1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الواو : سورة الواقعة :

تفسير الاية (1-26) من سورة الواقعة

المؤلف:  اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  ......

4-10-2017

8974

قال تعالى : {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا  } [الواقعة: 1 - 26].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{إذا وقعت الواقعة} أي إذا قامت القيامة عن ابن عباس والواقعة اسم القيامة كالآزفة وغيرها والمعنى إذا حدثت الحادثة وهي الصيحة عند النفخة الأخيرة لقيام الساعة وقيل سميت بها لكثرة ما يقع فيها من الشدة أو لشدة وقعها وتقديره اذكروا إذا وقعت الواقعة وهذا حث على الاستعداد لها {ليس لوقعتها كاذبة} أي ليس لمجيئها وظهورها كذب ومعناه أنها تقع صدقا وحقا فليس فيها ولا في الإخبار عنها ووقوعها كذب وقيل معناه ليس لوقوعها قضية كاذبة أي ثبت وقوعها بالسمع والعقل.

 {خافضة رافعة} أي تخفض ناسا وترفع آخرين عن ابن عباس وقيل تخفض أقواما إلى النار وترفع أقواما إلى الجنة عن الحسن والجبائي والمعنى الجامع للقولين أنها تخفض رجالا كانوا في الدنيا مرتفعين وتجعلهم أذلة بإدخالهم النار وترفع رجالا كانوا في الدنيا أذلة وتجعلهم أعزة بإدخالهم الجنة {إذا رجت الأرض رجا} أي حركت حركة شديدة وقيل زلزلت زلزالا شديدا عن ابن عباس وقتادة ومجاهد أي رجفت بإماتة من على ظهرها من الأحياء وقيل معناه رجت بما فيها كما يرج الغربال بما فيه فيكون المراد ترج بإخراج من في بطنها من الموتى {وبست الجبال بسا} أي فتت(2) فتا عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل وقيل معناه كسرت كسرا عن السدي(3) عن سعيد بن المسيب وقيل قلعت من أصلها عن الحسن وقيل سيرت عن وجه الأرض تسييرا عن الكلبي وقيل بسطت بسطا كالرمل والتراب عن ابن عطية وقيل جعلت كثيبا مهيلا بعد أن كانت شامخة طويلة عن ابن كيسان.

{فكانت هباء منبثا} أي غبارا متفرقا كالذي يرى في شعاع الشمس إذ دخل من الكوة ثم وصف سبحانه أحوال الناس بأن قال {وكنتم أزواجا ثلاثة} أي أصنافا ثلاثة ثم فسرها فقال {فأصحاب الميمنة} يعني اليمين وهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم عن الضحاك والجبائي وقيل هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وقيل هم أصحاب اليمن والبركة على أنفسهم والثواب من الله سبحانه بما سعوا من الطاعة وهم التابعون بإحسان عن الحسن والربيع.

 ثم عجب سبحانه رسوله من حالهم تفخيما لشأنهم فقال {ما أصحاب الميمنة} أي أي شيء هم كما يقال هم ما هم {وأصحاب المشأمة} وهم الذين يعطون كتبهم بشمالهم وقيل هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار وقيل هم المشائيم على أنفسهم بما عملوا من المعصية ثم عجب سبحانه رسوله من حالهم تفخيما لشأنهم في العذاب فقال {ما أصحاب المشأمة} ثم بين سبحانه الصنف الثالث فقال {والسابقون السابقون} أي والسابقون إلى اتباع الأنبياء الذين صاروا أئمة الهدى فهم السابقون إلى جزيل الثواب عند الله عن الجبائي وقيل معناه السابقون إلى طاعة الله وهم السابقون إلى رحمته والسابق إلى الخير إنما كان أفضل لأنه يقتدى به في الخير وسبق إلى أعلى المراتب قبل من يجيء بعده فلهذا يميز(4) بين التابعين فعلى هذا يكون السابقون الثاني خبرا عن الأول ويجوز أن يكون الثاني تأكيدا للأول والخبر {أولئك المقربون} أي والسابقون إلى الطاعات يقربون إلى رحمة الله في أعلى المراتب وإلى جزيل ثواب الله في أعظم الكرامة.

 ثم أخبر تعالى أين محلهم فقال {في جنات النعيم} لئلا يتوهم متوهم أن التقريب يخرجهم إلى دار أخرى فأعلم سبحانه أنهم مقربون من كرامة الله في الجنة لأن الجنة درجات ومنازل بعضها أرفع من بعض وقد قيل في السابقين إنهم السابقون إلى الإيمان عن مقاتل وعكرمة وقيل السابقون إلى الهجرة عن ابن عباس وقيل إلى الصلوات الخمس عن علي (عليه السلام) وقيل إلى الجهاد عن الضحاك وقيل إلى التوبة وأعمال البر عن سعيد بن جبير وقيل إلى كل ما دعا الله إليه عن ابن كيسان وهذا أولى لأنه يعم الجميع وكان عروة بن الزبير يقول تقدموا تقدموا وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال السابقون أربعة ابن آدم المقتول وسابق في أمة موسى (عليه السلام) وهو مؤمن آل فرعون وسابق في(5) أمة عيسى (عليه السلام) وهو حبيب النجار والسابق في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) علي ابن أبي طالب (عليه السلام).

{ثلة من الأولين} أي هم ثلة يعني جماعة كثيرة العدد من الأولين من الأمم الماضية {وقليل من الآخرين} من أمة محمد لأن من سبق إلى إجابة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) قليل بالإضافة إلى من سبق إلى إجابة النبيين قبله عن جماعة من المفسرين وقيل معناه جماعة من أوائل هذه الأمة وقليل من أواخرهم ممن قرب حالهم من حال أولئك قال مقاتل يعني سابقي الأمم وقليل من الآخرين من هذه الأمة {على سرر موضونة} أي منسوجة كما يوضن حلق الدرع فيدخل بعضها في بعض قال المفسرون منسوجة بقضبان الذهب مشبكة بالدر والجواهر {متكئين عليها} أي مستندين جالسين جلوس الملوك {متقابلين} أي متحاذين كل واحد منهم بإزاء الآخر وذلك أعظم في باب السرور والمعنى أن بعضهم ينظر إلى وجه بعض لا ينظر في قفاه لحسن معاشرتهم وتهذب أخلاقهم .

ثم أخبر سبحانه أن {يطوف عليهم ولدان} أي وصفاء وغلمان للخدمة {مخلدون} أي باقون لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون عن مجاهد وقيل مقرطون والخلد القرط يقال خلد جاريته إذا حلاها بالقرطة عن سعيد بن جبير والفراء واختلف في هذه الولدان فقيل إنهم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا(6) فأنزلوا هذه المنزلة عن علي (عليه السلام) والحسن وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه سأل عن أطفال المشركين فقال ((هم خدم أهل الجنة)) وقيل بل هم من خدم الجنة على صورة الولدان خلقوا لخدمة أهل الجنة.

{بأكواب} وهي القداح الواسعة الرؤوس لا خراطيم لها عن قتادة {وأباريق} وهي التي لها خراطيم وعرى وهو الذي يبرق من صفاء لونه {وكأس من معين} أي ويطوفون أيضا عليهم بكأس خمر معين أي ظاهر للعيون جار {لا يصدعون عنها} أي لا يأخذهم من شربها صداع وقيل لا يتفرقون عنها {ولا ينزفون} أي لا تنزف عقولهم بمعنى لا تذهب بالسكر عن مجاهد وقتادة والضحاك ومن قرأ ينزفون حمله على أنه لا تفنى خمرهم {وفاكهة مما يتخيرون} أي ويطوفون عليهم بفاكهة مما يختارونه ويشتهونه يقال تخيرت الشيء أخذت خيره {ولحم طير مما يشتهون} أي وبلحم طير مما يتمنون فإن أهل الجنة إذا اشتهوا لحم الطير خلق الله سبحانه لهم الطير نضيجا حتى لا يحتاج إلى ذبح الطير وإيلامه قال ابن عباس يخطر على قلبه الطير فيصير(7) ممثلا بين يديه على ما اشتهى {وحور عين} قد مر بيانه {كأمثال اللؤلؤ المكنون} أي الدر المصون المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي قال عمر ابن أبي ربيعة :

وهي زهراء مثل لؤلؤة الغواص *** ميزت من جوهر مكنون

{جزاء بما كانوا يعملون} أي نفعل ذلك الجزاء أعمالهم وطاعاتهم التي عملوها في دار التكليف الدنيا {لا يسمعون فيها} أي في الجنة {لغوا} أي ما لا فائدة فيه من الكلام لأن كل ما يتكلمون به فيه فائدة {ولا تأثيما} أي لا يقول بعضهم لبعض أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم عن ابن عباس وقيل معناه لا يتخالفون على شرب الخمر كما يتخالفون في الدنيا ولا يأثمون بشربها كما يأثمون في الدنيا {إلا قيلا سلاما سلاما} أي لا يسمعون إلا قول بعضهم لبعض على وجه التحية سلاما سلاما والمعنى أنهم يتداعون بالسلام على حسن الآداب وكريم الأخلاق اللذين يوجبان التواد ونصب سلاما على تقدير سلمك الله سلاما بدوام النعمة وكمال الغبطة(8) ويجوز أن يعمل سلام في سلاما لأنه يدل على عامله كما يدل قوله تعالى والله أنبتكم من الأرض نباتا على العامل في نبات فإن المعنى أنبتكم فنبتم نباتا ويجوز أن يكون سلاما نعتا لقوله قيلا ويجوز أن يكون مفعول قيل فالوجوه الثلاثة تحتملها الآية .

_________________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص357-

2- فت الشيء : دقه وكسره .

3- في المخطوطة : وسعيد بن المسيب.

4- في المخطوطة : ((من التابعين)).

5- فيها ايضا سابق امة .... بدون لفظة ((في)).

6- في نسخة : فيعاقبوا عليها.

7- وفي نسختين : فيطير.

8- في نسخة : العطية.

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ} . المراد بالواقعة هنا القيامة ، والمعنى ان الناس في الحياة الدنيا بين مصدق ومكذب بأمر الآخرة ، أما إذا جاءت ووفيت كل نفس ما كسبت فعندئذ تعترف ولا تكذب . . كيف والآخرة {خافِضَةٌ رافِعَةٌ}.

تخفض المجرمين ، وترفع المتقين {إِذا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا وبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا} . يشير سبحانه بهذا إلى خراب الكون ، فالأرض تدمرها الزلازل ، والجبال تتحول إلى غبار .

{وكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً} . يجمع اللَّه الناس يوم القيامة ، ويجعلهم ثلاثة أصناف :

1 - {فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} . وهم الذين يعطون غدا كتبهم بإيمانهم ، قال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوفِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ} - 20 الحاقة . وهذا الصنف وان كان من الناجين ، ولكنه دون الصنف الثالث .

2 - {وأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ} . وهم الذين يعطون كتبهم بشمالهم ، قال سبحانه : {وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ ولَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ} - 27 الحاقة .

3 - {والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} . أطلق سبحانه هنا السبق ولم يبين إلى شيء يسبقون ويسرعون ، ولكن بينه في مكان آخر : {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ والَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ والَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ والَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وهُمْ لَها سابِقُونَ} - 61 المؤمنون فالسابقون - إذن - هم الذين يؤمنون باللَّه وحده لا شريك له ، وباليوم الآخر ، ولا يتوانون عن طاعته خوفا من غضبه وعذابه ، ويضحون بالغالي في سبيله طلبا لمرضاته وثوابه {أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}.

لهم الحظ الأوفر من التقريب إلى جلاله تعالى ، والنصيب الأكبر من نعيمه.

{ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} . السابقون الذين لهم عند اللَّه المنزلة العليا هم جماعة كثيرة من الأولين ، وقليلة من الآخرين . . واختلف المفسرون في من هم الأولون والآخرون في هذه الآية ؟ . فقال فريق منهم : ان المراد بالأولين من آمن وسبق إلى الخيرات قبل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) . وقال الفريق الآخر : ان كلا من الأولين والآخرين من أمة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) . . وفي رأينا ان الأولين إشارة إلى عصر

الإسلام الذهبي يوم كان له قوة وسلطان ، وكان المسلمون يؤمنون به قولا وعملا ، ويدافعون عنه بالأرواح والأموال ، وان الآخرين إشارة إلى القلة القليلة من المؤمنين في العصور المتأخرة التي يصدق عليها قول الإمام علي (عليه السلام) : (يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من القرآن إلا رسمه ، ومن الإسلام إلا اسمه ، مساجدهم يومئذ عامرة من البنى خراب من الهدى ، سكانها وعمارها شر أهل الأرض ، منهم تخرج الفتنة وإليهم تأوي الخطيئة . . يقول اللَّه تعالى : فبي حلفت لأبعثن على أولئك فتنة اترك الحليم فيها حيران). وأية فتنة وبلاء أشد وأعظم من الصهيونية والاستعمار.

{عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} منسوجة بما يتناسب مع أجساد أهل الجنة النواعم ، ووجوههم النواضر {مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ} لا أشغال ولا هموم عيال {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وأَبارِيقَ وكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} . أقداح من عسل مصفى ، وكأس من خمر لذة للشاربين ، وأباريق من رحيق مختوم . . وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . {لا يُصَدَّعُونَ عَنْها ولا يُنْزِفُونَ} . لا صداع رأس ، ولا ذهاب عقل من شرابها ، ولا نهاية لها {وفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ولَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} . شراب نقي ، ولحم طري ، والفاكهة ألوان ، والحور عين وحسان ، وخدم وحشم وفراش وأسرّة ، وراحة واطمئنان ، لا تبعات ولا كربات . . كل ذلك {جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} للخير والمصلحة العامة بلا رياء ولا تطبيل وتزمير {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً ولا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً} . ومن أين يسمعون الهجر والإثم ، ولا ناطق في الجنة إلا بخير ؟ . كل هذه النعم هي للسابقين .

______________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص219-221.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

تصف السورة القيامة الكبرى التي فيها بعث الناس وحسابهم وجزاؤهم فتذكر أولا شيئا من أهوالها مما يقرب من الإنسان والأرض التي يسكنها فتذكر تقليبها للأوضاع والأحوال بالخفض والرفع وارتجاج الأرض وانبثاث الجبال وتقسم الناس إلى ثلاثة أزواج إجمالا ثم تذكر ما ينتهي إليه حال كل من الأزواج السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال.

ثم تحتج على أصحاب الشمال المنكرين لربوبيته وللبعث المكذبين بالقرآن الداعي إلى التوحيد والإيمان بالبعث.

ثم تختم الكلام بذكر الاحتضار بنزول الموت وانقسام الناس إلى ثلاثة أزواج.

والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: {إذا وقعت الواقعة} وقوع الحادثة هو حدوثها، والواقعة صفة توصف بها كل حادثة، والمراد بها هاهنا واقعة القيامة وقد أطلقت إطلاق الأعلام كأنها لا تحتاج إلى موصوف مقدر ولذا قيل: إنها من أسماء القيامة في القرآن كالحاقة والقارعة والغاشية.

والجملة {إذا وقعت الواقعة} مضمنة معنى الشرط ولم يذكر جزاء الشرط إعظاما له وتفخيما لأمره وهو على أي حال أمر مفهوم مما ستصفه السورة من حال الناس يوم القيامة، والتقدير نحو من قولنا: فاز المؤمنون وخسر الكافرون.

قوله تعالى: {ليس لوقعتها كاذبة} قال في المجمع،: الكاذبة مصدر كالعافية والعاقبة.

انتهى.

وعليه فالمعنى: ليس في وقعتها وتحققها كذب، وقيل: كاذبة صفة محذوفة الموصوف والتقدير: ليس لوقعتها قضية كاذبة.

قوله تعالى: {خافضة رافعة} خبران مبتدؤهما الضمير الراجع إلى الواقعة، والخفض خلاف الرفع وكونها خافضة رافعة كناية عن تقليبها نظام الدنيا المشهود فتظهر السرائر وهي محجوبة اليوم وتحجب وتستر آثار الأسباب وروابطها وهي ظاهرة اليوم وتذل الأعزة من أهل الكفر والفسق وتعز المتقين.

قوله تعالى: {إذا رجت الأرض رجا} الرج تحريك الشيء تحريكا شديدا إشارة إلى زلزلة الساعة التي يعظمها الله سبحانه في قوله: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] ، وقد عظمها في هذه الآية حيث عبر عنها برج الأرض ثم أكد شدتها بتنكير قوله: {رجا} أي رجا لا يوصف شدته.

والجملة بدل أو بيان لقوله: {إذا وقعت الواقعة}.

قوله تعالى: {وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا} عطف على رجت والبس الفت وهو عود الجسم بدق ونحوه أجزاء صغارا متلاشية كالدقيق، وقيل: البس هو التسيير فهو في معنى قوله: { وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} [النبأ: 20] .

وقوله: {فكانت هباء منبثا} الهباء قيل: هو الغبار وقيل: هو الذرة من الغبار الظاهر في شعاع الشمس الداخل من كوة، والانبثات التفرق، والمعنى ظاهر.

قوله تعالى: {وكنتم أزواجا ثلاثة} الزوج بمعنى الصنف والخطاب لعامة البشر.

قوله تعالى: {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة} متفرع على ما قبلها تفرع البيان على المبين، فهذه الآية والآيتان بعدها بيان للأزواج الثلاثة.

والميمنة من اليمن مقابل الشؤم، فأصحاب الميمنة أصحاب السعادة واليمن مقابل أصحاب المشأمة أصحاب الشقاء والشؤم، وما قيل: إن المراد بالميمنة اليمين، أي ناحية اليمين لأنهم يؤتون كتابهم بيمينهم وغيرهم يؤتونه بشمالهم يرده مقابلة أصحاب الميمنة بأصحاب المشأمة، ولوكان كما قيل لقيل أصحاب الشمال وهو ظاهر.

وما في قوله: {ما أصحاب الميمنة} استفهامية ومبتدأ خبره {أصحاب الميمنة} ، والمجموع خبر لقوله: {فأصحاب الميمنة} وفي الاستفهام إعظام لأمرهم وتفخيم لشأنهم.

قوله تعالى: {وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} المشأمة مصدر كالشؤم مقابل اليمين، والميمنة والمشأمة السعادة والشقاء.

قوله تعالى: {والسابقون السابقون} الذي يصلح أن يفسر به السابقون الأول قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: 32] ، وقوله: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة : 148] ، وقوله: { أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [المؤمنون: 61].

فالمراد بالسابقين - الأول - في الآية السابقون بالخيرات من الأعمال، وإذا سبقوا بالخيرات سبقوا إلى المغفرة والرحمة التي بإزائها كما قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ } [الحديد: 21] ، فالسابقون بالخيرات هم السابقون بالرحمة وهو قوله : {والسابقون السابقون}.

وقيل : المراد بالسابقون الثاني هو الأول على حد قوله: أنا أبو النجم وشعري شعري.

وقوله : {والسابقون السابقون} مبتدأ وخبر، وقيل: الأول مبتدأ والثاني تأكيد، والخبر قوله : {أولئك المقربون}.

ولهم في تفسير السابقين أقوال أخر فقيل: هم المسارعون إلى كل ما دعا الله إليه، وقيل: هم الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة من غير توان، وقيل: هم الأنبياء (عليهم السلام) لأنهم مقدموا أهل الأديان، وقيل: هم مؤمن آل فرعون وحبيب النجار المذكور في سورة يس وعلي (عليه السلام) السابق إلى الإيمان بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أفضلهم وقيل: هم السابقون إلى الهجرة، وقيل: هم السابقون إلى الصلوات الخمس، وقيل: هم الذين صلوا إلى القبلتين، وقيل: هم السابقون إلى الجهاد، وقيل غير ذلك.

والقولان الأولان راجعان إلى ما تقدم من المعنى، والثالث والرابع ينبغي أن يحملا على التمثيل، والباقي كما ترى إلا أن يحمل على نحو من التمثيل.

الآيات تفصل ما ينتهي إليه حال كل واحد من الأزواج الثلاثة يوم القيامة.

قوله تعالى: {أولئك المقربون في جنات النعيم} الإشارة بأولئك إلى السابقين، و{أولئك المقربون} مبتدأ وخبر، والجملة استئنافية، وقيل: خبر لقوله: {والسابقون}، وقيل: مبتدأ خبره في جنات النعيم، وأول الوجوه الثلاثة أوجه بالنظر إلى سياق تقسيم الناس إلى ثلاثة أزواج أولا ثم تفصيل ما ينتهي إليه أمر كل منهم.

والقرب والبعد معنيان متضائفان تتصف بهما الأجسام بحسب النسبة المكانية ثم توسع فيهما فاعتبرا في غير المكان من الزمان ونحوه، يقال : الغد قريب من اليوم والأربعة أقرب إلى الثلاثة من الخمسة، والخضرة أقرب إلى السواد من البياض ثم توسع فيهما فاعتبرا في غير الأجسام والجسمانيات من الحقائق.

وقد اعتبر القرب وصفا له تعالى بما له من الإحاطة بكل شيء، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] ، وقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ } [الواقعة: 85] ، وقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ق: 16] .

وهذا المعنى أعني كونه تعالى أقرب إلى الشيء من نفسه أعجب ما يتصور من معنى القرب، وقد أشرنا إلى تصويره في تفسير الآية.

واعتبر القرب أيضا وصفا للعباد في مرحلة العبودية ولما كان أمرا اكتسابيا يستعمل فيه لفظ التقرب فالعبد يتقرب بصالح العمل إلى الله سبحانه وهو وقوعه في معرض شمول الرحمة الإلهية بزوال أسباب الشقاء والحرمان، والله سبحانه يقرب العبد بمعنى إنزاله منزلة يختص بنيل ما لا يناله من دونه من إكرامه تعالى ومغفرته ورحمته، قال تعالى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 20، 21] ، وقال: { وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 27، 28].

فالمقربون هم النمط الأعلى من أهل السعادة كما يشير إليه قوله: {والسابقون السابقون أولئك المقربون} ولا يتم ذلك إلا بكمال العبودية كما قال: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172] ، ولا تكمل العبودية إلا بأن يكون العبد تبعا محضا في إرادته وعمله لمولاه لا يريد ولا يعمل إلا ما يريده وهذا هو الدخول تحت ولاية الله فهؤلاء هم أولياء الله.

وقوله: {في جنات النعيم} أي كل واحد منهم في جنة النعيم فالكل في جنات النعيم، ويمكن أن يراد به أن كلا منهم في جنات النعيم لكن يبعده قوله في آخر السورة: {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم}.

وقد تقدم غير مرة أن النعيم هي الولاية وأن جنة النعيم هي جنة الولاية وهو المناسب لما تقدم آنفا أن المقربين هم أهل ولاية الله.

قوله تعالى: {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} الثلة - على ما قيل - الجماعة الكثيرة، والمراد بالأولين الأمم الماضون للأنبياء السابقين، وبالآخرين هذه الأمة على ما هو المعهود من كلامه تعالى في كل موضع ذكر فيه الأولين والآخرين معا ومنها ما سيأتي من قوله: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} فمعنى الآيتين : هم أي المقربون جماعة كثيرة من الأمم الماضين وقليل من هذه الأمة.

وبما تقدم يظهر أن قول بعضهم: إن المراد بالأولين والآخرين أولوا هذه الأمة وآخروها غير سديد.

قوله تعالى: {على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين} الوضن النسج وقيل: نسج الدرع وإطلاقه على نسج السرر استعارة يراد بها إحكام نسجها.

وقوله: {متكئين عليها} حال من الضمير العائد إلى المقربين والضمير للسرر، وقوله: {متقابلين} حال آخر منه أومن ضمير {متكئين} وتقابلهم كناية عن بلوغ أنسهم وحسن عشرتهم وصفاء باطنهم فلا ينظرون في قفاء صاحبهم ولا يعيبونه ولا يغتابونه.

والمعنى: هم أي المقربون مستقرون على سرر منسوجة حال كونهم متكئين عليها حال كونهم متقابلين.

قوله تعالى: {يطوف عليهم ولدان مخلدون} الولدان جمع ولد وهو الغلام، وطوافهم عليهم كناية عن خدمتهم لهم، والمخلدون من الخلود بمعنى الدوام أي باقون أبدا على هيئتهم من حداثة السن، وقيل من الخلد بفتحتين وهو القرط، والمراد أنهم مقرطون بالخلد.

قوله تعالى: {بأكواب وأباريق وكأس من معين} الأكواب جمع كوب وهو الإناء الذي لا عروة له ولا خرطوم، والأباريق جمع إبريق وهو الإناء الذي له خرطوم، وقيل: عروة وخرطوم معا، والكأس معروف، قيل: أفرد الكأس لأنها لا تسمى كأسا إلا إذا كانت ممتلئة، والمراد بالمعين الخمر المعين وهو الظاهر للبصر الجاري.

قوله تعالى: {لا يصدعون عنها ولا ينزفون} أي لا يأخذهم صداع لأجل خمار يحصل من الخمر كما في خمر الدنيا ولا يزول عقلهم بالسكر الحاصل منها.

قوله تعالى: {وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون} الفاكهة والطير معطوفان على قوله: {بأكواب}، والمعنى: يطوف عليهم الولدان بفاكهة مما يختارون وبلحم طير مما يشتهون.

ولا يستشكل بما ورد في الروايات أن أهل الجنة إذا اشتهوا فاكهة تدلى إليهم غصن شجرتها بما لها من ثمرة فيتناولونها، وإذا اشتهوا لحم طير وقع مقليا مشويا في أيديهم فيأكلون منها ما أرادوا ثم حيي وطار.

وذلك لأن لهم ما شاءوا ومن فنون التنعم تناول ما يريدونه من أيدي خدمهم وخاصة حال اجتماعهم واحتفالهم كما أن من فنونه تناولهم أنفسهم من غير توسيط خدمهم فيه.

قوله تعالى: {وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون} مبتدأ محذوف الخبر على ما يفيده السياق والتقدير ولهم حور عين أو وفيها حور عين والحور العين نساء الجنة وقد تقدم معنى الحور العين في تفسير سورة الدخان.

وقوله: {كأمثال اللؤلؤ المكنون} أي اللؤلؤ المصون المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي فهو منته في صفائه.

قوله تعالى: {جزاء بما كانوا يعملون} قيد لجميع ما تقدم وهو مفعول له، والمعنى: فعلنا بهم ما فعلنا ليكون جزاء لهم قبال ما كانوا يستمرون عليه من العمل الصالح.

قوله تعالى: {لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما} اللغو من القول ما لا فائدة فيه ولا أثر يترتب عليه، والتأثيم النسبة إلى الإثم أي لا يخاطب أحدهم صاحبه بما لا فائدة فيه ولا ينسبه إلى الإثم إذ لا إثم هناك، وفسر بعضهم التأثيم بالكذب.

قوله تعالى: {إلا قيلا سلاما سلاما} استثناء منقطع من اللغو والتأثيم، والقيل مصدر كالقول، و{سلاما} بيان لقوله: {قيلا} وتكراره يفيد تكرر الوقوع، والمعنى: إلا قولا هو السلام بعد السلام.

قيل: ويمكن أن يكون {سلاما} مصدرا بمعنى الوصف وصفة لقيلا، والمعنى: إلا قولا هو سالم.

____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص101-108.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

الواقعة العظيمة :

إنّ الأحداث المرتبطة بالقيامة تذكر غالباً في القرآن الكريم مقترنة بحوادث أساسيّة عظيمة قاصمة ومدمّرة، وهذا ما يلاحظ في الكثير من السور القرآنية التي تتحدّث عن القيامة.

وفي سورة الواقعة حيث يدور البحث حول محور المعاد، نجد هذا واضحاً في الآيات الاُولى منها، حيث يبدأ سبحانه بقوله: {إذا وقعت الواقعة}(2).

{ليس لوقعتها كاذبة} وذلك لأنّ الحوادث التي تسبقها عظيمة وشديدة بحيث تكون آثارها واضحة في كلّ ذرّات الوجود.

«الواقعة» تشير إشارة مختصرة إلى مسألة الحشر، ولأنّ وقوعها حتمي فقد عبّر عنها بـ (الواقعة) واعتبر البعض أنّها إحدى أسماء القيامة.

كلمة (كاذبة) هنا أخذت بمعناها المصدري، وهي إشارة إلى أنّ وقوع القيامة ظاهر وواضح إلى حدّ لا يوجد أي مجال لتكذيبه أو بحثه والنقاش فيه.

كما أنّ البعض فسّرها بمعناها الظاهري الذي هو اسم الفاعل، حيث قالوا بعدم وجود من يكذّب هذا الأمر(3).

وعلى كلّ حال فإنّ الحشر لا يقترن بتغيير الكائنات فحسب، بل إنّ البشر يتغيّر كذلك كما يقول سبحانه في الآية اللاحقة {خافضة رافعة}(4).

أجل، انّها تذلّ المستكبرين المتطاولين، وتعزّ المحرومين المؤمنين وترفع المستضعفين الصادقين بعض يسقط إلى قاع جهنّم، وبعض آخر إلى أعلى عليين في الجنّة.

وهذه هي خاصية المبادىء الإلهيّة العظيمة.

ولذلك نقرأ في رواية الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في تفسير هذه الآية أنّه قال: «خافضة خفضت والله أعداء الله في النار، رافعة رفعت والله أولياء الله إلى الجنّة»(5).

ثمّ يستعرض القرآن الكريم وصفاً أوسع في هذا الجانب حيث يقول: {إذا رجّت الأرض رجّاً}.

يا له من زلزال عظيم وشديد إلى حدّ أنّ الجبال فيه تندكّ وتتلاشى، قال تعالى: {وبسّت الجبال بسّاً فكانت هباءً منبثّاً}.

(رُجّت) من مادّة (رجّ) على وزن (حجّ) بمعنى التحرّك الشديد للشيء وتقال رجرجة للإضطراب.

«بُسّت» من مادّة (بسّ) على وزن (حجّ). والأصل بمعنى تليّين الطحين وتعجنه بواسطة الماء.

«هباءً» بمعنى غبار، و«منبث» بمعنى منتشر. قال البعض: إنّ «هباءً» هو ذرّات الغبار الصغيرة المعلّقة بالفضاء ولا ترى في الحالة الإعتيادية، إلاّ إذا دخل نور الشمس من نافذة إلى مكان مظلم.

والآن يجب التفكير بهذه الزلزلة والإنفجار، كم هو عظيم بحيث تتلاشى الجبال مع ما لها من القوّة والصلابة بحيث تتحوّل إلى غبار منتشر، والأعظم هو شدّة الصوت الذي ينتج من هذا الإنفجار الرهيب.

وعلى كلّ حال فقد نلاحظ في الآيات القرآنية تعبيرات مختلفة حول وضع الجبال قبل يوم القيامة، وتكشف لنا المراحل المتعدّدة للإنفجار العظيم الذي يطرأ على الجبال، حيث يقول عزّوجلّ في هذا الصدد:

{ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} [الطور: 10] .

{وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات: 10] .

{فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14] .

{وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا } [المزمل: 14] أي كالرمل المتراكم.

{فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 6] الآية محلّ البحث.

وأخيراً {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ } [القارعة: 5] أي كالصوف المنفوش حيث لا يرى منها إلاّ لونها.

ومن الواضح أن لا أحد يعلم إلاّ الله بحقيقة حصول هذه التغيّرات التي لا تحملها الألفاظ، ولا تجسّدها العبارات، اللهمّ إلاّ إشارات معبّرة تحكي عظمة وهول هذا الإنفجار العظيم.

وبعد بيان وقوع هذه الظاهرة العظيمة والحشر الكبير يستعرض القرآن المجيد ذكر حالة الناس في ذلك اليوم، حيث قسّم الناس إلى ثلاثة أقسام بقول سبحانه: {وكنتم أزواجاً ثلاثة}.

لفظ (الزوج) لا يقال دائماً لجنس المؤنث والمذكّر، بل تطلق هذه اللفظة على الاُمور المتقارنة مع بعض، ولكون أصناف الناس في القيامة والحشر والنشر تكون متقارنة مع بعضها، لذا يطلق عليها لفظ أزواج.

وحول القسم الأوّل يحدّثنا القرآن الكريم بقوله: {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة}(6).

المقصود من أصحاب الميمنة هم الأشخاص الذين يعطون صحيفة أعمالهم بأيديهم اليمنى، وهذا الأمر رمز لأهل النجاة، ودليل الأمان للمؤمنين والصالحين في يوم القيامة، كما ذكر هذا مراراً في الآيات القرآنية.

أو أنّ كلمة (ميمنة) من مادّة (يمن) التي أخذت من معنى السعادة، وعلى هذا التّفسير فإنّ القسم الأوّل هم طائفة السعداء وأهل الحبور والسرور.

وبالنظر إلى أنّ الآية اللاحقة تعرّف المجموعة الثانية بـ (أصحاب المشئمة) والتي هي مأخوذة من مادّة (شؤم) فإنّ التّفسير الأخير هو الأنسب(7).

عبارة «ما أصحاب الميمنة» هو بيان حقيقة السعادة التي ليس لها حدّ ولا يمكن تصوّرها لهؤلاء المؤمنين، وهذه قمّة الروعة في الوصف لمثل هذه الحالات، ويمكن تشبيه ذلك بقولنا: فلان إنسان يا له من إنسان!

ثمّ يستعرض الله تعالى المجموعة الثانية بقوله: {وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة} حيث الشؤم والتعاسة، وإستلام صحائف أعمالهم بأيديهم اليسرى التي هي رمز سوء عاقبتهم وعظيم جرمهم وجنايتهم، نتيجة عمى البصيرة والسقوط في وحل الضلال.

والتعبير بـ «ما أصحاب المشئمة» هو الآخر يعكس نهاية سوء حظّهم وشقاوتهم.

وأخيراً يصف المجموعة الثالثة أيضاً بقوله سبحانه: {والسابقون السابقون(8)اُولئك المقرّبون}.

(السابقون) ليسوا الذين سبقوا غيرهم بالإيمان فحسب، بل في أعمال الخير والأخلاق والإخلاص، فهم اُسوة وقدوة وقادة للناس، ولهذا السبب فهم من المقرّبين إلى الحضرة الإلهيّة.

وبناءً على هذا، فما نرى من تفسير أسبقية السابقين بالسبق في طاعة الله، أو أداء الصلوات الخمس، أو الجهاد والهجرة والتوبة فإنّ كلّ واحد من هذه التفاسير تمثّل جانباً من هذا المفهوم الواسع، وإلاّ فإنّ هذه الكلمة (السابقون) تشمل جميع هذه الأعمال، والطاعات وغيرها.

وإذا فسّرت (السابقون) كما في بعض الرّوايات الإسلامية بأنّها تعني الأشخاص الأربعة وهم «هابيل»، و«مؤمن آل فرعون»، و«حبيب النجّار» الذين تميّز كلّ منهم بأسبقيته في قومه، وكذلك «أمير المؤمنين» (عليه السلام) الذي هو أوّل من دخل في الإسلام من الرجال، فإنّ هذا التّفسير في الحقيقة هو بيان للمصاديق الواضحة، وليس تحديداً لمفهوم الآية(9).

وجاء في حديث آخر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أتدرون من السابقون إلى ظلّ الله في يوم القيامة؟ فقال أصحابه: الله ورسوله أعلم، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (الذين إذا أعطوا الحقّ قبلوه، وإذا سألوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم»(10).

وجاء في بعض الرّوايات أيضاً أنّ المقصود بـ (السابقون) هم الأنبياء المرسلون وغير المرسلين(11).

«ونقرأ في حديث لابن عبّاس أنّه قال: «سألت رسول الله حول هذه الآية فقال: «هكذا أخبرني جبرائيل، ذلك علي وشيعته هم السابقون إلى الجنّة، المقرّبون من الله لكرامته لهم»(12).

وكما تقدّم إنّه بيان للمصاديق الواضحة من المفهوم الذي ذكر أعلاه، الذي يشمل جميع (السابقين) في كلّ الاُمم والشعوب.

ثمّ يوضّح ـ في جملة قصيرة ـ المقام العالي للمقرّبين حيث يقول سبحانه: {في جنّات النعيم}(13)

التعبير بـ (جنّات النعيم) يشمل أنواع النعم المادية والمعنوية، ويمكن إعتبار هذا التعبير إشارة إلى أنّ بساتين الجنّة هي وحدها مركز النعمة والراحة في مقابل بساتين الدنيا التي تحتاج إلى الجهد والتعب، كما أنّ حالة المقربين في الدنيا تختلف عن حالة المقرّبين في الآخرة، حيث أنّ مقامهم العالي في الدنيا كان توأماً مع المسؤوليات والطاعات في حين أنّ مقامهم في الآخرة سبب للنعمة فقط.

ومن البديهي أنّ المقصود من «القرب» ليس «القرب المكاني» لأنّ الله ليس له مكان، وهو أقرب إلينا من أنفسنا، والمقصود هنا هو «القرب المقامي».

ويشير في الآية اللاحقة إلى الحالة العددية في الاُمم السابقة وفي هذه الاُمّة أيضاً حيث يقول سبحانه:

{ثلّة من الأوّلين} أي أنّهم جماعة كثيرة في الاُمم السالفة والأقوام الاُولى.

{وقليل من الآخرين}.

(ثلّة) كما يقول الراغب في المفردات تعني في الأصل قطعة مجتمعة من الصوف، ثمّ تحوّلت إلى معنى مجموعة من الأشخاص.

وأخذها البعض أيضاً من (ثلّ عرشه) بمعنى سقط وإنهار، يقال (سقط عرشه وإنقلعت حكومته) وإعتبرها البعض (قطعة)، وذلك بقرينة المقابلة بـ (قليل من الآخرين) يكون المعنى القطعة العظيمة.

وطبقاً لهاتين الآيتين فإنّ قسماً كبيراً من المقرّبين هم من الاُمم السابقة، وقسم قليل منهم فقط هم من اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويثار سؤال هنا وهو: كيف يتناسب العدد القليل من مقرّبي اُمّة محمّد مع الأهميّة البالغة لهذه الاُمّة التي وصفها القرآن الكريم بأنّها من أفضل الاُمم؟ قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] .

وللجواب على هذا السؤال يجدر الإلتفات إلى نقطتين:

الاُولى: إنّ المقصود من المقرّبين هم السابقون في الإيمان، ومن المسلّم أنّ السابقين لقبول الإسلام في الصدر الأوّل منه كانوا قلّة، أوّلهم من الرجال الإمام علي (عليه السلام)، ومن النساء خديجة (رض)، في الوقت الذي نعلم أنّ كثرة الأنبياء السابقين وتعدّد اُممهم، ووجود السابقين في كلّ اُمّة يؤدّي إلى زيادتهم من الناحية العددية.

والنقطة الثانية: أنّ الكثرة العددية ليست دليلا على الكثرة النوعية; حيث يمكن أن يكون عدد السابقين في هذه الاُمّة قليلا، إلاّ أنّ مقامهم أفضل كثيراً، كما هو المعروف بين الأنبياء أنفسهم، إذ يختلفون بإختلاف درجاتهم: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] .

وممّا يلزم ذكره أنّ قسماً من المؤمنين لم يندرجوا في زمرة السابقين في الإيمان، مع توفّر الصفات والخصوصيات فيهم والتي تجعلهم بنفس درجة السابقين من حيث الأجر والجزاء، لذلك فقد نقل في بعض الرّوايات عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «نحن السابقون السابقون ونحن الآخرون»(14).

وجاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه خاطب مجموعة من أصحابه فقال لهم: «أنتم السابقون الأوّلون والسابقون الآخرون، والسابقون في الدنيا إلى ولايتنا، وفي الآخرة إلى الجنّة»(15).

ومن الجدير بالملاحظة أنّ بعض المفسّرين فسّر «الأوّلين والآخرين» بـ {الأوّلين في الاُمّة الإسلامية والآخرين فيها} و إنسجاماً مع هذا الرأي فإنّ جميع المقرّبين هم من الاُمّة الإسلامية.

إلاّ أنّ هذا التّفسير لا يتناسب مع ظاهر الآيات والرّوايات التي وردت في ذيل هذه الآيات، حيث أنّها عرّفت أشخاصاً من الاُمم السابقة بالخصوص بعنوان أنّهم من السابقين الأوّلين.

وقوله تعالى : {عَلَى سُرُر مَّوْضُونَة (15) مُّتَكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَبِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا}

الجنّة بإنتظار المقرّبين:

هذه الآيات تتحدّث عن أنواع نعم الجنّة التي أعدّها الله سبحانه للقسم الثالث من عباده المقرّبين، والتي كلّ واحدة منها أعظم من اُختها وأكرم ..

وقد لخّصت هذه النعم بسبعة أقسام:

يقول تعالى في البداية: {على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين}.

«سرر» جمع سرير من مادّة (سرور) بمعنى التخت الذي يجلس عليه المنعّمين في مجالس الاُنس والسرور(16).

(موضون) من مادّة (وضن) على وزن (وزن) وهي في الأصل بمعنى نسج الدرع، ثمّ اُطلقت على كلّ منسوج محكم الخيوط والنسيج. والمقصود هنا هي الأسرة الموضوعة جنباً إلى جنب بصورة متراصّة. أو أنّ لهذه الأسرة حياكة مخصوصة من اللؤلؤ والياقوت وما إلى ذلك، كما قال بعض المفسّرين.

وعلى كلّ حال، فإنّ بناء هذه الأسرة وكيفية وضعها، ومجلس الاُنس الذي يتشكّل عليها، وأجواء السرور والفرح التي تغمرها، لا نستطيع وصفه بأي بيان.

ونلاحظ إستمرار الأوصاف الرائعة في القرآن الكريم لسرر الجنّة، ومجالس أهلها، ومنتديات أحبّتها ممّا يدلّ على أنّ من أهم نعم وملذّات هؤلاء هي جلسات الاُنس هذه ..

أمّا أحاديثهم وما يدور في حفلاتهم فليس هنالك أحد يعلم حقيقتها، فهل هي عن أسرار الخلق وعجائب الكون؟ أوعن اُصول المعرفة وأسماء الله وصفاته الحسنى؟ أوعن الحوادث التي حدثت في هذا العالم؟ أوعن الراحة التي هم عليها بعد التعب والعناء؟ أوعن اُمور اُخرى لا نستطيع إدراكها ...؟ هذا هو سرّ لا يعلمه إلاّ الله.

ثمّ يتحدث سبحانه عن نعمة اُخرى لهم حيث يقول: {يطوف عليهم ولدان مخلّدون}.

التعبير بـ «يطوف» من مادّة (طواف) إشارة إلى إستمرار خدمة هؤلاء (الطوافين) لضيوفهم.

والتعبير بـ «مخلّدون» إشارة إلى خلود شبابهم ونشاطهم وجمالهم وطراوتهم، والأصل أنّ جميع أهل الجنّة مخلّدون وباقون.

أمّا من هم هؤلاء الولدان؟

قال البعض: إنّهم أبناء البشر من هذه الدنيا الذين توفّوا قبل البلوغ، وصحيفة أعمالهم بيضاء لم تدنّس بعد، فقد بلغوا هذه المرتبة بلطف الله سبحانه، وخدمتهم للمقرّبين تقترن بإرتياح عظيم ورغبة عميقة ولذّة من أفضل اللذّات، لأنّهم في خدمة المقرّبين من الحضرة الإلهيّة.

وقد ورد في هذا المعنى حديث للإمام علي (عليه السلام).

إلاّ أنّنا نقرأ في تفسير آخر أنّهم أطفال المشركين ولأنّهم لم يرتكبوا ذنباً فقد حصلوا على هذه المرتبة; وأطفال المؤمنين يلتحقون بآبائهم واُمّهاتهم.

ونقرأ في تفسير ثالث أنّهم خدّام الجنّة، حيث إنّ الله سبحانه قد أعدّهم لهذه المهمّة بشكل خاصّ.

ويضيف القرآن أنّ هؤلاء الولدان يقدّمون لأصحاب الجنّة أقداح الخمر وكؤوس الشراب المأخوذ من أنهار الجنّة {بأكواب وأباريق وكأس من معين}(17) وشرابهم هذا ليس من النوع الذي يأخذ لباب العقل والفكر، حيث يقول تعالى: {لا يصدّعون عنها ولا ينزفون}(18).

إنّ الحالة التي تنتابهم من النشوة الروحية حين تناولهم لهذا الشراب لا يمكن أن توصف، إذ تغمر كلّ وجودهم بلذّة ليس لها مثيل.

ثمّ يشير سبحانه إلى رابع وخامس قسم من النعم المادية التي وهبها الله للمقرّبين في الجنّة، حيث يقول سبحانه: {وفاكهة ممّا يتخيّرون}(19) {ولحم طير ممّا يشتهون}.

إنّ تقديم الفاكهة على اللحم بلحاظ كون الفاكهة أفضل من الناحية الغذائية بالإضافة إلى نكهتها الخاصّة عند أكلها قبل الطعام.

والذي يستفاد من بعض الرّوايات أنّ غصون أشجار الجنّة تكون في متناول أيدي أهل الجنّة، بحيث يستطيعون بكلّ سهولة أن يتناولوا أي نوع من الفاكهة مباشرة، وهكذا الحال بالنسبة لبقيّة الأغذية الموجودة في الجنّة. إلاّ أنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ تقديم الغذاء من قبل (الولدان المخلّدين) له صفاء خاصّ ولطف متميّز حيث أنّ تقديم الطعام يعبّر عن مزيد الإحترام والإكرام لأهل الجنّة، وتضفي رونقاً وبهاءً أكثر على مجالس أُنسهم. ومن المتعارف عليه إجتماعياً بيننا أنّ تقديم الفاكهة وتقريبها من الضيوف من قبل المضيف نفسه يعبّر عن التقدير والمحبّة والإحترام.

وخصّت لحوم الطيور بالذكر هنا لفضلها على بقيّة أنواع اللحوم، لذا فقد تكرّر ذكرها.

إنّ إستعمال تعبير «يتخيّرون» بالنسبة لـ (الفاكهة) ويشتهون بالنسبة لـ (اللحوم) لا يدلّل على وجود إختلاف بين التعبيرين كما ذهب إليه بعض المفسّرين، بل هما بمعنى واحد بعبارتين مختلفتين، والمقصود بهما أنّ أي غذاء يشتهيه أهل الجنّة يوضع بإختيارهم من قبل (الولدان المخلّدين).

ثمّ يشير سبحانه إلى سادس نعمة وهي الزوجات الطاهرات الجميلات حيث يقول سبحانه: {حور عين}(20) {كأمثال اللؤلؤ المكنون}.

«حور» كما قلنا سابقاً جمع حوراء وأحور، ويقال للشخص الذي يكون سواد عينه شديداً وبياضها شفافاً، و(عين) جمع (عيناء) وأعين، بمعنى العين الواسعة، لأنّ أكثر جمال الإنسان في عيونه، فقد ذكر هذا الوصف خصوصاً.

وقال البعض: إنّ «حور» أُخذت من مادّة (حيرة) يعني أنّهنّ جميلات إلى حدّ تصاب العيون بالحيرة عند رؤيتهنّ(21).

«مكنون» بمعنى مستور، والمقصود هنا الإستتار في الصدف، لأنّ اللؤلؤ عندما يكون مختفياً في الصدف وبعيداً عن لمس الأيدي يكون شفّافاً وناصعاً أكثر من أي وقت. وبالإضافة إلى ذلك قد يكون المقصود أنهنّ مستورات عن أعين الآخرين بصورة تامّة، لا يد تصل إليهنّ ولا عين تقع عليهنّ.

وبعد الحديث عن هذه المنح، والعطايا المادية الستّة، يضيف سبحانه: {جزاءً بما كانوا يعملون} كي لا يتصوّر أحد أنّ هذه النعم تعطى جزافاً، بل إنّ الإيمان والعمل الصالح هو السبيل لنيلها والحصول عليها، حيث يلزم للإنسان العمل المستمرّ الخالص حتّى تكون هذه الألطاف الإلهيّة من نصيبه.

«ويلاحظ بأنّ (يعملون) فعل مضارع يعطي معنى الإستمرار».

ويتحدّث القرآن الكريم عن سابع نعمة من نعم أهل الجنّة، وهي التي تتسّم بالطابع الروحي المعنوي حيث يقول تعالى: (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً).

فالجو هناك جو نزيه خالص بعيد عن الدنس، فلا كذب، ولا تهم، ولا إفتراءات، ولا إستهزاء ولا غيبة ولا ألفاظ نابية وعبارات لاذعة .. وليس هنالك لغو ولا كلام فارغ .. بل الموجود هناك هو اللطف والصفاء والجمال والمتعة والأدب والطهارة، وكم هو طاهر ذلك المحيط البعيد عن الأحاديث المدنّسة التي هي السبب في أكثر إنزعاجنا وعدم إرتياحنا في هذه الدنيا، حيث اللغو والثرثرة والكلام اللا مسؤول والتعبيرات الجارحة!

ثمّ يضيف سبحانه: {إلاّ قيلا سلاماً سلاماً}(22).

ويسأل هنا: هل أنّ هذا السلام من قبل الله تعالى؟ أو أنّه من قبل الملائكة؟ أو هو سلام متبادل بين أهل الجنّة، أوكلّ هذه الاُمور؟

الظاهر أنّ الرأي الأخير هو الأنسب، كما أشارت الآيات القرآنية الاُخرى إلى ذلك(23).

نعم إنّهم لا يسمعون شيئاً إلاّ السلام، سلام وتحيّة من الله، ومن الملائكة المقرّبين، وسلامهم وتحيّتهم لبعضهم البعض في تلك المجالس العامرة المملوءة بالصفاء والتي تفيض بالودّ والاُخوّة والصدق.

إنّ محيطهم وأجواءهم المغمورة بالسلام والسلامة تسيطر على وجودهم، وإنّ أحاديثهم وحواراتهم المختلفة تنتهي إلى السلام والاُخوّة والصفاء، وأساساً فإنّ الجنّة هي دار السلام وبيت السلامة والأمن والأمان، كما نقرأ في قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ } [الأنعام: 127] (24).

_____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13 ، ص492-503.

2 ـ تعتبر (إذا) منصوبة على الظرفية والناصب له «ليس» الوارد في الآية الثانية مثل أن نقول «يوم الجمعة ليس لي شغل» ويحتمل أن تكون منصوبة بفعل مقدّر تقديره (ذكر) إلاّ أنّ الرأي الأوّل هو الأنسب.

3 ـ إنّ سبب كون الضمير مؤنثاً لتقديره (نفس كاذبة) أو(قضيّة كاذبة) وإعتبر البعض أنّ (اللام) في (لوقعتها) للتوقيت، إلاّ أنّ الظاهر أنّها للتعدية.

4 ـ «خافضة رافعة» خبر لمبتدأ محذوف، وفي الأصل (هي خافضة رافعة).

5 ـ الخصال طبقاً، نور الثقلين، ج5، ص204.

6 ـ في تركيب هذه الجملة توجد إحتمالات عديدة وأنسبها أن نقول: «أصحاب الميمنة» مبتدأ، و «ما» إستفهامية مبتدأ ثان، وأصحاب الميمنة الثانية خبرها، والخلاصة أنّ جملة (ما أصحاب الميمنة) خبر للمبتدأ الأوّل، والفاء في بداية الجملة تفريعيّة وتفسيرية.

7 ـ جاء في الآيات اللاحقة إستعمال أصحاب الشمال بدلا من أصحاب المشئمة.

8 ـ في تركيب هذه الآية والآيات اللاحقة إحتمالات عديدة: الأوّل: أنّ (السابقون) الاُولى مبتدأ، والثانية وصف أو تأكيد له، (واُولئك المقرّبون) مبتدأ وخبر والتي هي في المجموع خبر لكلمة (السابقون) الاُولى. ويحتمل البعض الآخر أنّ (السابقون السابقون) مبتدأ وخبر. وشبّه بشعر أبي النجم المعروف حين يقول: (أنا أبو النجم وشعري شعري) والذي هو في الواقع نوع من الوصف العالي.

وهناك إحتمال آخر وهو أنّ (السابقون) الاُولى هي بمعنى السابقين في الإيمان، والسابقون الثانية بمعنى السابقين إلى الجنّة والتي ستكون كذلك مبتدأ وخبر.

9 ـ نقل هذا الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) في مجمع البيان، ج9، ص215.

10 ـ تفسير المراغي، ج27، ص134.

11 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، ص206.

12 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، ص209.

13 ـ الجار والمجرور الموجود في الآية (جنّات النعيم) ممكن أن يكون متعلّق بما قبله يعني (المقرّبين)، أو مرتبطة بحال محذوف جاء للمقرّبين وتقديره (كائنين في جنّات النعيم)، أو يكون خبراً بعد خبر.

14 ـ تفسير الصافي نهاية الآية مورد البحث.

15 ـ تفسير الصافي نهاية الآية مورد البحث.

16 ـ مفردات الراغب مادّة (سر).

17 ـ أكواب جمع كوب بمعنى القدح أوالإناء الذي لا عروة له، وأباريق جمع إبريق وهي في الأصل أُخذت من الفارسية (أبريز) بمعنى الأواني ذات اليد من جهة، ومن الاُخرى ذات أنبوب لصبّ السائل، وكلمة كأس تقال للإناء المملوء بالسائل لدرجة يفيض من جوانبه، ومعين من مادّة (معن) على وزن (صحن) بمعنى الجاري.

18 ـ (يصدّعون) من مادّة (صداع) على وزن (حباب)، بمعنى وجع الرأس، وهذا المصطلح في الأصل من (صدع) بمعنى (الإنفلاق) لأنّ الإنسان عندما يصاب بوجع رأس شديد فكأنّ رأسه يريد أن ينفلق من شدّة الألم، لذا فإنّ هذه الكلمة قد إستعملت في هذا المعنى. (وينزفون) من أصل (نزف) على وزن (حذف) بمعنى سحب جميع مياه البشر بصورة تدريجيّة، وتستعمل أيضاً حول (السُكْرُ) وفقدان العقل.

19 ـ (فاكهة ولحم) كلاهما معطوف على أكواب وهذه الأشياء تهدى من قبل (الولدان المخلّدون) إلى المقرّبين.

20 ـ بالرغم من تصوّر البعض أنّ (حور عين) عطف على (الولدان المخلّدون) وعلى هذا الرأي فإنّ الـ (حور عين) يطفن أيضاً حول أصحاب الجنّة، ونظراً لعدم تناسب هذا المعنى خصوصاً في المجالس الجماعية لأهل الجنّة، لذا فالظاهر أنّه مبتدأ لخبر محذوف، والتقدير هكذا (ولهم حور عين).

21 ـ تفسير روح الجنان ، ج11 نهاية الآية مورد البحث.

22 ـ سلاماً مفعول به لـ (قيلا) والذي هو مصدر، والمقصود أنّ كلامهم هنالك هو(السلام) ويحتمل أن تكون (سلاماً) صفة لـ (قيلا) أو مفعول به (أو مفعول مطلق) لفعل محذوف تقديره; (يسلّمون سلاماً) إلاّ أنّ المعنى الأوّل هو الأرجح، وسلاماً (الثانية) للتأكيد.

23 ـ سورة يس 58 ـ الرعد 24 ـ يونس 10.

24 ـ يجب الإنتباه إلى أنّ الإستثناء في الآية (إلاّ قيلا سلاماً سلاماً) هو إستثناء منقطع ويفيد للتأكيد.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي