الأمانة هي الولاية
المؤلف:
الفيض الكاشاني
المصدر:
تفسير الصافي
الجزء والصفحة:
ج4، ص206 - 209
2025-09-27
391
قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]
أقول: ما قيل في تفسير هذه الآية في مقام التعميم إن المراد بالأمانة التكليف وبعرضها عليهن النظر إلى استعدادهن وبآبائهن الأباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والأستعداد وبحمل الأنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب وكل ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع إلى هذا المعنى كما يظهر بالتدبر.
في العيون والمعاني عن الرضا (عليه السلام) في هذه الآية قال الأمانة الولآية من إدعاها بغير حق فقد كفر
أقول : يعني بالولآية الأمرة والأمام يحتمل إرادة القرب من الله.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) هي ولآية أمير المؤمنين (عليه السلام).
وفي البصائر عن الباقر (عليه السلام) هي الولآية أبين أن يحملنها كفرا وحملها الأنسان والأنسان أبو فلان.
وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام) الأمانة الولآية والأنسان أبو الشرور المنافق.
وعنه (عليه السلام) ما ملخصه أن الله عرض أرواح الأئمة على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم وقال في فضلهم ما قال ثم قال فولايتهم أمانة عند خلقي فأيكم يحملها بأثقالها ويدعيها لنفسه فأبت من إدعاء منزلتها وتمني محلها من عظمة ربهم فلما أسكن الله آدم (عليه السلام) وزوجته الجنة وقال لهما ما قال حملهما الشيطان على تمني منزلتهم فنظر إليهم بعين الحسد فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة وساق الحديث إلى أن قال فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من امتهم فيأبون حملها ويشفقون من إدعائها وحملها الأنسان الذي قد عرف بأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة وذلك قول الله عز وجل إنا عرضنا الامانة الآية.
والقمي الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي والدليل على أن الأمانة هي الأمامة قوله عز وجل للأئمة إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها يعني الأمامة فالأمانة هي الأمامة عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها أن يدعوها أو يغصبوها أهلها وأشفقن منها وحملها الانسان يعني الأول إنه كان ظلوما جهولا.
أقول : ويدل على أن تخصيص الأمانة بالولآية والأمامة اللتين مرجعهما واحد والأنسان بالأول في هذه الأخبار لا ينافي صحة ارادة عمومها لكل أمانة وتكليف وشمول الأنسان كل مكلف لما عرفت في مقدمات الكتاب من تعميم المعاني وارادة الحقائق وفي نهج البلاغة في جملة وصاياه للمسلمين ثم أداء الأمانة فقد خاب من
ليس أهلها إنها عرضت على السماوات المبنية والأرض المدحوة والجبال ذات الطول المنصوبة فلا أطول ولا أعرض ولا أعلا ولا أعظم منها ولو امتنع شيء بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن وهو الأنسان إنه كان ظلوما جهولا.
وفي الكافي ما يقرب منه وفي العوالي أن عليا (عليه السلام) إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون فيقال له مالك يا أمير المؤمنين فيقول جاء وقت الصلاة وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها.
وفي التهذيب عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده قال لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه إن الله عز وجل يقول إنا عرضنا الامانة الآية قال وإن كان عنده خير مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده.
أقول : لا منافاة بين هذه الأخبار حيث خصصت الأمانة تارة بالولآية والاخرى بما يعم كل أمانة وتكليف لما عرفت في مقدمات الكتاب من جواز تعميم اللفظ بحيث يشمل المعاني المحتملة كلها بإرادة الحقايق تارة والتخصيص بواحد واحد اخرى ثم أقول ما يقال في تأويل هذه الآية في مقام التعميم أن المراد بالأمانة التكليف بالعبودية لله على وجهها والتقرب بها إلى الله سبحانه كما ينبغي لكل عبد بحسب استعداده لها وأعظمها الخلافة الألهية لأهلها ثم تسليم من لم يكن من أهلها لأهلها وعدم إدعاء منزلتها لنفسه ثم سائر التكاليف والمراد بعرضها على السماوات والأرض والجبال النظر إلى استعدادهن لذلك وبابائهن الأباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم اللياقة لها وبحمل الأنسان إياها تحمله لها من غير استحقاق تكبرا على أهلها ومع تقصيره بحسب وسعه في أدائها وبكونه ظلوما جهولا ما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب فهذه حقائق معانيها الكلية وكل ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع إلى هذه الحقايق كما يظهر عند التدبر
والتوفيق من الله.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة