لا شك أن إشكالية التدقيق في المصطلحات والمفاهيم من الإشكاليات الحساسة المطروحة على الباحثين في مختلف العلوم، وقد نالت الجغرافيا قسطا وافرا من الاهتمام من أجل جعلها مستقلة تنفرد بمنظومة مفاهيم ومصطلحات خاصة بها، ورغم هذا فإنها ما زالت تستعمل مصطلحات ومفاهيم اقتبستها من علوم أخرى، مما يجعل أغلب مفاهيمها تبقى مفتوحة، الشيء الذي يجعل عِلميتها نسبية بالمقارنة مع العلوم الحقة الأخرى.

وباعتبار الجغرافيا علما تركيبيا و بينيا فهي تعتبر الخيط الرابط ما بين العلوم الطبيعية و العلوم الاجتماعية, وفي دراستها تستمد من العلوم الصورية الوسائل العلمية لبناء الهيكل العلمي لأبحاثها؛ فالمنطق يزودها بالإطار العام للمشكلة المراد دراستها و مراحل بحثها، وهذا ما يعرف بالمنهج العلمي, أما الرياضيات و الإحصاء فتزودها بالوسائل الكمية لقياس الظواهر و تحديد علاقاتها؛ وعن طريق الهندسة نحدد أبعاد المشكلة و أشكالها الهندسية في المجال، و بذلك تساعد الجغرافي في فهم الأشكال الهندسية للعلاقات المجالية للظواهر المدروسة، و تحليلها تحليلا علميا عوض الاقتصار على وصفها, أصبحت الجغرافيا إذن مادة علمية تتقاطع مع عدة علوم تهتم بدارسة العلاقة بين الظواهر الطبيعية والبشرية..