المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



تفسير آية (38-40) من سورة التوبة  
  
9284   12:57 صباحاً   التاريخ: 7-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 38 - 40] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة : 38-39] .

ثم عاتب سبحانه المؤمنين في التثاقل عن الجهاد ، فقال : {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم} أي : إذا دعاكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لكم {انفروا في سبيل الله} أي : اخرجوا إلى مجاهدة المشركين ، وهو ههنا {غزوة تبوك} ، عن الحسن ، ومجاهد {اثاقلتم إلى الأرض} أي : تثاقلتم وملتم إلى الإقامة في الأرض التي أنتم عليها . قال الجبائي : هذا الاستبطاء مخصوص بنفر من المؤمنين ، لأن جميعهم لم يتثاقلوا عن الجهاد ، فهو عموم أريد به الخصوص بدليل {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} هذا استفهام يراد به الانكار ، ومعناه : آثرتم الحياة الدنيا الفانية على الحياة في الآخرة الباقية في النعيم الدائم {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} أي : فما فوائد الدنيا ومقاصدها في فوائد الآخرة ومقاصدها إلا قليل ، لانقطاع هذه ، ودوام تلك .

ثم عقبه سبحانه بالتهديد والوعيد فقال : {إلا تنفروا يعذبكم الله عذابا أليما} ومعناه : إن لا تخرجوا إلى القتال الذي دعاكم إليه الرسول ، وتقعدوا عنه ، يعذبكم الله عذابا أليما مؤلما في الآخرة . وقيل : في الدنيا {ويستبدل} بكم {قوما غيركم} لا يتخلفون عن الجهاد . وقيل : هم أبناء فارس ، عن سعيد بن جبير . وقيل : هم أهل اليمن ، عن أبي روق . وقيل : هم الذين أسلموا بعد نزول هذه الآية ، عن الجبائي {ولا تضروه شيئا} أي : ولا تضروا الله بهذا القعود شيئا ، لأنه غني لنفسه ، لا يحتاج إلى شئ ، عن الحسن ، وأبي علي . وقيل : معناه ولا تضروا الرسول شيئا ، لأن الله عصمه من جميع الناس ، وينصره بالملائكة ، أو بقوم آخرين من المؤمنين . {والله على كل شئ قدير} فهو القادر على الاستبدال بكم ، وعلى غير ذلك من الأشياء . قال الزجاج : وهذا وعيد شديد في التخلف عن الجهاد .

- {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 40] .

ثم أعلمهم الله سبحانه ، أنهم إن تركوا نصرة رسوله ، لم يضره ذلك شيئا ، كما لم يضره قلة ناصريه ، حين كان بمكة ، وهم به الكفار ، فتولى الله نصره فقال : {إلا تنصروه فقد نصره الله} معناه : إن لم تنصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، على قتال العدو ، فقد فعل الله به النصر {إذ أخرجه الذين كفروا} من مكة ، فخرج يريد المدينة {ثاني اثنين} يعني أنه كان هو وأبو بكر {إذ هما في الغار} ليس معهما ثالث أي : وهو أحد اثنين ، ومعناه فقد نصره الله منفردا من كل شيء ، إلا من أبي بكر ، والغار : الثقب العظيم في الجبل ، وأراد به هنا (غار ثور) وهو جبل بمكة {إذ يقول لصاحبه} أي : إذ يقول الرسول لأبي بكر {لا تحزن} أي : لا تخف {إن الله معنا} يريد أنه مطلع علينا ، عالم بحالنا ، فهو يحفظنا وينصرنا .

قال الزهري : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبو بكر الغار ، أرسل الله زوجا من حمام ، حتى باضا في أسفل الثقب ، والعنكبوت حتى تنسج بيتا ، فلما جاء سراقة بن مالك في طلبهما ، فرأى بيض الحمام ، وبيت العنكبوت ، قال : لو دخله أحد لانكسر البيض ، وتفسخ بيت العنكبوت ، فانصرف .

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم أعم أبصارهم ! فعميت أبصارهم عن دخوله ، وجعلوا يضربون يمينا وشمالا حول الغار ، وقال أبو بكر لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا .

وروى علي بن إبراهيم بن هاشم قال : كان رجل من خزاعة فيهم ، يقال له أبو كرز ، فما زال يقفو أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى وقف بهم باب الغار ، فقال لهم : هذه قدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، هي والله أخت القدم التي في المقام ، وقال : هذه قدم أبي قحافة ، أو ابنه وقال : ما جازوا هذا المكان ، إما أن يكونوا قد صعدوا في السماء ، أو دخلوا في الأرض . وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس ، فوقف على باب الغار ، ونزل رجل من قريش ، فبال على باب الغار ، فقال أبو بكر : قد أبصرونا يا رسول الله؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم .

{فأنزل الله سكينته عليه} يعني : على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أي : ألقى في قلبه ما سكن به ، وعلم أنهم غير واصلين إليه ، عن الزجاج {وأيده} أي : قواه ونصره {بجنود لم تروها} أي : بملائكة يضربون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه ، عن الزجاج . وقيل : معناه قواه بملائكة يدعون الله تعالى له ، عن ابن عباس . وقيل :

معناه وأعانه بالملائكة يوم بدر ، وأخبر الله سبحانه أنه صرف عنه كيد أعدائه ، وهو في الغار ، ثم أظهر نصره بالملائكة يوم بدر ، عن مجاهد ، والكلبي . وقال بعضهم يجوز أن تكون الهاء التي في {عليه} ، راجعة إلى أبي بكر ، وهذا بعيد لأن الضمائر قبل هذا وبعده تعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بلا خلاف وذلك في قوله : {إلا تنصروه فقد نصره الله} ، وفي قوله : {إذ أخرجه} ، وقوله : {لصاحبه} وقوله ، فيما بعد : {وأيده} فكيف يتخللها ضمير عائد إلى غيره ، هذا وقد قال سبحانه في هذه السورة : {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} وقال في سورة الفتح : {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} وقد ذكرت الشيعة في تخصيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، في هذه الآية بالسكينة ، كلاما رأينا الإضراب عن ذكره أحرى ، لئلا ينسبنا ناسب إلى شيء .

{وجعل كلمة الذين كفروا السفلى} معناه أن الله سبحانه جعل كلمتهم نازلة دنية ، وأراد به أنه سفل وعيدهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتخويفهم إياه ، وأبطله بأن نصره عليهم ، فعبر عن ذلك بأنه جعل كلمتهم السفلى ، لا أنه خلق كلمتهم {وكلمة الله هي العليا} أي : هي المرتفعة المنصورة بغير جعل جاعل ، لأنها لا يجوز إن تدعو إلى خلاف الحكمة . وقيل : إن كلمة الكفار كلمة الشرك ، وكلمة الله هي كلمة التوحيد ، وهي قوله {لا إله إلا الله} فمعناه : جعل كلمة الكفار السفلى ، بأن جعلهم أذلة أسفلين ، وأعلى كلمة الله ، بأن أعز الاسلام والمسلمين {والله عزيز} في انتقامه من أهل الشرك {حكيم} في تدبيره .

_____________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 55- 58.

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ } . ولما استنفر النبي ( صلى الله عليه وآله ) المسلمين لغزوة تبوك شق ذلك على البعض منهم ، وآثروا الميل إلى الخلود والإقامة في أرضهم وبيوتهم ، وكان من عادة النبي إذا خرج إلى غزوة أن يوهم الناس انه خارج إلى غيرها لمصلحة الحرب التي تستدعي الكتمان . . ولكنه صرح بهذه الغزوة ليكون الناس على بصيرة مما يلاقيه فيها من المشاق والمصاعب ، واعتذر بعض المفسرين عمن تباطأ وتثاقل بأن الوقت كان شديد الحرارة ، والناس في ضيق من قلة الطعام ، وبأن ثمار المدينة كان قد تم صلاحها ، وآن وقت قطافها . . ومهما يكن ، فإن الخطاب - بطبيعة الحال - موجه إلى المتثاقلين عن الجهاد ، وقد عاتبهم اللَّه بقوله : { أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } . أي هل يليق بإيمانكم وعقولكم أن تؤثروا نعيم الدنيا الحقير الزائل على نعيم الآخرة العظيم الدائم ؟ .

{ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ويَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ولا تَضُرُّوهُ شَيْئاً } .

( الا ) مركبة من أن الشرطية ، ولا النافية . والمعنى ان لم تستجيبوا لدعوة النبي والخروج معه إلى قتال الروم فإن اللَّه ينزل بكم العذاب الأليم أيها المتثاقلون والمنافقون ، وينصر نبيه بأيدي غيركم ، ولا يضر اللَّه ورسوله تباطؤ المتثاقلين ولا نفاق المنافقين ( واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لا يعجزه عقابكم ، ولا نصرة دينه ونبيه بأصحاب خير منكم .

{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } . يشير إلى حادثة المكر والمؤامرة التي دبرها كفار قريش لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو نائم في فراشه ، وإلى نجاته منهم بمبيت عليّ في مكانه ، وهجرته من مكة إلى المدينة بعد أن أطلعه اللَّه على كيدهم ومكرهم . . وتكلمنا عن ذلك عند تفسير الآية 30 من سورة الأنفال . { ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهً مَعَنا } .

المراد بثاني اثنين والصاحب ، أبو بكر ، لأنه كان مع النبي في هجرته ، وقد اختبآ معا من المشركين في غار جبل ثور . قال الرازي : « لما طلب المشركون الأثر وقربوا من الغار بكى أبو بكر خوفا على النبي ، فقال له : لا تحزن إن اللَّه معنا . فقال أبو بكر : إن اللَّه معنا . فقال الرسول : نعم » .

{ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها } . قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره ( النهر المارد من البحر ) : « قال ابن عباس : السكينة الرحمة والوقار .

والضمير في عليه عائد على رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) ، إذ هو المحدث عنه » ويتفق هذا مع قول شيخ الأزهر المراغي ، حيث قال في تفسيره ما نصه بالحرف : « أي فأنزل اللَّه طمأنينته التي يسكن عندها القلب على رسوله ، وقوّاه بجنود من عنده وهم الملائكة » . وأيضا يتفق مع سياق الآية لأن الضمائر في نصره وأخرجه وأيده كلها تعود إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) . { وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى ، وكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا } . كلمة اللَّه هي التوحيد ، وكلمة الذين كفروا هي الشرك والكفر .

{ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وقد اقتضت حكمته أن ينصر نبيه بعزته ، ويظهر دينه على جميع الأديان .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 44-45 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض﴾ الآية اثاقلتم أصله تثاقلتم على وزان اداركوا وغيره ، وكأنه أشرب معنى الميل ونحوه فعدي بإلى وقيل : اثاقلتم إلى الأرض أي ملتم إلى الأرض متثاقلين أو تثاقلتم مائلين إلى الأرض والمراد بالنفر في سبيل الله الخروج إلى الجهاد .

وقوله : ﴿أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة﴾ كان الرضا أشرب معنى القناعة فعدي بمن كما يقال : رضيت من المال بطيبه ، ورضيت من القوم بخلة فلان ، وعلى هذا ففي الكلام نوع من العناية المجازية كأن الحياة الدنيا نوع حقير من الحياة الآخرة قنعوا بها منها ، ويشعر بذلك قوله بعده : ﴿فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل﴾ .

فمعنى الآية : يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قال لكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - لم يصرح باسمه صونا وتعظيما - اخرجوا إلى الجهاد أبطأتم كأنكم لا تريدون الخروج أقنعتم بالحياة الدنيا راضين بها من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا بالنسبة إلى الحياة الآخرة إلا قليل .

وفي الآية وما يتلوها عتاب شديد للمؤمنين وتهديد عنيف وهي تقبل الانطباق على غزوة تبوك كما ورد ذلك في أسباب النزول .

قوله تعالى : ﴿إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم﴾ إلى آخر الآية العذاب الذي أنذروا به مطلق غير مقيد فلا وجه لتخصيصه بعذاب الآخرة بل هو على إبهامه ، وربما أيد السياق كون المراد به عذاب الدنيا أو عذاب الدنيا والآخرة جميعا .

وقوله : ﴿يستبدل قوما غيركم﴾ أي يستبدل بكم قوما غيركم لا يتثاقلون في امتثال أوامر الله والنفر في سبيل الله إذا قيل لهم : انفروا ، والدليل على هذا المعنى قرينة المقام .

وقوله : ﴿ولا تضروه شيئا﴾ إشارة إلى هوان أمرهم على الله سبحانه لو أراد أن يذهب بهم ويأتي بآخرين فإن الله لا ينتفع بهم بل نفعهم لأنفسهم فضررهم على أنفسهم ، وقوله : ﴿والله على كل شيء قدير﴾ تعليل لقوله : ﴿يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم﴾ .

قوله تعالى : ﴿إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار﴾ ثاني اثنين أي أحدهما ، والغار الثقبة العظيمة في الجبل ، والمراد به غار جبل ثور قرب مني وهو غير غار حراء الذي ربما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يأوي إليه قبل البعثة للأخبار المستفيضة ، والمراد بصاحبه هو أبو بكر للنقل القطعي .

وقوله : ﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا﴾ أي لا تحزن خوفا مما تشاهده من الوحدة والغربة وفقد الناصر وتظاهر الأعداء وتعقيبهم إياي فإن الله سبحانه معنا ينصرني عليهم .

وقوله : ﴿فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها﴾ أي أنزل الله سكينته على رسوله وأيد رسوله بجنود لم تروها يصرفون القوم عنهم بوجوه من الصرف بجميع العوامل التي عملت في انصراف القوم عن دخول الغار والظفر به (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد روي في ذلك أشياء ستأتي في البحث الروائي إن شاء الله تعالى .

والدليل على رجوع الضمير في قوله : ﴿فأنزل الله سكينته عليه﴾ إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولا : رجوع الضمائر التي قبله وبعده إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) كقوله : ﴿إلا تنصروه﴾ و ﴿نصره﴾ و ﴿أخرجه﴾ و ﴿يقول﴾ و ﴿لصاحبه﴾ و ﴿أيده﴾ فلا سبيل إلى رجوع ضمير ﴿عليه﴾ من بينها وحده إلى غيره من غير قرينة قاطعة تدل عليه .

وثانيا : أن الكلام في الآية مسوق لبيان نصر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث لم يكن معه أحد ممن يتمكن من نصرته إذ يقول تعالى : ﴿إلا تنصروه فقد نصره الله إذ﴾ الآية وإنزال السكينة والتقوية بالجنود من النصر فذاك له (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة .

ويدل على ذلك تكرار ﴿إذ﴾ وذكرها في الآية ثلاث مرات كل منها بيان لما قبله بوجه فقوله ﴿إذ أخرجه الذين كفروا﴾ بيان لوقت قوله : ﴿فقد نصره الله﴾ وقوله : ﴿إذ هما في الغار﴾ بيان لتشخيص الحال الذي هو قوله : ﴿ثاني اثنين﴾ وقوله : ﴿إذ يقول لصاحبه﴾ بيان لتشخيص الوقت الذي يدل عليه قوله : ﴿إذ هما في الغار﴾ .

وثالثا : أن الآية تجري في سياق واحد حتى يقول : ﴿وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا﴾ ولا ريب أنه بيان لما قبله ، وأن المراد بكلمة الذين كفروا هي ما قضوا به في دار الندوة وعزموا عليه من قتله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإطفاء نور الله ، وبكلمة الله هي ما وعده من نصره وإتمام نوره ، وكيف يجوز أن يفرق بين البيان والمبين وجعل البيان راجعا إلى نصره تعالى إياه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والمبين راجعا إلى نصره غيره .

فمعنى الآية : إن لم تنصروه أنتم أيها المؤمنون فقد أظهر الله نصره إياه في وقت لم يكن له أحد ينصره ويدفع عنه وقد تظاهرت عليه الأعداء وأحاطوا به من كل جهة وذلك إذ هم المشركون به وعزموا على قتله فاضطر إلى الخروج من مكة في حال لم يكن إلا أحد رجلين اثنين ، وذلك إذ هما في الغار إذ يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لصاحبه وهو أبو بكر : لا تحزن مما تشاهده من الحال إن الله معنا بيده النصر فنصره الله .

حيث أنزل سكينته عليه وأيده بجنود غائبة عن أبصاركم ، وجعل كلمة الذين كفروا - وهي قضاؤهم بوجوب قتله وعزيمتهم عليه - كلمة مغلوبة غير نافذة ولا مؤثرة ، وكلمة الله - وهي الوعد بالنصر وإظهار الدين وإتمام النور - هي العليا العالية القاهرة والله عزيز لا يغلب حكيم لا يجهل ولا يغلط في ما شاءه وفعله .

وقد تبين مما تقدم أولا أن قوله : ﴿فأنزل الله سكينته عليه﴾ متفرع على قوله : ﴿فقد نصره الله﴾ في عين أنه متفرع على قوله : ﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن﴾ فإن الظرف ظرف للنصرة على ما تقدم ، والكلام مسوق لبيان نصره تعالى إياه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا غيره فالتفريع تفريع على الظرف بمظروفه الذي هو قوله : ﴿فقد نصره الله﴾ لا على قوله : ﴿يقول لصاحبه لا تحزن﴾ .

وربما استدل لذلك بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل على سكينة من ربه فإنزال السكينة في هذا الظرف خاصة يكشف عن نزوله على صاحبه .

ويدفعه أولا قوله تعالى : ﴿ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين﴾ في قصة حنين ، والقول بأن نفسه الشريفة اضطربت بعض الاضطراب في وقعة حنين فناسب نزول السكينة بخلاف الحال في الغار .

يدفعه أنه من الافتعال بغير علم فالآية لا تذكر منه (صلى الله عليه وآله وسلم) حزنا ولا اضطرابا ولا غير ذلك إلا ما تذكر من فرار المؤمنين .

على أنه يبطل أصل الاستدلال أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل على سكينة من ربه لا يتجدد له شيء منها فكيف جاز له أن يضطرب في حنين فتنزل عليه سكينة جديدة اللهم إلا أن يريدوا به أنه لم يزل في الغار كذلك .

ونظيرتها الآية الناطقة بنزول السكينة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى المؤمنين في سورة الفتح : ﴿إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين﴾ [الفتح : 26] .

ويدفعه ثانيا : لزوم تفرع قوله : ﴿وأيده بجنود لم تروها﴾ على أثر تفرع قوله : ﴿فأنزل الله سكينته عليه﴾ لأنهما في سياق واحد ، ولازمه عدم رجوع التأييد بالجنود إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) أو التفكيك في السياق الواحد من غير مجوز يجوزه .

وربما التزم بعضهم - فرارا من شناعة لزوم التفكيك - أن الضمير في قوله تعالى : ﴿وأيده﴾ أيضا راجع إلى صاحبه ، ولازمه كون إنزال السكينة والتأييد بالجنود عائدين إلى أبي بكر دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وربما أيده بعض آخر بأن الوقائع التي تذكر الآيات فيها نزول جنود لم يروها كوقعة حنين والأحزاب وكذا نزول الملائكة لوقعة بدر وإن لم تذكر نزولهم على المؤمنين ولم تصرح بتأييدهم بهم لكنهم حيث كانوا إنما نزلوا للنصر وفيه نصر المؤمنين وإمدادهم فلا مانع من القول بأن الجنود التي لم يروها إنما أيدت أبا بكر ، وتأييدهم المؤمنين جميعا أو أبا بكر خاصة تأييد منهم في الحقيقة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

والأولى على هذا البيان أن يجعل الفرع الثالث الذي هو قوله : ﴿وجعل كلمة الذين كفروا السفلى﴾ الآية مترتبا على ما تقدمه من الفرعين لئلا يلزم التفكيك في السياق .

ولا يخفى عليك أن هذا الذي التزموا به يخرج الآية عن مستقر معناها الوحداني إلى معنى متهافت الأطراف يدفع آخره أوله ، وينقض ذيله صدره فقد بدئت الآية بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكرم على الله وأعز من أن يستذله ويحوجه إلى نصرة هؤلاء بل هو تعالى وليه القائم بنصره حيث لم يكن أحد من هؤلاء الحافين حوله المتبعين أثره ثم إذا شرعت في بيان نصره تعالى إياه بين نصره غيره بإنزال السكينة عليه وتأييده بجنود لم يروها إلى آخر الآية .

هب أن نصره تعالى بعض المؤمنين به (صلى الله عليه وآله وسلم) أو جميعهم نصر منه له بالحقيقة لكن الآية في مساق يدفعه البتة فإن الآية السابقة يجمع المؤمنين في خطاب واحد - يا أيها الذين آمنوا - ويعاتبهم ويهددهم على التثاقل عن إجابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ما أمرهم به من النفر في سبيل الله والخروج إلى الجهاد ثم الآية الثانية تهددهم بالعذاب والاستبدال إن لم ينفروا وتبين لهم أن الله ورسوله في غنى عنهم ولا يضرونه شيئا ، ثم الآية الثالثة توضح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غنى عن نصرهم لأن ربه هو وليه الناصر له ، وقد نصره حيث لم يكن لأحد منهم صنع فيه وهو نصره إياه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا .

ومن البين الذي لا مرية فيه أن مقتضى هذا المقام بيان نصره (صلى الله عليه وآله وسلم) الخاص به المتعلق بشخصه من الله سبحانه خاصة من دون صنع لأحد من المؤمنين في ذلك لا بيان نصره إياه بالمؤمنين أو ببعضهم وقد جمعهم في خطاب المعاتبة ، ولا بيان نصره بعض المؤمنين به ممن كان معه .

ولا أن المقام مقام يصلح لأن يشار بقوله : ﴿إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين﴾ إشارة إجمالية إلى نصره العزيز لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يؤخذ في تفصيل ما خص به صاحبه من الخصيصة بإنزال السكينة والتأييد بالجنود فإن المقام على ما تبين لك يأبى ذلك .

ويدفعه ثالثا : أن فيه غفلة عن حقيقة معنى السكينة وقد تقدم الكلام فيها في ذيل قوله تعالى : ﴿ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين﴾ [الآية : 26] من السورة .

والأمر الثاني : أن المراد بتأييده (صلى الله عليه وآله وسلم) بجنود لم يروها تأييده بذلك يومئذ على ما يفيده السياق ، وأما قول بعضهم : إن المراد به ما أيده بالجنود يوم الأحزاب ويوم حنين على ما نطقت به الآيات فمما لا دليل عليه من اللفظ البتة .

والأمر الثالث : أن المراد بالكلمة في قوله : ﴿وجعل كلمة الذين كفروا السفلى﴾ ، هو ما قضوا به في دار الندوة وعزموا عليه من قتله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإبطال دعوته الحقة بذلك ، وبقوله : ﴿وكلمة الله هي العليا﴾ هو ما وعد الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من النصر وإظهار دينه على الدين كله .

وذلك أن هذه الآية بما تتضمنه من قوله : ﴿فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا﴾ تشير إلى ما يقصه قوله تعالى : ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ [الأنفال : 30] ، والذي في ذيل الآية من إبطال كلمتهم وإحقاق الكلمة الإلهية مرتبط بما في صدر الآية من حديث الإخراج أي الاضطرار إلى الخروج لا محالة ، والذي اضطره (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الخروج هو عزمهم على قتله حسب ما اتفقوا عليه من القضاء بقتله فهذه هي الكلمة التي أبطلها الله سبحانه وجعلها السفلى وتقابلها كلمة الله وليست إلا النصر والإظهار .

ومن هنا يظهر أن قول بعضهم إن المراد بكلمة الذين كفروا الشرك والكفر ، وبكلمة الله تعالى التوحيد والإيمان غير سديد فإن الشرك وإن كان كلمة لهم ، والتوحيد كلمة لله لكنه لا يستلزم كونهما المرادين كلما ذكرت الكلمتان حتى مع وجود القرينة على الخلاف .

___________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 232- 236 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة : 38-39] .

شأن نزول الآتين نزلتا في غزوة «تبوك» ، وتبوك منطقة بين المدينة والشام ، وتعدّ الآن من حدود الحجاز ، وكانت آنئذ على مقربة من أرض الروم الشرقية المتسلطة على الشامات . «2» وقد حدثت هذه الواقعة في السنة التاسعة للهجرة ، أي بعد سنة من فتح مكّة تقريبا .

وبما أن المواجهة في هذا الميدان كانت مواجهة لإحدى الدول الكبرى في ذلك العصر ، لا مواجهة لإحدى القبائل العربية ، فقد كان جماعة من المسلمين قلقين مشفقين من المساهمة والحضور في هذه المواجهة ، ولذلك فقد كانت الأرضية مهيأة لوساوس المنافقين وبذر السموم ، فلم يألوا جهدا في إضعاف‏ المعنويات وإحباط المؤمنين أبدا . فقد كان الموسم موسم اقتطاف الثمار وجمع المحاصيل الزراعية ، وكان هذا الموسم للمزارعين يعدّ فصلا مصيريا ، إذ فيه رفاه سنتهم هذا من جهة .

ومن جهة أخرى ، فإنّ بعد المسافة وحرارة الجوّ- كما أشرنا آنفا- كلّ ذلك كان من العوامل المثبطة للمسلمين في حركتهم نحو مواجهة الأعداء .

فنزل الوحي ليشدّ من أزر الناس ، والآيات تترى الواحدة بعد الأخرى لإزالة الموانع والأسباب المثبطة .

ففي الآية الأولى- من الآيتين محل البحث- يدعو القرآن المسلمين الى الجهاد بلسان الترغيب تارة وبالعتاب تارة أخرى وبالتهديد ثالثة فهو يدعوهم ويهيؤهم الى الجهاد ، ويدخل إليهم من كل باب .

إذ تقول الآية : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}‏ .

«اثّاقلتم» فعل مشتق من الثقل ، ومعناه واضح إذ هو خلاف «الخفيف» وجملة «اثاقلتم» كناية عن الرغبة في البقاء في الوطن وعدم التحرك نحو سوح الجهاد ، أو الرغبة في عالم المادة واللصوق بزخارفها والانشداد نحو الدنيا ، وعلى كل حال فالآية تخاطب من كان كذلك من المسلمين- ضعاف الإيمان- لا جميعهم ، ولا المسلمين الصادقين وعاشقي الجهاد في سبيل اللّه .

ثمّ تقول الآية مخاطبة إيّاهم بلهجة الملامة : {أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} .

فكيف يتسنى للإنسان العاقل أن يساوم مساومة الخسران ، وكيف يعوّض متاعا غاليا لا يزول بمتاع زائل لا يعد شيئا ؟! ثمّ تتجاوز الآية مرحلة الملامة والعتاب الى لهجة أشدّ وأسلوب تهديديّ جديد ، فتقول : {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً} .

فإذا كنتم تتصورون أنّكم إذا توليتم وأعرضتم عن الذهاب الى سوح الجهاد ، فإنّ عجلة الإسلام ستتوقف وينطفئ نور الإسلام ، فأنتم في غاية الخطأ واللّه غني عنكم‏ {ويَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ‏} قوما أفضل منكم من كل جهة ، لا من حيث الشخصيّة فحسب ، بل من حيث الإيمان والإرادة والشهامة والاستجابة والطاعة {ولا تَضُرُّوهُ شَيْئاً} .

وهذه حقيقة وليست ضربا من الخيال أو أمنية بعيدة المدى ، فاللّه عزيز حكيم‏ {واللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ} .

 

- {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 40] .

المدد الإلهي للرّسول في أشد اللحظات :

كان الكلام في الآيات المتقدمة عن موضوع الجهاد ومواجهة العدوّ ، وكما أشرنا فقد جاء الكلام عن الجهاد مؤكّدا بعدّة طرق ، من ضمنها أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أنّكم إذا تقاعستم من الجهاد ونصرة النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فستذهب دعوته والإسلام أدراج الرياح .

فالآية محل البحث تعقّب على ما سبق لتقول : {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ‏} . «3»

وكان ذلك عند ما تآمر مشركو مكّة على اغتيال النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وقتله ، وقد مرّ بيان ذلك في ذيل الآية (30) من سورة الأنفال بالتفصيل ، حيث قرّروا بعد مداولات كثيرة أن يختاروا من كل قبيلة من قبائل العرب رجلا مسلّحا ويحاصروا دار النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ليلا ، وأن يهجموا عليه الغداة ويحملوا عليه حملة رجل واحد فيقطعوه بسيوفهم .

ولكن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم اطّلع- بأمر اللّه- على هذه المكيدة ، فتهيأ للخروج من (مكّة) والهجرة إلى (المدينة) إلّا أنّه توجه نحو (غار ثور) الذي يقع جنوب مكّة وفي الجهة المخالفة لجادة المدينة واختبأ فيه ، وكان معه (أبو بكر) في هجرته هذه .

وقد سعى الأعداء سعيا حثيثا للعثور على النّبي ، إلّا أنّهم عادوا آيسين ، وبعد ثلاثة أيّام من اختباء النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وصاحبه في الغار واطمئنانه من رجوع العدوّ توجه ليلا نحو المدينة (في غير الطريق المطرّق) وبعد بضعة أيّام وصل صلى اللّه عليه وآله وسلّم المدينة سالما ، وبدأت مرحلة جديدة من تأريخ الإسلام هناك .

فالآية آنفة الذكر تشير إلى أشدّ اللحظات حرجا في هذا السفر التاريخي ، فتقول : {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وبالطبع فإنّهم لم يريدوا إخراجه بل أرادوا قتله ، لكن لما كانت نتيجة المؤامرة خروج النّبي من مكّة فرارا منهم ، فقد نسبت الآية إخراجه إليهم .

ثمّ تقول : كان ذلك في حال هو {ثانِيَ اثْنَيْنِ} .

وهذا التعبير إشارة إلى أنّه لم يكن معه في هذا السفر الشاق إلّا رجل واحد ، وهو أبو بكر {إِذْ هُما فِي الْغارِ} أي غار ثور ، فاضطرب أبو بكر وحزن فأخذ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم يسرّي عنه ، وكما تقول الآية : {إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها} .

ولعل هذه الجنود الغيبيّة هي الملائكة التي حفظت النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم في سفره الشاق المخيف ، أو الملائكة التي نصرته في معركتي بدر وحنين وأضرابهما .

{وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‏ وكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا} .

وهي إشارة إلى أنّ مؤامراتهم قد باءت بالخيبة والفشل وحبطت أعمالهم وآراؤهم ، وشعّ نور اللّه في كل مكان ، وكان الإنتصار في كل موطن حليف محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، ولم لا يكون الأمر كذلك‏ {واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏} ؟

فبعزته وقدرته نصر نبيّه ، وبحكمته أرشده سبل الخير والتوفيق والنجاح .

________________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 236- 240 .

2. الفاصلة بين تبوك والمدينة 610 كم والفاصلة بينها وبين الشام 692 كم .

3. في هذه الجملة حذف من الناحية الأدبية ، وكانت الجملة في الأصل: إن لا تنصروه ينصره اللّه . لأنّ الفعل الماضي‏ الذي يدل (مفهومه) على وقوعه في الماضي أيضا ، لا يمكن أن يقع جزاء للشرط إلّا أن يكون الفعل الماضي بمعنى المضارع !




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .