أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-03-2015
1882
التاريخ: 4-03-2015
1804
التاريخ: 4-03-2015
3239
التاريخ: 4-03-2015
9346
|
ومما يجب ان يسقط من النحو : العلل الثواني والثوالث(1) ، وذلك مثل سؤال السائل عن (زيد) من قولنا : (قام زيدٌ) لم رفع ؟ فيقال : لأنه فاعل ، وكل فاعل مرفوع . فيقول : ولم رفع الفاعل ؟ فالصواب أن يقال له: كذا نطقت به العرب (2) ، ثبت ذلك بالاستقراء من الكلام ، ولا فرق بينه وبين من عرف ان شيئاً حرامٌ بالنص ، ولا يحتاج فيه الى استنباط علة لينقل حكمه الى غيره ، فسأل : لم حرم ؟ فإن الجواب على ذلك غير واجب على الفقيه .
ص241
ولو اجبنا السائل عن سؤاله بأن نقول له : للفرق بين الفاعل والمفعول فلم يقنعه ، وقال: فلم لم تعكس القضية بنصب الفاعل ورفع المفعول ؟ قلنا له : لأن الفاعل قليل ؛ لأنه لا يكون للفعل الا فاعل واحد والمفعولات كثيرة ، فأعطي الأثقل ـ الذي هو الرفع ـ للفاعل، وأعطي الأخف ـ الذي هو النصب ـ للمفعول ، لأن الفاعل واحدٌ والمفعولات كثيرة ؛ ليقل في كلامهم ما يستثقلون ، ويكثر في كلامهم ما يستخفون ، فلا يزيدنا ذلك علماً بأن الفاعل مرفوع ، ولو جهلنا ذلك لم يضرنا جهله ، إذ قد صح عندنا رفع الفاعل الذي هو مطلوبنا باستقراء المتواتر الذي يوقع العلم .
وهذه العلل الثواني على ثلاثة أقسام : قسم مقطوع به ، وقسم فيه إقناع ، وقسم مقطوع بفساده . وهذه الأقسام موجودة في كتب النحويين .
والفرق بين العلل الأول والعلل الثواني ، أن العلل الأول بمعرفتها تحصل لنا المعرفة بالنطق بكلام العرب المدرك منه بنظر .. والعلل الثواني هي المستغني عنها في ذلك ، ولا تفيدنا إلا أن العرب أمة حكيمة ، وذلك في بعض المواضع .
فمثال المقطوع به قول القائل : كل ساكنين التقيا في الوصل ، وليس أحدهما حرف لين، فإن أحدهما يحرك ، سواء كانا من كلمتين أو من كلمة واحدة ، مثل قولنا : " أكرم القوم " ، وقال تعالى (قم الليل) وقال تعالى (واذكر اسم ربك) . ويقال : مدَ ، ومدِ ، ومدُ(3) . وآخر الامر موقوف(4) مثل " ضرب " فاجتمعت
ص242
الدال الى الدال الأولى ساكنة ، فحركت الثانية لالتقائهما ، وإن كان يمكن النطق بالثانية ساكنة في حال الوصل ، تقول : " مر يا نتى "(5) . فأما " أكرم القوم " وأمثاله فلا يمكن إلا التحريك .
فيقال : لم حركت الميم من (أكرم) وهو أمر ؟ فيقال له : لأنه لقي ساكناً آخر وهو لام التعريف ، وكل ساكنين التقيا بهذه الحال فإن أحدهما يحرك .
فإن قيل: ولم لم يتركا ساكنين ؟ فالجواب : لأن النطق بهما ساكنين لا يمكن الناطق . فهذه(6) قاطعة ، وهي ثانية .
وكذلك قوله : كل فعل في أوله إحدى الزوائد الأربع وما بعدها ساكن فإنه إذا أمر به يحذف الحرف الزائد ، فإنه تدخل عليه ألف الوصل(7) .
فإن قيل : فلم دخلت عليه ألف الوصل ؟ فيقال : لأنه فعل أمر حذفت من أوله الزائدة ، وكل فعل أمرٍ حذف من أوله الزائدة فإنه تدخل عليه ألف الوصل .
فإن قيل : فلم لم يترك أوله كذلك ؟ قيل : لأن الابتداء بالساكن لا يمكن . وثانية .
ص343
وكذلك " ميعاد " و "ميزان " وما أشبههما ؛ يقال : إن الأصل فيهما : موعاد ، وموزان. والدليل على ذلك أنهما من " وعد و وزن " ففاء الفعل واو ، ويقال في جمعهما : مواعيد ، وموازين . وفي تصغيرهما : مويعيد ومويزين . فأبدل من الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، وكل واو سكنت وانكسر ما قبلها فإنها تبدل منها ياء .
وإن قيل : لم أبدل منها ياء ولم تترك على حالها ؟ قيل : لأن ذلك أخف على اللسان . فهذه واضحة أيضاً ، لكنها يستغنى عنها.
ومثال غير البين منها قولهم : إن الفعل الذي في أوله إحدى الزوائد الأربع : إنه أعرب لشبهه بالاسم ويكفي في ذلك أن يقال : كل فعل في أوله إحدى الزوائد الأربع ولم يتصل به ضمير جماعة النساء ولا النون الخفيفة ولا الشديدة فإنه معرب(8).
فإن قيل : " يضرب " لم أعرب ؟ قيل : لأنه فعل أوله إحدى الزوائد الأربع ، ولم يتصل به ضمير جمع المؤنث ولا نون خفيفة ولا شديدة ، وكل ما هو بهذه الصفة فهو معرب .
فإن قيل لم أعربت العرب ما هو بهذه الصفة ؟ فقيل : لأنه اشبه بالاسم في أنه يصلح اذا أطلق للحال والاستقبال ، فهو عام ، كما أن " رجلا " وغيره من المنكرات عام ، ثم اذا اراد المتكلم إيقاعه على معين ادخل عليه الالف واللام فأزال عمومه . وكذلك الذي في أوائله الزوائد من الأفعال اذا اراد المتكلم تخصيصه بأحد الزمانين
ص244
أدخل " السين " أو " سوف " فهذا عام يخصص بحرف من أوله ، وهذا عام يخصص بحرف من أوله ، فأعرب الفعل لهذا الشبه . وأشبهه أيضاً في دخول لام التأكيد عليه ؛ يقال : " إن زيداً ليقوم " .
ويقولون : اعرب الاسم لأنه على صيغة واحدة ، وأحواله مختلفة ، يكون فاعلاً ومفعولاً ومضافاً إليه ، فاحتيج الى إعرابه لبيان هذه الأحوال . والفعل اذا اختلفت معانيه اختلفت صيغة ، فأغنى ذلك عن إعرابه ، فلولا الشبه الذي بينه وبين الاسم ما أعرب .
قيل : العلة الموجبة لإعراب الاسم موجودة في الفعل ، وذلك أننا لو قلنا : " ضرب زيدٌ عمرو " ، و " زيداً عمراً " ، لولا الرفع والجزم ما عرف النفي من النهي(9) . وكذلك اذا قلنا : " لا تأكل السمك وتشرب اللبن " لولا النصب والجزم والرفع لما عرف النهي عنهما مفترقين ومجتمعين ، من النهي عن الجمع ، ومن النهي والفاعل من شأنه أن يشرب اللبن(10) . وكما أن للأسماء أحوالاً مختلفة فكذلك للأفعال أحوال مختلفة ؛ تكون منفية وموجبة ومنهياً عنها ومأموراً بها ، وشروطاً . ومشروطة، ومختبراً بها ومستفهماً عنها ، فحاجتها الى الإعراب كحاجة الأسماء .
ص245
وايضاً فإن الشيء لا يقاس على الشيء الا اذا كان حكمه مجهولا ، والشيء المقيس عليه معلوم الحكم ، وكانت العلة الموجبة للحكم في الأصل موجودة في الفرع . وأمة العرب حكيمة فكيف تشبه شيئاً بشيء وتحكم عليه بحكمه ، وعلة حكم الأصل غير موجودة في الفرع ، واذا فعل واحد من النحويين ذلك جهل ولم يقبل قوله ! فلم ينسبون الى العرب ما يجهل به بعضهم بعضاً ؟ وذلك أنهم لا يقيسون الشيء على الشيء ويحكمون عليه بحكمه الا اذا كانت علة حكم الأصل موجودة في الفرع . وكذلك فعلوا في تشبيه الاسم بالفعل في العمل ، وتشبيههم " إن " وأخواتها بالأفعال المتعدية في العمل .
وأما تشبيه الأسماء غير المنصرفة بالأفعال فأشئبه قليلاً ، وذلك أنهم يقولون : إن الأسماء غير المنصرفة تشبه الأفعال في انها فروع كما أن الأفعال فروع بعد الأسماء . فإذا كان في الاسم علتان أو واحدة تقوم مقام علتين ، كل واحدة من العلتين تجعله فرعاً، منع ما منع الفعل وهو الخفض والتنوين . والعلل المانعة من الصرف : التعريف ، والعجمة ، والصفة ، والتأنيث ، والتركيب ، والعدل ، والجمع الذي لا نظير له ، ووزن الفعل المختص به أو الغالب فيه ، والألف والنون الزائدتان المشبهتان ألف التأنيث وما قبلهما ؛ وذلك أن التعريف ثان للتنكير ، والعجمي من الأسماء فرع في كلام العرب ، والصفة بعد الموصوف بها ، والتأنيث فرع على التذكير ، والتركيب فرع على المفردات ، والمعدول فرع بعد المعدول عنه ، والجمع فرع بعد الواحد ، والألف والنون الزائدتين يشبه بهما الاسم المذكر المؤنث . وأما وزن الفعل المختص به فبين(11). فالوجه عندهم لسقوط التنوين من الفعل ثقله ، وثقله
ص246
لأن الاسم أكثر استعمالا منه ، والشيء اذا عاوده اللسان خف ، واذا قل استعماله ثقل(12) . وهذه الأسماء(13) غيرها أكثر استعمالاً منها ، فثقلت ، فمنعت ما منع الفعل من التنوين ، وصار الجر تبعاً له . وليس يحتاج من هذا إلا الى معرفة تلك العلل التي تلازم عدم الانصراف ، وأما غير ذلك ففضل ، هذا لو كان بينا ، فكيف به وهو ما هو في الضعف ، لأنه ادعاء ان العرب أرادته ، ولا دليل على ذلك إلا سقوط التنوين وعدم الخفض ، وهذان إنما هما للأفعال ، فلولا شبه الأفعال لما سقط منها ما سقط من الأفعال.
ومثال ما هو بين الفساد قول محمد بن يزيد : إن نون ضمير جماعة المؤنث حرك لأن ما قبله ساكن ، نحو ضربن ويضربن . وقال فيما قبلهما : إنما أسكنت لئلا يجتمع أربع متحركات ؛ لأن الفعل والفاعل كالشيء الواحد . فجعل سكون الحرف الذي قبل النون من أجل حركة النون ، وجعل حركة النون من أجل سكون ما قبلهما . فجعل العلة معلولة بما هي علة له(14) . وهذا بين الفساد . ولولا الإطالة لأوردت منه كثيراً .
ص247
وكان الأعلم ـ رحمه الله ـ على بصره بالنحو ـ مولعا بهذه العلل الثواني ، ويرى أن اذا استنبط منها شيئا فقد ظفر بطائل ، وكذلك كان صاحبنا الفقيه أبو القاسم السهيلي ـ على مشاركته ـ رحمه الله ـ يولع بها ، ويخترعها ، ويعتقد ذلك كمالا في الصنعة وبصراً بها.
وكما أنا لا نسأل عن عين " عظلم "(15) ، وجيم " جعفر " وباء وبرثن "(16) ، لم فتحت هذه ، وضمت هذه ، وكسرت هذه ؟ فكذلك أيضاً لا نسأل عن رفع " زيد " .
فإن قيل : " زيد " متغير الآخر . قيل : كذلك " عظلم " يقال في تصغيره بالضم ، وفي جمعه على " فعالل " بالفتح .
فإن قيل : للاسم أحوال يرفع فيها ، واحوال ينصب فيها ، واحوال يخفض فيها . قيل : اذا كانت تلك الأحوال معلولة بالعلل الأول ؛ الرفع بكونه فاعلا أو مبتدأ أو خبراً أو مفعولاً لم يسم فاعله ، والنصب بكونه مفعولاً ، والخفض بكونه مضافاً إليه ـ صار الآخر كالحرف الأول الذي يضم في حال ، ويفتح في حال ، ويكسر في حال ؛ يكسر في حال الإفراد ، ويفتح في حال الجمع ، ويضم في حال التصغير .
_____________________
(1) الحق ان (التعليل) يمثل عنصرا اساسيا في الدرس النحوي عند العرب ن وقد عرف النحاة الاوائل بأنهم معللون ، وتذكر الروايات ان ابن ابي اسحاق هو " أول من يعج النحو ومد القياس وشرح العلل " . وكتاب سيبويه مبني في أغلبه على التعليل، والحوار الذي يجري فيه دائما بينه وبين استاذه الخليل يبدأ في الأغلب الأعم بالسؤال عن العلل ، على ان هذه العلل لا تذهب بعيداً وراء التفسير المباشر ، وتكاد تتمثل في تعليل الظواهر التركيبية بالرجوع الى المعنى ، او بتفسير الشكل التركيبي نفسه ، أو بكثرة الاستعمال .
وقد اخذ التعليل بعد سيبويه يتطور شيئاً فشيئاً متصلا بالتعليل الأرسطي من ناحية وبالتعليل الكلامي والفقهي من ناحية أخرى، حتى صار التعليل غاية من غايات الدرس النحوي ، وجعل النحاة يقصدون الى التأليف في العلل النحوية تأليفاً خاصاً كما فعل الزجاجي في " كتاب الإيضاح عن علل النحو " . وبرع فيها ابن جني في القرن الرابع . واستمر التعليل في التطور حتى دخل في عالم الافتراض والتخمين والميتافيزيقا ومن هنا ندرك دعوة ابن مضاء لإسقاط هذه العلل .
(2) هذه هي طريقة اللغويين المحدثين ـ وبخاصة فيما يعرف بعلم اللغة الوصفي ـ في تفسير الظواهر اللغوية ؛ أن يقتصروا على وصف الظاهرة دون تعليلها ، أي وصف اللغة " كما هي " .
(3) الفعل (مدَ) فعل مضعف ؛ أي أن عينه كلامه ، والأولى مدغمة في الثانية . والأمر مبني على السكون ، فإذا فك الإدغام قلت امدد . وإذا ابقيته جاز في لهجات عربية تحريك اللام بالفتح وهو الإغلب (مُدَ) ، وتحريكه بالسكر والضم .
(4) أي مبني على السكون .
(5) المعروف أن الفعل المضعف يبنى على السكون في الأمر عند . فك الإدغام ، أما مع الإدغام فلا نجد في كتب اللغة إشارة الى جواز إسكان اللام عند الوصل .
(6) أي هذه العلة .
(7) وهي حروف (أنيت) التي تدل على المضارعة . فالفعل (يكتب) أوله ياء المضارعة ، وفاؤه هي الكاف ساكنة ، وعند صياغة الأمر منه نحذف ياء المضارعة ، والكاف ساكنة ، وليس في العربية كلمة تبدأ بساكن ، فلا بد من وصلة تمكننا من النطق بالكلمة ، وهذه الوصلة هي التي نسميها ألف الوصل. (اكتب)
(8) الفعل المضارع معرب إلا عند اتصاله بنون النسوة أو بنون التوكيد المباشرة فإنه يبنى .
(9) اذا قلت : لا يضرب زيد عمراً . برفع الفعل فأنت تنفيه ، وإذا قلت : لا يضرب زيد عمراً . يجزم الفعل فأنت تنهى الفاعل عن الضرب .
(10) اذا قلت : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، يجزم الفعلين فأنت تنهى الفاعل عن أكل السمك وشرب اللبن . واذا قلت لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، بجزم الأول ونصب الثاني فأنت تنهى الفاعل عن أكل السمك مع شرب اللبن ، واذا قلت : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . بجزم الأول ورفع الثاني فالفعل الثاني قبله مبتدأ محذوف تقديره وأنت تشرب اللبن ، والواو واو الحال ، والمعنى لا تأكل السمك حال شربك للبن .
(11) وهكذا ترى فكرة الأصلية والفرعية ـ التي أشرنا إليكم غير مرة في الكتاب ـ ذات تأثير كبير فيما تؤدي إليه من تفسير ظواهر اللغة .
(12) كثرة استخدام الاسم وقلة الفعل تفهمه من ملاحظتهم ان الجملة العربية لا تستغني عن الاسم ولكنها قد تستغني عن الفعل .
(13) أي هذه الأسماء الممنوعة من الصرف .
(14) الفعل الماضي الثلاثي مبني على الفتح ، ونون النسوة ضمير مبني على الفتح ، فإذا أسندت إليه الفعل توالت حركات أربع : كتب + ن ، وهذا ثقيل على العرب ، ومن ثم يسقطون حركة اللام ليصير : كتبن ، ونقول إنه مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك . فلام الفعل سكنت لأن الضمير متحرك . لكن المبرد يعود ويسأل : لم كانت نون النسوة ساكنة ؟ يجب : لأن الحرف الذي قبلها ساكن . فكأننا فيما يعرف بالدائرة المفرغة ؛ السبب والمسبب كل منها سبب للآخر ؛ اللام ساكنة محركة لحركة النون ، والنون متحركة لسكون اللام .
(15) العظلم : نبت يستخرج منه صبغ ازرق ويعرف بالنيلة . والعظلم الليل المظلم المشتد السواد .
(16) البرثن : مخلب السبع أو الطائر الجارح .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|