أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-6-2019
1571
التاريخ: 31-7-2019
1965
التاريخ: 14-7-2019
2148
التاريخ: 29-12-2019
1925
|
ائتوني بكتف ودواة
قد شاهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما كان من أمر عرقلة بعث أسامة ، وهؤلاء القوم المتباطؤن لم ينفع معهم صعوده المنبر عاصبا رأسه في أشد حال لا تقله رجلاه مما به من لغوب ، مشددا عليهم النكير على مقالتهم في حق أسامة وتخلفهم عن البعث .
وهي أول حادثة من نوعها تمر على النبي في المدينة، لا يطاع أمره ويتجاهل حكمه ، ويتساهل في غضبه ، ثم لا يستطيع أن ينفذ هذا الأمر وهو مصر على تنفيذه إلى آخر يوم من حياته إذ دخل عليه أسامة راجعا من الجرف فأمره بالسير غاديا .
لا شك أن مثل هذا الحادث يدعو إلى تدبير آخر سريع لإتمام الأمر لعلي، ومنه يتأكد للنبي جليا ما عليه القوم من التواطؤ على عدم التقيد بالنص على علي .
وهم إذا كانوا في حياته لا يطيعون أمره في هذا السبيل فكيف إذن بعد وفاته . فلم يجد بعد هذا خيرا من أن يكتب لهم كتابا فاصلا لا يضلون بعده أبدا ، لأنه سيكون أمرا ثابتا لا يقبل التأويل والنكران والتناسي ، لا كالكلام الذي لا يحفظ إلا في الصدور وهي لا تسلم من دخل .
ما أعظمه من كتاب؟ أهم لا يضلون بعده أبدا؟ ما أعظمها من نعمة! بالله أبالله أهكذا قال النبي؟
نعم ! لما اشتد المرض به " يوم الخميس " وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : " هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " . فأية فرصة غالية هذه يجب أن يقتنصها الحاضرون لهم ولجيلهم وللأجيال اللاحقة حتى الأبد ؟ وأية نعمة كبرى هذه لا تعادلها نعمة ! . . . أما كان على المسلمين أن يستغلوها أعظم غنيمة فيسرعوا إلى تلبية هذا الطلب ليخلد لهم الهدى ما بقوا ؟ فأي شئ كان يؤخرهم عن اقتناص هذه النعمة ؟ أوليس عمر بن الخطاب حال دون هذا التدبير، فأوهى منه عقدته المحكمة ، فقال : " إن رسول الله قد غلبه الوجع - أو ليهجر - وعندكم القرآن وحسبنا كتاب الله " ! . فاختلف الحضور وأكثروا اللغط والنقاش ، منهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، ومنهم من يقول : ما قال عمر .
فما ترى نبي الرحمة صانعا بعد هذا ؟ أيكتب الكتاب وهو في زعم بعضهم على حال مرض غالب " حاشا النبي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " ، فكيف إذن يهتدون به ولا يضلون بعده أبدا ، وقد وقع فيه الخلاف من الآن ، وطعن بتلك الطعنة النجلاء التي لا سبر لها ولا غور .
فلم يجد روحي فداه إلا أن ينهرهم وينبههم على خطأهم فقال : " قوموا .
ولا ينبغي عند نبي نزاع " لتبقي هذه الحادثة حجة على مرور القرون .
حقا إنها لرزية من أعظم الرزايا سببت كل ضلال وقع ويقع بعد النبي .
وحق الابن عباس حبر الأمة أن يبكي عند تذكرها حتى يخضب دمعه الحصباء ويقول: " إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ".
وليفكر المفكر أي شئ كان يدعو عمر ليقول هذه المقالة القارصة في حق النبي المختار، وما ضره لو كان يكتب هذا الكتاب ليعصم الخلق عن الضلالة أبد الدهور وسجيس الليالي ؟ أكان لا يجب أن يبقي الخلق على هدى لا يضلون ؟ أم كان يعتقد حقيقة أن النبي ليهجر . ولكن لا يعتقد هذا الاعتقاد إلا من كان يجهل حقيقة النبي وما جاء به القرآن من الآيات التي ندد بها على المشركين . وليس ذلك عمر .
وما باله لم يعتقد بهجر أبي بكر " وليس شأنه شأن النبي " لما أوصى بالخلافة ، وكان قد أغمي عليه أثناء تحرير الاستخلاف ، فأتم ذلك عثمان بالنص على عمر من دون علم أبي بكر ، خشية أن يدركه الموت قبل الوصية ، فأمضى ما كتبه عثمان لما استفاق . أم ماذا ؟
ليتني أستطيع أن أفهم غير أنه علم بما سيكتبه النبي من النص على علي ، وقد سبق للنبي أن عبر مثل هذا التعبير في العترة يوم الغدير إذ ذكر الثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته ووصفهما بأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ثم قال : " لن تضلوا إن اتبعتموها " ( 1 ) أو على المشهور " لن تضلوا ما أن تمسكتم بهما أبدا " ففهم عمر من قوله : " لا تضلوا بعده أبدا " ماذا سيريد أن يكتب الرسول . ويشهد لتنبه عمر لذلك قوله : " حسبنا كتاب الله " إذ فهم أن غرض النبي أن يقرن الثقلين أحدهما بالآخر فكأنه قال : يكفينا واحد منهما وهو الكتاب ولا حاجة لنا بالآخر ، وإلا فما كان معنى لقوله حسبنا . . . وهو يدعي هجر النبي " صلى الله عليه وآله " .
فكانت هذه المقالة من عمر والمقالة بمشهد النبي للحيلولة دون الكتاب لعلي، إقداما جريئا جاء في وقته المناسب له قبل أن تفوت الفرصة .
ولا يشبهه أي موقف آخر منه على كثرة مواقفه في إتمام البيعة لأبي بكر ، كما سنرى في إنكاره موت النبي وموقفه في السقيفة وبعدها فإنه هو الذي شيد ( 2 ) بيعت ؟ أبي بكر وكافح المخالفين . ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة : فقد كسر سيف الزبير ، ودفع في صدر مقداد ، ووطأ سعد بن عبادة وقال : اقتلوه فإنه صاحب فتنة ، حطم أنف الحباب بن المنذر ، وتوعد من لجأ إلى بيت فاطمة عليها السلام وكان بيده عسيب نحل ( 3 ) بعد خروجهم من السقيفة يدعو الناس إلى البيعة . . . ولا يستطيع الباحث أن ينكر من عمر بن الخطاب تمالؤه على علي بن أبي طالب ويقظته فيما يخص استخلافه . وكذلك جماعته الذين شاهدنا منهم التعاضد والتكاتف في أكثر الحوادث كأبي بكر وأبي عبيدة وسالم مولى حذيفة ومعاذ بن جبل وأضرابهم .
وكذا علي نفسه ظاهر عليه جليا ميله عن هؤلاء في جميع مواقفه معهم حتى أنه لم يبايع أبا بكر حتى ماتت فاطمة فبايع مقهورا، ولم يدخل في حرب قط على عهد الخلفاء الثلاثة، وهو هو ابن بجدتها وقطب رحاها .
وكان يتهم عمر إنه لم يشد أزر أبي بكر إلا ليجعلها له بعده فقال له مرة : " احلب حلبا لك شطره اشدد له اليوم أمره ليرده عليك غدا " ( 4 ) وقد صدقت فيه مقالته فاستخلف من قبل أبي بكر .
وهل يخفى على أحد ما كان في القلوب من تنافر ؟
ويكفي شاهدا أن نسمع المحاورة التي دارت بين عمر بن الخطاب وابن عباس كما رواها ابن عباس ( 5 ) . عمر " لابن عباس " : أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد ؟ ابن عباس: " وهو يكره أن يجيبه " إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني .
- : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة ، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت .
- : يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت .
- : تكلم :
- : أما قولك : " اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت " فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ومحسود . وأما قولك : " إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة " فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهية فقال : " ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم " .
- : هيهات ! والله يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أفرك عنها فتزيل منزلتك مني .
- : وما هي ؟ فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلة منك وإن كنت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه .
- بلغني أنك تقول إنما صرفوها حسدا وظلما .
- : أما قولك : ( ظلما ) فقد تبين للجاهل والحليم . وأما قولك ( حسدا ) فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون .
- : هيهات ! أبت - والله - قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا ما يحول وضغنا وغشا ما يزول .
- : مهلا ! لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش ، فإن قلب رسول الله من بني هاشم .
- : إليك عني ؟ * * *
نقلنا هذه المحاورة بطولها لأنها تجلي كثيرا من الغوامض في بحثنا ، فهي تكشف لنا :
( أولا ) - عما في نفوس الطرفين من نزوان بغضاء كامنة يستطير شرارها . وهذا ما أردنا استكشافه الآن وسقنا لأجله المحاورة .
و( ثانيا ) - عن أن القوم كانوا قد تعمدوا منع الأمر عن آل البيت ، وأن منعهم كان عاطفيا كراهة اجتماع النبوة والخلافة فيهم خشية تبجحهم ، وقد فسر ابن عباس هذه الخشية بالحسد وأنها من الظلم . واستشعر الألم الكامن من تأكيد هذه الكلمة ( بجحا بجحا ) .
و( ثالثا ) - عن أن الإمامة إنما هي باختيار الله ، وأن الخلافة في آل البيت مما أنزله الله ، وليست تابعة لاختيار قريش وكراهتهم .
و( رابعا ) - عن أن ظلمهم لآل البيت بأخذها منهم مشهور يعرفه كل أحد . وهذان الأمران الأخيران صرح بهما ابن عباس على شدة تحفظه واتقائه غضب عمر الذي لم يسلم منه بالأخير. ولم يرد عليه عمر الرد الذي يكذب هذا التصريح أكثر من الطعن فيه وفي بني هاشم ثم الزجر له بقوله : " إليك عني " . وهذا الزجر ينطق صريحا بالعجز عن الجواب ، فختمت به المحاورة . والغرض من كل ذلك أن إقدام عمر الجرئ ، على نسبة الهجر إلى النبي المعصوم ، وعلى دعوى أن كتاب الله وحده كاف للناس بلا حاجة إلى شئ آخر على عكس تصريح النبي ، لا يستغرب منه ما دام القصد منع الأمر عن علي . وقد اتضح أن بينهما ما لا يستطيع التأريخ نكرانه والتمويه فيه . وأما اعتذار بعض الناس عنه بأنه ظهر له أن الأمر ليس للوجوب
فهو اعتذار بارد لا يقره العلم . فمن أين ظهر ذلك ؟ أمن قول النبي " لا تضلوا بعده أبدا " - وهل هناك أمر أعظم مصلحة في الحكم الشرعي تجعله للوجوب من هداية الخلق أجمعين إلى أبد الدهور - أم من وقوع النزاع وغضب النبي وزجرهم بالانصراف . وإذا كان قد فهم الاستحباب فلماذا يرده بأشنع كلمة لا يواجه بمثلها الرجل العادي من الناس لا سيما عند المرض ، أعني كلمة الهجر والهذيان ، مهما لطفت العبارة بتحويلها إلى كلمة " قد غلبه الوجع " . ثم أي معنى حينئذ لقوله: " حسبنا كتاب الله " ، وهو رد على النبي وتدخل في مصلحة الحكم وأساسه ، وكان يغنيه أن يقول لا يجب علينا امتثال الأمر . * * *
والخلاصة إن الكتاب الذي أراد أن يكتبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) من نفس وصفه له : " لا تضلوا بعده أبدا " ومن نفس رد عمر " حسبنا كتاب الله " ومن قرائن الأحوال المحيطة بالقصة بعد سبق توقف البعث عن الذهاب نعرف أن المقصود منه النص على خليفته من بعده وهو علي بن أبي طالب ، لا سيما أن كل خلاف بين المسلمين وكل ضلال وقع ويقع في الأمة هو ناشئ من الخلاف في أمر الخلافة فهو أس كل ضلالة .
ولو تركوا النبي يكتب التصريح بالخلافة من بعده لما كان مجال للشك والخلاف إلا بالخروج رأسا عن الإسلام . وليس بالبعيد أنه ( صلى الله عليه وآله ) امتنع عن التصريح شفاها أو كتبا بعد هذه القصة بالنص على خليفته لئلا يأخذ اللجاج بالبعض إلى الخروج على الإسلام ، فتكون المصيبة أعظم على الإسلام والمسلمين وهذا ما حدا بعلي عليه السلام إلى المجاراة والمماشاة ، فلذا قال في خطبته الشقشقية : " فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء . . . فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى . . . ) .
__________
( 1 ) مستدرك الحاكم ( 3 : 106 ) . ( * )
( 2 ) راجع شرح ابن أبي الحديد ( 1 : 58 ) .
( 3 ) راجع كنز العمال ( ج 3 رقم 2346 و 2363 ) .
( 4 ) السياسة والإمامة : باب إمامة أبي بكر . وشرح النهج ( 2 : 5 ) .
( 5 ) الطبري ( 5 : 31 ) وابن الأثير ( 3 : 31 ) وشرح النهج ( 2 : 18 ) .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|