المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الأدباء في الدولة العباسية  
  
1720   02:59 صباحاً   التاريخ: 24-03-2015
المؤلف : جرجي زيدان
الكتاب أو المصدر : تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة : ج1، ص400-402
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر العباسي /

ظلت الرغبة في اللغة وأدبها متصلة بالدولة العباسية ولا سيما في عصرها الأول، لرغبة خلفائها الاولين ووزرائها البرامكة في العلم والادب والشعر. ولم تكن رغبتهم قاصرة على الشعر، ولكنهم نشطوا الأدب على الاجمال واستقدموا الادباء من الكوفة والبصرة للسماع او لتعليم ابنائهم اللغة والنحو والشعر. فالمنصور استقدم شرقي القطاعي ليعلم ابنه المهدي الأدب والنسب (1) فشب المهدي على حب الأدب والادباء فألف له المفضل الضبي المفضليات. وكثيرا ما كان يعقد المجالس للمناظرات بين الادباء في النحو او اللغة يحضرها الكسائي واليزيدي وغيرهما (2) ثم عهد الى الكسائي بتعليم ابنه هارون (الرشيد) في حديث لطيف يدل على عناية المهدي باللغة (3).

فلما صارت الخلافة الى الرشيد نشأ على احترام استاذه حتى كان يجلسه على كرسي في حضرته، ويأمره الا ينزعج لهيضته (4) وعهد إليه بتعليم ابنه الامين. وكان الرشيد شديد الرغبة في سماع مناظرات الادباء، فكان يعقد المجالس للمناظرات بين الاصمعي وأبي عبيدة (5) او يدعو أحد الرواة إذا ارق او ضجر ليقض عليه اخبار العرب.. فاذا سره حديثه أجزل عطاءه وابلغه الى مائة ألف درهم او نحوها فضلا عن الهدايا وغيرها، (6) وقد يجادله او ينتقده مما يشف عن علم ومعرفة (7). وكان الرشيد يحب ان يكون محاطا بالأدباء والشعراء حتى في دار النساء. فكان يؤثر الجواري المتعلمات ويعرضهن على الاصمعي او غيره ليمتحنهن ويعلم درجة معارفهن (8). واعتبر ذلك أيضاً في الوزراء والامراء، فالبرامكة تنشيطهم للأدب أشهر من ان يذكر. والفضل ابن الربيع فاضل بين الاصمعي وأبي عبيدة، (9) اما الامراء فكانوا يقتدون بالخلفاء في تقريب أهل الأدب.

وكان العرب في الصدر الأول مشتغلين عن الأدب بالسياسة او الشعر او الخطابة، وهم في غنى عن الاستشهاد في ضبط كلامهم او قراءتهم لاستغنائهم بملكتهم الفطرية عن تعلم القواعد وحفظ الألفاظ. وكان الاعاجم الذين دخلوا الإسلام من أهل فارس والعراق وخراسان بالولاء او بالخدمة يفتقرون في تعلم العربية الى قواعد وشواهد لأنها ليست لغتهم. واكثرهم مع ذلك أهل فاقة يلتمسون الرزق، فتوافدوا للاشتغال بالأدب على البصرة والكوفة لانهما على حدود البادية او هما واسطة الاتصال بين الحضارة والبداوة. وزاد توافدهم في الدولة العباسية لأنها جعلت قصبتها في العراق على مقربة من هذين البلدين، وفيهما جماعة كبيرة من قبائل العرب نزلوهما

في صدر الإسلام وانزلوا مواليهم معهم.. فنبغ من هؤلاء الموالي طائفة من الادباء كان لهم فضل كبير على آداب اللغة واكثرهم من موالي بني اسد النازلين بجوار الكوفة وغيرهم بجوار البصرة.

فمن أولئك الادباء جماعة اشتغلوا بجمع الاشعار والاخبار والامثال ونحوها، وسموا الرواة لأنهم يروون ما سموه. وكانوا يأخذون ذلك عن عرب البادية الذين لم يخالط لسانهم العجمة ممن كانت قريش تتخير الفاظهم واساليبهم. وأكثر ما نقلوه عن قبائل قيس وتميم واسد والثقات من الرواة. ثم قبيلة هذيل وبعض كنانة وبعض طيئ. ولم يأخذوا شيئا من الحضر ولا من البدو المجاورين، فلم يأخذوا من الخم وجذام لمجاورتها أهل مصر، ولا من قضاعة وغسان واياد لمجاورتهم أهل الشام واكثرهم نصارى يقرأون العبرانية والسريانية، ولا من بكر لمجاورتهم النبط والفرس، ولا من عبد القيس والأزد وعمان لانهم كانوا بالبحرين يخالطون الهند والفرس، ولا من أهل اليمن لمخالطتهم الهند والحبشة، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجار اليمن، ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب وقد خالطوا غيرهم من الامم وفسدت السنتهم.

فأهل البصرة والكوفة هم رواة اللغة وواضعو أساس آدابها وعلومها. كانوا يركبون في طلب ذلك الى البادية، يحادثون العرب ويستطلعون اخبارهم واشعارهم ويعودون بها الى البصرة. وكان اولئك العرب في أول الامر لا يرون بأساً من املاء ما يعرفونه ولا يطلبون عن ذلك اجراً. ثم علموا ان الرواة يرتزقون بما يأخذونه عنهم فصاروا يطلبون به مالا. ثم صار الفصحاء من العرب يتوافدون هم أنفسهم على البصرة يقيمون فيها او في ضواحيها، تخفيفا لمشاق الرحلة على الرواة وتسابقا الى التكسب من املاء ما يعرفونه من اللغة او الشعر. وربما كان الراوي لا يكتفي بالأخذ عن الوافدين فيرحل الى البادية ليأخذ عن اهلها. بدأوا بذلك من اواخر العصر الاموي وتكاثر الرواة والوافدين في الدولة العباسية الى البصرة وبغداد. وكان أكثر وفودهم في العصر العباسي الاول اولا الى البصرة، فأصبحت غاصة بالأدباء والرواة والشعراء والفصحاء وغيرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) طبقات 

(2) الأغاني ج18 

(3) طبقات الادباء

(4) المزهر ج2

(5) طبقات الادباء 

(6) طبقات الادباء 

(7) ابن خلدون ج1

(8) طبقات الادباء

(9)  طبقات الادباء

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.