الإمام بمنزلة القلب في جسم الإنسان
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص10-14
2025-09-28
281
هناك في جسم الإنسان أجهزة متنوّعة ومختلفة يؤدّي كلُّ منها وظيفةً خاصّة، فالعين وظيفتها النظر، والأذن وظيفتها السّمع، والأنف للتنفّس والشمّ، واللسان للتذوّق والكلام، واليد للأخذ والعطاء، والرجل للمشي؛ وكلّ هذه الأعضاء تسعى دائبةً لتنفيذ وظيفتها، الّا انّها- من وجهة نظر الحياة الماديّة- تستمدّ قوّتها من القلب.
ثم انّ القلب يضخّ الدم إلى جميع أعضاء الجسم وجوارحه، فيمدّها في كلّ لحظة بحياةٍ جديدة، ويبقيها- بهذا العمل- في نشاط مستمرّ وحياة دائمة. ولو حدث أن توقّف القلب للحظة واحدة وتخلي عن مسؤوليته، لُأصيبت تلك الأعضاء والجوارح الحيّة والنشيطة بالموت والفناء ولتعطّل دورها، فتفقد العين رؤيتها، والأذنُ سمعَها، واليدُ حركتها، كما تُشلّ الرّجلُ وتفقد الإحساس.
وبناءً على هذا فانّ فائدة القلب هي الإشراف والزعامة وإيصال الحياة إلى كافّة أعضاء الجسم التي تخضع لإشرافه، ولا يمكن لأحد ان يُنكر حاجتنا للقلب بحجّة انّ القلب لا يعمل شيئاً لأنّه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ولا يكتب ولا... ولا.
وبحجّة انّ لنا عيناً نرى بها، وأذناً نسمع بها، ولساناً نتكلم به، ويداً نكتب بها. فهذا الكلام خاطئ ولا محلّ له، لأن العين والأذن واللسان ميّتة بدون القلب لا دور لها ولا عمل، وانّما وجد ذلك الإبصار في العين، والسمع في الأذن بسبب قوّة القلب.
انّ العين تتعرّض في كلّ لحظة لألاف الآفات وحالات الفساد الخارجيّة، والأمر كذلك بالنسبة للأذن ولسائر الأعضاء الأخرى، لكنّ القلب لا يَفتُر لحظة عن المراقبة والدفاع وإيصال الدم كطعام ودواء من أجل دفع الاعتداءات الخارجيّة وموجبات الفساد الأخرى والميكروبات المهلكة. لذا فانّ العين والأذن تعيشان تحت ولاية وسلطان القلب الذي يمثّل الجهاز المنظّم لعمل تلك القوى، والذي يمدّ سائر أعضاء الجسم بالحياة.
امّا من الناحية المعنوية، فانّ المخّ هو الذي ينظّم عمل هذه القوى والأعضاء، فالعين ترى فقط، أي انّه اثر انعكاس النور فانّ صورةً للشيء المرئي ستنعكس في شبكيّتها، امّا ماهيّة هذا الصورة وما الذي سنفعله بها؟ فانّ ذلك ليس من وظيفة العين، بل من وظيفة المخّ الذي يأخذ هذه الصورة ويدقّق فيها ويهيّئوها لاستفادة الانسان.
لذا فانّ الذين يتعاطون الخمور فيثملون، او الذين يُصيبهم الإغماء او الجنون، لم يحصل في أعينهم نقصٌ ما، بل انّ عيونهم سليمة تعمل بوظيفتها جيداً في عكس الأشعة وإظهار الصورة المرئيّة، لكنّ جهاز المخّ والفكر صارا لا يعملان بوظيفتهما المعتادة، لأنّ مجموعة الأعصاب التي تنقل الصورة إلى المخّ قد تعطّلت عن عملها بوظيفتها، فصارت سلسلة الأعصاب توصل هذه الصورة إلى المخّ فلا يستطيع تمييزها والإفادة منها في محلها.
لذا نشاهد انّ الشخص الثمل لا يميّز بين أخته وأمّه وزوجته، فيحاول الاعتداء عليهنّ، أو أنّه يتحرك في معبرٍ عامّ عارياً، فلا يمكنه ان يشخصّ انّ صورة المعبر التي كانت محفوظةً في قواه الذهنية سابقاً مُطابقة لصورة هذا المعبر أم لا كي يحكم بعدم جواز الحركة في هذا المعبر عارياً.
وهذا الثمل السكران يهذي ويصيح بصوت عال، ويعمل اعمالًا مُستهجنة أمام الأخرين، ولا يأبى أكل الخبائث، ولا يُبالى بارتكاب الجنايات، بالرغم من أنّ قواه السمعيّة والذوقيّة والشميّة تعمل بوظيفتها. وذلك لأنّ جهاز المخّ المنظّم والمراقب لا يعمل بوظيفته في هذه الحالة لأنه قد تعطّل. لذا فانّه لن يعجز فقط عن الرؤية وتمييز الأشياء، أو أن يسمع بأذنه ويعمل بيده، بل انّه سيصرف هذه القوى في إهلاك نفسه وإفسادها، وسيقطع بيده أغصان حياته ويستأصل جذورها.
وبناءً على هذا فانّ وجود جهاز المخّ في الجسم أمر حيويّ من أجل استخدام هذه الأعضاء والجوارح وإعمال كلّ منها في مواقع الحاجة، ولتطبيق الصور الحاصلة مع الصور المحفوظة سابقاً في الذاكرة والأحكام الصحيحة المترتّبة عليها، ولذلك نرى أنّ المجنون الذي فقد قواه العقلية لا يترتّب على رؤيته وقوله وفعله أي نتيجة صحيحة.
ولو تركنا الإنسان جانباً فإننا سنجد في الحيوان كذلك قلباً ومخّاً لا يستطيع أي حيوان بدونهما الاستمرار في الحياة وفي أداء وظائفه ولو كان ذا خليةٍ واحدة.
والأمر كذلك في الجمادات أيضاً، فإنّ الشيء الذي يرسم لها وحدتها ويجعلها تحت خاصيّة وكيفيّة واحدة هو الروح والنفس الواحدة التي كانت جارية فيها قبلًا. ولذا فإنّها تمتلك خاصيّة واحدة ويُشاهد عنها آثار واحدة. وقد جرت الاستفادة من هذا الأمر في التقنية وصناعة السيارات، فاستطاعوا- بإيجاد آلات منظّمة ومعدّلة- تنظيم حركة العجلات والمحرّكات.
اننا حين نريد ملء الساعة ونصبها، فانّ ضغط النابض سيكون قويّاً في البدء، وسيحاول تحريك العجلات المسنّنة بسرعة، امّا حين يرتخي النابض ويقلّ ضغطه، فانّه سيحاول تحريك تلك العجلات ببطء. ولهذا السبب فقد وضعوا في الساعة جهازاً باسم (البندول أو الرقّاص) ليقوم بتنظيم الحركة، بحيث تتحرك الساعة في كلّ الأحوال على منوال واحد، سواءً كان ضغط النابض قويّاً أو ضعيفاً، فتنظّم الوقت بشكل صحيح.
كما انّ الماكنات البخارية المستعملة في المعامل الكبيرة اذا خلت من المنظّم فإنّها ستتحطّم بأجمعها، لأنّ قِدر البخار سيولّد عند غليانه كميّات ضخمة من البخار اذا ما اندفعت خلف المكابس فانّ الآلات ستدور آنذاك بسرعة هائلة فتؤدّي إلى تحطّم الماكنة. امّا حين تنخفض الحرارة في قِدر البُخار فانّ من الممكن ان تنخفض السرعة تبعاً لذلك. ولذلك يوضع في هذه الآلات منظّم للضغط (ضابط للضغط) لينظّم وصول كميّات البخار إلى المكابس، ولا يسمح بوصول الفائض من البخار إلى المحرّكات، بل يقوم بخزنه في مخزن الذخيرة ليفيد منه عند انخفاض ضغط البخار، فيرسله آنذاك مع البخار المولّد، وبذلك تتحرك المحرّكات بشكل منظّم وهادئ دائماً في السرعة الخاصة المطلوبة.
ويحتاج المجتمع البشري من أجل تبديل القوى وتنظيم الأمور ورفع الإختلافات بين الناس ومنع التعدّيات على حقوق الفرد والمجتمع، ولهداية جميع الأفراد إلى مقصد الكمال والهدف من الخلقة ونيل المُنى من جميع القوى والكنوز الالهيّة، إلى منظّم صحيح، وإلّا لهلك المجتمع ولما استطاع أن يستفيد من كنوز الحياة.
ضرورة وجود الإمام المعصوم في المجتمع:
انّ الإمام هو المنظّم لعالم الإنسانية والمجتمع، لذا يتحتم أن يكون ذا قوى متينة وأفكار صائبة وآراء قادرة، ليكون مشرفاً على أعمال الأمة وأفعالها، وليسوسها بالتنظيم والعدل.
وتسأل هنا: أيستطيع الإمام- ترى- أن يُصلح المجتمع اذا كان نفسه يُخطيء ويُبتلي بالمعصية والإثم شأنه شأن أفراد المجتمع الأخرين، أو إذا كان مثلهم مُصاباً بالهوس والشهوة؟ أوَ يمكنه آنذاك أن يرفع الإختلاف فيما بينهم، فيُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقّه، ويقف في وجه الإعتداءات، ويمنح العيش لجميع أفراد المجتمع، ويعلّمهم المعارف والحقائق حسب استعدادهم وحاجتهم، ويُبين لهم موارد الخطأ والزلل في سلوكهم إلى الله ووصولهم إلى مقصد الكمال؟! كلّا وحاشا! وعلى هذا فانّ قائد المجتمع وزعيم الناس وإمامهم يجب أن يكون معصوماً عن الإثم وعارياً عن أي خطأ وزلل، كما ينبغي أن يكون ناظراً إلى الأحوال والأفعال والخواطر القلبيّة لكلّ واحد من أفراد الأمّة بفكرٍ عميق متّسع، وصدرٍ منشرح بنور الله، وقلبٍ مُنّور بالتأييدات الغيبيّة.
على انّ بعض العامّة يقول بعصمة الأنبياء، وبعضهم يقول بمرتبة ضعيفة من عصمتهم، بينما ينكر البعض الأخر العصمة فيهم، فلا يعتبرهم مصونين بأيّ وجه عن الأخطاء والمعاصي. الّا انّ الشيعة عموماً يشترطون العصمة للأنبياء بجميع معانيها، كما يقولون بالعصمة للأئمّة صلوات الله وسلامه عليهم أجْمَعِينَ.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة