مجموعة الوثائق الهيراطيقية الشاذة
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 470 ــ 471
2025-11-05
27
وقد أمكننا من درس الوثائق المصرية وترجمتها أن نضع لها الترتيب التالي بصورة عامة؛ وذلك أن نموَّ الصيغ التي كانت تُكتَب بها هذه الوثائق قد اختلفت من عصر لعصر، وقد وصلت إلى تطور عظيم قبل قضاء «الإسكندر» على الدولة الفارسية، ومن أجل ذلك نجد أن الوثائق التي من عهد «دارا الأول» تختلف اختلافًا بيِّنًا جدًّا عن تلك التي دُوِّنت في العهد المقدوني، والواقع أنها تقدمت أكثر من حيث مادة الصيغ عن التي دُوِّنت في عهد الملك «أحمس الثاني»، ومع ذلك نجد في وثائق أحمس هذا كثيرًا من النقاط التي تتقابل فيها مع وثائق العصر البطلمي، ومن جهة أخرى نلحظ أنه عندما نرجع إلى الوراء حتى عهد الأسرة الخامسة والعشرين، أي العهد الكوشي، فإنا لا نكاد نجد أيَّ أثر لصيغة نهائية ثابتة لهذه الوثائق. هذا إذا استثنينا التاريخ الذي تؤرخ به الوثيقة والصيغة الافتتاحية للطرفين المتعاقدين، وهي التي فيها: «يقول الطرف الأول للطرف الثاني.» هذا إلى وجود أسماء الشهود في نهاية الوثيقة.
وتدل الموازنة على أنه يوجد وجه شبه، بل أكثر بين العقود البطلمية، والتي من عهد «أحمس الثاني» كوجه الشبه الذي يوجد بين عقود «أحمس الثاني» والتي من عهد الملك «تهرقا»، وهذه الحقيقة قد أصبحت واضحة لنا وضوحًا بيِّنًا عندما رأينا أن معظم عقود الملك «بسمتيك الأول» وحتى بعض عقود «أحمس الثاني» قد اتبعت التقاليد التي سارت عليها عقود «تهرقا» وذلك بأنها كانت مميَّزة تمامًا من حيث الكتابة والصيغ عن سائر عقود «أحمس الثاني».
وعلى ذلك يمكن أن نفصل مجموعة الوثائق التي تنتمي إلى عهد «تهرقا» عن التي سمَّاها «جرفث» الهيراطيقي الشاذ، والواقع أنها من حيث الخط مميزة بدرجة عظيمة، غير أنها خارجة عن خط سير تطور الكتابة الديموطيقية، وذلك لأنه توجد كتابة مشابهة لها من عهد الأسرة الواحدة والعشرين والثانية والعشرين في أوراق بردية وُجِدت في طيبة، وهي محفوظة الآن في برلين. أما من حيث اللغة فإنها أقدم من أول سلسلة برديات ديموطيقية عادية ظهرت، ولكنها قريبة من أوراق الأسرة الواحدة والعشرين الطيبية.
هذا وتحتوي كل هذه الوثائق تقريبًا على عقد يمين بالإله «آمون» والفرعون، وهذا أمر غير معروف في كل الوثائق إلا في أقدم سلسلة عقود من طراز العقود الديموطيقية العادية. يضاف إلى ذلك أن الشهود في سلسلة العقود الديموطيقية العادية يوقعون مجرد أسمائهم، إلا عندما يعيدون كل صورة العقد بحذافيره، وفي سلسلة عقود الهيراطيقية الشاذة يستعمل الشهود صيغة تشهد بصحة كل ما هو مكتوب أعلاه أو ما يشبه ذلك، ثم يؤرخون الوثيقة.
وفي غالب الأحيان يقتبسون بعض أجزاء هامة من العقد نفسه، ويُلحَظ أن الوثائق المكتوبة بالخط الهيراطيقي الشاذ تبتدئ بتاريخ السنة التي يحكم فيها الملك دون ذكر اسم الملك كأنه أمر معروف ولا ضرورة لذكره. أما العقود الديموطيقية العادية فإنها تؤرخ كل وثيقة ولو كانت غير هامة باسم الملك حتى بداية عهد البطالمة. ومن المحتمل أن أهم خاصية تمتاز بها الوثائق الديموطيقية الشاذة هي أن الثمن بالنقد الفضي يُذكَر دائمًا بصورة واضحة على لسان المشتري أو المستلف في هذه الأوراق، في حين أنه في الوثائق العادية نجد على الرغم من أن الثمن يُشار إليه بأنه دُفِع فضة فإن مقداره لسوء حظ الأثريين المصريين يحذف دون استثناء تقريبًا، وقد يرجع السبب في ذلك إلى الخوف من الإجحاف ببيوع مستقبلة؛ وذلك بذكر بيان ليس بالشيء الجوهري للعقد.
والواقع أن كل المتون المدونة بالهيراطيقية الشاذة يمكن البرهنة على أنها جاءت من منطقة «طيبة» وذلك ببراهين من صلب الوثائق، وفي حالات قليلة يعزز ذلك المكان الذي وجدت فيه الوثيقة. يضاف إلى ذلك أنه ليس لدينا أي برهان على أن أية وثيقة منها جاءت من مكان آخر، وكل ما لدينا من أدلة يبرهن في الواقع على أن «طيبة» تكاد تكون هي المصدر الوحيد للعقود التي في متناولنا حتى أوائل العهد البطلمي. هذا وليس لدينا وثيقة واحدة من وثائق طيبة المنشورة ومؤرخة قبل «أحمس الثاني» قد دُوِّنت بالخط الديموطيقي العادي.
ومن جهة أخرى نجد أن كل المتون التي عُثِر عليها في «الحيبة» بمصر الوسطى، وترجع إلى السنة الواحدة والعشرين من عهد «بسمتيك الأول»؛ قد كتبت بالخط الديموطيقي العادي، وذلك على الرغم من أن أقدم كتابة من هذا النوع كانت بالخط الهيراطيقي، وعلى ذلك فإنه من الواضح أن الخط الهيراطيقي الشاذ سواء أكانت وثائقه من طيبة في الأصل أم لا، فإنه متناسل من هيراطيقي الأسرة الثانية والعشرين، وأنه ظل باقيًا في منطقة طيبة المحافظة، في حين أن الأسلوب العادي كان يشق طريقه نحو الجنوب من الوجه البحري كما هو المحتمل؛ وأنه قد حل محله في منطقة «طيبة» الخط الديموطيقي العادي في عهد حكم «أحمس الثاني» الطويل الأمد، وقد ذكرنا كل هذه الوثائق التي دُوِّنت بالخط الهيراطيقي الشاذ، والتي بالخط الديموطيقي العادي في الجزأين الثاني عشر والثالث عشر من مصر القديمة.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة