أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-06-2015
3088
التاريخ: 22-06-2015
2340
التاريخ: 26-06-2015
2206
التاريخ: 24-7-2016
3800
|
ابن (1) دريد
هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، من أزد عمان، كانت أسرته على شيء من اليسار، وقد استوطن أبوه البصرة، وفيها ولد له سنة 223 وعنى عمه الحسين بتعليمه فألحقه منذ نعومة أظفاره بالكتاتيب ثم بحلقات العلماء، وكانت له ذاكرة عجيبة لا يكاد شيء يسمعه يفلت منها، مما أعدّه لأن يكون من كبار اللغويين في عصره. وقد أكبّ على محاضرات الرّياشي وأبي عثمان الأشنانداني وأبي حاتم السجستاني وغيرهم من علماء البصرة، فأخذ كل ما عندهم. ولما استباح الزنج البصرة سنة 257 ونكلوا بأهلها تنكيلا شديدا فرّ مع عمه الحسين إلى عمان وطن قبيلته الأزد، وظل بها اثنى عشر عاما إلى أن قضى الموفق على ثورة الزنج قضاء نهائيّا، وحينئذ يعود إلى البصرة حين عاد إليها الأمن والسلام. ويظل بها إلى أن يستدعيه عبد الله بن محمد بن ميكال والى الأهواز وفارس لتأديب ابنه أبي العباس إسماعيل وتثقيفه. ويلبىّ الدعوة، ويرحب به الوالي ترحيبا عظيما، ويقلده ديوان إمارته فارس وتقبل عليه الدنيا إذ تنهال عليه الأموال. وينظم في الوالي وابنه قصيدته الطويلة المشهورة باسم المقصورة، التي عرضنا لها في حديثنا عن الشعر التعليمي وتطير شهرتها وتتكاثر شروحها، وتطبع في عصرنا بشرح التبريزي وبشروح
أخرى وتكثر تخميساتها على مرّ القرون. وفي أثناء عمله عند ابن ميكال ألّف الجمهرة لابنه إسماعيل، وهي معجم لغوي بدأ فيه على طريقة معجم العين المنسوب إلى الخليل بالثنائي ثم بالثلاثي ثم بالرباعي ثم بملحقه ثم بالخماسي والسداسي وملحقاتهما، وجمع النوادر في باب منفرد. أملاها أولا في فارس، ثم أملاها في البصرة ثم في بغداد ولذلك اختلفت نسخها اختلافات كثيرة. وكان من أهم ما ألفه لإسماعيل، كي يحسن العربية، كتاب الأربعين حديثا، قصّ فيه حكايات عربية قديمة تقوم على الحب غالبا كما تقوم على التاريخ، ويقول الحصري عن هذه الأحاديث إنها هي التي ألهمت بديع الزمان مقاماته (2). ويبدو أنه ألّف عند ابني ميكال كثيرا من مصنفاته، ومما نشر له منها في عصرنا كتاب الاشتقاق وكتاب السّرج واللجام وكتاب صفة السحاب والغيث وكتاب الملاحن ويشتمل على ألغاز لغوية. وما زال يعيش في رحاب ابني ميكال حتى عزلا عن فارس، فانتقل إلى مسقط رأسه، ثم تركها إلى بغداد سنة 308 وكان صيته وشهرته العلمية سبقاه، فاستقبلته بغداد استقبالا حافلا، وأجرى عليه المقتدر خمسين دينارا شهريا إلى أن توفى سنة 321 عن نحو ثمانية وتسعين عاما. وأهم مدائحه وأشعاره مقصورته التي ذكرناها آنفا، وقد حلّلناها في حديثنا عن الشعر التعليمي، ونقف منها الآن عند مديحه للأمير عبد الله بن محمد بن ميكال وابنه أبي العباس إسماعيل، وفيهما يقول:
تلافيا العيش الذي رنّقه … صرف الزمان فاستساغ وصفا (3)
وأجريا ماء الحيا لي رغدا … فاهتزّ غصني بعد ما كان ذوى (4)
إن ابن ميكال الأمير انتاشني … من بعد ما قد كنت كالشئ الّلقا (5)
ومدّ ضبعىّ أبو العباس من … بعد انقباض الذّرع والباع الوزي (6)
ص426
ذاك الذي ما زال يسمو للعلا … بفعله حتى علا فوق العلا
لو كان يرقى أحد بجوده … ومجده إلى السّماء لارتقى
ما إن أتى بحر نداه معتف … على أوارى علم إلا ارتوى (7)
نفسى الفداء لأميرىّ، ومن … تحت السماء لأميري الفدا
وطبيعي أن يعنى ابن دريد في هذا المديح بإدماج شيء فيه من الألفاظ الغريبة، لأنه أراد بالقصيدة أن تكون متنا لغويّا، وتحققت له إرادته، لا بما وضع فيها من ألفاظ غريبة فحسب، بل أيضا بما حشد فيها من الألفاظ المقصورة. ومع ذلك فقد استطاع فيها أن يوازن بين ما جمع من الألفاظ الغريبة ولغة الشعر العذبة، فاختار لها أسلوبا وسطا بين الإغراب والسهولة، كما أشرنا إلى ذلك في غير هذا الموضع. وهذه الأبيات نفسها تصور هذا المسلك، فهي لا تتعمق في الإغراب، بل تظل فيها نضرة الشعر وجماله. وله وراءها مدائح مختلفة لا يغمسها في الغريب وألفاظه من مثل قوله في أبى أحمد حجر الجويمىّ أحد رجالات فارس النابهين:
حجر بن أحمد فارع الشرف الذي … خضعت لعزّته طلى الأعناق (8)
انظر أنامله فلسن أناملا … لكنهن مفاتح الأرزاق
وانظر إلى النور الذي لو أنه … للبدر لم يطبع برين محاق (9)
وكان يجيد فن الرثاء، وله مرثية بديعة في عمه الحسين بن دريد الذي تعهد تربيته. ومن خير مراثيه مرثية في محمد بن جرير الطبري علم الدراسات الدينية والكتابات التاريخية في عصره. وفيها يقول:
إن المنية لم تتلف به رجلا … بل أتلفت علما للدين منصوبا
كان الزمان به تصفو مشاربه … والآن أصبح بالتّكدير مقطوبا (10)
كلا وأيامه الغرّ التي جعلت … للعلم نورا وللتقوى محاريبا
ص427
وتنسب له قصيدة في ذكرى الرسول عليه السلام نسلك؟ ؟ ؟ في نسبتها إليه لأن قصائد هذه الذكرى إنما ذاعت وشاعت في عصر متأخر. وله قصيدة طويلة في رثاء الإمام الشافعي أو بعبارة أدق في بيان مكانته العلمية الخطيرة، وفيها يقول:
لرأى ابن إدريس ابن عمّ محمّد … ضياء-إذا ما أظلم الخطب-صادع
إذا المعضلات المشكلات تشابهت … سما منه نور في دجاهنّ ساطع
أبى الله إلا رفعه وعلوه … وليس لما يعليه ذو العرش واضع
وهي قصيدة بديعة. وبحقّ يقول المسعودي إنه كان يذهب في الشعر كل مذهب، فطورا يجزل وطورا يرقّ، وطورا يصبح بدويّا متعمقا في الفلوات وفي وصف الإبل والخيل. وطورا يصبح حضريّا يصف الرياض والزهور، ومن قوله في النرجس:
عيون ما يلمّ بها الرّقاد … ولا يمحو محاسنها السّهاد
لها حدق من الذهب المصفّى … صياغة من يدين له العباد
وأجفان من الدّرّ استفادت … ضياء مثله لا يستفاد
ومن تمام هذا الإحساس الحضاري عنده أن نجده يتغزل أحيانا غزلا رقيقا، من مثل قوله واصفا مدى فتنة الناس بمحبوبته، حتى كأنهم جميعا شركاء له في الحب وضناه:
أعاد من أجلك لا من ضنى … وسائر العوّاد أشراكي
ولست أشكوك إلى عائد … أخاف أن أشكو إلى شاكي
فالناس يزورونه من ضناه في حب صاحبته لا من ضنا مرض ألمّ به، وهو لا يشكو لهم من عذابه في حبها ولا من وصبه فيه، لأنه يراهم جميعا مثله، يعانون ما يعانيه من لوعات الحب وآلامه. وكان يتورط في الخمر وإثمها، كما كان يتعلق بالغناء وآلاته، حتى ليقول بعض معاصريه ممن كانوا يزورونه في شيخوخته إنه كان يستحي مما يرى من الشراب والعيدان المعلقة. ومن قوله يصف الخمر قبل المزج وبعده:
ص428
وحمراء قبل المزج صفراء بعده … أتت بين ثوبي نرجس وشقائق
حكت وجنة المعشوق صرفا فسلّطوا … عليها مزاجا فاكتست لون عاشق
ويقال إنه عرض له في أواخر عمره فالج (شلل) وسقى الدرياق فبرئ، ورجع إلى أفضل أحواله وإملائه على تلامذته. ثم مرض به ثانية، وظل سنتين توفّى في نهايتهما، وتصادف أن كانت وفاته في نفس اليوم الذي توفى فيه أبو هاشم الجبّائي المتكلم المعتزلي المشهور، ودفنا معا ببغداد في مقبرة الخيزران.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر في ترجمة ابن دريد وأشعاره معجم الشعراء ص 425 وتاريخ بغداد 2/ 195 وابن خلكان ومعجم الأدباء 18/ 127 ونزهة الألباء. والفهرست ص 97 وشذرات الذهب 2/ 289 ولسان الميزان 5/ 132 وتكملة تاريخ الطبري للهمداني ص 76 والوافي بالوفيات للصفدي 2/ 338 ومروج الذهب للمسعودي 4/ 229 وطبقات الشافعية 3/ 138 والنجوم الزاهرة 3/ 240 روضات الجنات 605 وقد طبع ديوانه في القاهرة.
(2) انظر زهر الآداب 1/ 307 وكتابنا الفن ومذاهبه في النثر العربي (طبع دار المعارف- الطبعة السادسة) ص 248.
(3) رنقه: كدره.
(4) الحيا: الغيث والخصب.
(5) انتاشني: تناولني. واللقا: المرمىّ في عرض الطريق لا يعبأ به.
(6) الضبع: وسط العضد. ومد ضبعيه: بسطهما، كناية عن اتساع حاله. وانقباض الذرع والباع كناية عن ضيق الحال.
(7) ندى: الكرم. المعتفي: طالب النوال والأوري: النار. العلم: الجبل.
(8) طلى: جمع طلية، وهى أصل العنق.
(9) الرين: الأذى. يطبع: يدنس.
(10) مقطوبا: ممزوجا.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|