المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تعريف بعدد من الكتب / العلل للفضل بن شاذان.
2024-04-25
تعريف بعدد من الكتب / رجال النجاشي.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثالث عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثاني عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الحادي عشر.
2024-04-25
التفريخ في السمان
2024-04-25

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الأحرف المشبهة بالفعل  
  
21313   01:15 صباحاً   التاريخ: 18-4-2020
المؤلف : حسن عباس
الكتاب أو المصدر : حروف المعاني بين الأصالة والحداثة
الجزء والصفحة : ص90-100
القسم : علوم اللغة العربية / النحو / الحروف وأنواعها /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-4-2020 5349
التاريخ: 20-3-2022 1552
التاريخ: 2023-04-01 719
التاريخ: 3-3-2022 1630

الأحرف المشبهة بالفعل

هي: ((إنّ-أنّ-كأنّ-لكنّ-ليت -لعلّ)).

تمهيد:

تدخل هذه الأحرف على المبتدأ والخبر: فتنصب الأول ويسمى اسمها، وترفع الثاني ويسمى خبرها، نحو: ((إنّ العلمَ نورٌ)).

وقد شُبهت بالفعل لأنها جميعاً مفتوحةُ الأواخر كالفعل الماضي، ولأنَّ الأسماء تنصب بها كما تنصب بالأفعال. ولأنَّ (نون) الوقاية تتوسط بينها وبين (ياء) المتكلم، كالأفعال: (إنني لكنني)) ولأن معانيها مما يؤدَّى بالأفعال: فحرفا (إنّ- أنّ) للتوكيد، وكأنّ للتشبيه، ولكنّ للاستدراك، وليت للتمني، ولعل للترجي، وهي من معاني الأفعال.

وما أحسب أن ثمة فئة من حروف المعاني هي أعصى على كشف العلاقة الفطرية بين خصائص حروفها ومعانيها التراثية من أحرف:  ((إنّ- أنّ- كأنّ- لكنّ). وذلك لمشاركة (النون) في تراكيبها جميعاً. فإذا أضفنا إليها حرفي (إنْ وأنْ) مخففي (إنّ وأنّ) مع تسكين (النون)- أربعة منها وتشارك في تركيب الخامس منها. وعلى الرغم من ذلك، فلكل حرف معنوي منها معان- واستعمالات عديدة تختلف عما لغيره.

فما السر في هذه المادة الصوتية الرنانة النقية الأنيقة في (النون) التي تتغير معها معاني هذه الأحرف وتختلف استعمالاتها لكل طارئ يعترض النطق بصوت أي منها مهما يكن هذا الطارئ بسيطاً: من كسرة أو فتحة أو سكون أو تشديد أو تخفيف؟.

فما أشبه صوت (النون) بصوت الكمان، تختلف إيحاءاته باختلاف الأوتار التي يصدر عنها رخاوة أو شدة، وبما يتوافق مع تنقل أنامل العازف من موقع إلى موقع على ذات الوتر.

وهكذا يبدو لنا أن للنون معان ووظائف أخرى لم تستطع المعاجم اللغوية الكشف عنها جميعاً بالرجوع إلى المصادر التي تبدأ- أو تنتهي بها. فهل تستطيع حروف المعاني الألصق بفطرة اللغة العربية أن تقوم بهذه المهمة الشاقة.؟ سنرى.

1-إنَّ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

1-(الهمزة)- هي بحكم انفجارها الصوتي توحي بالظهور والحضور والبروز. والكسرة تحتها مخفف (الياء) تشير إلى الذات في حركة معاكسة لموحيات (الهمزة) المفتوحة: (للظهور والعلانية).

2-(النون)- من معانيها المعجمية في أول المصادر: ((الصميمية والبطون والانبثاق والنفاذ) بما يتوافق مع صدى صوتها مضغوطاً عليه بشيء من الشدة والفعالية في هذا الموقع المتقدم من المصادر. كما أن من معانيها في نهاية المصادر: ((الرقة والأناقة والاستكانة والخفاء والاستقرار..) بما يتوافق مع صدى صوتها مرققاً منعماً في هذا الموقع الخلفي من المصادر.

ونظراً لأهمية الدور الذي تأخذه (النون) في معاني الأحرف المشبهة بالفعل وغيرها من الضمائر والأسماء يستحسن بنا أن نلقي عليها المزيد من الأضواء.

فماذا عن معاني (النون) النحوية؟

(النون) المفردة لدى (ابن هشام) على أربعة أوجه:

الوجه الأول: نون التوكيد الخفيفة والثقيلة، كما في سورة (يوسف/ 32) التي جمعت بينهما، ((ولئن لم يفعل ما آمره به ليسجننَّ وليكوناً من الصاغرين)).

-على أن التوكيد بالثقيلة أبلغ على رأي (الخليل) وهذا صحيح. يؤكد بالثقيلة والخفيفة صيغ الأمر مطلقاً، وفقاً لرغبة المتكلم. ولا يؤكد الماضي بهما إطلاقاً. وذلك في رأينا لعدم الجدوى. فعلى من يريد توكيد الماضي أن يقسم بالله  على صحته أو يقيم الأدلة والبراهين. أما المضارع، فإن كان للحال لا يؤكد بهما لعدم الحاجة، وإن كان للاستقبال أُكِّد بهما كما في قوله تعالى: ((وتالله لاكيدنَّ أصنامكَم)).

الوجه الثاني: نون التنوين. وهي (نون) زائدة ساكنة تلحق أواخر الأسماء لغير توكيد، ولها خمسة أقسام.

1-(تنوين التمكين): وهو اللاحق للاسم المعرب المتصرف إعلاماً ببقائه على أصله، ويسمى أيضاً ((تنوين الأمكنية)) نحو زيداً ورجلٌ ورجالٍ).

   أما الأقسام الأربعة الباقية فلا مجال لشرح معانيها واستعمالاتها، لأنها لا تفيدنا بمعرض حديثنا عن (النون) في الاحرف المشبهة بالفعل: وهي:

2-تنوين (التنكير). 3- تنوين(المقابلة) 4- تنوين (العرض) 5- تنوين (الترنيم).

الوجه الثالث: نون الإناث:

وهي اسم، نحو: (النسوة يذهبن))، وحرف، نحو: ((يذهبن النسوة))، في لغة من قال: (أكلوني البراغيث)). ووظيفة (النون) هنا تتوافق مع خصائصها الأنثوية رقة وأناقة واستكانة، كما كانت المرأة عليه في المرحلة الرعوية.

الوجه الرابع- نون الوقاية:

وتلحق قبل (ياء) المتكلم المنتصبة في حالات ثلاث:

1-الفعل متصرفاً، نحو: ((أكرمني))، أو جامداً، نحو ((عساني)).

2-اسم فعل، نحو ((دراكني)) بمعنى ((أدرِكْني)).

3-الحرف، نحو: ((إنَّني) وهي جائزة الحذف والإثبات في الأحرف المشبهة بالفعل: (إنّي). كما تلحق أيضاً قبل (الياء) المخفوضة بحرفي (من وعن) وبأفعال (خلا وعدا، وحاشا)) (مِنّي- عنّي- خلاني- عداني- حاشاني)).

ويطيب لي هنا أن أشبه وظيفة (نون الوقاية) اللغوية في هذه المواقع الحرجة، بما تضفيه على الكلام العربي من (رقة واناقة ورواء) بوظيفة الأنوثة في المجتمع الرعوية الخشن، بما كانت تضفيه عليه من رقة وأناقة وكياسة وجمال. فقلَّما خلت قصيدة جاهلية من التشبيب بالغانيات.

ثانياً- حول معاني (إنَّ) واستعمالاتها التراثية:

هي على وجهين:

1-(إنَّ) تكون حرف توكيد: تنصب الاسم وترفع الخبر، نحو: ((إنّ زيداً قائمٌ)).

2-حرف جواب بمعنى (نعم) كقول ابن قيس الرقيات:

كَ وقد كبرتَ، فقلتُ: إنّه)).
 

 

((ويقلْنَ، شيبٌ قد علا
 

 

أي قلت (نعم)، و(الهاء) للسكت. وهي كما نرى للتوكيد أيضاً، فالتوكيد يتحكم بمعانيها كيفما استعملت.

ولكن ما أصل خاصية التوكيد في (إنَّ)؟

لقد تبين لنا في دراسة (النون) أن أصول معظم معانيها واستعمالاتها تعود إلى خاصية البطون أو الصميمية) في طريقة النطق بصوتها. فصوتها يخرج من صميم الذات على صفاء ونقاء وبشيء من الفعالية.

ولقد أفاد العربي من هذه الخاصية فاستعملها للتعبير عن معاني (الانبثاق)، في حركة من الداخل إلى الخارج، كما لحظنا ذلك في معاني كثير من المصادر التي تقع في أولها، وقد بلغت (120) مصدراً جذراً في المعجم الوسيط كما أسلفنا.

كما أفاد العربي من هذه الحركة المنبثقة من الداخل إلى الخارج، فاستعمل (النون) للتعبير عن ذاتيته الإنسانية إلى ضمائر المخاطب في (أنت أنتم..) وذلك لحضوره بذاته في مواجهة المتكلم أما الغائب فقد حرم منها لعدم توافر هذه الشروط فيه على أن التعبير عن ذاتية الإنسان المتكلم تتجلى بأشد ما يكون التوكيد والرسوخ في كلمة (إنّي) وفقاً لخصائص أحرفها.

أ-(الهمزة)- انفجار صوتي من موحياته الظهور والحضور. أما (الكسرة) مخفف (الياء) فتشير إلى تحت)، وهنا إلى الذات ضمناً.

ب-(النون) المشددة، تشير إلى الصميمية بمزيد من التوكيد.

ح-(الياء)، في نهاية الكلمة، للنسبة إلى ذات المتكلم.

وهكذا ما من كلمة في الدنيا تضاهي لفظة إنّي في التعبير عن رسوخ ذات المتكلم وتوكيدها في مواجهة العالم الخارجي. لا يدانيها في ذلك سوى كلمة (أنا) للظهور والبروز والتعالي في مواجهة العالم الخارجي أيضاً. ولكن بفارق بينهما من حيث توكيد الذات ورسوخها لصالح (إنيّ) أما أنا فأكثر شموخاً).

ومما يقطع بهذه العلاقة الفطرية بين (النون) والذات الإنسانية استعمال التراثيين (مَنْ) للعاقل أي للإنسان، و(ما) لغير العاقل أي للأشياء والحيوان.

لا بل إِن كلمة (إنسان) ذاتها، بـ (الهمزة) المكسورة التي تشير إلى الذاتية وتكرار (النون) فيها للذات الإنسانية على رقة وأناقة و(الألف اللينة) الفاصلة بينهما للامتداد والتعالي و(السين) للحركة: هذه الكلمة تصور واقع الإنسانية بأصوات حروفها كما قال(ابن جني): (سوقا للحروف).

ولئن كانت (إنّي) أكثر أحرفا من (إنَّ) وأعقد تركيباً، إلا أنها فيما نرى هي الأسبق في الزمن بمعرض توكيد ذاتية المتكلم من (إنَّ) لمجرد التوكيد. وذلك لأن حاجة الإنسان العربي لتوكيد ذاته المشخصة المحسوسة أسبق في الزمن من حاجته للتوكيد المجرد المعنوي. فالمعاني الحسية في الكلمة العربية هي أصل معانيها المجردة إن لم يكن إطلاقاً فبصورة عامة.

وهكذا يكون أصل  (إنّ) هو (إنّي)، وليس العكس وذلك لأن خاصية التوكيد في (إنّ) هي في الأصل مقتبسة من خاصية توكيد ذاتية المتكلم في (إنّي)، بمواجهة العالم الخارجي فيما ترى، خلافاً لِما أجمع عليه اللغويون التراثيون.

فإذا لم يكن الأمر كما نراه، فإن معاني التوكيد في (إنَّ) وأخواتها تصبح اصطلاحية صرفة خلافاً للنهج العربي الأصيل بمعرض إبداع ألفاظه تعبيراً عن معانيه.

ولو أن الامر يتعلق بـ (إنَّ) فحسب لكان بالإمكان التساهل مع إجماع اللغويين التراثيين، ولكنه يتعلق بمعظم الأحرف المشبهة بالفعل، مما يطعن بأصالة اللغة العربية في هذا القطاع اللغوي العريق. ونحن في كل ذلك لم نعدُ الحقيقة، وإِن خفيت على أساتذتنا العظام.

2-(أَنَّ)

لقد سبق أن تحدثنا عن خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية في حديثنا عن (إنّ) مما لا جدوى من إعادته. ولكن الفروق بين معانيهما واستعمالاتهما تعود الى تحريك همزة (أَنَّ) بالفتح بدلاً من الكسرة. وسنرى مدى تأثير ذلك في معانيها واستعمالاتها التراثية.

فماذا عن معانيها واستعمالاتها التراثية؟

هي لدى (ابن هشام) على وجهين:

1-أنَّ تكون حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر. ثم يقول والأَصح أَنها فرع من (إنّ) المكسورة الهمزة.

2-ولكنه يعود سريعاً فيقرر: ((والأصح أيضاً أنها موصول حرفي مؤول مع معموله بالمصدرية)). فإذا كان الخبر اسماً مشتقاً فالمصدر المؤوّل يكون من لفظه، نحو: ((بلغني أنك منطلق))، أي ((بلغني انطلاقك)). وإِن كان الخبر اسماً جامداً، يؤول بالكون، نحو: ((بلغني أنَّ هذا زيد)) تقديره: ((بلغني كونه زيداً)) (مغني اللبيب ج2 ص40).

وهكذا يتراجع (ابن هشام) عن رأيه الأول من حيث كون (أنَّ) حرف توكيد ونصب، أو فرع عن (إنّ)، إلى أَنها: ((موصول حرفي مؤول مع معموليه بالمصدر)).

وذلك قريب من عمل (أنْ) الناصبة للمضارع. فتأويل قولي ((بلغني أنك منطلق)) بعبارة ((بلغني انطلاقك)) مماثل تماماً لتأويل قولي: ((سرني أن تنجح)) بعباره ((سرني نجاحك)).

وهذه الرابطة الموصولية المصدرية بين (أنْ) الناصبة للمضارع، وبين (أنّ) جعلت النحاة يعتبرون (أَنْ) المصدرية هي مخفف (أنّ). وبالرجوع إلى المحيط للانطاكي نجده قد أغفل خاصية (التوكيد) فيها، وجرى في ذلك مجرى (ابن هشام) بشيء كثير من الإيجاز.

وهكذا يتضح أن خاصية (التوكيد) في (أنّ) قد أضعفتها فتحة الهمزة إلى حد الضياع. فيتجاهلها (ابن هشام) وغيره، وانصرفوا عنها إلى خاصية المصدرية فيها.

والحقيقة إِن في قولك: ((بلغني أنّ زيداً رجل كريم))، إِنما هو مجرد إخبار يحتمل الصدق والكذب، ولو كنت صادقاً في نظر السامع. وذلك لتعلق صحة هذا الخبر بمدى صدق من أبلغني إِياه ولا مسؤولية شخصية عليَّ في ذلك.

أما في قولي: ((إنَّ زيداً رجل كريم))، فهذا حكم وليس مجرد خبر. وذلك لتعلق هذا القول بمسؤوليتي الشخصية. فما من أحد يثق بي يمكن أن يشك بصدق هذا القول، ولو اعتبرناه خبراً.

وإذن فإن خاصية التوكيد في (إنّ) مردها بالدرجة الأولى، على ما يبدو لي (كسرة) الهمزة أولاً. وذلك لأن (الكسرة) مخفف (الياء) تشير إلى ذات المتكلم كما سبق بيانه، فتضفي على معنى (إنّ) التزاماً شخصياً بصدق ما يقوله المتكلم بعدها.

أما خاصية التوكيد في (نونها) المشددة فمردها معاني الصميمية والذاتية فيها، كما أسلفنا.

وهكذا تتضافر المضامين الذاتية والشخصية في هذين الحرفين لتجعل من (إنَّ) حرف توكيد بالدرجة الأولى.

أما (أنّ) التي حُرمت من كسرة الهمزة فلم يبق لها إلا (النون) المشددة، مما أضعف من خاصية التوكيد فيها. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه (النون) المشددة تضفي بعض التوكيد على ما يأتي بعدها. فقولك: ((بلغني أنّك مسافرٌ)) أَدعى للثقة بصدق هذا الخبر من قولك: ((بلغني سفرك)). وسنعود أيضاً إلى كسرة (الهمزة) عما قريب.

3-كأنّ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

لما كنا استعرضنا آنفاً خصائص (الهمزة والنون المشددة) في (إنّ، وأنّ)، فانه يكفينا أن نستعرض هنا خصائص (الكاف) ومعاني (كأنَّ الفطرية).

(الكاف)- لقد سبق أَن استعرضنا معانيها الخمسة باعتبارها واحداً من حروف الجر، يمكن الرجوع إليها. فكان أهمها وأَثبتها جميعاً هو((التشبيه))، نحو: ((زيد كاسدِ)). أما معانيها في: (الاستعلاء والمبادرة والتعليل)، فلا تعنينا هنا. ولئن كان يعنينا معناها الخامس في (التوكيد) هنا، نحو: ((ليس كمثله شيء))، إِلا أَن هذا المعنى الفطري لـ(كأنّ)، هو التشبيه بشيء من التوكيد. فقولنا: ((كأنّ زيداً أسد)) أكثر توكيداً من قولنا: ((زيد كأسد)).

ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

عرض (ابن هشام) أَن أَكثرهم قال بأنها: حرف مركب من (الكاف + إنّ). فقالوا:

الأصل في: (كأنَّ زيداً أسد)): إنَّ زيداً كأسد. ففتحت همزة (إنَّ) لدخول الجار عليها وهو (الكاف) هنا. ويرى (ابن هشام) أَنها بسيطة. فأيهما الأصح؟

وهكذا قد ضعفت خاصية التوكيد في (كأنَّ) فبعدت أحكام ما بعدها عن اليقين والثبوت لعاملين اثنين:

أ-خاصية التشبيه المعتمدة في (الكاف). والتشبيه غير يقيني أصلاً.

ب-الفتحة على همزة (أنّ) كما أسلفنا.

وبذلك لم يبق لها من معاني التوكيد إلا القليل، فماذا عن معانيها التراثية؟

لقد ذكروا لها أربعة معان:

1-التشبيه وهو الغالب عليها، نحو: ((كأن زيداً أسد)).

2-الشك والظن، نحو: (كأنّك بالشتاء مقبل))، أي ((أظنه مقبلاً). وذلك لخاصية- التشبيه في (الكاف).

3-التحقيق: ذكره الكوفيون والزجاجي، كقول الشاعر:

كأنّ الأرضَ ليسَ بها هِشامُ)).
 

 

((فأصبحَ بطنُ مكَّة مُقْشِعرّاً
 

 

وقد اختلفوا في تأويل هذا المعنى. كان من رأي أحدهم: (أن الكاف) للتعليل وهو أحد معانيها، و(أنّ) للتوكيد، فهما كلمتان لا كلمة واحدة. وهذا المعنى فيما نرى، هو أكثر توافقاً مع الخصائص الفطرية للأحرف التي تشارك في تركيب (كأنّ) كما أسلفنا. وهكذا يكون معنى التحقيق مشوباً بالتوكيد.

4-التقريب: قاله الكوفيون وحملوا عليه قولهم: ((كأنك بالشتاء مقبل)) وكأنّك بالفرج آتِ وكأنَّك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل)). والتقريب مشوب أيضاً بالتوكيد.

وهكذا على الرغم من ضعف خاصية التوكيد في (كأنّ) يفعل (كاف) التشبيه والهمزة المفتوحة كما أسلفنا، فقد حفظت لها (النون) المشددة بعض التوكيد في معانيها، إرثاً شرعياً عن (أنَّ).

4-لَكنّ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

1-(اللام)- من معانيها الفطرية الإلصاق والجمع، ومن معانيها النحوية التراثية. الاستحقاق- والتملك، وكذلك التوكيد، كقوله تعالى: ((لم يكن الله ليغفر لهم (69)، كما أسلفنا في دراستها مع حروف الجر.

2-(الكاف)- من معانيها الفطرية (الاحتكاك)، ومن معانيها النحوية التراثية، (التشبيه والتوكيد، كقوله تعالى: ((ليس كمثله بشيء))(70)

3-(النون)- سواء أَكانت مخففة أو مشددة، من معانيها التراثية (النحوية) التوكيد كما أسلفنا.

وهكذا كان التوكيد هو القاسم المشترك بين معاني أحرفها جميعاً، مما يتوافق مع أحد معاني (لكنّ) التراثية في التوكيد.

أما الصلة بين خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية وبين أحد معاني (لكنّ) في الاستدراك، فهي غامضة، فهل ستكشف عنها معانيها التراثية؟.

ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

يثبت (ابن هشام)، في معانيها ثلاثة أحوال:

1-(الاستدراك): وهو المشهور. وفسَّروه بأن ينسب لما بعدها حكم مخالف لحكم ما قبلها ولذلك لابد أن يتقدمها، إما كلام مناقض لما بعدها، نحو: ((ما هذا ساكناً، لكنه متحرك))، وإما ضدّ له، نحو: ((ما هذا أبيض، لكنه أسود)).

2-ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد. وقد فسر بعضهم الاستدراك، بأنه نفي لما يتوهم ثبوته، نحو: ((ما زيد شجاعاً، لكنه كريم)). وذلك لأنّ الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فاستدرك الكرم لزيد كي لا يتوهم السامع انه غير كريم، لتلازم المعنيين في ذهنه.

    ومثلوا للتوكيد بقولهم: ((لو جاءني أَكرمته، لكنّه لم يجئني)). فأكدت (لكنّ) ما أفادته (لو) من الامتناع.

3- انها للتوكيد دائماً مثل (إنّ) ويصحب التوكيد معنى الاستدراك. وهو قول (ابن عصفور) ولم يضرب له مثلاً.

ونحن أميل إلى الأخذ بقول (ابن عصفور) وإن لم يضرب له مثلاً، وذلك لتوافقه مع الخصائص الفطرية لأحرفها ومعانيها، كما أسلفنا، ومع الحالتين الآنفة الذكر أيضاً. فالتوكيد فيهما منصبّ إطلاقاً على ما يليها. فالتحرك، والسواد والكرم، وعدم المجيء في الأمثلة السابقة، قد وقع التوكيد عليها مباشرة بـ (لكنّ). كما أن هذه الأمثلة تتضمن الاستدراك أيضاً. وذلك لأن حكم ما بعدها- مخالف أو مغاير أو مناقض لما قبلها، إما صراحة أو ضمناً. فكان التوكيد والاستدراك مصاحبين لها مما يتوافق مع خصائص  التوكيد  في أحرفها ولا سيما خاصية الالصاق في (اللام)،

5-ليْتَ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

1-(اللام)- للإلصاق والجمع.

2-(الياء)- تشير إلى  تحت، فتأخذ في الذهن صورة الحفرة الفاصلة.

3-(التاء) للرقة والضعف.

فتكون محصلة معاني أحرفها: الإلصاق عبر فاصلين اثنين، مما يجعل تحقق الآمال المعلقة عليها صعبة المنال، فالياء والتاء، تفصلان (لام) الإلصاق عن متعلقها، مما يضعف الصلة بين (اللام) وبين ما بعدها فلا تتجاوزهما على مثال ما أضعفت (الألف والتاء) (خاصية النفي في (لات) كما سيأتي:

ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

ليت حرف تمني يتعلق بالمستحيل غالباً كقول الشاعر:

فأخبرَه بما فعلَ المَشيبُ".
 

 

"فيا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً
 

 

وبالممكن قليلاً، نحو: (ليت المدخن يقلع عن التبغ).

وإذا اقترنت بها (ما) الزائدة، لا يلغي اختصاصها بالأسماء، فيقال: (ليتما زيداً جاء) ولا يقال: (ليتما جاء زيد).

وهكذا تتوافق الخصائص الفطرية لأحرف (ليت) مع معانيها التراثية. فالحفرة الصوتية في (الياء) وموحيات الضعف في صوت (التاء)، أضعفا خاصية الإلصاق في (اللام) إلى  حدّ التلاشي.

6-لَعلّ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

1-(اللام)- للإلصاق معجمياً والجمع نحوياً.

2-(العين)- من معانيها العيانية والعلو والفعالية والإحاطة.

3-(اللام المشدودة)- للمزيد من الإلصاق والالتصاق.

فتكون محصلة معاني أحرفها الإلصاق بعيانية وشدة.

ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

لها ثلاثة معان:

1-التوقع: وهو ترجي المرغوب (لعل أخاكَ ناجحٌ). وسنعود إلى  هذا المعنى مع أحرف التمني والترجي. كما ترد للإشفاق من المكروه، نحو: "لعلّ صديقَك مريض). أي أخشى أن يكون مريضاً.

2-التعليل، كقوله تعالى: (فقولا له قولاً لعلّه يتذكّر أو يخشى)(71).

3-الاستفهام كقوله تعالى: "وما يدريك لعلّه يزّكّى"؟(72).

على إن (التوقع) فيما نرى هو الغالب على معانيها جميعاً.

ففي قوله تعالى: "لعله يتذكّر"، وإن جاء تعليلاً للقول اللين، إلاّ أنّ التذكر متوقع منه غير مستبعد. مما يفيد الترجّي.

وفي قوله: (لعلّه يزْكّى)، وإن جاءت في موقع الاستفهام، إلا أن التزكية متوقعة غير مستبعدة مما يفيد الترجي. أيضاً.

وهكذا تلتقي الخصائص الفطرية لأحرفها مع معانيها التراثية وأصول استعمالها على الرغم من أن هذه الكلمة قد أبدعت في مرحلة لغوية متطورة، لمشاركة (العين) الرعوية في تراكيبها.

ولكن لماذا تنصب الأحرف المشبهةُ بالفعل الاسمَ وترفع الخبرَ؟

يقول (الغلاييني):

"معنى (إنّ وأنّ) التوكيد. فهما لتوكيد اتصاف المسند إليه بالمسند". (جامع الدروس العربية: ج2 ص303).

وإذن ففي قولنا: (إن زيداً كريم) قد تم توكيد إسناد الكرم إلى  (زيد). بمعنى أنه قد وقع على (زيد) توكيد الكرم، فاستحق النصب بالفتحة ليتحمل وقع الإسناد. أما (خبرها) كريم فهو مجرد مسند لم يقع عليه أي حكم أو التزام فبقي على حاله من الرفع بالضمة.

وهكذا الأمر مع بقية الأحرف المشبهة بالفعل، من حيث تحمل الاسم أحكام (التشبيه والتوكيد مع (كأنّ)، والاستدراك والتوكيد مع (لكنّ)، والتمني مع (ليت) والترجي والتعليل مع (لعلّ)، فاستحق اسمها النصب بالفتحة، وبقي خبرها على حاله مرفوعاً بالضمة كما لحظنا ذلك مع (إنّ وأنّ).

ويطيب لي أن أتساءل هنا أيضاً:

لماذا ترفع الأفعال الناقصة الاسم وتنصب الخبر؟

يقول الغلاييني:

"الفعل الناقص (كان وأخواتها) هو ما يدخل على المبتدأ والخبر، فيرفع الأول تشبيهاً له بالفاعل، وينصب الآخر له بالمفعول به"- (جامع الدروس العربية ج2 ص275).

ويقول الأَنطاكي:

".. فالواقع أن الفعل الناقص (أي الذي أفُرغ من مضمونه وأصبح مجرد أداة) لا يفقد شخصيته الفعلية تماماً، إذ نراه يتخذ من المبتدأ ما يشبه الفاعل الذي كان له في حال تمامه"، أي قبل تفريغه من مضمونه. (المحيط ج2 هامش ص6). وينصب الخبر باعتباره يشبه المفعول به، على وجه ما ذكر الغلاييني أيضاً، وهو صحيح على ذكاء ونباهة.

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



خلال الأسبوع الحالي ستعمل بشكل تجريبي.. هيئة الصحة والتعليم الطبي في العتبة الحسينية تحدد موعد افتتاح مؤسسة الثقلين لعلاج الأورام في البصرة
على مساحة (1200) م2.. نسبة الإنجاز في مشروع تسقيف المخيم الحسيني المشرف تصل إلى (98%)
تضمنت مجموعة من المحاور والبرامج العلمية الأكاديمية... جامعتا وارث الأنبياء(ع) وواسط توقعان اتفاقية علمية
بالفيديو: بعد أن وجه بالتكفل بعلاجه بعد معاناة لمدة (12) عاما.. ممثل المرجعية العليا يستقبل الشاب (حسن) ويوصي بالاستمرار معه حتى يقف على قدميه مجددا