المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الإمام عليٌ (عليه السلام) حجّة الله يوم القيامة
2024-04-26
امساك الاوز
2024-04-26
محتويات المعبد المجازي.
2024-04-26
سني مس مربي الأمير وزمس.
2024-04-26
الموظف نفرحبو طحان آمون.
2024-04-26
الموظف نب وعي مدير بيت الإله أوزير
2024-04-26

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


مرحلة النشأة  
  
2547   11:52 صباحاً   التاريخ: 23-11-2018
المؤلف : د. احمد مختار عمر
الكتاب أو المصدر : البحث اللغوي عند العرب
الجزء والصفحة : ص79- 92
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / الجهود اللغوية عند العرب /

 

مرحلة النشأة :
لم يؤثر عن العرب أي نوع من الدراسات اللغوية قبل الإسلام، ولهذا فهم متأخرون زمنيًّا عن كثير من الأمم التي سبق أن تحدثنا عن جهودها، والتي عرف لبعضها دراسات لغوية راسخة قبل الإسلام بقرون.
ولم يكن البحث اللغوي عند العرب من الدراسات المبكرة التي خفوا لها سرعًا، لأنهم وجهوا اهتمامهم أولًا إلى العلوم الشرعية والإسلامية وحين فرغوا منها أو كادوا اتجهوا إلى العلوم الأخرى.
يقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء معبرًا عن الفكرة: إنه منذ منتصف القرن الثاني الهجري بدأ علماء المسلمين يسجلون الحديث النبوي، ويؤلفون في الفقه الإسلامي والتفسير القرآني. وبعد أن تم تدوين هذه العلوم اتجه العلماء وجهة أخرى نحو تسجيل العلوم غير الشرعية ومن بينها اللغة والنحو(1). ويقول الأستاذ أحمد أمين: "أكثر اللغة كتبت في العصر العباسي الأول لا قبله"(2). وحتى ما وجد في القرن الأول من تأملات نحوية أو محاولات لدراسة بعض المشاكل اللغوية كان الحافز إليه إسلاميًّا، ولم يقصد بذاته وإنما لاعتباره خادمًا للنص القرآني. ومن ذلك محاولة ابن عباس جمع الكلمات الغريبة في القرآن وشرحها من صحت نسبة "غريب القرآن" إليه. وكذلك محاولة أبي الأسود الدؤلي لضبط المصحف بالشكل حين استحضر كاتبًا وأمره أن يتناول المصحف. وأن يأخذ صنعًا يخالف لون المداد فيضع نقطة فوق
ص79

الحرف إذا رآه يفتح شفتيه، وتحت الحرف إذا رآه قد خفض شفتيه، وبين يدي الحرف إذا رآه يضم شفتيه. أما إذا أتبع الحرف الأخير غنة فينقط نقطتين فوق بعضهما. أما الحرف الساكن فقد تركه(3).
ثم اخترع أهل المدينة بعد ذلك علامة التشديد وهي قوس طرفاه إلى أعلى هكذا ويوضع فوق الحرف المفتوح وتحت المكسور وعلى شمال المضموم. أما الفتحة فكانت توضع داخل القوس والكسرة تحته والضمة في شماله ثم استغنوا عن النقط في حالة استخدام الشدة وأصبحت الفتحة مع الشدة هكذا. ومع الكسرة ومع الضمة(4):
ويبدو أن كثيرًا من المحاولات الأولى للدرس اللغوي التي تمت في أماكن مختلفة من العالم كانت مرتبطة بالدين وبالعقيدة. نجد هذا عند الهنود الذين بدأوا بحثهم اللغوي لخدمة نصوصهم المقدسة المسماة بالفيدا. ومثل هذا نجده عند الصينيين إذا كانت دراسة النصوص الدينية البوذية وغيرها سببًا في نشأة المعاجم الصينية، وكذلك كانت دراسة الشعر الحماسي والديني في اليونان دافعًا للتأليف اللغوي.
وبدأت دراسة اللغة والنحو في العبرية لخدمة الكتاب المقدس(5).
وعلى أي حال فمن المنطقي أن يكون البحث اللغوي عند العرب قد بدأ في شكل جمع للمادة اللغوية، أو ما يعرف بمتن اللغة، وأن يسبق ذلك الدرس النحوي. وقد تم هذا الجمع أولًا بطريق المشافهة والحفظ، ودون منهج معين في ترتيب المادة المجموعة أو تبويبها، أو على حد تعبير
ص80

الأستاذ أحمد أمين: "كان المدونون الأولون للغة في هذا العصر يدونون المفردات حيثما اتفق، وكما يتيسر لهم سماعها. فقد يسمعون كلمة في الفرس، وأخرى في الغيث، وثالثة في الرجل القصير، وهكذا. فكانوا يقيدون ما سمعوا من غير ترتيب"(6).
وبعد ذلك اتجه أهل اللغة إلى التبويب والتصنيف والتقسيم ورد النظير إلى النظير، كل بطريقته الخاصة التي رآها. فمنهم من صنف المادة اللغوية بحسب الموضوعات، مثل النبات والشجر والإبل والخيل والسلال والأنواء، وأخرجها في شكل رسائل منفصلة. ومنهم من اتجه إلى الشعر الجاهلي أو الإسلامي يدونه ويرويه ويشرح مفرداته الصعبة.
ومنهم من اهتم بتسجيل بعض الظواهر الخاصة التي لاحظها في بعض القبائل ... وهكذا. وتوجت هذه الجهود بظهور المعاجم اللغوية المنظمة التي كان رائدها الخليل بن أحمد "100 - 175 هـ"، وذلك بوضعه معجم "العين" كما سنفصل الحديث فيما بعد.
أما البحث النحوي فلا شك أنه بدأ متأخرًا عن جمع اللغة، لأنه لا يمكن القيام به بدون مادة توضع تحت تصرف النحوي، وبعبارة أخرى لأن تقعيد للقواعد ما هو إلا فحص لمادة لغوية تم جمعها بالفعل ومحاولة لتصنيفها واستنباط الأسس والنظريات التي تحكمها. وأفضل ما يعبر عن ذلك قول عبد اللطيف البغدادي في "شرح الخطب النباتية" فيما نقله السيوطي عنه: "اعلم أن اللغوي شأنه أن ينقل ما نطقت به العرب ولا يتعداه. وأما النحوي فشأنه أن يتصرف فيما ينقله اللغوي ويقيس عليه، ومثالهما المحدث والفقيه، فشأن المحدث نقل الحديث برمته، ثم إن الفقيه يتلقاه ويتصرف فيه ويبسط فيه علله ويقيس عليه الأشباه والأمثال"(7).
ص81

ومع ذلك فنحن نسمع عن إشارات أو أحكام سريعة تمت في وقت مبكر جدًّا لا يتجاوز النصف الثاني من القرن الأول الهجري كتلك التي قام بها أبو الأسود الدؤلي أو علي بن أبي طالب أو غيرهما.
وفي رأينا أن النحو العربي قد نشأ فنًّا قبل أن يكون علمًا، أي: أن هذه الطرق الخاصة بالأداء في اللغة قد التزمت باطراد في تراكيبها وأساليبها ومرنت عليها ألسنة العرب، وتمكنت من طبائعهم قبل أن توضع لها القواعد النحوية.
ولهذا فنحن نستبعد تمامًا ما يقوله ابن فارس من أن علم النحو في اللغة العربية قديم بقدمها ومنزل كتنزيلها، وأنه كان معروفًا ومدروسًا من قديم، ثم تنوسيت قواعده وأتت عليها الأيام حتى جاء أبو الأسود الدؤلي فأحيا ما اندثر منه(8): ولا نرى رأيه أن اللغة العربية قد وجدت أول ما وجدت وفيها تلك الظواهر الفنية، أو أن تكون قد عرفت أول ما عرفت وهي متميزة بضوابط الإعراب المختلفة.
وإنما الذي نراه أن اللغة العربية لا بد أن تكون قد مرت بمراحل من الاضطراب وعدم الاستقرار، وأن هذه الضوابط المتبعة في الأداء قد سلكت طريقًا طبيعيًّا في التكوين، كما تسلك اللغة نفسها هذا الطريق، فكانت في أول الأمر بسيطة غير مطردة ولكنها مع الزمن قد تمت وعمت والتزمت واستقرت في النفوس على وجه يجعلها ملكة أو ما يشبه الملكة، وجرى أهلها على سنن ثابت أو كالثابت في صوغ الكلمة وضبط حروفها وبناء الجمل والأساليب(9).
وأغلب الظن أن كثيرًا مما نجده في بطون الكتب القديمة، وفي ثنايا النصوص من أمثلة نحوية وشواهد أدبية خارجة عن تلك القواعد والتي وضعها النحاة ثم التمسوا لها تخريجًا - إن هو إلا بقيا من اللغة العربية
ص82

في مراحلها الأولى قبل أن تنضج. فمن ذلك إهمال الإعراب في مثل قول امرئ القيس:
اليوم أشرب غير مستحقب ... إثمًا من الله ولا واغل
وقول الراجز:
متى أنام لا يؤرقني الكرى ... ليلًا ولا أسمع أصوات المطي
ومن ذلك حذف النون من المثنى من غير إضافة كقول الشاعر:
هما خطتا إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر
والمثل العربي القديم: بيضك ثنتا وبيضي مائتا(10). وكذلك إلزام الأسماء الخمسة الألف مثل: مكره أخاك لا بطل.
أما كيف نشأ النحو؟ ومن أول من ألف فيه؟ فهذا سؤالان ما نظن أن في أيدينا الإجابة عنهما أو الرد عليهما بحسم. وأغلب الظن أنهما سيظلان معلقين حتى نعثر على مادة جديدة تكشف عن بداية النحو العربي، وتضع حدًّا للإرهاصات والتنبؤات حولها(11). فمن قائل: إنه علي بن أبي طالب، ومن قائل: إنه نصر بن عاصم(12).
ويختلف من قالوا: إن أبا الأسود هو واضع النحو في الباعث له على ذلك، فيقول بعضهم: إن علي بن أبي طالب هو الذي أوعز إليه بوضع النحو، ومن قائل: إنه عمر بن الخطاب، ومن قائل: إنه زياد بن أبيه، ومن قائل: إن أبا الأسود فزع بنفسه إلى وضع النحو حين سمع قارئًا يقرأ: "لَا يَأْكُلُه
ص83

إِلَّا الخْاَطِئِين" أو قارئًا يقرأ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} بكسر "رسول". وقيل: السبب إلى ابنته قالت له: "ما أحسنُ السماء" بضم أحسن تريد التعجب، ولكنه فهم الاستفهام فقال لها: نجومها فقالت له: يا أبت، إنما أخبرك ولم أسألك فقال لها: إذن فقولي: "ما أحسنَ السماء" بالنصب(13).
وتروى قصته مع ابنته برواية أخرى إذ يقال: إن أبا الأسود دخل عليها في وقدة الحر بالبصرة؛ فقالت له: يا أبت، ما أشد الحرّ "تعني التعجب، ولكنه فهم الاستفهام لأنها رفعت" فقال لها: شهرًا ناجر(14). فقالت له: يا أبت، إنما أخبرتك ولم أسألك(15).
وهناك رواية أخرى وردت في "الفهرست" لابن النديم تقول: "ويقال: إن السبب في ذلك أيضًا أنه مر بأبي الأسود سعد وكان رجلًا فارسيًّا من أهل زندخان كان قدم البصرة مع جماعة من أهله فدنوا من قدامة بن مظعون وادعوا أنهم أسلموا على يديه، وأنهم بذلك من مواليه. فمر سعد هذا بأبي الأسود وهو يقود فرسه، فقال: مالك يا سعد، لِم لا تركب؟ قال: إن فرسي ضالع" أراد ظالعا" فضحك به بعض من حضره فقال أبو الأسود: هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام، ودخلوا فيهفصاروا لنا إخوة، فلو عملنا لهم الكلام، فوضع باب الفاعل والمفعول(16).
والرواية بصورتها هذه تحمل في طياتها بذور الشك فيها، إذ لا علاقة مطلقًا بين خطأ الرجل "وهو نتيجة عادة كلامية خاصة" وبابي الفاعل والمفعول اللذين قيل: إن أبا الأسود قد وضعهما من أجله.
أما رواية من قال: إن زيادًا هو الذي حرك أبا الأسود لوضع النحو فتمضى قائلة: إن أبا الأسود رفض أولًا، ففكر زياد في حيلة "فبعث
ص84

رجلًا يقعد له بطريقه، وأمره أن يقرأ شيئًا من القرآن ويتعمد اللحن فقرأ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} - بالجر" فاستعظم ذلك أبو الأسود وقال: عز وجه الله؟ إن الله لا يبرأ من رسوله. ثم رجع من فوره إلى زياد فقال: يا هذا، قد أجبتك إلى ما سألت"(17).
وينقل ابن النديم رواية تدل على أن عليًّا هو أول من وضع النحو وذلك إذ يقول: "قال محمد بن إسحاق زعم أكثر العلماء أن النحو أخذ عن أبي الأسود الدؤلي، وأن أبا الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب"(18). بل أكثر من هذا يروي ابن الأنباري نصًّا دفع به علي لأبي الأسود جاء فيه: "الكلام كله اسم وفعل وحرف.
فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبئ به، والحرف ما أفاد معنى. واعلم أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر ... " ثم يمضي ابن الأنباري قائلًا: ثم وضع أبو الأسود بابي العطف والنعت، ثم بابي التعجب والاستفهام إلى أن وصل إلى باب إن وأخواتها ما خلا لكن، فلما عرضها على علي أمره بضم لكن إليها، وكلما وضع بابًا من أبواب النحو عرضه عليه(19).
ولكن ابن النديم يعود فيذكر رواية أخرى تثبت هذا الوضع لأبي الأسود، وذلك في فصل عقده بعنوان: "سبب يدل على أن من وضع النحو كلامًا أبو الأسود الدؤلي" ذكر فيه أنه رأى بنفسه أربعة أوراق قديمة كتب عليها: "هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود الدؤلي رحمة الله عليه بخط يحيى بن يعمر. وتحت هذا الخط بخط عتيق هذا خط علان النحوي: وتحته: هذا خط النضر بن شميل"(20):
ص85

وقد تبين من هذا أن السبب الأساسي في وضع النحو -مهما كان واضعه- ما فشا من لحن عقب الفتوحات الإسلامية، وامتداد آفاق اللغة العربية إلى مجالات لم تتح لها من قبل، وفساد الألسنة حتى بالنسبة للعرب أنفسهم نتيجة اختلاطهم بالأجانب.
يقول الزبيدي: "لم تزل العرب تنطق على سجيتها في صدر إسلامها وماضي جاهليتها؛ حتى أظهر الله الإسلام على سائر الأديان فدخل الناس فيه أفواجًا، وأقبلوا عليه أرسالًا، واجتمعت الألسنة المتفرقة واللغات المختلفة ففشا الفساد في اللغة العربية"(21).
ونلتقط من بين الأمثلة التي ذكرها المؤرخين للحن ما يأتي:
1-
تسكين أواخر الكلمات وترك الإعراب خوفًا من اللحن. ومن ذلك ما حكي أن مهدي بن مهلهل كان يقول: "حدثنا هشام بن حسان". بالتسكين على ما نقل الجاحظ(22).
2-
الانحراف في نطق بعض الأصوات كنطق الظاء ضادًا، وقد سبق مثاله. وكنطق الصاد سينًا، كما يروى أن عمر بن الخطاب مر برجلين يرميان فقال أحدهما للآخر: أسبت "يعني أصبت" فقال عمر: "سوء اللحن أشد من سوء الرمي"(23). ومثل ذلك ما يروى عن مولى زياد أنه كان ينطق الحاء هاء كقوله: "أهدى لنا همار وهش" "أي حمار وحش"(24).
3-
الخطأ في قواعد النحو، كما يروى أن مؤذنًا سُمع يقول: "أشهد أن محمدًا رسولَ الله" "بنصب رسول" فقال له أعرابي: ويحك، يفعل ماذا؟ وما يروى أن أبا عمرو بن العلاء مر بالبصرة فإذا
ص86

أعدال مطروحة مكتوب عليها "لأبو فلان" فقال: يا رب، يلحنون ويرزقون؟ وما يروى أن رجلًا دخل على زياد فقال له: إن أبينا هلك وإن أخينا غصبنا على ميراثنا من أبانا، فقال له زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضع من مالك(25).
4-
الخطأ في بنية الكلمة، كما يقال: إن أول لحن سُمع بالبادية قولهم: "هذه عصاتي"(26).
ولم ينج الحكام والخلفاء من الوقوع في اللحن. فمنهم من كان بعد ذلك يكابر. ومنهم من كان يخجل ويحاول إصلاح نفسه وتقويم لسانه. فمن النوع الأول ما يروى أن بعض الأمراء بالبصرة كان يقرأ: "إنّ اللهَ ومَلائِكَتُه" بالرفع- فمضى إليه الأخفش ناصحًا فانتهره، وقال له: تلحنون أمراءكم(27).
ومن النوع الثاني الحجاج بن يوسف الثقفي الذي بلغ من حرصه على توقي اللحن وتقززه منه أن أبعد يحيى ابن يعمر الليثي؛ لأنه اطلع على لحن له. والحكاية كما ترويها كتب اللغة والأدب تتلخص في أن الحجاج سأل يحيى بن يعمر. أتراني ألحن على المنبر؟ فقال يحيى -خوفًا من سطوة الحجاج وجبروته-: الأمير أفصح الناس إلا أنه لم يكن يروي الشعر فكرر الحجاج سؤاله فقال يحيى: نعم في آي القرآن،
ص87

فقال الحجاج: فذاك أشنع. وما هو؟ قال: تقول: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} "برفع أحب" وصحتها أحبَّ "بالنصب". فقال: والله لن تسمعني ألحن بعد ذلك وأبعده إلى خراسان(28). ومن هذا النوع أيضًا -وإن اختلف سلوك كل- عمر بن عبد العزيز الذي لحن لحنة فنبه إليها فحبس نفسه في منزله ومعه من يعلمه العربية. ولم يخرج على الملإ إلا وهو أفصح الناس(29). ويروى كذلك أن عبد الملك ابن مروان، وإن لم يكن قد عرف عنه اللحن؛ فإنه كا يتجنبه ويتوقاه ولهذا حين سئل: "لماذا عجل الشيب إلى رأسك يا أمير المؤمنين" فقال: "شيبتني مواقف الخطابة وتوقع اللحن".
ويرى الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس أن جميع الأمثلة التي ذكرها العروضيون للإقواء ليست من قبيل الخطأ الموسيقي، وإنما من قبيل الخطأ النحوي. وعلى هذا فهو يرى أن حسان بن ثابت كان ينشد:
لا بأس بالقوم من طول ومن قصر ... جسم البغال وأحلام العصافير
كأنه قصب جفت أسافله ... مثقب نفخت فيه الأعاصير
بكسر الأعاصير حفاظًا على النغمة الموسيقية، وإن كسر بذلك قواعد النحو "وليس بالرفع كما زعم النحاة حفاظًا على قواعد النحو، وإن كان يكسر النغمة الموسيقية"، إذا لا يعقل أن الشاعر الفحل يخطئ في الموسيقى وإن عقل أن يخطئ في النحو. وإذا علمنا أن الإقواء كان شائعًا بين الشعراء الجاهليين(30) خرجنا من ذلك بأن اللحن كان شائعًا
ص88

حتى بين فصحاء العرب وشعرائهم(31).
ومهما كان الأمر فقد تمت أوليات الدراسة النحوية في مدينة البصرة وشمل ذلك الفترة التي تمتد من أبي الأسود إلى الخليل بن أحمد. وكانت الكوفة وقتها مشغولة برواية الأشعار والأخبار(32).
وفي الفترة بين أبي الأسود والخليل نجد أسماء -مجرد أسماء- وبعض اقتباسات، ولكن لم تصلنا أي مؤلفات، وإن ذكرت التراجم وجودها. ومن أشهر نحاة هذه الفترة يحيى بن يعمر، وعنبسة الفيل، وميمون الأقرن، وعيسى بن عمر الثقفي، وأبو عمرو بن العلاء، وعبد الله ابن أبي إسحاق الحضرمي.
وليس هناك شيء يذكر بالنسبة للثلاثة الأوائل، أما الثلاثة الأواخر فقد ذكرت عنهم كتب التراجم ما يأتي:
عيسى بن عمر الثقفي: كان نحويًّا بصريًّا كفيفًا مولعًا بالغريب: ومما حكي عنه في ذلك أنه سقط ذات يوم في سوق البصرة مغشيًّا عليه، ودار الناس حوله يقولون: مصروع، فبين قارئ ومتعوذ من الجان. فلما أفاق من غشيته أمر الناس أن ينفضوا من حوله بلغة حشاها بالغريب من الألفاظ وحوشي الكلام، حتى إن الناس لم يفهموه، إذ قال لهم: ما لكم تكأكأتم عليَّ كتكأكئكم على ذي جنة. افرنقعوا عني، فعلق أحد الحاضرين بقوله: "إن جنيته تتكلم الهندية"(33): ويروى كذلك أنه أنكر وديعة أودعت عنده فضرب بالسياط ليقر فجعل يقول: "والله إن كانت إلا أثيابا في أسيفاط قبضها عشاروك"(34). وقد مات عام 149 هـ.
ص89

بعد أن ترك كتابين هما "الجامع" و "المكمل" وقد مدحهما الخليل ابن أحمد بقوله:
بطل النحو جميعًا كله ... غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر
ولكن فقد الكتابان ولم يعثر لهما على أثر(35).
أبو عمرو بن العلاء: أحد الأعلام في القراءة والنحو واللغة وأحد القراء السبعة. قال فيه أبو عبيدة: "أعلم الناس بالقراءات العربية وأيام العرب والشعر، وكانت دفاتره ملء بيته إلى السقف". وقال فيه يونس: "لو كان أحد ينبغي أن يؤخذ بقوله كله في شيء واحد كان ينبغي لقول أبي عمرو بن العلاء في العربية أن يؤخذ كله". وقد اختلف هو وعيسى بن عمر في قولهم: "ليس الطيب إلا المسك" فكان أبو عمرو يجيز الرفع وعيسى بن عمر ينكره. وحين تحاجا قال أبو عمرو له: "نمت وأدلج الناس. ليس في الأرض حجازى إلا وهو ينصب ولا تميمي إلا وهو يرفع". واحتكما إلى الأعراب فشهدوا لأبي عمرو بن العلاء. وتوفي أبو عمرو عام 154 هـ(36).
عبد الله بن أبي اسحاق: سئل عنه يونس فقال: "هو والنحو سواء" ويقال: إنه أول من علل النحو وإنه كان شديد التجريد للقياس والعقل به يقول ابن سلام: "كان أول من بعج النحو ومد القياس والعلل"، ويقول ابن الأنباري. "إنه أول من علل النحو". ولم ينقل عن ابن أبي إسحاق كتاب في النحو لكنه عني بالهمز ومهر فيه حتى كان له فيه كتاب.
ص90

ويروى أن والي البصرة في عهد هشام بن عبد الملك جمع بين أبي عمرو ابن العلاء وابن أبي إسحاق، فقال أبو عمرو: "فغلبني ابن أبي إسحاق بالهمز يومئذ"(36).وبالرجوع إلى فهارس كتاب سيبويه "إعداد هارون" يتبين أن نقول سيبويه عن ابن أبي إسحاق تبلغ تسعة فقط. ولكن جاء جانب من شهرة ابن أبي إسحاق من كثرة تتبعه لزلات الشعراء وتلمسه الأخطاء لهم. وأشهر من تعرض له الفرزدق، وله معه قصص كثيرة. فمن ذلك أنه سأله يومًا: كيف تنشد هذا البيت:
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر(37)
فقال الفرزدق: "فعولان" فرد ابن أبي إسحاق: ما كان عليك لو قلت فعولين؟ فقال الفرزدق: لو شئت أن أسبح لسبحت، ونهض فلم يعرف أحد مراده. وتعرض ابن أبي إسحاق للفرزدق في شعر له، إذ عابه على قوله:
وعض زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحت أو مجلف(38)
وسأله: علام رفعت؟ فقال الفرزدق: على ما يسوؤك وينوؤك علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا ثم هجاه بقوله:
فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكن عبد الله مولى موالي
فقال له ابن أبي اسحاق: وهذا أيضًا خطأ، كان يجب أن تقول: موال لا موالي(39).

 

ص91

ولم تنقل كتب التراجم بماذا رد عليه الفرزدق مع أن توجيه البيت قريب، فمن العرب من يجر مثل هذه الكلمات بالفتح الظاهر لأنها ممنوعة من الصرف وعليه قول الهذلي:
أبيت على معاري فاخرات ... بهن ملوب كدم العباط
وقراءة "والفَجْر ولياليَ عَشْر" - بفتح ياء ليالي.
وكانت وفاة ابن أبي اسحاق عام 117 هـ.
أما أول عمل نحوي كامل يصل إلينا فهو "الكتاب" لسيبويه. وسنفرده ببحث خاص فيما بعد. وليس معنى أن "الكتاب" هو أول عمل وصلنا أنه أول عمل على الإطلاق، فقد سبق أن تحدثنا عن جهود نحوية قبل سيبويه وسبق أن ذكرنا أسماء لبعض مؤلفات لم تصلنا.

 

ص92

 

 

__________

(1) تاريخ الخلفاء: ص 173.
(2) ضحى الإسلام: 1/ 298.

(3) الفهرست لابن النديم ص40، والخط العربي لسهيلة الجبوري ص56 - 57، وقصة الكتابة لجمعة ص 51 - 52.
(4) سهيلة الجبوري ص57. والخط الممتد يمثل الحرف المشدد.
(5) انظر "Haywood" ص3. ودائرة المعارف اليهودية مادة
Grammar".

(6) ضحى الإسلام 1/ 302، و 2/ 263 - 264.
(7) المزهر 1/ 59.

(8) الصاحبي ص 10.
(9) اللغة والنحو لحسن عيون ص 57، 108 وعباس حسن وروي في بعض الأصول ص 12.

(10) رسالة الغفران ص 291، واللغة والنحو ص 86، 94.
وانظر مغني اللبيب 1/ 167، والمدخل إلى دراسة النحو لعابدين ص 36.
(11) يقول بروكلمان: "يبدو أن أوائل علم اللغة العربية ستبقى دائمًا محوطة بالغموض والظلام لأنه لا يكاد ينتظر أن يكشف النقاب بعد عن مصادر جديدة تعين على بحثها ومعرفتهان "2/ 123".
(12) الفهرست ص 39، ومدرسة البصرة النحوية ص 32 - 35.

(13) ضحى الإسلام 1/ 245.
(14)في اللسان: شهرًا ناجر أشد ما يكون من الحر ويزعم قوم أنهما حزيران وتموز. وناجر رجب، وقيل: صفر.
(15) من تاريخ النحو للأفغاني ص 10.
(16) ص 40.

(17)من تاريخ النحو للأفغاني، ص 10 حاشية رقم1.
(18) الفهرست ص 39.
(19) ضحى الإسلام 2/ 285.
(20) الفهرست ص 40 - 41.

(21) عبد العزيز مطر ص 29 عن طبقات الزبيدي.
(22)ضحى الإسلام 1/ 295 عن البيان والتبيين.
(23)من تاريخ النحو ص 10.
(24) مطر ص 30.

(25) من تاريخ النحو ص10. وهناك أمثلة أخرى كثيرة لهذا النوع كما يروى أن عمر بن الخطاب مر على قوم يرمون بالسهام فلم يعجبه رميهم. ولما أبدى هذا قالوا: إننا قوم متعلمين. وروي أن بشر بن مروان قال لغلام له: ادع صالحًا فقال الغلام: يا صالحًا، فقال بشر: ألغ منها ألف. فقال له عمر بن عبد العزيز وكان حاضرًا المجلس: وأنت فزد على ألفك ألفًا.
(26) مطر ص 29. ومن أمثلته كذلك أن رجلًا قال لأعرابي: كيف أهلك، بكسر اللام، فقال: صلبا. لأنه أجابه على فهمه ولم يعلم أنه أراد السؤال عن أهله وعياله.
(27) من تاريخ النحو ص 18.

(28) محاضرات الدكتور إبراهيم أنيس لطلبة الليسانس بكلية دار العلوم "غير مطبوعة" ومن تاريخ النحو ص 12.
(29)من تاريخ النحو ص 14.
(30) يروى عن أبي عمرو بن العلاء قوله: فحلان من العرب الشعراء كانا يقويان النابغة وبشر بن أبي خازم "ديوان النابغة الذبياني ص 29" وفي القصيدة الثانية من ديوان النابغة إقواءان على الأقل "البيتان 2، 17".

(31) محاضرات الدكتور إبراهيم أنيس.
(32) نشأة النحو ص 16، 17.
(33) وفيات الأعيان 3/ 154 - 156.
(34) نشأة النحو ص 61 "ط ثانية". والسفط كالجوالق والجمع أسفاط.

(35) الفهرست لابن النديم ص 41 - 42.
(36) الأفغاني: من تاريخ النحو ص 36 - 37، ونشأة النحو "ط ثانية" ص 62 و "يونس" للدكتور حسين نصر ص 22.
(36) نشأة النحو "ط ثانية" ص 58، والنحو العربي لمازن المبارك ص 41، 53.
(37) يخرج البيت على أن "كان" تامة.
(38) المسحت: المستأصل، والمجلف: الباقي منه شيء.
(39) محاضرات الدكتور أنيس، ونشأة النحو "ط ثانية" ص 59 - 60.

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



اللجنة التحضيرية للمؤتمر الحسيني الثاني عشر في جامعة بغداد تعلن مجموعة من التوصيات
السيد الصافي يزور قسم التربية والتعليم ويؤكد على دعم العملية التربوية للارتقاء بها
لمنتسبي العتبة العباسية قسم التطوير ينظم ورشة عن مهارات الاتصال والتواصل الفعال
في جامعة بغداد.. المؤتمر الحسيني الثاني عشر يشهد جلسات بحثية وحوارية