات { وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ } الآية وقل فإن كنتم آمنتم بالله فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم ترش الماء حول فراشك فإنك تبيت تلك الليلة آمنا من شرها .

_____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص61-64.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ أَولَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ والَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ } . سياق الكلام يدل على أن هذا خطاب من موسى ( عليه السلام ) لبني إسرائيل ، لا من محمد لمشركي العرب أو غيرهم كما قيل . والمعنى ان موسى قال لبني إسرائيل واعظا محذرا : لقد سمعتم بطوفان نوح ، وبالقواصم والعظائم التي حلت بعاد وثمود ، وكثير غيرهم مما لا يحيط علما بعددهم إلا اللَّه . .

فعل سبحانه بهم ذلك لأنهم عصوا الرسل وتمردوا على دعوتهم ، أفلا تعتبرون وتتعظون بالأمم الخالية ؟ . قال هذا موسى لقومه ، وأكثر من هذا ، ولكن إسرائيل هي هي أولا وآخرا .

{ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ } . كل رسول من اللَّه إلى عباده لا بد أن يكون مزودا منه تعالى بحجة قاطعة تدل على أنه موفد منه إليهم ، أشبه بالسفير يقدم أوراق اعتماده من دولته للدولة التي انتدب سفيرا لديها ، وعلى هذا يكون المراد بالبينات المعجزات الدالة على نبوة الأنبياء ورسالتهم { فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ } الضمير يعود إلى قوم نوح ومن بعدهم ممن تقدم ذكرهم ، ورد اليد إلى الفم كناية عن شدة الغيظ والإمعان في الاعراض ، ومثله : « عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ - 119 آل عمران » . { وقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } . ارتاب المشركون أو أظهروا الارتياب في صدق أنبيائهم ، وكانوا من قبل يعترفون لهم بالصدق والإخلاص . . ولما ذا ؟ . لا لشيء إلا لأن الأنبياء دعوهم إلى التزام الحق والعدل ، وترك الظلم والباطل . . وهذا هو بالذات منطق الانتهازيين قديما وحديثا . . ينكرون اليوم ما اعترفوا به بالأمس وبالعكس ، والسر يكمن في الأرباح والمكاسب ، فهم معها أينما كانت وتكون . .

{ قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ والأَرْضِ } ؟ . أجل ، انه لأعجب العجب أن يشكوا في موضع الايمان ، ويؤمنوا في موضع الشك . . لقد جحدوا بخالقهم ووحدانيته ، وآمنوا بالأحجار وعبدوها من دون اللَّه ، وهي نحت أيديهم تبول عليها الكلاب والذئاب . . { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ } . تعالى اللَّه ما أكرمه وأحلمه . . يدعو عباده إلى عفوه ورحمته ، ويتولون عنه إلى ما يضرهم ولا ينفعهم { ويُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى } ولا يعجل العقوبة ، بل يمهلكم لتؤوبوا إلى الرشد والهداية .

{ قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا } يدل هذا القول على مدى تفكيرهم ، وانهم يذهبون فيه إلى أن الناس العاديين لا يحق لهم أن يتولوا القيادات والمناصب الرفيعة وان بلغوا من الإخلاص والصدق والتضحية أعلى المراتب { تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا } . . فآباؤهم أعز عليهم من اللَّه ، وتقليدهم على الضلال أحق وأولى من طاعة اللَّه على الهدى ، حتى ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون .

{ فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ } . لقد أتاهم الرسل بالحجج البالغة ، والمعجزات الدالة على صدقهم ، ولكن المشركين أرادوا معجزات خاصة من النوع الذي أشار إليه سبحانه بقوله : « لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ - 12 هود » ، وقوله « وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً - 90 الأسراء » . فهم يطلبون المعجزة ولكن من خلال البطون ، لا من خلال العقول .

{ قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ولكِنَّ اللَّهً يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ } . ان اللَّه حكيم ، ولأنه حكيم وعليم فلا يمن برسالته إلا على من هو كفؤ لها يتحلى بالصفات والمؤهلات لحملها وأدائها : « قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ، اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ - 124 الأنعام » . { وما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } . انظر تفسير الآية 38 من سورة الرعد ، والآية 37 من سورة الأنعام ج 3 ص 184 ، والآية 118 من سورة البقرة ج 1 ص 189 .

{ وما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وقَدْ هَدانا سُبُلَنا ولَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } . ونلخص المعنى - على وضوحه وغناه عن التفسير - بأن الرسل قالوا للمشركين : نحن نبلَّغ عن اللَّه ، وندعو إليه ، ولا نكترث بمن أدبر وتولى ، ولا نبالي بما يصيبنا من أذاكم في هذا السبيل ، لأننا على ثقة من ربنا ، وبينة من أمرنا ، وان دل هذا التساؤل : « وما لنا الا نتوكل على اللَّه »

ان دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الأنبياء لا يرون شيئا في الوجود إلا اللَّه وفي اللَّه وحده .

_______________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص429- 431.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ }إلى آخر الآية.

من كلام موسى (عليه السلام) يذكر قومه من أيام الله في الأمم الماضين ممن فنيت أشخاصهم وخمدت أنفاسهم وعفت آثارهم وانقطعت أخبارهم فلا يعلمهم بحقيقة حالهم تفصيلا إلا الله كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم.

ومن هنا يعلم أولا: أن المراد بالنبأ، في قوله:{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ }خبر هلاكهم وانقراضهم، فإن النبأ هو الخبر الذي يعتنى بأمره فلا ينافي ما يتعقبه من قوله:{لا يعلمهم إلا الله}.

وثانيا: أن قوله:{قوم نوح وعاد وثمود}، من قبيل ذكر الأمثلة، وإن قوله:{لا يعلمهم إلا الله}بيان لقوله:{من قبلكم}والمراد بعدم العلم بهم لغير الله الجهل بحقيقة حالهم وعدم الإحاطة بتفاصيل تاريخ حياتهم.

ومن الممكن أن يكون قوله:{لا يعلمهم إلا الله}اعتراضا وإن كان ما ذكرناه أنسب للسياق، وأما احتمال أن يكون خبرا لقوله:{والذين من بعدهم} كما ذكره بعضهم فسخافته ظاهرة، وأسخف منه تجويز بعضهم أن يكون حالا من ضمير من بعدهم وكون قوله:{جاءتهم رسلهم}خبرا لقوله:{والذين من بعدهم}.

وقوله:{ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ } الظاهر أن المراد به أن رسلهم جاءوهم بحجج بينة تبين الحق وتجليه من غير أي إبهام وريب فمنعوهم أن يتفوهوا بالحق وسدوا عليهم طريق التكلم.

فالضميران في:{أيديهم} و{أفواههم} للرسل، ورد أيديهم في أفواههم كناية عن إجبارهم على أن يسكتوا ويكفوا عن التكلم بالحق كأنهم أخذوا بأيدي رسلهم وردوها في أفواههم إيذانا بأن من الواجب عليكم أن تكفوا عن الكلام، ويؤيده قوله بعد:{ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } فإن دعوى الشك والريب قبال الحجة البينة والحق الصريح الذي لا يبقي مجالا للشك لا تتحقق إلا من جاحد مكابر متحكم مجازف لا يستطيع أن يسمع كلمة الحق فيجبر قائلها على السكوت والصمت.

وللقوم في معنى الآية أقوال أخر: منها قول بعضهم المعنى أن الكفار ردوا أيديهم في أفواه الرسل تكذيبا لهم وردا لما جاءوا به، فالضمير الأول للكفار والثاني للرسل، وفيه أنه مستلزم لاختلاف مرجع الضميرين من غير قرينة ظاهرة.

ومنها: أن المراد أن الكفار وضعوا أيديهم على أفواه أنفسهم مومين به إلى الرسل أن اسكتوا كما يفعله الواحد من الناس مع غيره إذا أراد إسكاته فالضميران معا للكفار.

ومنها: أن المعنى عضوا أصابعهم من شدة الغيظ من استماع دعوة الرسل، فالضميران للكفار كما في الوجه السابق وفيه أنه كناية بعيدة غير مفهومة من اللفظ.

ومنها: أن المراد بالأيدي الحجج وهي إما جمع اليد بمعنى الجارحة لكون الحجة بمنزلة اليد التي بها البطش والدفع، وإما جمع اليد بمعنى النعمة لكون حجج الرسل نعما منهم على الناس والمعنى أنهم ردوا حجج الرسل إلى أفواههم التي خرجت منها.

وقريب من هذا الوجه قول بعضهم: إن المراد بالأيدي نعم الرسل وهي أوامرهم ونواهيهم والضميران أيضا للرسول، والمعنى أنهم كذبوا الرسل في أوامرهم ونواهيهم.

وقريب منه أيضا قول آخرين: إن المراد بالأيدي النعم، وضمير{أيديهم} للرسل، و{في} في قوله{في أفواههم} بمعنى الباء والضمير للكفار والمعنى كذب الكفار بأفواههم نعم الرسل وهي حججهم.

وأنت خبير بأن هذه معان بعيدة عن الفهم يجل كلامه تعالى أن يحمل عليها وعلى أمثالها.

وأما قوله:{ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ }فهو نحوبيان لقوله:{فردوا أيديهم في أفواههم} والجملة الأولى أعني قولهم:{إنا كفرنا بما أرسلتم به} إنكار للشريعة الإلهية التي هي متن الرسالة، والجملة الثانية أعني قولهم:{وإنا لفي شك}إلخ... إنكار لما جاءوا به من الحجج والبينات وإظهار ريب فيما كانوا يدعون إليه وهو توحيد الربوبية.

قوله تعالى:{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أصل الفطر على ما ذكره الراغب الشق طولا يقال: فطرت الشيء فطرا أي شققته طولا، وأفطر الشيء فطورا وانفطر انفطارا أي قبل الفطر، واستعمل في القرآن فيما انتسب إليه تعالى بمعنى الإيجاد بنوع من العناية كأنه تعالى شق العدم شقا فأظهر من بطنه الأشياء فهي ظاهرة ما أمسك هو تعالى على شقي العدم موجودة ما كان ممسكا لها ولوترك الإمساك لانعدمت وزالت كما قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}: فاطر: 41.

وعلى هذا فتفسير الفطر بالخلق الذي هو جمع الأجزاء والأبعاض كما وقع في بعض العبارات ليس على ما ينبغي، ويؤيد ذلك أن الفطر لوكان بمعنى الخلق لكان البرهان الذي أشير إليه بقوله:{فاطر السماوات والأرض} مسوقا لإثبات وجود الخالق فكان أجنبيا عن المقام لأن الوثنية لا تنكر وجود خالق للعالم وأنه هو الله عز اسمه لا غير، وإنما ينكرون توحيد الربوبية والعبادة وهو أن يكون الله سبحانه هو الرب المعبود لا غير، والبرهان على كونه تعالى خالقا للسماوات والأرض لا ينفع فيه شيئا.

وكيف كان فقوله:{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ } إلخ، كلام قوبل به قولهم:{وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} وقد عرفت أن قولهم هذا يتضمن إنكارين: إنكارهم للرسالة وتشككهم في توحيد الربوبية فكلام الرسل المورد جوابا منهم عن قولهم بالمقابلة متضمن لجزءين.

فقولهم:{ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} برهان على توحيد الربوبية إذ لوسيق لمجرد الإنكار على الكفار من غير إشارة إلى برهان لم يكن حاجة إلى ذكر الوصف{فاطر السماوات والأرض}، ففي ذكره دلالة على أنه مزيل كل شك وريب عنه تعالى.

وذلك أنا نرى في أول ما نعقل أن لهذا العالم المشهود الذي هو مؤلف من أشياء كثيرة كل واحد منها محدود في نفسه متميز من غيره وجودا، وليس وجوده ولا وجود شيء من أجزائه من نفسه وقائما بذاته وإلا لم يتغير ولم ينعدم فوجوده ووجود أجزائه وكذا كل ما يرجع إلى الوجود من الصفات والآثار من غيرها ولغيرها وهذا الغير هو الذي نسميه{الله}عز اسمه.

فهو تعالى الذي يوجد العالم وكل جزء من أجزائه ويحده ويميزه من غيره فهوفي نفسه موجود غير محدود وإلا لاحتاج إلى آخر يحدده فهوتعالى واحد لا يقبل الكثرة لأن ما لا يحد بحد لا يقبل الكثرة.

وهو بوحدته يدبر كل أمر كما أنه يوجده لأنه هو المالك لوجودها والكل أمر يرجع إلى وجودها، ولا يشاركه غيره في شيء لأن شيئا من الموجودات غيره لا يملك لنفسه ولا لغيره فهو تعالى رب كل شيء لا رب غيره، كما أنه موجد كل شيء لا موجد غيره.

وهذا برهان تام سهل التناول حتى للأفهام البسيطة يناله الإنسان الذي يذعن بفطرته أن للعالم المشهود حقيقة وواقعية من غير أن يكون وهما مجردا كما يبديه السفسطة والشك، ويثبت به توحد الألوهية والربوبية ولذلك تمسك به في هذا المقام الذي هو مقام خصام الوثنية.

ومن هنا يظهر فساد زعم من زعم أن قوله:{ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }حجة مسوقة لإثبات خالق للعالم، وكذا قول من قال: إنه دليل اتصال التدبير لتوحيد الربوبية بل هو برهان عليه تعالى من جهة قيام وجود كل شيء وآثار وجوده به من كل جهة فينتج توحده في الربوبية ويزول به ما أيدوه من الشك بقولهم:{ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ }.

ثم قولهم:{ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى }إشارة إلى برهان النبوة التي أنكروها بقولهم:{إنا كفرنا بما أرسلتم به}يريدون به دين الرسل والشريعة السماوية بالوحي.

وبيانه أن من سنته تعالى الجارية هداية كل شيء إلى كماله وسعادته النوعية، والإنسان أحد هذه الأنواع المشمولة للهداية الإلهية فمن الواجب في العناية الإلهية أن يهتدي إلى سعادة حياته.

ولكن له حياة خالدة غير محدودة بالدنيا ولا منقطعة بالموت، وسعادته في الحياة أن يعيش في الدنيا عيشة مطمئنة على أساس تعديل قواه في التمتع من أمتعة الحياة من مأكول ومشروب ولباس ونكاح وغير ذلك وهي الأعمال الصالحة، وفي الآخرة أن يعيش على ما اكتسبه من الاعتقاد الحق والعمل الصالح.

وهو وإن كان مجهزا بفطرة تذكره حق الاعتقاد وصالح العمل لكنه مجبول من جهة أخرى على العيشة الاجتماعية التي تدعوه إلى اتباع الأهواء والظلم والفسق، فمجرد ذكرى الفطرة لا يكفي في حمله على سنة حقة عادلة تحصل له الاستقامة في الاعتقاد والعمل، وإلا لم يفسد المجتمع الإنساني ولا واحد من أجزائه قط وهم مجهزون بالفطرة.

فمن الواجب في العناية أن يمد النوع الإنساني مع ما له من الفطرة الداعية إلى الصلاح والسعادة بأمر آخر تتلقى به الهداية الإلهية وهو النبوة التي هي موقف إنساني طاهر ينكشف له عنده الاعتقاد الحق والعمل الصالح بوحي إلهي وتكليم غيبي يضمن اتباعه سعادة الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة.

أما سعادة الدنيا فلما تقدم كرارا أن بين المعاصي والمظالم وبين النكال والعقوبة الإلهية التي تنتهي إلى الهلاك ملازمة فلولم يفسد المجتمع وداموا على الصلاح الفطري لم يختر منهم الهلاك ولم يفاجئهم النكال وعاشوا ما قدر لهم من الآجال الطبيعية. والعيشة المغبوطة.

وأما سعادة الآخرة فلأن اتباع الدعوة الإلهية وبعبارة أخرى الإيمان والتقوى يحليان النفس بالهيأة الصالحة ويذهبان بدرن النفس الذي هو الذنوب بمقدار الاتباع.

فربوبيته تعالى لكل شيء المستوجبة لتدبيرها أحسن تدبير وهدايته كل نوع إلى غايته السعيدة تستدعي أن تعني بالناس بإرسال رسل منهم إليهم ودعوته الناس بلسان رسله إلى الإيمان والعمل الصالح ليتم بذلك سعادتهم في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فبالتخلص عن النكال والعقوبة القاضية عليهم، وأما في الآخرة فبالمغفرة الإلهية بمقدار ما تلبسوا به من الإيمان والعمل الصالح.

إذا عرفت ما ذكرناه بان لك أن قوله تعالى حاكيا عن الرسل:{يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى} إشارة منهم (عليهم السلام) إلى حجة النبوة العامة وأن قوله:{ليغفر لكم}إلخ، إشارة إلى غاية الدعوة الأخروية وقوله:{ويؤخركم}إلخ إشارة إلى غايتها الدنيوية، وقدم ما للآخرة على ما للدنيا لأن الآخرة هي المقصودة بالذات وهي دار القرار.

وقد نسبوا الدعوة في كلامهم إلى الله سبحانه للتنبيه لما هو الحق تجاه قول الكفار{تدعوننا إليه} حيث نسبوها إلى الرسل، وقوله:{من ذنوبكم} ظاهر في التبعيض، ولعله للدلالة على أن المغفرة على قدر الطاعة، والمجتمع الإنساني لا يخلوعن المعصية المستوجبة للمؤاخذة البتة، فالمغفور على أي حال بعض ذنوب المجتمع لا جميعها فافهم ذلك.

وربما ذكر بعضهم أن المراد به أنه يغفر حقوق الله لا حقوق الناس، ورد بأنه صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الإسلام يجب ما قبله.

وربما قيل: إن{من} زائدة وأيد بقوله تعالى في موضع آخر:{يغفر لكم ذنوبكم} بدون من.

وفيه أن من إنما يزاد في النفي دون الإثبات كقولهم: ما جاءني من رجل وتدخل على النكرة دون المعرفة كما قيل.

على أن مورد الآيتين مختلف فإن قوله:{يغفر لكم ذنوبكم} الظاهر في مغفرة الجميع إنما هو في مورد الإيمان والجهاد وه وقوله:{ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ م - إلى أن قال - يغفر لكم ذنوبكم}: الصف: 12 والذي حكاه الله عن نوح (عليه السلام) في مثل المقام وهو أول هؤلاء الرسل المذكورين في الآية قوله:{أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى}: نوح: 4، وهو يوافق الآية التي نحن فيها فالتبعيض لا مفر منه ظاهرا.

ومما قيل في توجيه الآية أن المراد بالبعض الكل توسعا، ومن ذلك أن المراد مغفرة ما قبل الإيمان من الذنوب وأما ما بعد ذلك فمسكوت عنه، ومن ذلك أن المراد مغفرة الكبائر وهي بعض الذنوب إلى غير ذلك، وهذه وجوه ضعيفة لا يعبأ بها.

وقال الزمخشري في الكشاف: فإن قلت: ما معنى التبعيض في قوله:{من ذنوبكم}؟ قلت: ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين بقوله:{واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم}{ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ }، وقال في خطاب المؤمنين:{ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ - إلى أن قال - يغفر لكم ذنوبكم}وغير ذلك مما يقفك عليه الاستقراء، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، ولئلا يسوي بين الفريقين في الميعاد. انتهى.

وكأن مراده أن المغفور من الذنوب في الفريقين واحد وهو جميع الذنوب، إلا أن تشريف مقام الإيمان أوجب أن يصرح في المؤمنين بمغفرة الجميع، ويقتصر في وعد الكفار على مغفرة البعض والسكوت عن الباقي، ومغفرة بعضها لا تنافي مغفرة البعض الآخر، فليكن هذا مراده وإلا فمجرد التفرقة بين الخطابين لا ينتج ارتكاب مخالفة الواقع بتاتا.

وقوله:{ويؤخركم إلى أجل مسمى}أي: لا يعاجلكم بالعقوبة والهلاك ويؤخركم إلى الأجل الذي لا يؤخر وقد سماه لكم ولا يبدل القول لديه، وقد تقدم في تفسير أول سورة الأنعام أن الأجل أجلان: أجل موقوف معلق، وأجل مسمى لا يؤخر.

ومن الدليل على هذا الذي ذكرناه قول نوح لقومه في هذا المقام على ما حكاه الله سبحانه:{ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ }: نوح: 4.

قوله تعالى:{ قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } قد تقدم في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب أن الآية المعجزة حجة عامة على نبوة النبي لا حجة عامية وخاصة الوحي والنبوة التي هي نوع اتصال بالغيب أمر خارق للعادة الجارية بين أفراد الإنسان لا يجدونها من أنفسهم فعلى من يدعيها الإثبات ولا طريق إلى إثباتها إلا بالإتيان بخارق عادة آخر يدل على صحة هذا الاتصال الغيبي لأن حكم الأمثال واحد، وإذا جاز أن تخترق العادة بشيء جاز أن تخترق بما يماثله.

والرسل (عليهم السلام) لما احتجوا على كفار أممهم في النبوة العامة بقولهم:{ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } عادت الكفار إليهم بطلب الدليل منهم على ما يدعونه من النبوة لأنفسهم معتذرين في ذلك بقولهم:{ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا }، ثم صرحوا بما يطلبونه من الدليل وهوالآية المعجزة بقولهم:{ فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ }.

فالمعنى سلمنا أن من مقتضى العناية الإلهية أن يدعونا إلى المغفرة والرحمة، لكنا لا نسلم لكم أن هذه الدعوة قائمة بكم كما تدعون فإنكم بشر مثلنا لا تزيدون علينا بشيء، ولوكان مجرد البشرية يوجب ذلك لكنا وجدناه من أنفسنا ونحن بشر، فإن كنتم صادقين في دعواكم هذه فأتونا بسلطان مبين أي ببرهان قاطع يتسلط على عقولنا ويضطرنا إلى الإذعان بنبوتكم وهو آية معجزة غيبية تخرق العادة كما أن ما تدعونه خارق مثلها.

وبهذا البيان يظهر أولا أن كلامهم هذا من قبيل منع الدعوى، وقولهم:{ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا }سند المنع، وقولهم:{ فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } تصريح بطلب الدليل.

وثانيا أن قولهم:{ تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} من قبيل الاعتراض الواقع بين المنع وسنده ومعناه أنكم لما كنتم بشرا مثلنا لا فضل لكم علينا بشيء فلا وجه لأن نقبل منكم ما لا نجده من أنفسنا ولا نعهده من أمثالنا، والذي نعهده من أمثال هذه الأمور أنها إنما تظهر عن أغراض ومطامع دنيوية مادية فليس إلا أنكم تريدون أن تصرفونا عن سنتنا القومية وطريقتنا المثلى.

قوله تعالى:{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ }إلى آخر الآية جواب الرسل عما أوردوه على رسالتهم بأنكم بشر مثلنا فلستم ذوي هوية ملكوتية حتى تتصلوا بالغيب فإن كنتم صادقين في دعواكم هذه القدرة الغيبية فأتونا بسلطان مبين.

ومحصل الجواب أن كوننا بشرا مثلكم مسلم لكنه يوجب خلاف ما استوجبتموه أما قولكم إن كونكم بشرا مثلنا يوجب أن لا تختصوا بخصيصة لا نجدها من أنفسنا و هي الوحي والرسالة فجوابه: أن المماثلة في البشرية لا توجب المماثلة في جميع الكمالات الصورية والمعنوية الإنسانية كما أن اعتدال الخلقة وجمال الهيئة و كذا رزانة العقل وإصابة الرأي والفهم والذكاء كمالات صورية ومعنوية توجد في بعض أفراد الإنسان دون بعض، فمن الجائز أن ينعم الله بالوحي والرسالة على بعض عباده دون بعض فإن الله يمن على من يشاء منهم.

وأما قولكم:{فأتونا بسلطان مبين}فإنه مبني على كون النبي ذا شخصية ملكوتية و قدرة غيبية فعالة لما تشاء، و ليس كذلك فما النبي إلا بشر مثلكم يوحى إليه بالرسالة و ليس له من الأمر شيء، و ما كان له أن يأتي بآية من عنده إلا أن يشاء الله ذلك و يأذن فيه.

فقوله:{ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ }تسليم من الرسل لقولهم:{إن أنتم إلا بشر مثلنا}لاستنتاج خلاف ما استنتجوه منه، و قوله:{ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ }إشارة إلى مقدمة بانضمامها يستنتج المطلوب، و قوله:{ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ }جواب منهم استنتجوه من كونهم بشرا مثلهم.

وتذييل هذا الكلام بقولهم:{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}للإشارة إلى ما يجري مجرى حجة ثانية على إرجاع الأمر كله - و منه أمر الآية المعجزة - إلى الله وهي حجة خاصة بالمؤمنين، و ملخصها أن الإيمان بالله سبحانه يقتضي منهم أن يذعنوا بأن الإتيان بالآية إنما هو إلى الله لأن الحول والقوة له خاصة لا يملك غيره من ذلك شيئا إلا بإذنه.

وذلك لأنه هو الله عز شأنه، فهو الذي يبدأ منه و ينتهي إليه و يقوم به كل شيء فهو رب كل شيء المالك لتدبير أمره لا يملك شيء أمرا إلا بإذنه فهو وكيل كل شيء القائم بما يرجع إليه من الأمر، فعلى المؤمن أن يتخذ ربه وكيلا في جميع ما يرجع إليه حتى في أعماله التي تنسب إليه لما أن القوة كلها له سبحانه وعلى الرسول أن يذعن بأن ليس له الإتيان بآية معجزة إلا بإذن الله.

والآية ظاهرة في أن الرسل (عليهم السلام) لم يدعوا امتناع إتيانهم بالآية المعجزة المسماة سلطانا مبينا، وإنما ادعوا امتناع أن يستقلوا بذلك من غير حاجة فيه إلى إذن الله سبحانه و احتجوا على ذلك أولا، و ثانيا.

قوله تعالى:{ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }ما استفهامية و الاستفهام للإنكار، و قوله:{و قد هدانا سبلنا}حال من الضمير في{لنا}و سبل الأنبياء و الرسل الشرائع التي كانوا يدعون إليها، قال تعالى:{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ }: يوسف: 108 و المعنى ما الذي نملكه من العذر في أن لا نتوكل على الله و الحال أنه تعالى هدانا سبلنا و لم يكن لنا صنع في هذه النعمة و السعادة التي من بها علينا فإذا كان سبحانه فعل بنا هذا الفعل الذي هو كل الخير فمن الواجب أن نتوكل عليه في سائر الأمور.

وهذا في الحقيقة حجة ثانية على وجوب التوكل عليه و إلقاء الزمام إليه سلك فيها من طريق الآثار الدالة على وجوب التوكل عليه كما أن الحجة السابقة سلك فيها من النظر في نفس المؤثر، وتقرير الحجة أن هدايته تعالى إيانا إلى سبلنا دليل على وجوب التوكل عليه لأنه لا يخون عباده ولا يريد بهم إلا الخير ومع وجود الدليل على التوكل لا معنى لوجود دليل على عدم التوكل يكون عذرا لنا فيه فلا سبيل لنا إلى عدم التوكل عليه تعالى.

فقوله تعالى:{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}يجري مجرى اللم، و قوله:{ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا}مجرى الإن فتدبر في هذا البيان العذب و الاحتجاج السهل الممتنع الذي قدمه القرآن الكريم إلى متدبريه في أوجز لفظ.

وقوله:{ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} من تفريع الصبر على ما بين من وجوب التوكل عليه أي إذا كان من الواجب أن نتوكل عليه و نحن مؤمنون به وقد هدانا سبلنا فلنصبرن على إيذائكم لنا في سبيل الدعوة إليه متوكلين عليه حتى يحكم بما يريد ويفعل ما يشاء من غير أن نأوي في ذلك إلى ما عندنا من ظاهر الحول والقوة.

وقوله:{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}كلام مبني على الترقي أي كل من تلبس بالتوكل فعليه أن يتوكل على الله سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن إذ لا دليل غيره غير أن المتوكل بحقيقة التوكل لا يكون إلا مؤمنا فإنه مذعن أن الأمر كله لله فلا يسعه إلا أن يطيعه فيما يأمر وينتهي عما ينهى ويرضى بما رضي به ويسخط عما سخط عنه وهذا هو الإيمان.

________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص19-27.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ثمّ يشرح مصير الفئات من الأقوام السابقة ضمن عدّة آيات، الفئات التي كفرت بأنعم الله وخالفت الدعوة الإلهيّة، وهي تأكيد للآية السابقة يقول تعالى:{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.

يمكن أن تكون هذه الجملة تعقيباً على كلام موسى، أوبيان مستقلّ يخاطب به المسلمين، لكن النتيجة غير متفاوتة كثيراً، ثمّ يضيف تعالى:{ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} فهؤلاء لم يطّلع على أخبارهم إلاّ الله{لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}(2).

ممّا لا شكّ فيه أنّ قسماً من أخبار قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم قد وصلتنا، ولكن لم يصلنا القسم الأكبر منها ولا يعلمها إلاّ الله، فتاريخ الأقوام الماضية مليءٌ بالأسرار والخصوصيّات بحيث لم يصل إلينا منها إلاّ القليل. ولكي يوضّح القرآن الكريم مصيرهم يقول:{ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أي وضعوا أيديهم على أفواههم من التعجّب والإنكار{وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ}. لماذا؟ بسبب{ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}. ومعه كيف يمكننا أن نؤمن بما تدعونا إليه؟

ويرد هنا سؤال، وهو أنّهم أظهروا الكفر وعدم الإيمان بالرّسول في البداية، ولكن بعد ذلك أظهروا الشكّ والريب، فكيف ينطبق الإثنان؟

الجواب: إنّ بيان الشكّ والترديد ـ في الحقيقة ـ علّة لعدم الإيمان، لأنّ الإيمان بحاجة إلى اليقين، والشكّ مانع لذلك.

وبما أنّ الآية السابقة بيّنت قول المشركين والكفّار في عدم إيمانهم بسبب شكّهم وترديدهم، فالآية بعدها تنفي هذا الشكّ من خلال دليل واضح وعبارة قصيرة حيث يقول تعالى:{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

مع أنّ {فاطر} من {فَطَر} وهي في الأصل بمعنى {شقّ} إلاّ أنّه هنا كناية عن {الخلق} فالخالق هو الموجد للأشياء على أساس نظام دقيق ثمّ يحفظها ويحميها، كأنّ ظلمة العدم شقّت بنور الوجود، وكما يطلع الفجر من عتمة الليل، وكما يتشقّق التمر من غلافه.

ولعلّ {فاطر} تشير إلى تشقّق المادّة الأوّلية للعالم. كما نقرأ في العلوم الحديثة إنّ مجموع مادّة العالم كانت واحدة مترابطة ثمّ إنشقّت إلى كُراة مختلفة.

وعلى أيّة حال، فالقرآن الكريم هنا ـ كما في أغلب الموارد الأُخرى ـ يستند لإثبات وجود الخالق وصفاته إلى نظام الوجود وخلق السّماوات والأرض، ونحن نعلم أنّه ليس هناك أوضح من هذا الدليل لمعرفة الله، لأنّ هذا النظام العجيب مليء بالأسرار في كلّ زواياه، وينادي بلسان حاله: ليس هناك من له القدرة على هذه الهندسة إلاّ القادر الحكيم والعالم المطلق، ولهذا السبب فكلّما تقدّمت العلوم ظهرت أسرار تدلّ على الخالق أكثر من السابق وتقرّبنا من الله في كلّ لحظة.

وما أكثر العجائب في القرآن؟ فكلّ بحوث معرفة الله والتوحيد ـ والتي وردت بصيغة الإستفهام الإنكاري ـ أشارت إليها هذه العبارة:{ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهذه العبارة إذا أردنا تجزئتها وتحليلها بشكل موسّع لا تكفيها آلاف الكتب.

إنّ مطالعتنا لأسرار الوجود ونظام الخلقة لا تهدينا إلى وجود الله فحسب، بل إلى صفاته الكمالية أيضاً كعلمه وقدرته وحكمته.

ثمّ يجيب القرآن الكريم على ثاني إعتراض للمخالفين، وهو إعتراضهم على مسألة الرسالة (لأنّ شكّهم كان في الله وفي دعوة الرّسول) ويقول إنّ من المسلّم أنّ الله القادر والحكيم لا يترك عباده بدون قائد، بل أنّه بإرسال الرسل:{ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ }(3).

وزيادة على ذلك فإنّه{ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} كيما تسلكوا سبيل التكامل وتستفيدوا من موهبة الحياة بأقصى ما يمكنكم.

إنّ غاية دعوة الأنبياء أمران: أحدهما غفران الذنوب، بمعنى تطهير الروح والجسم والمحيط الإنساني، والثّاني إستمرار الحياة إلى الوقت المعلوم، والإثنان علّة ومعلول، فالمجتمع الذي يستمرّ في وجوده هو المجتمع النقي من الظلم والذنوب.

ففي طول التاريخ اُبيدت مجتمعات كثيرة بسبب الظلم والذنوب واتّباع الهوى، وبتعبير القرآن لم يصلوا إلى{أجل مسمّىً}.

روي في حديث جامع عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: {من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممّن يعيش بالأعمال}(4).

وعن الإمام الصادق أيضاً: {إنّ الرجل يذنب فيحرم صلاة الليل، وإنّ العمل السيء أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم}(5).

ونستفيد من هذه الآية ـ ضمنياً ـ أنّ الإيمان بدعوة الأنبياء والعمل بأحكامها يأخذ طابع الأجل المعلّق، وتستمرّ حياة الإنسان إلى {أجل مسمّىً} (لأنّنا نعلم أنّ للإنسان نوعين من الآجال، أجل محتوم ويكون بإنتهاء الحياة في جسم الإنسان، وأجل معلّق ويكون بفناء الإنسان على أثر عوامل وموانع في وسط العمر، وهذا غالباً ما يكون بسبب اللامبالاة وإرتكاب الذنوب، وقد بحثنا هذا الموضوع في ذيل الآية (2) من سورة الأنعام).

ومع كلّ ذلك لم يقبل الكفّار المعاندون دعوة الحقّ المصحوبة بوضوح منطق التوحيد، ومن خلال بيانهم المشوب بالعناد وعدم التسليم كانوا يجيبون الأنبياء بهذا القول:{ قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} علاوة على ذلك{ تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}.

وقد ذكرنا مراراً (كما صرّح القرآن بذلك) أنّ كون الأنبياء بشراً ليس مانعاً لنبوّتهم، بل هو مكمّل لها، ولكن أُولئك الأقوام يوردون هذه الحجّة دليلا لإنكار الرسالة، والهدف ـ غالباً ـ هو التبرير والعناد.

وكذلك الحال في الإستنان بسنّة الأجداد، فإنّها وبالنظر إلى هذه الحقيقة وهي أنّ معرفة الأجيال القادمة أكثر من الماضين، لا تعدوسوى خرافة وجهل.

ويتّضح من هنا أنّ طلبهم لم يكن لإقامة البرهان الواضح، بل لهروبهم من الحقيقة، لأنّ القرآن الكريم ـ كما قرأنا مراراً ـ أنّ هؤلاء المعاندين أنكروا الآيات الواضحة والدلائل البيّنة، وكانوا يقترحون في كلّ مرّة معجزة ودليلا للتهرّب من الأمر الواقع.

وعلى كلّ حال نقرأ في الآيات القادمة كيف أجابهم الأنبياء.

التوكّل على الله وحده:

نقرأ في هاتين الآيتين جواب الرسل على حجج المخالفين المعاندين، وإعتراضهم على بشرية الرسل، فكان جوابهم:{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} يعني لو إفترضنا أنّ الله تعالى أرسل لكم ملائكة بدل البشر، فهي لا تمتلك شيئاً لذاتها، فكلّ المواهب ومن جملتها موهبة الرسالة والقيادة هي من عند الله، فالذي يستطيع أن يهب الملائكة هذا المقام قادر أن يعطيها للإنسان.

وبديهي أنّ هذه المنح من قبل الله ليست بدون حساب، وقد قلنا مراراً: إنّ المشيئة الإلهيّة تُساير حكمته تعالى، فعندما نسمع قول القائل: {إنّ الله إذا أراد بعبد خيراً ...} يكون المراد العبد المستعدّ لهذه الموهبة. ومن المعلوم أنّ مقام الرسالة موهبة إلهيّة، ونحن نرى أنّ الأنبياء بالإضافة إلى الرسالة الإلهيّة لهم إستعداد وأهلية لتحمّلها.

ثمّ يجيب على السؤال الثّالث دون أن يجيب على الثاني، وكأنّ الإعتراض الثّاني الذي هو الإستنان بسنّة الأجداد ليس له أي أهميّة وفارغ من المحتوى بحيث أنّ أيّ إنسان عاقل ـ بأقلّ تأمّل ـ يفهم جوابه، بالإضافة إلى أنّ القرآن الكريم قد أجاب عنه في آيات اُخر.

وجواب السؤال الثّالث هو أنّ عملنا ليس الإتيان بالمعاجز، فنحن لا نجلس في مكان ونلبّي لكم المعاجز الإقتراحية وكلّ ما سوّلت لكم أنفسكم، بل{ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.

ومع ذلك فانّ كلّ نبي كان يظهر لقومه المعاجز بمقدار كاف بدون أن يطلبها الناس منه، وذلك لكي يثبت الأنبياء أحقّيتهم ولتكون المعاجز سنداً لصدقهم، مع أنّ مطالعة دعوتهم وحدها أكبر إعجاز لهم، ولكن المعترضين غالباً لم يصغوا لذلك، وهم يقترحون كلّ يوم شيئاً جديداً، فإن لم يستجب لهم الرّسول، يقيموا الدنيا ويقعدوها. ولكي يردّ الرسل على تهديداتهم المختلفة يقولون:{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}.

وبعد ذلك إستدلّ الأنبياء على مسألة التوكّل حيث قالوا:{ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} فالذي منحنا أفضل المواهب، يعني موهبة الهداية إلى طرق السعادة، سوف يقوم بحمايتنا في مقابل أي هجوم أومشكلة تعترضنا.

ثمّ أضافوا: إنّ ملاذنا هو الله، ملاذ لا يُقهر وهو فوق كلّ شيء:{ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} وأخيراً أنهوا كلامهم بهذه الجملة:{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}.

_________________

1- تفسير الامثل ،الشيخ مكارم الشيرازي،ج6،ص495-499.

2- جملة{لا يعلمهم إلاّ الله} قد تكون معطوفة على ما قبلها والواومحذوفة، وقد تكون جملة وصفية للجملة السابقة.

3 ـ هناك جدل بين المفسّرين في معنى {من}، فقال بعضهم بالتبعيض، أي يغفر قسماً من ذنوبكم، وهذا الإحتمال ضعيف لأنّ الإيمان يؤدّي إلى غفران الذنوب كلّها (الإسلام يجب ما قبله) وإحتمل البعض الآخر أنّ {من} بدل، فيكون معنى الجملة يدعوكم ليغفر ذنوبكم بدل الإيمان، وقال آخرون: إنّ {من} هنا زائدة للتأكيد، ومعناه: إنّ الله تعالى يدعوكم للإيمان ليغفر لكم ذنوبكم، وهذا التّفسير نراه أقرب إلى الصحّة.

4 ـ سفينة البحار، المجلّد الأوّل، ص488،مستدرك،ج11،ص327،ح13167.

5 ـ أصول الكافي،ج2،ص272،ح16.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



خلال الأسبوع الحالي ستعمل بشكل تجريبي.. هيئة الصحة والتعليم الطبي في العتبة الحسينية تحدد موعد افتتاح مؤسسة الثقلين لعلاج الأورام في البصرة
على مساحة (1200) م2.. نسبة الإنجاز في مشروع تسقيف المخيم الحسيني المشرف تصل إلى (98%)
تضمنت مجموعة من المحاور والبرامج العلمية الأكاديمية... جامعتا وارث الأنبياء(ع) وواسط توقعان اتفاقية علمية
بالفيديو: بعد أن وجه بالتكفل بعلاجه بعد معاناة لمدة (12) عاما.. ممثل المرجعية العليا يستقبل الشاب (حسن) ويوصي بالاستمرار معه حتى يقف على قدميه مجددا