أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-03-2015
9348
التاريخ: 4-03-2015
3240
التاريخ: 4-03-2015
2479
التاريخ: 29-03-2015
12293
|
بسم الله الرحمن الرحيم
(فاتحة الكتاب)
قال الشيخ الفقيه القاضي الأعدل ، العالم الناصر المحقق الأحفل ، أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن مضاء اللخمي ، ادام الله بركته ، ونور الإيمان خلده ، وفسح اجله ، ونفعه بالعلم الذي حمله :
الحمد الله على ما من به من الإيمان ، والعلم باللسان ، الذي نزل به القرآن ، والصلاة على نبيه الداعي الى دار الرضوان ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان . وأسأل الله الرضا عن الإمام المعصوم ، المهدي المعلوم ، وعن خليفته : سيدينا أميري المؤمنين ، الوارثين مقام العظيم . وأصل الدعاء لسيدنا أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ، مبلغ مقاصدهم العلية الى غاية التكميل والتتميم .
أما بعد ، فإنه حملني على هذا المكتوب قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و" الدين النصيحة " وقوله " من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ " ، وقوله " من قال في كتاب الله بغير علم فاليتبوأ مقعده من النار " ، وقوله " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه " .
ص221
وعلى الناظر في هذا الكتاب من أهل الشأن إن كان ممن يحتاط لدينه ، ويجعل العلم ، مزلفاً له من ربه ، أن ينظر ؛ فإن تبين له ما نبينه رجع إليه ، وشكر الله عليه ؛ وإن لم يتبين له فاليتوقف توقف الورع عند الإشكال ؛ وإن ظهر له خلافه فليبين ما ظهر له بقول أو كتابه .
وإني رأيت النحويين ـ رحمة الله عليهم ـ قد وضعوا صناعة النحو لحفظ كلام العرب من اللحن ، وصيانته عن التغيير ، فبلغوا من ذلك الى الغاية التي أموا ، وانتهوا الى المطلوب الذي ابتغوا ، إلا أنهم التزموا ما لا يلزمهم ،وتجاوزوا فيها القدر الكافي فيما أرادوه منها ، فتوعرت مسالكها ، ووهنت مبانيها ، وانحطت عن رتبة الإقناع حججها ، حتى قال الشاعر فيها :
ترنو بطرف ساحر فاتر أضعف من حجة نحوي
على أنها اذا اخذت المأخذ المبرأ من الفضول ، المجرد عن المحاكاة والتخييل ، كانت من أوضح العلوم برهاناً ، وأرجح المعارف عند الامتحان ميزاناً ، ولم تشتمل إلا على يقين أو ما قاربه من الظنون .
ومثل هذا المكتوب وكتب النحويين ، كمثل رجال ، ذوي أموال ، عندهم الياقوت الرائق ، والزبرجد الفائق ، والذهب الإبريز ، وقد خالطها من الزجاج الذي صفي حتى ظن زبرجداً ، النحاس الذي عولج حتى حسب عسجداً ، ما هو أبهى منظراً وأعظم في مرأى العين خطراً ، وأكثر عدة ، وأجد جدة ، حتى صاروا بها ألهج ، وظنوا أنهم إليها أحوج ، فأتاح الله لهم رجلاً ناصحاً ، وناقداً باصراً ، فأظهروه على ما لديهم من تلك الذخائر النفسية المونقة ، فقال
ص222
لهم : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الدين النصيحة) وأنا أنصحكم لا للاقتناء ولا للاكتساب ، ولكن لابتغاء الأجر من الله والثواب ، هذا الذي اتخذتموه عدة للدهر وظننتموه اماناً من الفقر ، بعضه مال ، وبعضه لمع آل ، والياقوت يختبر بالنار ، فيزيد حسناً بالاختبار ، والزجاج لا يثبت للنار ولا يصبر عليها ، والزبرجد يذيب أعين الأفاعي إذا أدني إليها . وطفق يأخذ معهم في هذه الأساليب ، ويأتيهم فيها باذلاً جهده ، ومستنفراً جنده ، بالغرائب والأعاجيب ؛ ليوقع لهم اليقين ، بما يصدق منها لدى الابتلاء وما يمين(1) ، فبعضهم أثنى وشكر ، وأثمر لما امر ، واستدل بما يعر ويضر ، ما ينفع لدى اللزبات ويسر(2) ، وبعضهم تهاون بمقالة ، واستمر على حاله ، فعجمهم الزمان عجمة ، وضغمتهم الحوادث ضغمة ، وأصابت مدينتهم أزمة ، فمن حزم ، وعمل منهم بما علم ، تخلص منها تخلص الشهاب من الظلماء ، ومن أعرض عنه ، وأنف منه ، هلك هلاك العجماء في الفيفاء ، عند عدم الرمي والماء .
وكذلك من أخذ من علم النحو ما يوصله الى الغابة المطلوبة منه ، واستعاض من تلك الظنون ـ التي ليست كظنون الفقه التي نصبها الشارع صلى الله عليه وآله وسلم أمارة للأحكام ، ولا كظنون الطب التي جربت وهي في الغالب نافعة في الأمراض والآلام ـ العلوم الدينية ، السمعية منها والنظرية ، التي هي الجنة ، والهادية الى الجنة ، فقد نفعه الله بالتعليم وهداه الى صراط مستقيم . وأما من اقتصر كل الاقتصار على المعارف التي لا تدعو الى جنة ، ولا تزجر عن نار ، كاللغات والأشعار ،
ص223
ودقائق علل النحو ومسليات الأخبار ، فقد أساء الاختيار ، و استحب العمى على الابصار :
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم
ولعل قائلا يقول : أيها لأندلسي المسرور بالإجراء بالخلاء(3) ، المضاهي بقبسه الخفي ذكاء ابن ذكاء(4) ، واتزاحم بغير عود(5) ، وتكاثر برذاذك الخود :(6)
وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس(7)
هل أنت إلا كما قال :
كناطح صخرة يوماً ليفلقها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ص224
أتزري بنحويي العراق ، وفضل العراق على الآفاق كفضل الشمس في الإشراق على الهلال في المحاق ؟ وإنك أخمل من بقة في شقة ، واخفى من تبنه في لبنة :
لو كان يخفى على الرحمن خافية ٌ من خلقه خفيت عنه بنو اسد
فيقال له : إن كنت أعمى لا تنهض إلا بقائد ، ولا تعرف الزائف من الخالص إلا بناقد ، فليس هذا بعشك فادرجي:(8)
خل الطريق لمن يبني المنار به وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر
وإن كنت من ذوي الاستبراء في محل الاستبداد(9) ، والاستناد ، حيث يجب الاستناد، فانظر ، فتستبين لك الرغوة من الصريح (10) ، ويتبين لك السقيم من الصحيح .
_________________
(1) المين : الكذب .
(2) اللزبات : الشدائد . مفردها : لزبة .
(3) مأخوذ من مثل قديم هو : كل مجر في الخلاء يسر . واصله أن رجلا كان يجري فرسه فرداً فأعجبه ما رأى من سرعته ، فراهن عليه فسبق في الرهان . فقال هذا المثل. وهو يضرب لمن لا يعرف ما عند غيره فيتصور نفسه سابقاً للجميع .
(4) ذكاء : الشمس . وابن ذكاء : الصبح .
(5) مأخوذ من مثل قديم هو : زاحم بعود أو دع ، ويضرب في الحث على ممارسة الأمور بالاستعانة بذوي الأسنان والتجربة . والعود : الجمل المسن.
(6) الرذاذ : المطر الضعيف . والجود : المطر الغزير .
(7) البيت لجرير ضربه مثلا لمن اراد مجاراته في الشعر . وابن اللبون هو ولد الناقة اذا كان في العام الثاني . ولز : شد . والقرن : الحبل . والبزل القناعيس : الجمال القوية الشديدة .
(8) يضرب مثلا لمن يرفع نفسه فوق قدره .
(9) ذو الاستبداد : صاحب الرأي البارد . واستبد بالرأي : انفرد به .
(10) اللبن الصريح : الذي ذهبت رغوته وخلص .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|