الأوراق البردية التي في مجموعة كارنرفون (موقع جبَّانة طيبة في العهد البطلمي)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 478 ــ 480
2025-11-07
64
عرفنا مما سبق أن جبَّانة «طيبة» كانت تعد المصدر الأول للأوراق الديموطيقية التي يرجع تاريخها للعهد الأول من حكم ملوك البطالمة، ومن أجل ذلك أصبح لزامًا علينا أن نأتي بوصف مجمل من الوجهة الطوبوغرافية لهذه المنطقة في تلك الفترة، وقد أفاض القول في هذا الموضوع الأستاذ مصطفى الأمير في مؤلفه الحديث «سجل أسرة من طيبة» (1).
ولحسن الحظ نجد أن نفس البرديات تقدم لنا أحسن البيانات عن هذا الموضوع. حقًّا نعرف الكثير عن جغرافية «طيبة» الواقعة على ضفتي النيل منذ الأسرة الحادية عشرة حتى نهاية الدولة الحديثة، كما أشرنا إلى ذلك في الأجزاء السابقة من «مصر القديمة»، غير أن معالم هذه المدينة أصابها البلى والتخريب بصورة مُحسَّة من جرَّاء ما حلَّ بها من خراب على يد الآشوريين فهُدِّمت مبانيها، وانخفض عدد سكانها، يضاف إلى ذلك أنها في العهد الأخير من حكم البطالمة قد أصابها الخراب الشامل في زمن «بطليموس التاسع»؛ ومن ثَم أصبحت في زوايا النسيان شيئًا فشيئًا، وتضاءل ما فيها من سكان، وتقسموا جماعات، وتناثروا في أرجائها الخربة، وفي النهاية أخذوا ينزوون في حرم المعابد على الشاطئ الأيمن للنيل، أو في القرى التي على الشاطئ الأيسر لهذا النهر.
وكانت «طيبة» في تلك الفترة من تاريخ البلاد لا تزال تُعرَف باسم «ني» (أي المدينة) وحسب في هذه الوثائق الديموطيقية السالفة الذكر.
أما جبَّانة «طيبة» فكانت تعرف بجبَّانة «جمي» وتقع في غربي «طيبة»، ومن ثَم نرى أن كلًّا من المدينة والجبَّانة تتميز الواحدة عن الأخرى، فكان يقال في المتون بيتي في «ني» ومقابري في جبَّانة «جمي». هذا وكان يشار لكل من المكانين بالشرق والغرب؛ فالشرق هو المدينة، والغرب هو الجبَّانة، ولا غرابة في ذلك، فإن المصريين كانوا يرمزون للحياة بالشرق، وللموت بالغرب.
وكانت مدينة «طيبة» على حسب ما جاء في الوثائق الديموطيقية البطلمية مقسَّمة حيَّيْن؛ الحي الشمالي لطيبة، والحي الجنوبي لها، وفي الوقت نفسه نجد أن كلًّا من هذين الحيين ينقسم مساحات صغيرة محددة.
ففي الحي الشمالي جاء ذكر مركزين في المتون الديموطيقية؛ وهما الحي الشمالي لطيبة في بيت البقرة، وقد تحدَّثنا عنه في الجزء الرابع عشر، والحي الشمالي لطيبة عند «بوابة عبادة الشعب» (؟) وكذلك نجد في الحي الجنوبي لطيبة موضعين مميزين؛ الأول: يُدعَى الحي الجنوبي لطيبة في غربي ردهة الإله «خنسو» في «وست-نفر-حتب» على النهر، والآخر يُدعَى الحي الجنوبي لطيبة في شمالي مدينة «أبي» وطريق بولهول للإلهة «موت» على النهر.
ومن ذلك يتضح أن الأماكن التي في الشمال وفي الجنوب من طيبة لا بد كانت دون شك تقع على الضفة اليمنى للنهر.
هذا ونجد أن البيوت التي كانت في الحي الشمالي لطيبة قد جاء ذكرها في وثائق البطالمة المبكرة؛ في حين قد لوحظ أنه منذ عهد «بطليموس الخامس» جاء ذكر كلٍّ من الحي الشمالي والحي الجنوبي، ويتضح لنا من الوثائق الديموطيقية التي ترجمناها هنا أن الحيَّيْن كانا يتألفان من مجاميع بيوت متراصَّة يفصل بينها شارع الملك، وكانت هذه البيوت تتجه شمالًا وجنوبًا، كما كان المنتظر؛ لأنها كانت مقامة على شاطئ النهر، وكان بعضها كبيرًا جدًّا؛ فقد كانت تقسم أحيانًا أربعة أنصبة، ومما يلفت النظر في الوثائق الديموطيقية المتأخرة أن مساحة البيت الواحد كانت تبلغ أحيانًا 1400 ذراعًا، وذكر لنا «ديدور» أن بيوت الأفراد من موظفي «طيبة» كان يحتوي كل على أربعة أو خمسة طباق(2).
وقد جاء في الوثائق الديموطيقية ذكر المدارس والسجون في الحي الجنوبي.
وتدل شواهد الأحوال على أن هذه المنازل في كل من حيَّيْ «طيبة» كانت بجوار معبد «آمون» ومرفقاته (3)، يضاف إلى ذلك أنه قد أصبح واضحًا مما ذُكِر في الأوراق الديموطيقية أنها لم تقدم لنا إلا معلومات عن جزء صغير من المدينة؛ وذلك لأنه على حسب ما ذكره «ديودور» كان محيط المدينة 140 ستاديا (ميلًا) وأن محيط مدينة «منف» كان 150 ستاديا، وهذه المساحة شاسعة جدًّا بالنسبة للعصر البطلمي.
....................................................
1- Mustafa El Amir. A Family Archive From Thebes. PP. 49 ff.
2- Diod. I. P. 45.
3- Mustafa El Amir. Ibid., P. 53.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة