أمير المؤمنين عليه السّلام هو الناصر والمعين للنبيّ في جميع مراحل الرسالة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص105-109
2025-10-09
309
انّ أمير المؤمنين كان شريكاً ومساهماً في تحمّل أعباء النبوّة والقيام بوظيفة التبليغ الخطيرة وإبلاغ الأحكام والجهاد، وإيصال البشرية إلى المقصود الذي هو واجب الرسالة، لأنّ مضمون الرواية ليس (كلّ من آمن بي هو وصيّي وخليفتي) بل مضمونها (كلّ من يعاونني ويعاضدني يكون خليفتي)، لأن جمل الرسول التي رُويت عنه كانت: "أيُّكُمْ يُوازِرُني على هَذا الأمرِ؟ وأيُّكُمْ يُبَايِعُني عَلى أنْ يَكُونَ أخِي وصَاحِبي ووَارِثِي؟" من منكم يُبايعني، أي من منكم يوطّن نفسه على الموت، ومن يشري نفسه فيضع اختياره جانباً فيؤاخيني ويلازمني ويصاحبي ويكون وارثي في كلّ مراحل النبوّة وفي مواجهة آلاف المشاكل وتحمّل مشاقّ رسالتي الخطيرة، بحيث يتحمّل بعدي لوحده هذه المسئولية، ويقف وحيداً في مواجهة دنيا الكفر ليبلّغ رسالتي، فيقوم بذلك على خير وجه.
"و أيُّكُم يُؤاخيني ويُوازِرُني ويَكُونَ وَليي ووَصِيِّي بَعْدِي وخَليفَتِي في أهْلي يَقْضِي دَيْني؟ وَأيُّكُمْ يَنْتَدِبُ أن يَكُونَ أخِي ووَزِيرِي ووَصِيِّي وخَليفَتِي في امَّتِي ووَلي كُلِّ مُؤمِنٍ بَعْدِي؟" ويُستفاد من كلّ هذه الأحاديث انّ الرسول صلى الله عليه وآله كان يبحث عن الصاحب والمعين والناصر الذي يُعاضده. وهذه الجملات صريحة في التساؤل: مَن منكم يأتي في وضعي هذا وحالتي هذه، فلا يدعني وحدي، ويقوم بنُصرة دين الله، ويُعينني في حياتي وبعد مماتي في تحمّل هذه المسئولية، ويصاحبني في حياتي، ويقوم بوظائف الرسالة خير قيام بعد مماتي، ويؤدّي عني دَيني وعهدي تجاه ربّي؟ وبناءً على هذا فانّ أمير المؤمنين بقبوله لمثل هذا الأمر كان سهيماً مع الوجود المقدّس لرسول الله في جميع مراحل أداء الرسالة وإيصال الناس إلى منزل السعادة، وفي الالتزام بالقيام بأعباء الخلافة ومشكلاتها.
صَلى اللهُ عليكَ يَا أبَا الْحَسَن، ويجب ان لا يُتصوّر انّ المقام الذي منحه رسول الله لذلك الوجود العزيز بعنوان الأخ والوزير والخليفة والوارث كان أمراً تشريفيّاً، او نتيجةً واستفادةً حصل عليها مقابل موافقته، وكأنه كان يريد أن يجزيه بإعطائه مثل هذه المناصب، بل انّه قد طلبه بهذه الجملات وندبه لتحمّل المشاق في جميع الأمور.
مَن يتحمّل هذا الجبل العظيم الذي ينوء به الظهر؟ من يقف معي كتفاً إلى كتف في مواجهة المشركين ودنيا الكفر والشرك، فلا يدعني أتحمّل لوحدي كلّ تلك الضغوط؟ مَن ينهض معي ويقف إلى جانبي بروحه وقلبه بكلّ معنى الكلمة في جميع الحروب والغزوات لإعلاء كلمة الحق؟ من يهيئ نفسه للوقوف بشجاعة امام المخالفات الشديدة لقريش ولكلّ طوائف الكفر؟ من يستعدّ للهجرة والتشرّد في الجبال والقفار؟ من يرضى بالنوم في فراشي ليلة المبيت، فيرى جسده تحت سيوف شجعان العرب مقطّعاً إرباً إرباً مَن ومن لا يهاب مواجهة منافقي أمّتي حتى بعد موتي، ولا يسمح لذرّةٍ من الهوى بالدخول إلى قلبه، ويتحمّل آلاف المشاكل وجبال الحزن والغمّ، ولا يتخطّى الرسول قيد أنملة، لا تحرّكهُ صرخات ابنتي الزهراء ولا أنينها، ولا تثير فيه الإحساسات القبليّة أو القوميّة، فيبقى عاملًا بوظيفته في وقار ومهابة أشبه بالبحر الخضم العظيم، فيُعلّم ويُربّي، ليس فقط ذلك العصر بمفرده، بل جميع عالم البشريّة والإنسانية إلى يوم القيامة، بالعلم والحلم والعظمة والوفاء والصفاء والصدق والزهد وعدم الاعتناء بغير الله سُبحانه.
فاعلموا يا أهل الدنيا انّ أمير المؤمنين، ذلك الطفل الصغير في ذلك اليوم، قد ردّ بالإيجاب على الرسول الأكرم مقابل تلكم المشكلات، وأبعد بجوابه هذه الأمواج العاصفة للخطرات بصدرٍ منشرح وقلب قويّ، وأعدّ نفسه للفداء في أحرج اللحظات وأصعبها، وكان يرى متجلياً أمامه كالمرآة المصاعب والمصائب خلال ثلاث وعشرين سنة تمثّل فترة رسالة النبيّ، والمصائب والمحن على مدى ثلاثين سنة بعد رحلة الرسول. لكنّه نهض وصاح: "أنَا يَا رَسُولَ الله"! أنا يا رسول الله الذي يُعينك ويصاحبك ويلازمك وينصرك؛ لا أغفل عنك لحظة واحدة، أنثر تحت قدمك المباركة روحي ومالي وشخصيّتي وحيثيّتي وعزّي ودنياي.
مستعدٌّ أنا لأراهم يُلقون الحبل في عنقي فيقودونني إلى المسجد للبيعة[1]، فلا أدعُ لساني يتخطّى جادّة العفّة والصواب، ولا الإحساسات أن تحركني وتُثيرني.
مستعدّ أنا لرؤية المشركين وهم يجمعون الحطب جوار بيت ابنتك فيحرقونه[2]، ولسماع صوت (ويلاه وا محمّداه!) من قرّة عينك؛ لكنّني لن أفدي ألأهم للمهّم ولن اتخطّى واجبي ووظيفتي حفظاً على الشريعة وبقاء القرآن وإعلاء الإسلام.
أنا الذي اختارَ السكوت ولم يجب في أدقّ أوقات الامتحان، وفي اللحظات التي جاء فيها كبيرا قريش أبو سفيان والعباس يقولون: ابسط يدك يا علي لنبايعك فلا يستطيع أحد مخالفتك[3] فوالله إن شئت لأملأنّها على أبي فضيل- يعني أبا بكر- خيلًا ورجلًا[4].
أنا الذي لجأتُ إلى قبرك منتحباً محزوناً من الظلم الذي لحق بابنتك، فقلتُ: {يَا ابنُ امَّ إنَّ القَوْمَ استَضعَفُونِي وكَادُوا يَقْتُلُونَني}[5].
لذا فانّ عدم قيام أحد من المدعوّين في مجلس العشيرة لقبول هذا المعنى، مع علمهم بصدق الرسول الأكرم، لم يكن بغير سبب، فلقد ترعرع رسول الله بينهم منذ طفولته، ولم يكن غريباً أو مجهولًا في قومه، لكنّهم كانوا يشعرون انّ القبول بهذا المعنى يعني تحمّل آلاف المشاكل والغُصص والمصاعب، لذا قاموا وتركوا مجلس رسول الله ساخرين مقهقهين.
[1] (شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد)، ج 2، ص 19؛ وج 1، ص 134؛ و(الإمامة والسياسة)، ج 1، ص 12.
[2] نفس المصدر السابق؛ والمختصر في أخبار البشر و(تاريخ أبو الفداء)، ج 1، ص 156؛ و(العقد الفريد) ابن عبد ربّه، ج 3، ص 63.
[3] (شرح نهج البلاغة) ابن أبي الحديد، ج 1، ص 131، نقلًا عن كتاب (السقيفة).
[4] وهذا هو كلام أبي سفيان. (شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد)، ج 1، ص 130.
[5] (الإمامة والسياسة)، ج 1، ص 13.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة