المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16342 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ربنا وآتنا ما وعدتنا على‏ رسلك}
2024-04-28
ان الذي يؤمن بالله يغفر له ويكفر عنه
2024-04-28
معنى الخزي
2024-04-28
شروط المعجزة
2024-04-28
أنواع المعجزة
2024-04-28
شطب العلامة التجارية لعدم الاستعمال
2024-04-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (17-18) من سورة الرعد  
  
5531   07:51 مساءً   التاريخ: 18-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الراء / سورة الرعد /

 

قال تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَومَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوأَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } [الرعد: 17، 18]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

ضرب سبحانه مثلين للحق والباطل أحدهما : الماء وما يعلوه من الزبد  والآخر : ما توقد عليه النار من الذهب والفضة وغيرهما وما يعلوه من الزبد على ما رتبه فقال :{ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أي: مطرا { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} يعني فاحتمل الأنهار الماء كل نهر بقدره الصغير على قدر صغره والكبير على قدر كبره فسالت كل نهر بقدره عن الحسن وقتادة والجبائي وقيل بقدرها: بما قدر لها من مائها عن الزجاج { فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} أي: طافيا عاليا فوق الماء شبه سبحانه الحق والإسلام بالماء الصافي النافع للخلق والباطل بالزبد الذاهب باطلا وقيل: إنه مثل القرآن النازل من السماء ثم تحتمل القلوب حظها من اليقين والشك على قدرها فالماء مثل اليقين والزبد مثل الشك عن ابن عباس ثم ذكر المثل الآخر فقال { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّا} وهوالذهب والفضة والرصاص وغيره مما يذاب { ابتغاء حلية } أي: طلب زينة يتخذ منه كالذهب والفضة {أومتاع} معناه: أوابتغاء متاع ينتفع به وهو مثل جواهر الأرض يتخذ منها الأواني وغيرها { زبد مثله } أي: مثل زبد الماء فإن هذه الأشياء التي تستخرج من المعادن وتوقد عليها النار ليتميز الخالص من الخبيث لها أيضا زبد وهو خبثها.

 { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} أي: مثل الحق والباطل وضرب المثل تسييره في البلاد حتى يتمثل به في الناس { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} أي: باطلا متفرقا بحيث لا ينتفع به { وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ} هو الماء الصافي والأعيان التي ينتفع لها { فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} فينتفع به الناس فمثل المؤمن واعتقاده كمثل هذا الماء المنتفع به في نبات الأرض وحياة كل شيء به وكمثل نفع الذهب والفضة وسائر الأعيان المنتفع بها ومثل الكافر وكفره كمثل هذا الزبد الذي يذهب جفاء وكمثل خبث الحديد وما تخرجه النار من وسخ الذهب والفضة الذي لا ينتفع به.

 { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} للناس في أمر دينهم قال قتادة: هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد شبه نزول القرآن بالماء الذي ينزل من السماء وشبه القلوب بالأودية والأنهار فمن استقصى في تدبره وتفكر في معانيه أخذ حظا عظيما منه كالنهر الكبير الذي يأخذ الماء الكثير ومن رضي بها أداه إلى التصديق بالحق على الجملة كان أقل خطأ منه كالنهر الصغير فهذا مثل ثم شبه الخطوات ووساوس الشيطان بالزبد يعلوعلى الماء وذلك من خبث التربة لا عين الماء كذلك ما يقع في النفس من الشكوك فمن ذاتها لا من ذات الحق يقول: فكما يذهب الزبد باطلا ويبقى صفوة الماء كذلك يذهب مخايل الشك هباء باطلا ويبقى الحق فهذا مثل ثان والمثل الثالث قوله { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} إلى آخره فالكفر مثل هذا الخبث الذي لا ينتفع به والإيمان مثل الماء الصافي الذي ينتفع به وتم الكلام عند قوله { يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}.

 ثم استأنف بقوله: { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى} عن الحسن والبلخي وقيل: بل يتصل بما قبله لأن معناه: أن الذي يبقى مثل الذين استجابوا لربهم والذي يذهب جفاء مثل الذي لا يستجيب والمراد به للذين استجابوا دعوة الله وآمنوا به وأطاعوه الحسنى وهي الجنة عن الحسن والجبائي وقيل: معناه الخصلة الحسنى والحالة الحسنى وهي صفة الثواب والجنة أيضا عن أبي مسلم { وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ} أي: لله فلم يؤمنوا به { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ} أي: جعلوا ذلك فدية أنفسهم من العذاب لم يقبل ذلك منهم { أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} قيل فيه أقوال  أحدها : أن سوء الحساب أخذهم بذنوبهم كلها من دون أن يغفر لهم شيء منها عن إبراهيم النخعي ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث ومن نوقش الحساب عذب فيكون سوء الحساب المناقشة  والثاني : هو أن يحاسبوا للتقريع والتوبيخ فإن الكافر يحاسب على هذا الوجه والمؤمن يحاسب ليسر بما أعد الله تعالى له عن الجبائي  والثالث : هوأن لا يقبل لهم حسنة ولا يغفر لهم سيئة عن الزجاج وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام)  والرابع : أن سوء الحساب هوسوء الجزاء فسمي الجزاء حسابا لأن فيه إعطاء المستحق حقه { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} أي: مصيرهم إلى جهنم وَبِئْسَ الْمِهَادُ} أي: وبئس ما مهدوا لأنفسهم والمهاد الفراش الذي يوطأ لصاحبه وتسمى النار مهادا لأنها موضع المهاد لهم .

_________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج6 ،ص29-31.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هاتين الآيتين (1) :

في الآية السابقة  قارن سبحانه بين المؤمن  والكافر ، وضرب  لذلك  مثلين :

الأول المقارنة بين الأعمى والبصير . . فالكافر كالأعمى ، والمؤمن كالبصير . المثل الثاني المقارنة بين الظلمات والنور . . والكافر كالظلمات ، والمؤمن كالنور .

وفي الآية التي نحن بصددها قارن جلت حكمته بين الحق والباطل ، وضرب أيضا لذلك مثلين : الأول المقارنة بين الماء الذي يمكث في الأرض ، ويحمل للناس الخير والحياة ، وبين الزبد الذي يعلووينتفخ طافيا على وجه الماء ، ثم يقذف به السيل ، ويذهب مع الريح . . والحق كالماء النافع ، والباطل كالزبد الذي تبدده الأرياح . وهذا ما أراده سبحانه بقوله : { أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً } . والمراد بقدرها ان كل واد من الأودية يحتمل من ماء المطر بمقداره سعة وضيقا وعمقا . . وما زاد ينبسط على وجه الأرض .

أما المثال الذي ضربه سبحانه للمقارنة بين الحق والباطل فهوالمقارنة بين المعادن تذاب في النار ليصاغ منها الحلي كالذهب والفضة ، أويصاغ منها آنية أوآلة كالحديد والرصاص والنحاس ، وبين الزبد الذي يطفوفوق المعدن المذاب ، وهذا الزبد يضمحل تماما كما يضمحل الزبد الذي يحمله السيل . . والحق كالمعدن النافع أيا كان نوعه ، والباطل كالزبد الخبيث الذي يطفوفوق المعدن حين يذاب في النار ، وهذا هومعنى قوله تعالى : { ومِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَومَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ } . فقوله : مما يوقدون معناه ان من المعادن ما يذاب في النار ليصاغ منه الزينة أوالآنية أوالآلة ، وقوله : زبد مثله معناه ان للمعادن زبدا لا جدوى منه تماما كالزبد الذي يحمله السيل .

{ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ والْباطِلَ } . أي يمثل اللَّه ويصور الحق بيانا في صورة الماء والمعادن اللذين ينتفع بهما ، والباطل في صورة الزبد الذي لا ينتفع به { فَأَمَّا الزَّبَدُ } وهوالذي يحمله السيل أويطفوعلى المعادن إذا أذيبت { فَيَذْهَبُ جُفاءً } باطلا { وأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ } وهوالماء والمعادن { فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ } للخير والحياة { كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثالَ } للحق والباطل وغيرهما .

ان كثيرا من المعاني يصعب إدراكها على الافهام ، وبالخصوص عند السواد الأعظم ، والتمثيل من أجدى الوسائل لتوضيحها والكشف عنها ، بالإضافة إلى أن التمثيل كثيرا ما يضيف على البيان سموا وجمالا ، وقد ضرب اللَّه الأمثال في العديد من آياته البيانية ، منها تمثيله الكفر والايمان بالظلمات والنور ، والعمى والبصر ، وتمثيله في هذه الآية الحق بالماء والمعدن ، والباطل بالزبد .

وتصور هذه الآية الإسلام في حقيقته ، والأصح تصور المسلم الحق في أنه الذي ينفع الناس ، ويستمر نفعه لهم ويدوم ، تماما كالذي يحيي الأرض بعد موتها ، وكالمعدن الصلب تقام به المعامل والمصانع تنتج الآلات والأدوات ، وتبنى الحضارات ، فتقرب البعيد ، وتنشئ الأساطيل ، وتغزو الفضاء ، وتحرث الأرض ، وتملأ الدنيا خيرا وأمنا ورخاء . . والنتيجة الحتمية لذلك ان كل من نفع وأصلح وعمل من أجل حياة الإنسان وحريته وأمنه وهنائه فإنه يلتقي بعمله هذا مع أهداف الإسلام ، وان لم يكن مسلما ، لأنه تماما كالماء والمعدن اللذين ضربهما اللَّه مثلا

للحق . . وان كل من عمل لشقاء الإنسان فما هومن الإسلام في شيء ، وان صام الدهر ، ووصل صلاة الليل بصلاة الفجر .

{ لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى } . أي لدعوة ربهم ، وهي العمل لمنفعة الناس ، ولحياة أفضل ، أما الحسنى فالمراد بها الأجر والثواب ، وان أهل الحق ينتفعون به ، تماما كما تنتفع الأرض بالماء .

{ والَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ } وهم الذين لا خير فيهم كالزبد { لَوأَنَّ لَهُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ومِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ ومَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمِهادُ } . تقدم نظيره في الآية 54 من سورة يونس ، والآية 91 من سورة آل عمران ج 2 ص 106 .

____________________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 394-396.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

لما أتم الحجة على المشركين في ذيل الآيات السابقة ثم أبان لهم الفرق الجلي بين الحق والباطل والفرق بين من يأخذ بهذا أويتعاطى ذاك بقوله:{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} أخذ في البيان التفصيلي للفرق بين الطريقين طريق الحق الذي هو الإيمان بالله والعمل الصالح وطريق الباطل الذي هوالشرك والعمل السيىء وأهلهما الذين هم المؤمنون والمشركون، وأن للأولين السلام وعاقبة الدار وللآخرين اللعنة ولهم سوء الدار والله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وبدأ سبحانه الكلام في ذلك كله بمثل يبين به حال الحق والباطل وأثر كل منهما الخاص به ثم بنى الكلام على ذلك في وصف حال الطريقين والفريقين.

قوله تعالى:{أنزل من السماء ماء} إلى آخر الآية قال في مجمع البيان،: الوادي سفح الجبل العظيم المنخفض الذي يجتمع فيه ماء المطر، ومنه اشتقاق الدية لأنه جمع المال العظيم الذي يؤدى عن القتيل، والقدر اقتران الشيء بغيره من غير زيادة ولا نقصان والوزن يزيد وينقص فإذا كان مساويا فهوالقدر، وقرأ الحسن بقدرها بسكون الدال، وهما لغتان يقال: أعطي قدر شبر وقدر شبر، والمصدر بالتخفيف لا غير.

قال: والاحتمال رفع الشيء على الظهر بقوة الحامل له، ويقال: علا صوته على فلان فاحتمله ولم يغضبه، والزبد وضر الغليان وهو خبث الغليان ومنه زبد القدر وزبد السيل.

والجفاء ممدود مثل الغثاء وأصله الهمز يقال: جفأ الوادي جفاء قال أبو زيد: يقال: جفأت الرجل إذا صرعته وأجفأت القدر بزبدها إذا ألقيت زبدها عنها، قال الفراء: كل شيء ينضم بعضه إلى بعض فإنه يجيء على فعال مثل الحطام والقماش والغثاء والجفاء.

والإيقاد إلقاء الحطب في النار استوقدت النار، واتقدت وتوقدت، والمتاع ما تمتعت به، والمكث السكون في المكان على مرور الزمان يقال: مكث ومكث - بفتح الكاف وضمها - وتمكث أي تلبث.  انتهى.

وقال الراغب: الباطل نقيض الحق وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه قال تعالى:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ } وقد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال والفعال يقال: بطل بطولا وبطلا بطلانا وأبطله غيره قال عز وجل:{وبطل ما كانوا يعملون} وقال:{لم تلبسون الحق بالباطل}. انتهى موضع الحاجة.

فبطلان الشيء هو أن يقدر للشيء نوع من الوجود ثم إذا طبق على الخارج لم يثبت على ما قدر ولم يطابقه الخارج والحق بخلافه فالحق والباطل يتصف بهما أولا الاعتقاد ثم غيره بعناية ما.

فالقول نحوالسماء فوقنا والأرض تحتنا يكون حقا لمطابقة الواقع إياه إذا فحص عنه وطبق عليه، ولقولنا: السماء تحتنا والأرض فوقنا كان باطلا لعدم ثباته في الواقع على ما قدر له من الثبات، والفعل يكون حقا إذا وقع على ما قدر له من الغاية أوالأمر كالأكل للشبع والسعي للرزق وشرب الدواء للصحة مثلا إذا أثر أثره وبلغ غرضه، ويكون باطلا إذا لم يقع على ما قدر عليه من الغاية أوالأمر والشيء الموجود في الخارج حق من جهة أنه موجود كما اعتقد كوجود الحق تعالى، والشيء غير الموجود وقد اعتقد له الوجود باطل وكذا لو كان موجودا لكن قدر له من خواص الوجود ما ليس له كتقدير الاستقلال والبقاء للموجود الممكن فالموجود الممكن باطل من جهة عدم الاستقلال أوالبقاء المقدر له وإن كان حقا من جهة أصل الوجود قال: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. وكل نعيم لا محالة زائل.

والآية الكريمة من غرر الآيات القرآنية تبحث عن طبيعة الحق والباطل فتصف بدء تكونهما وكيفية ظهورهما والآثار الخاصة بكل منهما وسنة الله سبحانه الجارية في ذلك ولن تجد لسنة الله تحويلا ولن تجد لسنة الله تبديلا.

بين تعالى ذلك بمثل ضربه للناس، وليس بمثلين كما قاله بعضهم ولا بثلاثة أمثال كما ذكره آخرون كما سنشير إليه إن شاء الله وإنما هو مثل واحد ينحل إلى أمثال فقال تعالى:{ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا } وقوله:{أنزل} فعل فاعله هو الله سبحانه لم يذكر لوضوحه، وتنكير{ماء} للدلالة على النوع وهو الماء الخالص الصافي يعني نفس الماء من غير أن يختلط بشيء أو يشوبه تغير، وتنكير{أودية} للدلالة على اختلافها في الكبر والصغر والطول والقصر وتغايرها في السعة والوعي، ونسبة السيلان إلى الأودية نسبة مجازية نظير قولنا: جرى الميزاب وتوصيف الزبد بالرابي لكونه طافيا يعلو سيل دائما وهذا كله بدلالة السياق، وإنما مثل بالسيل لأن احتمال الزبد الرابي فيه أظهر.

والمعنى: أنزل الله سبحانه من السماء وهي جهة العلوماء بالأمطار فسالت الأدوية الواقعة في محل الأمطار المختلفة بالسعة والضيق والكبر والصغر بقدرها أي كل بقدره الخاص به فالكبير بقدره والصغير بقدره فاحتمل السيل الواقع في كل واحد من الأودية المختلفة زبدا طافيا عاليا هو الظاهر على الحس يستر الماء سترا.

ثم قال تعالى:{ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} من نشوية وما يوقدون عليه أنواع الفلزات والمواد الأرضية القابلة للإذابة المصوغة منها آلات الزينة وأمتعة الحياة التي يتمتع بها والمعنى ويخرج من الفلزات والمواد الأرضية التي يوقدون عليها في النار طلبا للزينة كالذهب والفضة أوطلبا لمتاع كالحديد وغيره يتخذ منه الآلات والأدوات، زبد مثل الزبد الذي يربوالسيل يطفوعلى المادة المذابة ويعلوه.

ثم قال تعالى:{ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} أي يثبت الله الحق والباطل نظير ما فعل في السيل وزبده وما يوقدون عليه في النار وزبده.

فالمراد بالضرب - والله أعلم - نوع من التثبيت من قبيل قولنا: ضربت الخيمة أي نصبتها وقوله: ضربت عليهم الذلة والمسكنة أي أوقعت وأثبتت وضرب بينهم بسور أي أوجد وبني، واضرب لهم طريقا في البحر أي افتح وثبت وإلى هذا المعنى أيضا يعود ضرب المثل لأنه تثبيت ونصب لما يماثل الممثل حتى يتبين به حاله، والجميع في الحقيقة من قبيل إطلاق الملزوم وإرادة اللازم فإن الضرب وهو إيقاع شيء على شيء بقوة وعنف لا ينفك عادة عن تثبيت أمر في ما وقع عليه الضرب كثبوت الوتد في الأرض بضرب المطرقة وحلول الألم في جسم الحيوان بضربه فقد أطلق الضرب وهو الملزوم وأريد التثبيت وهو الأمر اللازم.

ومن هنا يظهر أن قول المفسرين إن في الجملة حذفا أومجازا والتقدير كذلك يضرب الله مثل الحق والباطل أو مثل الحق ومثل الباطل - على اختلاف تفسيرهم - في غير محله فإنه تكلف من غير موجب ولا دليل يدل عليه.

على أنه لوأريد به ذلك لكان موضعه المناسب له هو آخر الكلام وقد وقع فيه قوله تعالى:{ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} وهو يغني عنه.

على أن ما ذكروه من المعنى يرجع إلى ما ذكرناه بالآخرة فإن كون حديث السيل والزبد أوما يوقد عليه والزبد مثلا للحق والباطل يوجب كون ثبوت الحق نظير ثبوت السيل وثبوت ما يوقد عليه، وكون ثبوت الباطل نظير ثبوت الزبد فلا موجب للتقدير مع استقامة المعنى بدونه.

ثم قال تعالى:{ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} جمع بين الزبدين أعني زبد السيل وزبد ما يوقدون عليه وقد كانا متفرقين في الذكر لاشتراك الجميع فيما يذكر من الخاصة وهوأنه يذهب جفاء، ولذا قدمنا آنفا أن الآية تتضمن مثلا واحدا وإن انحل إلى غير واحد من الأمثال.

وقد عدل عن ذكر الماء وغيره إلى قوله:{وأما ما ينفع الناس} للدلالة على خاصة يختص بها الحق وهوأن الناس ينتفعون به وهوالغاية المطلوبة لهم.

والمعنى: فأما الزبد الذي كان يطفوعلى السيل ويعلوه أويخرج مما يوقدون عليه في النار فيذهب جفاء ويصير باطلا متلاشيا، وأما الماء الخالص أوالعين الأرضية المصوغة وفيهما انتفاع الناس وتمتعهم في معاشهم فيمكث في الأرض ينتفع به الناس.

ثم قال تعالى:{كذلك يضرب الله الأمثال} وختم به القول أي إن الأمثال المضروبة للناس في كلامه تعالى يشابه المثل المضروب في هذه الآية في أنها تميز الحق من الباطل وتبين للناس ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم.

ولا يبعد أن تكون الإشارة بقوله:{كذلك} إلى ما ذكره من أمر نزول المطر وجريان الأدوية بسيولها المزبدة وإيقاد المواد الأرضية وخروج زبدها، أعني أن تكون الإشارة إلى نفس هذه الحوادث الخارجية والتكونات العينية لا القول فيدل على أن هذه الوقائع الكونية والحوادث الواقعة في عالم الشهادة أمثال مضروبة تهدي أولي النهي والبصيرة إلى ما في عالم الغيب من الحقائق كما أن ما في عالم الشهادة آيات دالة على ما في عالم الغيب على ما تكرر ذكره في القرآن الكريم، ولا كثير فرق بين كون هذه المشهودات أمثالا مضروبة أوآيات دالة وهوظاهر.

وقد تبين بهذا المثل المضروب في الآية أمور هي من كليات المعارف الإلهية: أحدها: أن الوجود النازل من عنده تعالى على الموجودات الذي هوبمنزلة الرحمة السماوية والمطر النازل من السحاب على ساحة الأرض خال في نفسه عن الصور والأقدار وإنما يتقدر من ناحية الأشياء أنفسها كماء المطر الذي يحتمل من القدر والصورة وما يطرأ عليه من ناحية قوالب الأودية المختلفة في الأقدار والصور فإنما تنال الأشياء من العطية الإلهية بقدر قابليتها واستعداداتها وتختلف باختلاف الاستعدادات والظروف والأوعية.

وهذا أصل عظيم يدل عليه أويلوح إليه آيات كثيرة من كلامه تعالى كقوله:{ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}: الحجر: 21 وقوله:{ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}: الزمر: 6 ومن الدليل عليه جميع آيات القدر.

ثم إن هذه الأمور المسماة بالأقدار وإن كانت خارجة عن الإفاضة السماوية مقدرة لها لكنها غير خارجة عن ملك الله سبحانه وسلطانه ولا واقعة من غير إذنه وقد قال تعالى،{إليه يرجع الأمر كله}: هود: 123، وقال:{بل لله الأمر جميعا}: الآية: 31 من السورة وبانضمام هذه الآيات إلى الآيات السابقة يظهر أصل آخر أدق معنى وأوسع مصداقا.

وثانيها: أن تفرق هذه الرحمة السماوية في أودية العالم وتقدرها بالأقدار المقارنة لها لا ينفك عن أخباث وفضولات تعلوها وتظهر منها غير أنها باطلة أي زائلة غير ثابتة بخلاف تلك الرحمة النازلة المتقدرة بالأقدار فإنها باقية ثابتة أي حقة وعند ذلك ينقسم ما في الوجود إلى حق وهو الثابت الباقي وباطل وهوالزائل غير الثابت.

والحق من الله سبحانه والباطل ليس إليه وإن كان بإذنه قال تعالى:{الحق من ربك}: آل عمران: 60 وقال:{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا}: ص: 27 فهذه الموجودات يشتمل كل منها على جزء حق ثابت غير زائل سيعود إليه ببطلان ما هوالباطل منها كما قال:{ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى}: الأحقاف: 3 وقال:{ويحق الله الحق بكلماته}: يونس: 82 وقال:{إن الباطل كان زهوقا}: أسرى: 81 وقال:{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}: الأنبياء: 18.

وثالثها: أن من حكم الحق أنه لا يعارض حقا غيره ولا يزاحمه بل يمده وينفعه في طريقه إلى كماله ويسوقه إلى ما يسلك إليه من السعادة، يدل على ذلك تعليقه البقاء والمكث في الآية على الحق الذي ينفع الناس.

وليس المراد بنفي التعارض ارتفاع التنازع والتزاحم من بين الأشياء في عالمنا المشهود فإنما هو دار التنازع والتزاحم لا يرى فيه إلا نار يخمدها ماء وماء تفنيها نار وأرض يأكلها نبات ونبات يأكله حيوان ثم الحيوان يأكل بعضه بعضا ثم الأرض يأكل الجميع بل المراد أن هذه الأشياء على ما بينها من الافتراس والانتهاش تتعاون في تحصيل الأغراض الإلهية ويتسبب بعضها ببعض للوصول إلى مقاصدها النوعية فمثلها مثل القدوم والخشب فإنهما مع تنازعهما يتعاونان في خدمة النجار في صنعة الباب مثلا، ومثل كفتي الميزان فإنهما في تعارضهما وتصارعهما يطيعان من بيده لسان الميزان لتقدير الوزن، وهذا بخلاف الباطل كوجود كلال في القدوم أوبخس في المثقال فإنه يعارض الغرض الحق ويخيب السعي فيفسد من غير إصلاح ويضر من غير نفع.

ومن هذا الباب غالب آيات التسخير في القرآن كقوله:{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}: الجاثية: 13 فكل شيء منها يفعل ما يقتضيه طبعه غير أنه يسلك في ذلك إلى تحصيل ما أراده الله سبحانه من الأمر.

وهذه الأصول المستفادة من الآية الكريمة هي المنتجة لتفاصيل أحكام الصنع والإيجاد، ولئن تدبرت في الآيات القرآنية التي تذكر الحق والباطل وأمعنت فيها رأيت عجبا.

واعلم أن هذه الأصول كما تجري في الأمور العينية والحقائق الخارجية كذلك تجري في العلوم والاعتقادات فمثل الاعتقادات الحق في نفس المؤمن مثل الماء النازل من السماء الجاري في الأودية على اختلاف سعتها وينتفع به الناس وتحيى قلوبهم ويمكث فيهم الخير والبركة، ومثل الاعتقاد الباطل في نفس الكافر كمثل الزبد الذي يربوالسيل لا يلبث دون أن يذهب جفاء ويصير سدى، قال تعالى:{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}: إبراهيم: 27.

قوله تعالى:{ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ} إلى آخر الآية المهاد الفراش الذي يوطأ لصاحبه والمكان الممهد الموطأ وسميت جهنم مهادا لأنها مهدت لاستقرارهم فيها لكفرهم وأعمالهم السيئة.

والآية وما بعدها من الآيات التسعة متفرعة على المثل المضروب في الآية السابقة - كما تقدمت الإشارة إليه يبين الله سبحانه فيها آثار الاعتقاد الحق والإيمان به والاستجابة لدعوته، وآثار الاعتقاد الباطل والكفر به وعدم استجابة دعوته ويشهد بذلك سياق الآيات فإن الحديث فيها يدور حول عاقبة الإيمان والكفر وأن العاقبة المحمودة التي للإيمان لا يقوم مقامها شيء ولوكان ضعف ما في الدنيا من نعمة.

وعلى هذا فالأظهر أن يكون المراد بالحسنى العاقبة الحسنى وما ذكره بعضهم أن المراد بها المثوبة الحسنى أوالجنة وإن كان حقا بحسب المآل فإن عاقبة الإيمان والعمل الصالح المحمودة هي المثوبة الإلهية الحسنى وهي الجنة لكن المثوبة أوالجنة غير مقصودة في المقام بما أنها مثوبة أوجنة بل بما أنها عاقبة أمرهم وينتهي إليها سعيهم.

ويؤيده بل يدل عليه قوله تعالى فيهم في الآيات التالية بعد تعريفهم بصفاتهم المختصة بهم:{ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } الآية.

وعلى هذا أيضا فقوله:{لوأن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به} موضوع موضع الغاية المحذوفة للدلالة على فخامة أمرها وبلوغها الغاية من حمل الهول والدهشة والشر والشقوة بما لا يذكر.

والمعنى: والذين لم يستجيبوا لربهم يحل بهم أمر - أويفوتهم أمر وهو نتيجة الاستجابة وعاقبتها الحسنى من صفته أنه لوأن لهم ما في الأرض من نعمة تلتذ بها النفس الإنسانية وهو غاية ما يمكن لإنسان أن يأمله ويتمناه ثم أضيف إليه مثله وهو فوق منية الإنسان وبعبارة ملخصة لوكانوا يملكون غاية مناهم في الحياة وما فوق هذه الغاية رضوا أن يفتدوا بهذا الذي يملكونه فرضا عما يفوتهم من الحسنى، وفي بعض كلمات علي (عليه السلام): في وصفه:{غير موصوف ما نزل بهم}.

ثم أخبر تعالى عن هذا الذي لا يوصف من عاقبة أمرهم فقال:{أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم} وسوء الحساب الحساب الذي يسوؤهم ولا يسرهم فهومن إضافة الصفة إلى الموصوف ثم ذم تعالى ذلك مشيرا إلى سوء العاقبة بقوله:{وبئس المهاد} أي بئس المهاد مهادهم الذي مهد لهم ويستقرون فيه، ومجموع قوله:{أولئك لهم سوء الحساب} إلخ في موضع التعليل لما ذكر من الافتداء والتعليل بالإشارة كثير في الكلام يقال: افعل بفلان كذا وكذا ذاك الذي من صفته كذا وكذا.

ومعنى الآية والله أعلم - للذين استجابوا لدعوة ربهم الحقة العاقبة الحسنى والذين لم يستجيبوا له لهم من عاقبة الأمر ما يرضون أن يفدوا للتخلص منه فوق ما يمكنهم أن يتمنوه لأن الذي يحل بهم من العاقبة السيئة يتضمن أويقارن سوء الحساب والقرار في وبئس المهاد مهادهم.

وقد وضع في الآية الاستجابة وعدم الاستجابة مكان الإيمان والكفر لمناسبة المثل المضروب في الآية السابقة من نزول الماء من السماء وقبول الأودية منه كل بقدره، والاستجابة قبول الدعوة.

_________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج11،ص274-280.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

وصف دقيق لمنظر الحقّ والباطل:

يستند القرآن الكريم ـ الذي يعتبر كتاب هداية وتربية ـ في طريقته إلى الوقائع العينيّة لتقريب المفاهيم الصعبة إلى أذهان الناس من خلال ضرب الأمثال الحسّية الرائعة من حياة الناس، وهنا ـ أيضاً ـ لأجل أن يُجسّم حقائق الآيات السابقة التي كانت تدور حول التوحيد والشرك، الإيمان والكفر، الحقّ والباطل، يضرب مثلا واضحاً جدّاً لذلك ..

يقول أوّلا: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} الماء عماد الحياة وأصل النمو والحركة، { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} تتقارب السواقي الصغيرة فيما بينها، وتتكوّن الأنهار وتتّصل مع بعضها البعض، فتسيل المياه من سفوح الجبال العظيمة والوديان وتجرف كلّ ما يقف أمامها، وفي هذه الأثناء يظهر الزَّبد وهو ما يرى على وجه الماء كرغوة الصابون من بين أمواج الماء حيث يقول القرآن الكريم: { فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا }.

«الرابي» من «الربو» بمعنى العالي أو الطافي، والربا بمعنى الفائدة مأخوذ من نفس هذا الأصل.

وليس ظهور الزبد منحصراً بهطول الأمطار، بل { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}(2) أي الفلزات المذابة بالنّار لصناعة أدوات الزينة منها أو صناعة الوسائل اللازمة في الحياة.

بعد بيان هذا المثال بشكله الواسع لظهور الزبد ليس فقط في الماء بل حتّى للفلزات وللمتاع، يستنتج القرآن الكريم { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} ثمّ يتطرّق إلى شرحه فيقول: { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.

فأمّا الزبد الذي لا فائدة فيه فيذهب جفاءً ويصير باطلا متلاشياً، وأمّا الماء الصافي النقي المفيد فيمكث في الأرض أو ينفذ إلى الأعماق وتتكوّن منه العيون والآبار تروي العطاش، وتروي الأشجار لتثمر، والأزهار لتتفتّح، وتمنح لكلّ شيء الحياة.

وفي آخر الآية ـ للمزيد من التأكيد في مطالعة هذه الأمثال ـ يقول تعالى: { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}.

الذين استجابوا لدعوة الحقّ:

بعد ما كشفت الآيات السابقة عن وجهي الحقّ والباطل من خلال مثال واضح وبليغ، أشارت هذه الآية إلى مصير الذين إستجابوا لربّهم والذين لم يستجيبوا لهذه الدعوة واتّجهوا صوب الباطل. تقول أوّلا: { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى }.

«الحسنى» في معناها الواسع تشمل كلّ خير وسعادة، بدءاً من الخصال الحسنة والفضائل الأخلاقية إلى الحياة الإجتماعية الطاهرة والنصر على الأعداء وجنّة الخلد.

ثمّ تضيف الآية { وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ }.

لا توجد صيغةً أوضح من هذه الآية في بيان شدّة عذابهم وعقابهم، يمتلك الإنسان كلّ ما في الأرض وضعفه أيضاً ويفتدي به للنجاة ولا يحصل النجاة. تشير هذه الجملة في الواقع إلى آخر أُمنية والتي لا يمكن أن يتصوّر أكثر منها، وهي أن يمتلك الإنسان كلّ ما في الأرض، ولكن شدّة العذاب للظالمين ومخالفي الحقّ تصل بهم إلى درجة أن يفتدوا بكلّ هذه الاُمنية أو بأكثر منها لنجاتهم. ولنفرض إنّها قُبِلَت منهم فتكون نجاتهم من العذاب فقط، ولكن الثواب العظيم يكون من نصيب الذين إستجابوا لدعوة الحقّ.

ومن هنا يتّضح أنّ العبارة (ومثله معه) ليس المقصود منها أن يكون لهم ضعف ما في الأرض، بل أنّهم مهما ملكوا أكثر من ذلك فانّهم مستعدّون للتنازل عنه مقابل نجاتهم من العذاب. ودليله واضح، لأنّ الإنسان يطلب كلّ شيء لمنفعته، ولكن عندما يجد نفسه غارقاً في العذاب فما فائدة تملكه للدنيا كلّها؟

وعلى أثر هذا الشقاء (عدم قبول ما في الأرض مقابل نجاتهم) يشير القرآن الكريم إلى شقاء آخر { أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ}.

فما هو المقصود من سوء الحساب؟

للمفسّرين آراء مختلفة حيث يعتقد البعض أنّه الحساب الدقيق بدون أي عفو أو مسامحة، فسوء الحساب ليس بمفهوم الظلم، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو العدل المطلق، ويؤيّد هذا المعنى الحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لرجل: «يافلان مالك ولأخيك؟» قال: جعلت فداك كان لي عليه حقّ فأستقصيت منه حقّي إلى آخره، وعنده سماع الإمام لهذا الجواب غضب وجلس ثمّ قال: «كأنّك إذا استقصيت حقّك لم تسيء إليه! أرأيت ما حكى الله عزّوجلّ {ويخافون سوء الحساب} أتراهم يخافون الله أن يجور عليهم؟! لا والله ما خافوا إلاّ الإستقصاء فسمّاه الله عزّوجلّ سوء الحساب، فمن إستقصى فقد أساءه»(3).

وقال البعض: المقصود من سوء الحساب، أنّه يلازم حسابهم التوبيخ والملامة وغيرها، فبالإضافة إلى خوفهم من العذاب يؤلمهم التوبيخ.

ويقول البعض الآخر: المقصود هو الجزاء الذي يسوؤهم، كما نقول: إنّ فلان حسابه نقي، أو لآخر: حسابه مظلم، وهذا يعني نتيجة حسابهم جيدة أو سيّئة، أو تقول: (ضع حسابه في يده) يعني حاسبه طبقاً لعمله.

هذه التفاسير الثلاثة غير متضادّة فيما بينها، ويمكن أن يستفاد منها في تفسير الآية، وهذا يعني أنّ هؤلاء الأفراد يحاسبون حساباً دقيقاً، وأثناء حسابهم يُوبّخون ويُلامون ومن ثمّ يستقصى منهم.

وفي نهاية الآية إشارة إلى الجزاء الثّالث أو النتيجة النهائية لجزائهم { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

«المهاد» جمع مهد، بمعنى التهيؤ، ويستفاد منها معنى السرير الذي يستخدم لراحة الإنسان، هذا السرير يهيّأ للإستراحة، وقد ذكر القرآن الكريم هذه الكلمة للإشارة إلى أنّ هؤلاء الطغاة بدلا من أن يستريحوا في مهادهم يجب أن يحرقوا بلهيب النار.

__________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج6،ص419-429.

2- تشير هذه الآية إلى الأفران التي تستعمل لصهر الفلزات، فهذه الأفران تتميّز بوجود النّار من تحتها ومن فوقها يعني نارٌ تحت الفلز ونار فوقه، وهذه من أفضل أنواع الأفران حيث تحيط بها النّار من كلّ جانب.

3- تفسير البرهان، المجلّد الثّاني، صفحة 288.وأن جاء تفسير هذا الحديث في الآية 21 من هذه السورة ولكت كلمة (سوء الحساب) بصورة عامة وفي كل مكان بهذا المعنى.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



لأعضاء مدوّنة الكفيل السيد الصافي يؤكّد على تفعيل القصة والرواية المجسّدة للمبادئ الإسلامية والموجدة لحلول المشاكل المجتمعية
قسم الشؤون الفكرية يناقش سبل تعزيز التعاون المشترك مع المؤسّسات الأكاديمية في نيجيريا
ضمن برنامج عُرفاء المنصّة قسم التطوير يقيم ورشة في (فنّ الٕالقاء) لمنتسبي العتبة العباسية
وفد نيجيري يُشيد بمشروع المجمع العلمي لحفظ القرآن الكريم