أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-1-2017
2219
التاريخ: 9-1-2017
1189
التاريخ: 1-11-2018
1526
التاريخ: 7-12-2018
1437
|
بيعة يزيد بولاية العهد:
تعتبر مسألة عهد معاوية بالخلافة لابنه يزيد من بعده، من أكثر المسائل التي دفعت الكثيرين للوقوف ضده، وتوجيه النقد إليه، على اعتبار أنه خرج بذلك عن النهج الذي اتبعه المسلمون في اختيار خليفتهم منذ خلافة أبي بكر.
وإذا كان النظام الذي تبناه لابد من أن يفرز في النهاية تقليداً وراثياً في الحكم، إلا أن اتخاذ قرار من هذا النوع، لم يكن بالأمر اليسير، إذ لم يكن العرب يقرون من قبل بمبدأ الوراثة في الحكم.
ويبدو أن معاوية خشي انهيار الجهود التي بذلها، خلال أكثر من ثلاثين عاما، في تأسيس دولة أموية الهوى، خاصة وأن الصراع الدامي بينهم وبين بني هاشم كان لا يزال في أوجه، وأن اختيار هاشمي للخلافة من بعده من شأنه إزالة كل مرشح محتمل من الأمويين من الوجود وهو أمر لا يقبله الأمويون وهم "أهل الملة أجمع وأهل الغلب". كما أعتقد أن مركز الخلافة يجب أن يبقى في بلاد الشام بفعل أن أهله أطوع للخليفة من أهل الأمصار الأخرى، وأن الاتجاه السياسي الذي يمثله هؤلاء يجب أن يبقى سياسة الحكم والخلافة لأنها السياسة التي أثبتت وجودها في إدارة العرب والمسلمين آنذاك.
لهذا، رأى معاوية أن الاختيار يجب أن يظل محصوراً في بني أمية، فاختار ابنه يزيد. وقد دعاه إلى إيثار ابنه بالعهد دون غيره ممن يظن أنه أولى به، وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصا على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا. فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور أكابر الصحابة ذلك، وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب.
وكانت هناك ثلاثة فئات من المسلمين متعارضة ومتصارعة، الفئة المتذمرة من الحكم الأموي ذات النزعة الراشدية، وهي تنتظر وفاة معاوية لإعلان موقفها السلبي، وحجتها أن القرار الوراثي يعتبر دخيلا على العرف العام، وخروجا على العادات الإسلامية. وتمثلت الفئة الثانية بالقوى المؤيدة للحكم الأموي والمتحالفة معه وهي المستفيدة من استمرارية المشروع السياسي المطروح في حين تمثلت الثالثة بالتيار الشيعي ذي العاطفة الوقادة التي تخول أهل البيت حقا سياسيا ودينيا قد يشبه الحق الذي يعطيه الفرس لآل كسرى.
لقد شجع ممثلو الفئة الثانية معاوية على اتخاذ قراره الوراثي هذا مسوغين ذلك بعدم وجود ما يتعرض وهذا المبدأ في الإسلام. وتشير الرواية المشهورة إلى أن الذي أشار على معاوية بتلك الفكرة هو المغيرة بن شعبة.
قد تكون فكرة المغيرة دافعا تشجيعيا لمعاوية للمباشرة في اتخاذ إجراءات تنفيذها، إلا أن الراجح أن معاوية قد عزم على توليه ابنه يزيد ولاية العهد ليكون خليفة من بعده، قبل عرض المغيرة، لأنه رأى أن ذلك ضرورة لوحده الأمة، ومنع الاختلاف بعد وفاته وأنه كان ينتظر الوقت المناسب لإعلان ذلك.
ويبدو أنه كان لزياد بن أبيه، حاكم البصرة، موقف مختلف، حيث أشار على معاوية أن يتريث في هذا الأمر، لأن المشروع سابق لأوانه وحجته في ذلك عدم توافر شروط الخلافة في يزيد فإنه "صاحب رسالة وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد"، بالإضافة إلى أن الظروف السياسية لم تتهيأ بعد بفعل أن التيار المعارض كان لا يزال على جانب من القوة، وأنه لابد أن يلجأ إلى الثورة المسلحة والعصيان.
وآثر معاوية الالتزام بنصيحة زياد حتى لا يثير عليه الحسن بن علي وأبناء الصحابة، ورأى أن يترك إعلان ذلك إلى ظروف أكثر ملائمة.
وفي عام (49ه/669م) توفى الحسن بن علي، فشجعت هذه الحادثة معاوية على أخذ البيعة لابنه يزيد، وانتهى إلى التصميم على تنفيذها معتمداً على حلفائه قبائل الشام وفي طليعتهم الضحاك بن قيس الفهري وحسان بن بحدل الكلبي، وكان عليه تذليل بعض العقبات التي اعترضت تنفيذ هذه الفكرة ولعل أهمها:
إقناع كبار شخصيات الحجاز، لا سيما أبناء الصحابة. فكان عليه أن يحظى بتأييد الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، بالإضافة إلى بعض الشخصيات الأموية الذين كانوا يتطلعون إلى خلافته أمثال مروان بن الحكم وسعيد بن العاص.
تهيئة يزيد لتحمل المسؤولية.
قلب نظام الشورى، وجعل الحكم وراثياً.
أما فيما يتعلق بإقناع كبار شخصيات الحجاز، فقد كتب معاوية إلى مروان بن الحكم عاملة على المدينة، ليستشير الناس في أمر اختيار خلف له، دون أن يسمى يزيد. ولما جاءه الجواب بالموافقة، كتب إلى مروان ليخبر الناس باختيار يزيد، كما كتب إلى عماله يأمرهم بمدحه وتقريظه، وبإرسال الوفود إليه من الأمصار، فأقبلت الوفود في العراق وسائر بلاد الشام تبايعه.
وسرعان ما تبين أن المدينة ستكون أكثر المدن الإسلامية معارضة لهذه البيعة حيث برز تيار معارض بزعامة عبد الرحمن بن أبي بكر، وحجته في ذلك أن معاوية يكون قد خرج عن سياسة أسلافه وجعل الخلافة وراثية، وأنكر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر هذا التدبير. فكتب مروان بذلك إلى معاوية.
وتوافق هؤلاء الأربعة أنه إذا كانت الخلافة وراثية فإن حقهم فيها أكثر من حق يزيد. أما إذا كانت بالاختيار لأفضل المرشحين فإن يزيد يغدو بعيداً عن كل حق فيها لعدم وجود أي من الصفات المطلوبة فيه.
لكن بيعة الحجازيين كانت ضرورية، لأن الحجاز مهد الإسلام ويعيش فيه الصحابة وأبناؤهم. لذلك كان لابد لمعاوية من الإقدام على عمل ما لتأمين هذه البيعة، فرأى أن يستعمل اللين أولا مع المعارضين، فقدم بنفسه إلى المدينة في عام (50ه/670م) واجتمع بالعبادلة أبناء الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير، وأبدي أمامهم رغبتهم في أخذ البيعة لابنه يزيد، فعارضوه، وفشل في استمالتهم. ويبدو أنه قرر أن يتجاوزهم، فعاد إلى دمشق وأخذ يعد العدة للحظة الحاسمة دون الالتفات إلى رأي المعارضين، خاصة وأن أهل الشام والعراق بايعوا يزيد.
وبدأ لمعاوية أن يحاول مرة أخرى قبل الإقدام على تنفيذ البيعة لابنه. واستخدام عامله على المدينة سعيد بن العاص وسائل العنف والغلظة لحمل المعارضين على ذلك، فأبطأوا عنها إلا اليسير منهم لا سيما بنو هاشم.
وفي عام (56ه/676م) أعلن معاوية رسميا البيعة لابنه يزيد، وجرت احتفالات التنصيب في دمشق وكان الحجاز وحده غائباً عن المشاركة فيها.
وخشى معاوية من تطور المعارضة إلى عصيان، فتوجه إلى المدينة ليضمن، عن طريقة شخصيته ومكانته، تحقيق النجاح في كسب تأييد أهلها وإرغام المعارضين على قبول البيعة لزيد.
وما كاد يصل إلى المدينة حتى غادرها المعارضون إلى مكة، وبايع من بقي فيها ليزيد. وقرر معاوية أن يجد السير في طلب المعارضين، وقد بلغ به الغضب أشده. وفي المسجد حيث اجتمع بهم، دافع ابن الزبير باسم رفاقه عن موقفهم الرافض، وجرى حوار فاشل، عندئذ أدرك أنه لا بد من اللجوء إلى التهديد بالعقاب بعد أن فشلت وسائل الإقناع.
واستطاع بالحنكة والشدة حمل المعارضين على الاعتراف بولاية العهد ليزيد، باستثناء الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير.
أما الشخصيات الأموية التي كانت تتطلع نحو الخلافة، فلم تثر أية مشاكل جدية في وجه معاوية، بفعل سياسته التي ابتعها تجاه هذه الشخصيات القائمة على التفرقة والإيقاع بينها، خاصة بين مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص واستطاع عن طريق شخصيته وأسلوبه السياسي تجاوزها. واقتنع المعارضون، أخيراً، أن الأحداث قد تجاوزتهم فمالوا إلى المهادنة.
أما فيما يتعلق بتهيئة يزيد لتحمل المسؤولية، فقد أردفه على رأس قوة عسكرية إلى بلاد البيزنطيين لمساندة الجيش الإسلامي الذي كان يحاصر القسطنطينية آنذاك بقيادة سفيان بن عوف، وحشد معه عدداً من كبار الشخصيات الإسلامية أمثال: ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب ألأنصاري وغيرهم. وقد هدف معاوية أن يظهر أبنه أمام المسلمين بمظهر المجاهد، مما يساعده على تأهيله لمنصب الخلافة، ويمحو من ذاكرتهم ما عرف عنه من تهاون، فيحرز بذلك كسبا أدبيا يرفع من شأنه.
أما فيما يتعلق بمبدأ تحويل نظام الحكم، فقد كان على معاوية إقناع الناس بقبول مبدأ الحكم الوراثي وتعيين ابنه يزيد، فهو يمتلك القدرة على تنفيذ ما يريد، وتوظيف ثقله السياسي في إقناع المعارضين، وقد نجح في ذلك.
ومهما يكن من أمر، فقد خالف معاوية شروط الخلافة، وانتقل بها من خلافه إسلامية شورية إلى ملكية وراثية.
ويبدو أن نظام الشوري، الذي طبقة الخلفاء الراشدين من قبل، لم يعد نظاما صالحا، بعد أن اتسعت رقعة الدولة، وتطورت أجهزتها الإدارية، وانقضى جيل الصحابة، ويلاءم هذا النظام البيئات القبلية والبيئة الراشدية بما كانت لها من مقومات خاصة لقرب عهد الخلفاء الراشدين من عهد الرسالة، وإن كان قد أثبت عدم صلاحيته في عهد عثمان بفعل ما نشب من خلافات بين المسلمين، تحولت إلى ثورات خطيرة ترتب عليها أحداث مفجعة، مما دفع معاوية إلى حصر الخلافة في بيت معين مع الاحتفاظ بمظهر البيعة.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|