أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-5-2016
2513
التاريخ: 8-3-2017
6692
التاريخ: 29-8-2022
2858
التاريخ: 14-1-2019
3315
|
الخطأ الجسيم هو كما عرفه الفقيه الفرنسي بوتييه: (ما يتأتى في عدم بذل العناية والحيطة في شؤون الغير، بقدر لا يمكن لأقل الناس عناية أو أقلهم ذكاء أن يغفله في شؤون نفسه)( 1 ). وهذا التعريف هو الدارج عند الكثير من الشراح، فعرفه آخرون بأنه: (الخطأ الذي لا يصدر عن أقل الناس حذرا وحيطة)(2) وقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى أبعد من ذلك، متبنية لاتجاه أكثر تشددا في وصف الخطأ بالجسامة، ففي احد قرارات المحكمة الموقرة، لمست أن الخطأ الجسيم ليس بالضرورة أن يصدر بقليل من الحيطة والحذر لدرجة أنه لا يصدر عن أقل الناس حيطة وحذرا، بل هو من وجهة نظر المحكمة الموقرة، الخطأ الذي يصدر بدرجة غير يسيرة، وكأن هذا الشرط وحده كافيًا لأن تصف المحكمة الموقرة ذلك الخطأ بالجسامة، ففي تعريفها للخطأ الجسيم قالت:" الخطأ الجسيم …. و على ما جرى به قضاء محكمة النقض - هو الذي يقع بدرجة غير يسيرة و لا يشترط أن يكون متعمدًا لما كان ذلك و كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه قضى مسئولية الطاعنة " الشركة " عن التعويض على أساس المسئولية التقصيرية المقررة في القانون المدني لإرتكابها خطأ جسيمًا يتمثل في سماحها بتسيير السيارة التي وقع بها الحادث و إطارها الخلفي صالح بنسبة 30 % مع أن عمل الشركة و نشاطها يجعلها على علم بأن السيارة قد تجتاز طرقًا وعره - و كان هذا الذي قرره الحكم مستندًا إلى أدلة كافية لحمله و لها أصلها الثابت في الأوراق - فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم من الخطأ في تطبيق القانون لا يكون له محل"( 3 ). يتبين أن المحكمة الموقرة وصفت الخطأ بالجسامة لمجرد مجاوزته للخطأ العادي( 4 )، فالخطأ الجسيم- على ما جاء في القرار الأخير- هو الذي يصدر بدرجة غير يسيرة، أي انه يجب أن يكون الخطأ على درجة من الإهمال البيّن. ولا يشترط أن يتوفر عنصر العمد في هذا النوع من الخطأ( 5 )، فإذا توفر عنصر العمد .( أصبحنا نتحدث عن غش وليس عن خطأ جسيم(6) وقد ثار جدل حول مسؤولية المهنيين، كالأطباء، فالبعض رأى انه لا تجوز مساءلة المهنيين عن أخطائهم اليسيرة، بينما رأى البعض الآخر إن معيار الرجل العادي ينطبق على الفنيين وغيرهم وأنه لا يشترط أن يكون الخطأ جسيما حتى يساءل الطبيب( 7 ). ورغم أن المحاكم المصرية ترددت بين اشتراط الجسامة في خطأ الطبيب، وبين عدم اشتراطها، إلا إن الاتجاه الغالب لدى القضاء المصري هو الذي يقضي بعدم اشتراط الخطأ الجسيم من أجل مساءلة الطبيب( 8 ). غير إن قيام المسؤولية على الخطأ المهني الجسيم تفرضه أحيانا طبيعة المهنة، فلا يتصور مخاصمة القاضي إذا لم يبدر عنه خطأ جسيم لأن ذلك سيؤدي إلى إعاقة عمل القضاء، والى إحجام القضاة عن إصدار الأحكام(9)وفيما عدا معيار الخطأ الجسيم المأخوذ به في مخاصمة القضاة، فان المهنيين يسألون عن أخطائهم في إطار المعيار العام للخطأ. وقد قضت محكمة الإسكندرية الكلية، بوضوح في معيار الخطأ المهني، حاسمة هذا الخلاف بقولها:" إن الطبيب الذي يخطئ مسؤول عن نتيجة خطئه، بدون تفريق بين الخطأ الهين والجسيم، ولا بين الفنيين وغيرهم، والقول بعدم مساءلة الطبيب في حالة خطأ المهنة إلا عن خطئه الجسيم دون اليسير، هذا القول كان مثار اعتراضات لوجود صعوبات في التمييز بين نوعي الخطأ، ولأن نص القانون الذي يرتب مسؤولية المخطئ عن خطئه جاء عاما غير مقيد، فلم يفرق بين الخطأ الهين والجسيم ولا بين الفنيين وغيرهم، ويسأل الطبيب عن إهماله سواء أكان خطؤه يسيرا أو جسيما فلا يتمتع الأطباء باستثناء"(10) كما ذهبت محكمة النقض المصرية إلى المذهب نفسه، لكن بشكل أكثر وضوحا فقضت بأنه: "لما كان واجب الطبيب في بذل العناية مناطه ما يقدمه طبيب يقظ من أوسط زملائه علما ودراية في الظروف المحيطة به أثناء ممارسته لعمله مع مراعاة تقاليد المهنة والأصول العلمية الثابتة ويصرف النظر عن المسائل التي اختلف فيها أهل هذه المهنة لينفتح باب الاجتهاد فيها، فان انحراف الطبيب عن أداء هذا الواجب يعد خطأ يستوجب مسؤوليته عن الضرر الذي يلحق بالمريض ويفوت عليه فرصة العلاج"(11) وقد عرضت لهذا الجدل لما له من أهمية فيما يتعلق بشرط الإعفاء من المسؤولية، فلو اعتبرنا أن المهني لا يسأل إلا عن خطئه الجسيم، فهذا يؤدي إلى أن المهني يكون معفيا أصلا من المسؤولية إلا في حالة الخطأ الجسيم دون الحاجة إلى إيراد شرط الإعفاء، وهو ما يستدعي البحث –حينها- في إمكانية الاتفاق على الإعفاء حتى في حالة الخطأ الجسيم للمهني، ذلك إن خطأه الجسيم سيبدو مساويا للخطأ العادي (اليسير) لأي شخص آخر، وبالتالي يصبح الإعفاء حتى في ظل الخطأ الجسيم محل نظر. ولما كان الفقه والقضاء في مصر قد استقر على أن المهنيين يسألون ضمن القواعد العامة، فان القول بإمكانية الاتفاق على إعفاء المهنيين من خطئهم الجسيم تصبح مسألة لا أساس لها. وعلى النقيض مما تقدم، هناك من ذهب إلى إن الأخطاء المهنية هي تعتبر دائما جسيمة، ولا يجوز الإعفاء منها( 12 )، إلا أن هذا الرأي ليس سليما، ذلك إن للأخطاء المهنية كما للأخطاء الأخرى درجات فبعضها يسير، وهو ما يجوز الاتفاق على الإعفاء منه، وبعضها جسيم وهو ما لا يجوز الاتفاق على الإعفاء منه. وذهب رأي آخر إلى أنه لا يجوز السماح للمهنيين بالاتفاق على الإعفاء من مسؤوليتهم حتى عن الخطأ اليسير لما في ذلك من تشجيع للمهنيين على ارتكاب الأخطاء اليسيرة(13) ورغم تأييدي لهذا الرأي الأخير، غير أنه لا أساس له من القانون، ذلك إن القاعدة العامة في جواز شرط الإعفاء لا تفرق بين المهني وغير المهني.
________________
1- رشدي، محمد السعيد: الخطأ غير المغتفر سوء السلوك الفاحش والمقصود، ط 1، الكويت، مطبوعات جامعة الكويت، 1995 ، ص 77 .
2- أبو السعود، رمضان: النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام ،الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2002 ، ص 237 .
3- الفقرة الثانية من الطعن رقم 0808 لسنة 44 بتاريخ 26 /4/ 1980 سنة المكتب الفني31
4- هناك اتجاه فقهي لا يشترط في الخطأ الجسيم إلا (أن يتصور مدى الانحراف في مسلك الشخص وان يتصور أن النتائج الضارة لفعله هي أمر مؤكد أو قريب الاحتمال). دسوقي، محمد إبراهيم: تقدير التعويض بين الخطأ والضرر، الإسكندرية، مؤسسة الثقافة الجامعية، بدون سنة نشر ، ص 280 . أيضا: رشدي، محمد :. مرجع سابق، ص 79
5- الاهواني، حسام الدين: النظرية العامة للالتزام،ج 1، مصادر الالتزام ط 2، 1995ص 466 .
6- السرحان، عدنان إبراهيم و خاطر، نوري حمد: شرح القانون المدني مصادر الحقوق الشخصية " الالتزامات" دراسة مقارنة، ط 1، عمان، الدار العلمية للنشر والتوزيع ودار
. الثقافة للنشر والتوزيع، 2002 ، ص 334 .
7- للمزيد في تفصيل هذه الآراء: البيه، محسن عبد الحميد: خطأ الطبيب الموجب للمسؤولية المدنية ، الكويت، مطبوعات جامعة الكويت، 1993 ، ص 30 وما بعدها.
8- البيه، محسن عبد الحميد: خطأ الطبيب الموجب للمسؤولية المدنية ، الكويت، مطبوعات جامعة الكويت، 1993 ، ص 38 .
9- خفاجي، احمد رفعت: تفسير الخطأ المهني الجسيم في خصوص المادة 797 من قانون المرافعات، بحث منشور في مجلة المحاماة، القاهرة، العدد الأول، سنة 1958- 1959 الصفحات (88-93) ص 88.
10- الإسكندرية الكلية 30 /12/1943 المحاماة 24 رقم 35- 78 كما ورد في: البيه، محسن: مرجع سابق، ص 39
11- نقض مدني مصري 22/3/1966 رقم 88 البيه، مرجع سابق،ص 39 . وقد أكدت محكمة النقض الموقرة على هذا النهج في قرارات أخرى منها ما جاء في القرار 21/12/1971 رقم 179 إن:" الطبيب يسأل عن كل تقصير في مسلكه لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول كما يسال عن خطئه العادي أيا كانت درجة جسامته".
12- بلقاسم، إعراب: شروط الإعفاء من المسؤولية المدنية، (رسالة ماجستير غير منشورة)، جامعة الجزائر، الجزائر، 1984 ، ص40
13- العيسائي، عبد العزيز مقبل: شرط الإعفاء من المسؤولية المدنية في كل من القانون المدني الأردني واليمني-دراسة مقارنة (أطروحة ماجستير غير منشورة)، الجامعة الأردنية، . عمان، الأردن، 1998 ، ص 57
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|